حذّر مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، من "تزايد احتمال" حدوث أزمة دولية كبرى خلال فترة ولاية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الثانية، بالنظر إلى "عدم قدرته على التركيز" على السياسة الخارجية.
ووجه بولتون في مقابلة مع صحيفة "الجارديان" البريطانية، انتقاداً لاذعاً لترمب، "لافتقاره إلى المعرفة أو الاهتمام بالحقائق أو استراتيجية متماسكة"، ووصف عملية صنع القرار لدى ترمب بأنها مدفوعة بـ"العلاقات الشخصية" و"نوبات العصبية"، وليس الفهم العميق للمصالح الوطنية.
كما رفض بولتون الذي كان مستشار الأمن القومي الأطول خدمة لترمب لمدة 17 شهراً، تصريحات الرئيس المنتخب خلال حملته الانتخابية هذا العام، بأنه لا يستطيع أحد سواه منع نشوب حرب عالمية ثالثة، بالإضافة إلى إنهاء سريع للصراعات في غزة، وأوكرانيا.
وقال بولتون للصحيفة: "هذا هو ترمب المعتاد: الأمر برمته تفاخر. العالم أكثر خطورة مما كان عليه عندما كان رئيساً من قبل. كانت الأزمة الحقيقية الوحيدة التي واجهناها هي (جائحة) كوفيد، وهي أزمة طويلة الأمد، وليست ضد قوة أجنبية معينة ولكن ضد جائحة".
وأضاف: "لكن خطر حدوث أزمة دولية كتلك التي شهدها القرن التاسع عشر هو أكثر احتمالية في فترة ولاية ترمب الثانية. ونظراً لعدم قدرة ترمب على التركيز على عملية صناعة قرار متماسكة، فأنا قلق للغاية بشأن ما ستبدو عليه الأمور".
وتابع بولتون: "كنت أعتقد أنه، مثل كل رئيس أميركي قبله. ثقل المسؤوليات، ولا سيما فيما يتعلق بالأمن القومي، وخطورة القضايا التي كان يواجهها، وعواقب قراراته، ستؤدي إلى انضباط تفكيره بطريقة تسفر عن نتائج جادة".
وأردف: "اتضح أنني كنت مخطئاً. بحلول الوقت الذي وصلت فيه إلى هناك، كانت الكثير من أنماط السلوك حُددت بالفعل، والتي لم تتغير أبداً وكان من الممكن أن تتغير، وحتى لو كنت هناك في وقت سابق، لم يكن بإمكاني التأثير عليها. لكن كان من الواضح بعد وقت قصير من وصولي إلى هناك، أن الانضباط الفكري لم يكن في مفردات ترمب".
وفي "تحوّل كبير" عن السياسة الخارجية الأميركية التقليدية، خاض ترمب حملته الانتخابية تحت شعار "أميركا أولاً"، الذي يدعو إلى الانعزالية، وعدم التدخل والحمائية التجارية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الكبيرة.
ووافق بولتون على "الكثير" من قرارات ترمب خلال ولايته الأولى، لكنه وجد أنها كانت متماسكة مثل "سلسلة من ومضات الخلايا العصبية"، كما قال، مضيفاً: "ليس لديه فلسفة، ولا يمارس السياسة كما نفهمها، وليس لديه استراتيجية أمن قومي".
ومضى قائلاً: "قلت في كتابي إن قراراته تشبه أرخبيل من النقاط. يمكنك محاولة رسم خطوط بينها، ولكن حتى هو لا يستطيع رسم خطوط بينها. تحاول الحصول تدريجياً على قرار صحيح تلو الآخر. على الأقل هذا ما اعتقده مستشاروه: أننا نستطيع أن نربط عدداً كافياً من القرارات معاً. لكن هذه ليست الطريقة التي كان ينظر بها إلى الأمر".
"علاقات شخصية"
وأقر بولتون بأن الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة "ربما يكون جذاباً"، وركز على توطيد علاقاته الشخصية مع حكام وصفهم بأنهم "مستبدين"، مثل الرئيس الصيني شي جين بينج، وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ لكنه "افتقر إلى الكفاءة المطلوبة للمنصب، وأظهر تجاهلاً واضحاً لإحاطة الأمن القومي التي يتلقاها الرؤساء يومياً".
وأضاف: "إنه (ترمب) لا يعرف الكثير عن السياسة الخارجية. وليس من هواة القراءة. إنه يقرأ الصحف من وقت لآخر، ولكن من النادر أن يقرأ أوراق الإحاطة لأنه لا يعتقد أنها مهمة. إنه لا يعتقد أن هذه الحقائق مهمة. إنه يعتقد أنه ينظر إلى الرجل الآخر عبر الطاولة في عينيه ويتوصلان إلى اتفاق، وهذا هو المهم".
وأشار بولتون إلى أن ترمب يعتقد أنه يرتبط بصداقة مع بوتين، قائلاً: "لا أعرف ما رأي الرئيس الروسي في علاقته بترمب لكنه يعتقد أنه يعرف كيف يستغل ترمب، وأن ترمب هدف سهل. ترمب لا يرى ذلك على الإطلاق".
وزاد: "إذا وضعت كل شيء على أساس العلاقات الشخصية ولم تفهم كيف ينظر إليك الشخص الذي تتحدث عنه على الجانب الآخر، فهذا افتقار حقيقي للوعي بالموقف لا يمكن أن يسبب سوى المتاعب".
وعندما سُئل عن تقارب ترمب مع "الرجال الأقوياء"، أجاب مستشار الأمن القومي السابق: "أعتقد أن طبيباً نفسياً سيكون لديه فهم أفضل لطبيعة الأمر، لكنني أعتقد أن ترمب يود أن يكون رجلاً كبيراً، مثل الرجال الكبار الآخرين".
ومضى قائلاً: "هؤلاء الرجال الكبار الآخرين ليس لديهم هيئات تشريعية وقضائية مستقلة مزعجة، ويفعلون بعض أمور الكبار، التي لا يستطيع ترمب القيام بها، وهو يتمنى فقط أن يتمكن من القيام بها. الأمر أكثر متعة إذا لم يكن لديك أنواع القيود التي تفرضها الحكومات الدستورية".
ولاية ثانية "أكثر إرباكاً"
وتوقع بولتون أن تكون ولاية ترمب الثانية "أكثر تقلباً وإرباكاً" من الأولى، مضيفاً: "إنه يشعر الآن بثقة أكبر في حكمه بعد إعادة انتخابه، ما سيجعل من الصعب فرض أي نوع من الانضباط الفكري في اتخاذ القرار".
وتعهد ترمب خلال حملته بأنه سينهي الغزو الروسي لأوكرانيا في غضون يوم واحد، ما أثار مخاوف من التوصل إلى تسوية توقف المساعدات العسكرية الأميركية، وتُلزم أوكرانيا بالتنازل عن أراضٍ.
وفي تعليق على الأمر، قال بولتون: "أنا قلق للغاية من أنه يريد إبعاد هذا الأمر عن الطاولة. إنه يعتقد أن هذه حرب (الرئيس المنتهية ولايته جو) بايدن".
وأضاف بولتون: "قال خلال الحملة، لو كان رئيساً، لما حدث ذلك أبداً، وهو ما لا يمكن إثباته أو نفيه بالطبع. إنه يريد أن يخلف هذا الأمر وراءه وهو ما يشير بقوة إلى أنه لا يهتم بأي شروط وأظن أنه لا يهتم. وهذا أمر خطير للغاية بالنسبة لأوكرانيا".
وأشاد بترشيح ترمب للسيناتور الجمهوري ماركو روبيو، والنائب مايك والتز لمنصبي وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي على التوالي، لكنه وصف ترشيح تولسي جابارد لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية، وكاش باتيل لمنصب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، بأنه "خطير حقاً"، بحجة أن آراء جابارد تنتمي إلى "كوكب مختلف".