تسابق حكومة تصريف الأعمال في سوريا، التي ستستمر حتى مارس المقبل، الزمن، لـ"ضبط الأمن" و"الحفاظ على استقرار المؤسسات"، و"ضمان عدم تفكك الدولة"، في الوقت الذي يتحرك فيه المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، للاعتراف بها ودعم مصالحها، في أعقاب انهيار نظام بشار الأسد، لكن بشروط.
وقال رئيس الوزراء الجديد في سوريا، محمد البشير، الأربعاء، إنه يسعى لإعادة ملايين اللاجئين السوريين وحماية جميع المواطنين وتقديم الخدمات الأساسية، لكنه أقر بصعوبة تحقيق ذلك مع افتقار البلاد للعملة الأجنبية.
وأضاف لصحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، أن خزائن الدولة لا تحوي إلا نقوداً بالعملة السورية، وهي لا تساوي شيئاً يذكر بالدولار، مشيراً إلى أن سعر صرفه يعادل نحو 35 ألف ليرة سورية.
وأضاف البشير أن سوريا ليس لديها حالاً سيولة بالعملات الأجنبية، مشيراً إلى أن الحكومة مازالت تجمع بيانات عن القروض والسندات، وقال إن وضع البلاد المالي بالغ السوء.
وقاد البشير من قبل "حكومة إنقاذ" في إدلب، قبل أن تصل قوات من المعارضة المسلحة إلى دمشق في هجوم خاطف لم يستغرق سوى 12 يوماً انتهى بالإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
عودة الحياة تدريجياً
ونقل تلفزيون سوريا المعارض ومقره إسطنبول، الأربعاء، عن حكومة تصريف الأعمال قولها إن الحياة بدأت تعود تدريجياً إلى معظم المحافظات والمدن السورية مع استئناف الخدمات الأساسية.
وقال البشير، الثلاثاء إن الوقت قد حان لعودة "الاستقرار والهدوء" إلى البلاد، مشيراً في بيان عقب اجتماع حكومته مع حكومة النظام السابق والتي كان يرأسها محمد الجلالي، إلى السعي لـ"تقديم الخدمات الأساسية للشعب، وذلك إلى حين تشكيل حكومة جديدة لسوريا تحقق تطلعات المجتمع السوري".
وأفادت مصادر بالإدارة السياسية السورية، بأنه سيتم حل الأجهزة الأمنية، وإلغاء قوانين الإرهاب، مشيرة إلى أن الحكومة الانتقالية ستنظر في حال الجيش السوري، و"ستبحث إعادة ترتيب أوضاعه".
ولفت البشير إلى أنه تم تشكيل حكومة تصريف الأعمال من عدد من وزراء حكومة "هيئة تحرير الشام" التي كانت تدير منطقة إدلب وما حولها تحت اسم "حكومة الإنقاذ".
ووصف البشير التحديات التي ستواجهها الحكومة الجديدة بـ"الكبيرة"، مضيفاً: "تجربتنا السابقة في إدارة محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها أكسبتنا خبرة واسعة، ساهمت في صقل الموارد والكوادر البشرية التي نمتلكها، مما يجعلنا قادرين على تحمل هذه المسؤولية العظيمة التي أوكلت إلينا".
مهمة ضخمة
ويشكل إعادة إعمار سوريا مهمة ضخمة بعد حرب أهلية استمرت 13 عاماً، وأودت بحياة مئات الآلاف وتعرضت خلالها مدن للقصف حتى أصبحت كومة من الركام، وهجر السكان مساحات شاسعة من المناطق الريفية، وتضرر الاقتصاد بسبب العقوبات الدولية.
ومع تعليق الدول الأوروبية للنظر في طلبات اللجوء المقدمة من سوريين، بدأ بعض اللاجئين من تركيا وأماكن أخرى في العودة إلى ديارهم.
وبكى علاء جبير، وهو يستعد للعبور من تركيا إلى سوريا مع ابنته البالغة من العمر 10 سنوات، الثلاثاء، إذ أجبرته الحرب على الفرار من منزله. ويعود دون زوجته وثلاثة من أبنائه الذين لقوا حتفهم في الزلازل المدمرة التي ضربت المنطقة العام الماضي.
وقال: "إن شاء الله ستكون الأمور أفضل مما كانت عليه في عهد حكومة الأسد، لقد رأينا بالفعل أن قمعه انتهى". وأضاف: "السبب الأهم لعودتي هو أن والدتي تعيش في اللاذقية، وهي قادرة على رعاية ابنتي، لأستطيع العمل".
وفي دمشق، أعادت البنوك فتح أبوابها، الثلاثاء، للمرة الأولى منذ الإطاحة بالأسد. وأعادت المتاجر فتح أبوابها وعادت حركة المرور إلى الطرق وبدأ عمال النظافة تنظيف الشوارع، مع وجود أعداد قليلة من المسلحين.
دستور جديد
ونقلت صحيفة "حرييت" التركية، عن مصادر بالإدارة السياسية في فصائل المعارضة السورية، أنه سيتم إعداد الدستور الجديد لسوريا خلال ستة أشهر، على أن تنتهي العملية الانتقالية خلال 18 شهراً. وقالت الصحيفة: "سيتم إعداد الدستور خلال الأشهر الستة الأولى، ثم سيتم طرح هذا الدستور للاستفتاء عليه خلال هذه الفترة، وسيتم إجراء إحصاء سكاني وتحديث قوائم الناخبين".
ونقل تلفزيون "سوريا" المعارض، عن إدارة الشؤون السياسية التابعة لفصائل المعارضة السورية المسلحة، الثلاثاء، عزمها تشكيل لجنة دستورية للنظر في الدستور السابق وتعديله.
ووفق تلفزيون "سوريا"، فإن إدارة الشؤون السياسية، أشارت إلى أنها "لن تستغني عن الخبرات التي كانت موجودة في السابق"، وأنها أضافت: "لا نقبل بسوريا مقسمة وعلى الجميع أن يهيء نفسه للتغيير الذي حدث".
من جانبه، أعلن رئيس وزراء سوريا السابق، محمد الجلالي، الأربعاء، أن إدارة شؤون البلاد وصناعة القرارات الاستراتيجية أصبحت في يد الحكومة المؤقتة الجديدة.
وقال، في تصريحات تلفزيونية: "سلمنا معظم الوزارات، وهناك تعاون لإدارة مرافق الدولة بشكل سلس واستمرار تقديم الخدمات".
وأكد الجلالي، أنه لا قلق على رواتب الموظفين خلال الأشهر القليلة المقبلة، على الأقل، موضحاً أن "هناك موازنة عامة أقرت لعام 2025 والرواتب مؤمنة من خلال السياسة الضريبية السابقة".
وأكد أن هدف التكليف هو "استلام الملفات والمؤسسات الحكومية، وضمان عودة العاملين إليها وتفعيل دورها، بما يسهم في تقديم الخدمات لأهلنا في سوريا الحرة".
حذر أميركي
ويتواصل مسؤولون أميركيون مع قوات من المعارضة المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام"، وحثوها على عدم تولي قيادة البلاد مباشرة، والعمل بدلاً من ذلك على إدارة عملية شاملة لتشكيل حكومة انتقالية.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان، إن الحكومة الجديدة يجب أن "تتقيد بالتزامات واضحة باحترام حقوق الأقليات بشكل كامل، وتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى كل المحتاجين، ومنع استخدام سوريا كقاعدة للإرهاب أو تشكيل تهديد لجيرانها".
وحث بلينكن جميع الدول على دعم عملية سياسية "شاملة" في سوريا، قائلاً إن الولايات المتحدة ستعترف في النهاية بحكومة تتخلى عن "الإرهاب"، وتدمر مخزون الأسلحة الكيميائية، وتحمي حقوق الأقليات والنساء.
وذكر بلينكن، أن الولايات المتحدة ستتعاون مع مجموعات داخل سوريا وشركاء إقليميين لضمان انتقال سلس للحكم بعد الإطاحة بحكومة الرئيس بشار الأسد.
ولم يحدد بلينكن المجموعات التي ستعمل الولايات المتحدة معها، لكن الخارجية الأميركية، لم تستبعد إجراء محادثات مع الجماعة الرئيسية للمعارضة السورية "هيئة تحرير الشام"، وذلك رغم تصنيفها كمنظمة إرهابية.
مصير القوات الأميركية
بدوره قال جون فاينر نائب مستشار الأمن القومي الأميركي لـ"رويترز"، إن الولايات المتحدة لا تزال تعمل على تحديد سبل التعامل مع جماعات المعارضة، مضيفاً أنه لم يحدث تغير رسمي في السياسة حتى الآن، وأن ما يهم هو تصرفات هذه الجماعات.
وأضاف أن القوات الأميركية في شمال شرق سوريا، ويقدر قوامها بنحو 900 جندي، التي تعمل في إطار مهمة لمكافحة الإرهاب ستبقى هناك.
ورفض المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، الإشارة إلى ما إذا كانت واشنطن ستلغي تصنيف "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية أجنبية، وهو التصنيف الذي يمنع الولايات المتحدة من مساعدتها.
وقال: "لقد رأينا على مر السنين عدداً كبيراً من الجماعات المتشددة التي استولت على السلطة، وتعهدت باحترام الأقليات، وتعهدت باحترام الحرية الدينية، وتعهدت بالحكم بطريقة شاملة، ثم رأيناها تنقض هذه الوعود".
وأضاف ميلر أن الولايات المتحدة طلبت من "هيئة تحرير الشام"، المساعدة في تحديد مكان الصحافي الأمريكي، أوستن تايس، الذي خُطف في سوريا في 2012. وقال إن هذه القضية "أولوية" بالنسبة لواشنطن.
يأتي هذا في خضم تصريحات لمبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، جير بيدرسن، الثلاثاء، الذي قال إن "هيئة تحرير الشام" التي قادت الهجوم الذي أدى إلى سقوط بشار الأسد "أرسلت حتى الآن رسائل إيجابية" إلى الشعب السوري.
وقال بيدرسن، في مؤتمر صحافي: "الحقيقة أنه حتى الآن، أرسلت (هيئة تحرير الشام) والفصائل المسلحة الأخرى رسائل إيجابية إلى الشعب السوري. لقد وجّهت رسائل تدعو إلى الوحدة".