"التقارب المحتمل مع واشنطن".. معركة بوتين الجديدة في مواجهة القوميين الروس

time reading iconدقائق القراءة - 8
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقلّد جنوداً ميداليات النجمة الذهبية عشية "يوم أبطال الوطن" في الكرملين. 8 ديسمبر 2023 - AFP
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقلّد جنوداً ميداليات النجمة الذهبية عشية "يوم أبطال الوطن" في الكرملين. 8 ديسمبر 2023 - AFP
دبي-الشرق

في أعقاب تحول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه روسيا، يسعى القوميون المتشددون في موسكو لفهم التقارب المفاجئ مع "العدو اللدود" للبلاد، خصوصاً وأن الرئيس فلاديمير بوتين نجح في إقناع الكثيرين بوجود معركة وجودية ضد الولايات المتحدة، لكن الآن بات عليهم التعامل مع وضع مخالف، حسبما أوردت صحيفة "واشنطن بوست". 

وعلى مدار السنوات الثلاث من الغزو الروسي لأوكرانيا، ترسخ لدى المجتمع الروسي، وبخاصة المشاركين في الحرب، الرواية الأيديولوجية التي يروج لها الرئيس الروسي والقوميون الروس، والتي تصور الحرب على أنها "صراعاً وجودياً ضد الغرب الجماعي بقيادة الولايات المتحدة".

وكان لـ"القوميين المتشددين" دور بارز طوال فترة الحرب، حيث قاتل العديد منهم في الخطوط الأمامية ونالوا مكانة اجتماعية متزايدة في المجتمع الروسي خلال الحرب. وعلى مدى عقود، اعتبرهم الكرملين مصدراً للمعارضة المحتملة، لكنه استغلهم للترويج لخطابه حول ضرورة استمرارية الحرب. 

إلا أن هؤلاء القوميين المتطرفين تحولوا أيضاً إلى أحد المصادر النادرة للانتقاد ضد بوتين وقرارات حكومته، ما دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات ضد بعضهم.

وترى الصحيفة أنه مع تقدم المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة ببطء، سيكون على بوتين مراقبة هذا التيار الصاخب عن كثب، خاصة بعد أن اكتسب نفوذاً متزايداً خلال الحرب، وسبق أن بلغ مرحلة التمرد العلني مع التمرد قصير الأمد الذي قاده قائد مجموعة "فاجنر" يفجيني بريجوجين. 

وكان تمرد بريجوجين ومجموعة "فاجنر" عام 2023 أكبر تهديد داخلي يواجه الكرملين في الذاكرة الحديثة، لكنه انتهى دون تصعيد كبير، ولاحقا قُتل بريجوجين وأبرز قياديي مجموعته في حادث تحطم طائرة لم تُكشف أسبابه.  

والعام الماضي، تم الحكم على إيجور جيركين، العميل السابق في جهاز الأمن الفيدرالي وقائد الانفصاليين، بالسجن أربع سنوات بتهمة "التطرف"، بعد انتقادات حادة وجهها إلى طريقة إدارة روسيا للحرب. 

شرعية بوتين

وفي هذا الإطار، قال مسؤول رفيع في الكرملين، إن "هناك بالتأكيد من سيعترضون على تطبيع روسيا للحوار الثنائي مع الولايات المتحدة"، موضحاً أن هذه الفئة "تمثل شريحة شديدة التمسك بقناعاتها داخل المجتمع". 

وأكد المسؤول أن "هناك جزءاً كبيراً من المجتمع يعرب عن مخاوفه ويرفض أي ضمانات أمنية، طالما استمرت أوكرانيا في الوجود"، مضيفاً أن هذه الفئة "ستحتاج إلى إقناع بفوائد التقارب مع الغرب". 

وفي منشور حديث على منصة تليجرام، حذّر فلاديمير باستوخوف، عالم السياسة الروسي في "يونيفرسيتي كوليدج لندن"، من أن الانقسامات داخل معسكر القوميين المتشددين بشأن أي اتفاق سلام محتمل قد تتصاعد لتشكل تحدياً لشرعية بوتين. 

وكتب باستوخوف، أن "الأيديولوجية البوتينية، تبين أنها نظير غير مستقر يتحلل إلى عناصره الأولية عند أول فرصة"، في إشارة إلى التحول المفترض لبوتين من القومية المتشددة إلى التقارب مع واشنطن.  

وأضاف: "يمكن افتراض أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق بالفعل، فإن هذه الصراعات ستتصاعد بثلاثة أضعاف القوة، ما سيشكل تحدياً حقيقياً لاستقرار النظام". 

ووفرّت الحرب مساحة واسعة من التأثير لما يُعرف بـ"مجتمع Z " في روسيا، والذي يضم متطوعين مؤيدين للحرب، ومدونين عسكريين، وقوميين متطرفين يطالبون بإخضاع أوكرانيا بالكامل. 

وأكد العديد ممن أجرت صحيفة "واشنطن بوست" مقابلات معهم أنهم "لن يقبلوا بأي تسوية سلمية ما لم تشمل الإطاحة بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وتغيير السلطة في كييف". 

"سرقة النصر" 

ووجه "مجتمع Z" والقوميون المتشددون في روسيا انتقادات لاذعة في الأسابيع الأخيرة تجاه حالة الفرح العارمة التي اجتاحت البلاد، بسبب نهج الرئيس الأميركي الأكثر ودية تجاه موسكو، وزادت حدة الانتقادات مع تصاعد الحديث هذا الأسبوع عن هدنة لمدة 30 يومياً لوقف إطلاق النار في أوكرانيا. 

بدوره، وصف المحلل السياسي المؤيد للكرملين، سيرجي ماركوف، الهدنة المقترحة، بأنها "محاولة لسرقة النصر من روسيا".

وفي منشور على منصة تليجرام، تساءل الكاتب القومي زاخار بريليبين: "ما الذي يدعو إلى فرحتنا نحن الروس؟"، في إشارة إلى الاحتفاء الواسع الذي شهدته روسيا الشهر الماضي عقب المواجهة بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وترمب داخل البيت الأبيض. 

وأضاف: "ما يهم حقاً هو مدى جاهزية القوات المسلحة الأوكرانية للقتال، ووضع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أوكرانيا، ومن يسيطر على شوارع كييف وأوديسا وخاركوف وكراماتورسك وخيرسون، التي تعتبر، وفقاً لدستورنا، جزءاً من روسيا".

أما السياسي القومي ديميتري روجوزين، الذي يشغل حالياً منصب عضو مجلس الشيوخ عن منطقة زابوروجيا الأوكرانية التي ضمتها روسيا، وممثلها السابق لدى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فقد انتقد من يبتهجون بتصريحات ترمب، واصفاً إياهم بأنهم "إما حمقى أو عملاء لأجهزة استخبارات أجنبية"، مؤكداً أن الولايات المتحدة تسعى فقط إلى "نهب موارد روسيا". 

وأكد مساعد سابق للرئيس الروسي، أن القوميين المتشددين داخل الجيش وأجهزة الأمن يرون "الأعداء في كل مكان"، لكنهم "لا يملكون نفوذاً حقيقياً داخل الكرملين، ولن يتمكنوا من عرقلة جهود بوتين لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن أو التفاوض على اتفاق سلام". 

وأضاف: "لا أحد في الكرملين يستمع إلى هذه الفئات من المجتمع. يتم استخدامهم عند الحاجة للدعاية، لكن تأثيرهم الفعلي محدود للغاية".

قلق أرثوذوكسي 

وأثارت التقارير حول تحسن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة حالة من القلق داخل المجتمع الأرثوذكسي الروسي، الذي تبنى بسرعة رواية الكرملين بأن الغزو هو جزء من "حرب حضارية وروحية ضد الغرب المنحل والشيطاني". فبعد حماس أولي إزاء التقارب، سرعان ما تحولت المشاعر إلى "قلق متزايد". 

وكتب بوريس كورتشيفنيكوف، مقدم برنامج على قناة "سباس" الدينية التابعة للبث الرسمي الروسي، عبر "تليجرام" الأسبوع الماضي: "بالنسبة للأميركيين، إنها مجرد صفقة. أما بالنسبة لنا، فهي حرب وتضحية من أجل مستقبل روسيا".

وفي إشارة إلى أن الاتفاق المقترح يأتي من "الشيطان نفسه"، أضاف كورتشيفنيكوف: "أجد كلمة صفقة مثيرة للاشمئزاز، لأنها تتجاهل التضحيات الروسية وشرف جيشنا". ولقي منشوره تفاعلاً واسعاً بين النشطاء الأرثوذكس والمنصات المرتبطة بالبطريركية الروسية. 

وظهر الارتباك بشكل خاص بين الجنود الروس على الجبهة، حيث يعتقد كثيرون أنهم لا يقاتلون الأوكرانيين فحسب، بل يخوضون حرباً ضد الناتو والولايات المتحدة، بعدما عايشوا التأثير المدمر للأسلحة الأميركية المقدمة لأوكرانيا. 

بدوره، أكد قائد وحدة استطلاع روسية تقاتل في مدينة تشاسيف يار، يُعرف باسمه الحركي "جايدوك"، أن معظم الجنود الروس "لا يكترثون" للتقارير الإعلامية التي وصفها بأنها "مجرد عواطف وهراء موجه للغرب"، مشدداً على أن تركيزهم منصب فقط على تنفيذ الأوامر العسكرية. 

ويقاتل جايدوك ضمن كتيبة "رودنيا" القومية للمتطوعين، التي أسسها الكاتب والجندي السابق زاخار بريليبين عام 2017، إذ خاض معارك منذ عام 2022 في دونباس وخيرسون وعلى طول الجبهة الجنوبية. 

تصنيفات

قصص قد تهمك