يمر الجيش السوري بمرحلة إعادة هيكلة شاملة تهدف إلى تحديث قواته، وتوسيع نطاق تأثيرها العسكري، والتي تشمل دمج فصائل مسلحة متنوعة، بما فيها المقاتلين الأجانب، داخل المؤسسة العسكرية الرسمية، وهي الخطوة التي أثارت موجة من التساؤلات حول الأبعاد السياسية والأمنية.
وإلى جانب إعادة هيكلة الكوادر، يواجه الجيش السوري تحديات لوجيستية، وتسليحية، جراء ما خلفه الاستهداف الإسرائيلي من خسائر، في الفترة التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد، والتي قدرتها مصادر إسرائيلية بنحو 70% من القدرات العسكرية الاستراتيجية للجيش السوري.
والأسبوع الماضي، أفادت وكالة الأنباء السورية "سانا" في تغريدة مقتضبة عبر منصة "إكس"، بأن وزارة الدفاع بدأت بعقد الجلسات التنظيمية مع القيادات العسكرية، تمهيداً لعملية انخراط الفصائل في الوزارة.
وقال وزير الدفاع في الإدارة السورية الجديدة، مرهف أبو قصرة، الأربعاء، إن الإدارة تسعى إلى "ترميم الفجوة بين القوات المسلحة، والشعب السوري من خلال إعادة هيكلة البنية التنظيمية للجيش".
وأكد أبو قصرة على العمل لإعادة الجيش إلى هدفه الأساسي في حماية الوطن والدفاع عن الشعب، مشدداً على أهمية التطوير في جميع أركان الجيش السوري خلال المرحلة المقبلة.
التطورات المتسارعة تفتح المجال لمزيد من التساؤلات حول هوية المقاتلين الأجانب، وطبيعة الدور الذي يلعبونه في إعادة بناء الجيش السوري، وهل سيكون هذا الدمج بداية لتأسيس جيش سوري حديث قادر على مواجهة تحديات المستقبل، أم أنه يمثل خطوة قد تعقّد الأوضاع في البلاد أكثر مما تحلّها؟
أزمة دمج المسلحين الأجانب
يعتبر حسن أبو هنية، الكاتب المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية، أن أي تحول سياسي أو اقتصادي في سوريا سيكون صعباً من دون إعادة هيكلة حقيقية للمؤسسة العسكرية والأمنية، لذلك فإن عملية بناء الجيش الوطني السوري تُعد أولوية أساسية لضمان استقرار البلاد وسيادتها.
وفيما يخص دمج المقاتلين الأجانب في القوات السورية، يشير أبو هنية لـ "الشرق" إلى أن أعدادهم محدودة ولا يتجاوزون المئات، مع تنوع جنسياتهم بين التركستانيين، والأوزبك، والشيشانيين، والعرب، ويعتبر أن هذا الدمج ليس أمراً جديداً، فقد شهدت عدة دول في السابق وقائع مشابهة.
رغم ذلك، يرى أبو هنية أن التحدي الأكبر قد يكون في مقاتلي "هيئة تحرير الشام" الذين يتبعون "السلفية الجهادية المحلية"، فهؤلاء المقاتلون قد يشكلون تحدياً في وضع عقيدة قتالية موحدة تركز على الحفاظ على وحدة سوريا وسلامتها، رغم تميزهم عن تنظيمات مثل "القاعدة"، أو "داعش".
من جهة أخرى، يواجه الجيش السوري الجديد تحديات إضافية بسبب تنوع مكوناته، بدءاً من الفصائل المحلية مثل "أحرار الشام"، و"جيش العزة"، وصولاً إلى مجموعات عرقية ودينية مثل "قوات شباب السنة"، و"جيش الكرامة" في السويداء، بالإضافة إلى الأكراد الذين يقاتلون تحت لواء "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
ويُوضح أبو هنية أن دمج هذه الفصائل يواجه صعوبات كبيرة بسبب تباين خلفياتها الأيديولوجية، والتاريخية، فضلًا عن ارتباطاتها الخارجية.
ويرى أبو هنية أن التحدي الأكبر هو توحيد الجيش السوري، وإذا لم يسيطر النظام على الأسلحة المنتشرة بين الجماعات المسلحة، فقد تواجه سوريا مزيداً من الفوضى والانقسامات، مما يعوق الحلول السياسية والاقتصادية، لذا فإن الدعم الدولي ضروري لتجنب عودة نشاط تنظيمات مثل "داعش"، و"القاعدة"، مما يزيد تعقيد الأزمة السورية.
ترقيات بالجيش السوري
وفي نهاية شهر ديسمبر الفائت، نشرت القيادة العامة الجديدة عبر حسابها على "تليجرام"، مرسوماً تضمن قائمة بأسماء 49 شخصاً تم "ترفيعهم" إلى رتب لواء، وعميد، وعقيد، وشملت القائمة مقاتلين سوريين وضباطاً انشقوا عن القوات النظامية بعد اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، وانضموا لاحقاً إلى صفوف الفصائل المسلحة، إلى جانب ترقية مجموعة من المقاتلين الأجانب.
الخبير العسكري والعقيد المنشق عن قوات النظام السوري السابق، أحمد حمادة، يوضح لـ"الشرق"، أن الترقيات الأخيرة كانت ترقيات تشريفية أكثر منها ترقيات عسكرية حقيقية، فهؤلاء الضباط، الذين كانوا يعملون ضمن الفصائل أو يمثلونها، حصلوا على رتب ليس لها تأثير كبير في هيكل الجيش الرسمي.
ويرى حمادة أن هذه الترقيات ليست جزءاً من عملية هيكلة عسكرية حقيقية، بل هي جزء من مساعي تشكيل حكومة وتعيين قائد عام وفقاً للدستور، وهو ما يزال غائباً في الواقع.
وبالنسبة للمقاتلين الأجانب الذين تم منحهم "رتباً تشريفية"، يوضح حمادة أن عددهم لا يتجاوز خمسة أو ستة أفراد، ورغم حصولهم على هذه الترقيات، فإنه لا يتوقع أن تؤثر بشكل كبير على بنية الجيش أو قراراته، لأن هيكل الجيش السوري يعتمد على رتب أكاديمية وتخرج من الكليات العسكرية، كما يشير إلى أن هذه الترقيات قد تكون خطوة نحو إنهاء حالة الفصائلية، وإعادة هيكلة الجيش السوري ليكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات المستقبلية، خاصة في مناطق مثل شرق الفرات.
وفيما يتعلق بالمخاوف الأمنية من دمج مقاتلين ذوي توجهات متشددة، يقول حمادة إن هذه الفئة من المقاتلين لن تؤثر بشكل كبير على الجيش، لكونه مؤسسة لها أيديولوجية عسكرية وسياسية واضحة، ويستبعد أن يكون تأثير عدد قليل من هؤلاء المقاتلين كبيراً على قوة الجيش أو قيادته.
وفي الآونة الأخيرة، ظهرت ما وصفت بأنها تجاوزات مقلقة من بعض المقاتلين الأجانب في سوريا، إذ قام مسلحون أوزبك بإحراق شجرة عيد الميلاد في السقيلبية بريف حماة، بينما نشر آخرون فيديوهات تكفّر أبناء الطوائف والأديان الأخرى مثل العلوية والمسيحية، وتضمنّت عبارات اعتبرها الكثيرون استفزازية.
كما تم تسجيل حالات تصفية عشوائية لبعض المدنيين، ما زاد من تأجيج مشاعر الغضب، وهذه الأفعال أثارت استنكاراً واسعاً بين السوريين، الذين رفضوا هذه التصرفات التي تهدد الوحدة الوطنية، والتعايش السلمي بين الطوائف.
تجنيس المقاتلين الأجانب
وكشف القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع الشهير بـ"الجولاني"، أن المقاتلين الأجانب، الذين ساعدوا الهيئة في الإطاحة بالحكومة السورية، قد يسمح لهم بالحصول على الجنسية السورية.
وقال الشرع، في تصريحات لمجموعة من الصحافيين بمقر مجلس الوزراء السوري بحضور مراسلة "الشرق"، منتصف ديسمبر الماضي، إن المقاتلين الأجانب الذين دخلوا سوريا للقتال ضد الحكومة السورية كانوا جزءاً من الحركة التي أدت إلى سقوط بشار الأسد، ويجب الاحتفال بهم، وفق تعبيره.
وأشار الشرع إلى أن منح الجنسية للمقاتلين الأجانب ليس مستحيلاً، ويمكن دمجهم في المجتمع السوري، إذا كانوا يحملون نفس أيديولوجية وقيم السوريين.
وتشير قضية منح المقاتلين الأجانب إلى المخاوف في عدد من الدول، بسبب اتهامات بدعمهم للإرهاب، في وقت أعلنت فيه واشنطن وعدد من الدول الغربية تواصلها المباشر بحركة "هيئة تحرير الشام" التي تترأس الفصائل المسلحة في سوريا، والمصنفة في عدد من الدول على أنها "إرهابية"، وذلك من أجل ضمان انتقال سياسي سلمي وشامل في سوريا.
وقبل أيام حدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الشروط الأميركية لعملية انتقال سياسي في سوريا، وذلك لتعترف واشنطن بالحكومة السورية الجديدة، مثل: احترام حقوق الأقليات، وتسهيل المساعدات الإنسانية للمحتاجين، ومنع استخدام سوريا كقاعدة للإرهاب، وتدمير أي مخزونات من الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية بشكل آمن.