أميركا "لم تعد عدواً شريراً"... كيف تحوّل موقف روسيا في عهد ترمب؟

الروس المؤيدون لغزو أوكرانيا يرون صداقة موسكو وواشنطن "خيانة"

time reading iconدقائق القراءة - 6
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في أوساكا. 28 يونيو 2019 - Reuters
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في أوساكا. 28 يونيو 2019 - Reuters
دبي-الشرق

قلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خلال ولايته الثانية في البيت الأبيض، سياسة بلاده الخارجية تجاه روسيا لتشهد العلاقات تقارباً بعد فتور في عهد سلفه جو بايدن، أجبر موسكو على تغيير نهجها تجاه واشنطن "الشريرة" لتصبح أوروبا مصدر قلق وعاملاً لعدم الاستقرار، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

ولأكثر من عقد من الزمان، كانت الولايات المتحدة بمثابة "الفزاعة" لآلة الدعاية التابعة للكرملين و"القوة المهيمنة"، كما سعت إلى تدمير روسيا من خلال دفع الأوروبيين والأوكرانيين إلى صراع مع موسكو.

وقبل 5 أسابيع، ألقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خطاباً روتينياً انتقد فيه الولايات المتحدة "المهيمنة الأنانية" التي تتولى قيادة الغرب الجماعي، ومنذ ذلك الحين، خضعت النظرة العالمية للدبلوماسي المخضرم إلى بعض التغييرات المذهلة. 

ومع بدء الرئيس ترمب الانحياز إلى روسيا، غيرت آلة الدعاية في الكرملين لهجتها، وفي غضون أسابيع، أصبح من الواضح أن ولاية ترمب الثانية لديها القدرة على تقديم سياسة خارجية مؤيدة لروسيا أكثر بكثير مما فعلته السابقة.

لافروف: أميركا بريئة

وفي مقابلة على التلفزيون الرسمي الروسي، الأحد، سرد لافروف كيف تسببت أوروبا، وليس أميركا، بتحريض العالم، قائلاً إن "الولايات المتحدة تحولت من العقل المدبر الشرير إلى المتفرج البريء".

وأضاف: "تسبب الأوروبيون بالاستعمار وحرب القرم والحرب العالمية الأولى.. وإذا نظرنا إلى التاريخ بأثر رجعي، لن نجد أن الأميركيين لعبوا أي دور محرض".

وقارن لافروف، في خطابه المؤرخ بـ 30 يناير، بين إدارتي ترمب وسلفه جو بايدن، قائلاً إن "الفرق، بخلاف المصطلحات، ضئيل".

وبعد ذلك جاءت المكالمة الهاتفية بين ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في 12 فبراير، والمحادثات التي استضافتها السعودية بين روسيا وأميركا، والتصويت في الأمم المتحدة الذي انحازت فيه واشنطن لصالح موسكو، وتوبيخ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي، الأسبوع الماضي.

وفي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، أصر الصحفي يفجيني بوبوف، الذي يعد برنامجه "60 دقيقة" السياسي اليومي الأكثر شعبية على التلفزيون الحكومي الروسي، على أن الحديث عن التعاون مع الولايات المتحدة ليس بالأمر غير العادي، لأن الشركات الأميركية كانت تتعامل تجارياً حتى مع الاتحاد السوفييتي.

وقال بوبوف: "هذه عمليات طبيعية تماماً تحدث هنا.. نريد علاقات سلمية وبناءة وعملية، والأهم من ذلك، علاقات متساوية مع الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن الأسلحة الأميركية كانت تقتل الجنود الروس بساحات القتال في أوكرانيا، وأنه لا يعتقد أنه قد تكون هناك علاقة ودية قريباً مع دولة "كانت دباباتها تطلق النار على شعبنا".

وذهب بعض الضيوف في برنامجه إلى أبعد من ذلك، فقد قال أليكسي جورافليوف، وهو مشرع متشدد معروف بتهديده للولايات المتحدة بالإبادة النووية، إن روسيا يمكن أن "تصادق أميركا وتحكم العالم"، مضيفاً: "ترمب يحتاج إلينا.. هل نحتاج ترمب؟ نحن بحاجة إليه.. هل تتفق مصالحنا؟ نعم.. ضد من؟ ضد الاتحاد الأوروبي".

ويرى إيفان كوريلا، الباحث في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في كلية "ويلسلي"، إن الحكام الروس والسوفييت كانوا ينظرون إلى الولايات المتحدة منذ فترة طويلة باعتبارها "دولة تستحق المحاكاة"، سواء في براعتها الاقتصادية أو تبجحها على المسرح العالمي.

وقال كوريلا: "هذه الثنائية في وجهة النظر تجاه أميركا، كانت على هذا النحو لفترة طويلة". والاهتمام الروسي بالتقارب مع الولايات المتحدة يكمن في الاحترام المضطرب للبلاد والعلاقات الشخصية الواسعة النطاق، خاصة بين النخبتين الثقافية والتجارية. 

تحول في نهج بوتين

بدوره، قاد بوتين التحول، إذ اقترح الزعيم، الذي اعتاد أن يوبخ الغرب لسعيه إلى "تفكيك ونهب روسيا"، أن تقوم الولايات المتحدة باستخراج المعادن الأرضية النادرة الروسية والمساعدة في تطوير إنتاج الألمنيوم في سيبيريا، إذ كان هذا جزءاً من محادثات بين ترمب وبوتين، بينما كان يلوح بإمكانية تحقيق ثروة هائلة من الموارد الروسية.

وقبل ساعات من لقاء ترمب لزيلينسكي في البيت الأبيض، أطلق بوتين رسالته الجديدة المؤيدة لأميركا خلال الاجتماع السنوي لوكالة الاستخبارات المحلية الروسية (جهاز الأمن الفيدرالي).

وقال بوتين إن المحادثات مع إدارة ترمب "تلهم بعض الآمال"، وأشاد بها على "براجماتيتها" ودعا الجواسيس الحاضرين إلى مقاومة محاولات "تعطيل أو المساس بالحوار الذي بدأ"، مضيفاً أن "النخبة الليبرالية الجديدة الغربية هي التي تحاول فرض قيمها الغريبة على العالم وتسعى إلى تدمير روسيا"، في حين يصور المحافظين الأميركيين كأصدقاء لروسيا. 

وفي فبراير، وجد مركز "ليفادا" لاستطلاعات الرأي المستقل، ومقره موسكو، أن 75% من الروس سيؤيدون إنهاء الحرب على الفور، وهي أعلى قراءة منذ عام 2023، وأن 85% يوافقون على المحادثات مع الولايات المتحدة. 

وساعدت آمال تخفيف العقوبات وعودة الاستثمار الأميركي في دفع سوق الأسهم الروسية إلى الارتفاع بنسبة تصل إلى 10% بعد مكالمة ترمب وبوتين في 12 فبراير.

لكن بالنسبة لبعض أكثر المؤيدين حماسة لحرب روسيا، فإن "احتضان واشنطن" كان بمثابة خيانة، نظراً لأن بوتين وصف الغزو لفترة طويلة بأنه "حرب بالوكالة ضد العدوان الأميركي".

كما أعرب مدونو روسيا المؤيدون للحرب عن دهشتهم من اقتراح بوتين، الأسبوع الماضي، للتعاون مع الشركات الأميركية لاستخراج الموارد الطبيعية للبلاد، لكن بوتين نفسه قد يكون لديه قدر ضئيل من الاتساق الداخلي في التحول نحو واشنطن، فقد تجنب بشكل عام وصف الولايات المتحدة ككل بأنها "عدو لروسيا".

تصنيفات

قصص قد تهمك