"فاينانشيال تايمز": الأسد نقل 250 مليون دولار من المصرف المركزي إلى موسكو

طائرات مُحمَلة بنحو طنين من الدولارات واليورو هبطت في مطار روسي خلال عامي 2018 و2019

time reading iconدقائق القراءة - 12
علم سوري يرفرف فوق مصرف سوريا المركزي بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة السورية على العاصمة دمشق. 9 ديسمبر 2024 - REUTERS
علم سوري يرفرف فوق مصرف سوريا المركزي بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة السورية على العاصمة دمشق. 9 ديسمبر 2024 - REUTERS
دبي -الشرق

قالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إن مصرف سوريا المركزي نقل مبالغ نقدية تقدر بنحو 250 مليون دولار عبر رحلات جوية إلى روسيا خلال عامين، عندما كان الرئيس السابق بشار الأسد الذي فر إلى موسكو قبل أسبوع، مديناً للكرملين، مقابل الدعم العسكري، فيما كان أقاربه يشترون أصولاً "بشكل سري" في موسكو.

وسيطرت فصائل المعارضة السورية المسلحة على العاصمة دمشق، الأسبوع الماضي، إثر تقدم خاطف دفع الأسد للفرار إلى روسيا بعد حرب استمرت 13 عاماً، وإنهاء أكثر من 5 عقود من حكم عائلته.

وقالت الصحيفة، في تقرير، الأحد، إنها اطلعت على سجلات تُظهر أن نظام الأسد، الذي كان يعاني من نقص حاد في العملة الأجنبية، نقل عملات نقدية تزن ما يقرب من طنين من فئة 100 دولار و500 يورو إلى مطار فنوكوفو في موسكو، ليتم إيداعها في بنوك روسية خاضعة للعقوبات الغربية خلال عامي 2018 و2019.

وأضافت الصحيفة أن هذه التحويلات "غير العادية" من دمشق تبرز كيف أصبحت روسيا، الحليف الرئيسي للأسد الذي قدَّم له الدعم العسكري لإطالة أمد حكمه، واحدة من أهم الوجهات لأموال سوريا بعد أن دفعتها العقوبات الغربية إلى الخروج من النظام المالي الدولي.

وأشارت الصحيفة إلى أن شحنات الأموال السورية المُرسَلة إلى موسكو تزامنت مع اعتماد دمشق على الدعم العسكري للكرملين، بما في ذلك من قبل مرتزقة مجموعة "فاجنر"، ودخول عائلة الأسد الممتدة في موجة شراء لعقارات فاخرة في موسكو.

"ملاذ آمن" للأموال

ونقلت الصحيفة البريطانية عن ديفيد شينكر، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى في الفترة بين عامي 2019 و2021، قوله إن "هذه التحويلات لم تكن مفاجئة، وذلك بالنظر إلى أن نظام الأسد كان يرسل الأموال بانتظام إلى الخارج لتأمين مكاسبه غير المشروعة". 

وأضاف شينكر: "كان يتعين على النظام نقل أمواله إلى ملاذ آمن في الخارج حتى يتمكن من استخدامها لتوفير حياة فاخرة للنظام والدوائر المقربة منه".

بدوره، قال إياد حامد، وهو باحث في برنامج التنمية القانونية السوري، إن "روسيا كانت ملاذاً لأموال نظام الأسد على مدى سنوات"، مشيراً إلى أن "موسكو أصبحت مركزاً للتهرب من العقوبات الغربية التي فرضت على دمشق".

ووفقاً لـ"فاينانشيال تايمز"، فإن هروب الأسد إلى موسكو مع اقتراب فصائل المعارضة المسلحة من دمشق، أثار غضب بعض الموالين السابقين للنظام، الذين اعتبروا أن الأمر كان "دليلاً على أن مصلحة الرئيس السابق الشخصية كانت فوق أي اعتبار".

وذكرت الصحيفة أن علاقات سوريا بموسكو تعمقت بشكل كبير مع دعم المستشارين العسكريين الروس لجهود الأسد الحربية، وانخراط الشركات الروسية في توريد الفوسفات لدمشق، ناقلة عن مالك العبدة، وهو محلل سوري مقيم في لندن قوله: "يمكن أن تكون الدولة السورية قد دفعت لموسكو مقابل التدخل العسكري".

وتُظهر سجلات تجارية روسية من شركة Import Genius لبيانات الاستيراد، أنه في 13 مايو 2019، هبطت طائرة تحمل 10 ملايين دولار، من فئة 100 دولار، أرسلها مصرف سوريا المركزي، في مطار فنوكوفو بموسكو، وفي فبراير 2019، نقل البنك نحو 20 مليون يورو، من فئة 500 يورو، وبلغ عدد الرحلات الجوية 21 رحلة خلال الفترة بين مارس 2018 وسبتمبر 2019 تحمل قيمة مُعلَنة تزيد عن 250 مليون دولار.

ووفقاً للسجلات، التي بدأت في عام 2012، لم تحدث مثل هذه التحويلات النقدية بين مصرف سوريا المركزي، والبنوك الروسية قبل عام 2018.

احتياطيات أجنبية "معدومة"

ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع على بيانات مصرف سوريا المركزي، قوله إن الاحتياطيات الأجنبية كانت "معدومة تقريباً" لدى دمشق بحلول عام 2018، ولكن بسبب العقوبات، فإن البنك كان مضطراً لإرسال المدفوعات نقداً. 

وأوضح المصدر، أن "(المصرف السوري) كان يشتري القمح من روسيا ويدفع مقابل خدمات طباعة النقود، فضلاً عن النفقات الدفاعية".

وأشار المصدر إلى أن البنك المركزي السوري كان يدفع "وفقاً لما هو متاح"، مضيفاً: "عندما تكون دولة مُحاصَرة بالكامل وخاضعة للعقوبات، لا يتبقى لها (وسيلة للدفع) سوى النقد".

وتُظهِر سجلات روسية أن الصادرات المنتظمة من روسيا إلى دمشق، مثل شحنات الورق الآمن والعملات النقدية السورية الجديدة من شركة الطباعة Goznak الروسية المملوكة للدولة، وشحنات قطع الغيار العسكرية الروسية البديلة لوزارة الدفاع السورية، جرت في السنوات التي سبقت نقل كميات كبيرة من العملات النقدية إلى موسكو، وبعدها.

ولكن لا يوجد سجل للبنوك الروسية التي استلمت العملات النقدية من دمشق خلال عامي 2018 و2019، تثبت استلام أي شحنات أخرى من الأموال من سوريا، أو أي دولة أخرى خلال فترة 10 سنوات.

وحتى مع تدمير خزائن الدولة السورية بسبب الحرب، تمكن الأسد ومقربون منه خلال السنوات الست الماضية من السيطرة بشكل شخصي على أجزاء مهمة من اقتصاد البلاد المدمر، وفقاً لما نقلته الصحيفة عن مصادر وصفتها بأنها "مطلعة على أعمال النظام السابق".

وأشارت "فاينانشيال تايمز" إلى أن أسماء الأسد، وهي مصرفية سابقة في مؤسسة "جي بي مورجان"، استطاعت بناء مكانة قوية تمكنها من التأثير على تدفقات المساعدات الدولية، وترأست مجلساً اقتصادياً رئاسياً سرياً. وبحسب الولايات المتحدة، فإن الأسد وأعوانه حققوا أيضاً "عائدات من تجارة المخدرات الدولية وتهريب الوقود".

"منظومة فساد"

وأوضح حامد، من برنامج التنمية القانونية السوري، أن "الفساد في عهد الأسد لم يكن أمراً هامشياً أو أثراً جانبياً للصراع، بل كان أسلوباً للنظام".

وكانت التحويلات النقدية السورية أثارت في السابق عقوبات من واشنطن، ففي عام 2015، اتهمت وزارة الخزانة الأميركية محافظ البنك المركزي السوري السابق أديب ميالة، وموظفة في البنك تدعى بتول رضا بـ"تسهيل تحويلات نقدية ضخمة" لصالح النظام إلى روسيا، وإدارة صفقات تتعلق بالوقود لجمع العملات الأجنبية، كما اتهمت الولايات المتحدة الموظفة بمحاولة الحصول على مادة نترات الأمونيوم من روسيا، التي تُستخدم في صنع البراميل المتفجرة.

وتُظهر سجلات اطلعت عليها الصحيفة أن الأموال التي نُقلت جواً إلى موسكو في عامي 2018 و2019 استلمها بنك RFK الروسي، ومقره موسكو، والذي يخضع لسيطرة شركة Rosoboronexport الحكومية الروسية لتصدير الأسلحة.

وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على بنك RFK هذا العام، لتسهيل هذه التحويلات النقدية، وهو ما قالت إنه سمح بإجراء "معاملات غير مشروعة، وتحويل عملات أجنبية، ومخططات للتهرّب من العقوبات لصالح الحكومة السورية بملايين الدولارات".

وفي مارس 2018، أظهرت السجلات أن البنك المركزي السوري نقل أيضاً مليوني دولار إلى بنك روسي آخر، وهو بنك TsMR الذي فرضت الولايات المتحدة عليه عقوبات أيضاً.

"مخططات تمويل" إيرانية

وبينما كانت المؤسسات المالية الروسية تتلقى أموالاً من دمشق، وضعت إيران، الداعم الدولي الآخر للأسد، مخططات لتمويل النظام المُحاصَر بالعملة الصعبة (من خلال إنشاء شركات)، وتولى كبار رجال الأعمال المقربين من الأسد مناصب مهمة في هذه الشركات، وفقاً للسجلات التجارية التي حللتها "فاينانشيال تايمز".

وكان ياسر إبراهيم، وهو المستشار الاقتصادي الأقرب للأسد، مساهماً في شركة لبنانية تسمى "Hokoul SAL Offshore"، إلى جانب شقيقته رنا، التي فرضت عليها الولايات المتحدة أيضاً عقوبات، وفق ما ذكرته الصحيفة.

وبحسب وزارة الخزانة الأميركية، فإن شركة "Hokoul SAL Offshore" كانت تُدار من قبل "فيلق القدس" الذي يشرف على أنشطة "الحرس الثوري" الإيراني في الخارج، وجماعة "حزب الله" اللبنانية، لنقل مئات الملايين من الدولارات لصالح نظام الأسد.

وعلى الرغم من أن العقوبات الغربية أجبرت النظام السوري السابق على الخروج من النظام المصرفي بالعملة الأميركية، فإن السجلات التجارية تُظهِر أن المقربين الرئيسين من الأسد استمروا في نقل الأصول إلى روسيا، في عام 2019، ذكرت "فاينانشيال تايمز" أن العائلة الممتدة للرئيس السابق اشترت منذ عام 2013 ما لا يقل عن 20 شقة فاخرة في موسكو باستخدام شبكة معقدة من الشركات والترتيبات التمويلية.

وفي مايو 2022، أسس إياد مخلوف، ابن خال بشار الأسد والضابط في جهاز المخابرات العامة السورية، شركة عقارات في موسكو، يملكها بشكل مشترك مع شقيقه التوأم إيهاب، تسمى Zevelis City، وفقاً لسجلات الشركات الروسية.

رجال أعمال النظام

وكان شقيق إياد، رامي مخلوف، أهم رجل أعمال لدى نظام الأسد، إذ كان يُعتقد في وقت ما أنه يسيطر على أكثر من نصف اقتصاد سوريا من خلال مجموعة شركات، تشمل شركة الاتصالات SyriaTel، ولكن بعد أن فقد رامي حظوته لدى النظام في عام 2020، فإن سوريين مطلعين على شؤون النظام، يقولون إن إياد وإيهاب ظلا قريبين من بشار وزوجته أسماء.

وتُظهر سجلات الشركات، أن شركة Zevelis City للعقارات أسستها موظفة روسية كانت تعمل لدى المصرفي السوري-الروسي، الخاضع لعقوبات أميركية، مدلل خوري، والذي اتهمته الولايات المتحدة بتسهيل تحركات كبيرة للأموال من دمشق إلى موسكو نيابةً عن نظام الأسد.

ووفقاً للصحيفة، يبدو أن خوري لعب "دوراً محورياً" في دمج مصالح نظام الأسد في النظام المالي الروسي. وفي عام 2015 قالت وزارة الخزانة الأميركية، إنه "كان له ارتباط طويل الأمد بنظام الأسد، ويمثل مصالح النظام التجارية والمالية في موسكو".

وأشار شينكر إلى أنه بالنظر إلى الضغوط التي واجهها الأسد من حكومات غربية، وخاصةً الولايات المتحدة، طيلة أكثر من عقد، فإنه "كان يعلم دائماً أن وجوده لن يكون مقبولًا أبداً في دولة مثل فرنسا، على سبيل المثال، ولذا فإنه لم يكن ليشتري عقارات هناك".

وتابع: "لكنه (الأسد) كان يعلم أيضاً أنه إذا كان الأمر سينتهي، فإن ذلك سيكون بشكل سيء، ولذلك كان لديهم سنوات لمحاولة تهريب الأموال، وإنشاء أنظمة لتكون بمثابة ملاذات آمنة موثوقة".

تصنيفات

قصص قد تهمك