
حذر مسؤولون أوروبيون من عدم اهتمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فعلياً بأي اتفاق سلام جاد مع أوكرانيا، وذلك في وقت يدفع فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، باتجاه هدنة مدتها 30 يوماً لوقف إطلاق النار بين البلدين، حسبما أوردته مجلة "بوليتيكو".
وتصدر ملف الغزو الروسي لأوكرانيا مؤتمر "حوار رايسينا" Raisina Dialogue الذي تستضيفه الهند التي تحافظ على علاقات وثيقة مع كل من الغرب وروسيا، ما منحها نفوذاً كبيراً كوسيط بين القوتين المتنافستين، بينما يقيّم الجانبان إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام، حذر قادة أوروبيون من أن أي اتفاق سلام يُبرم دون تفاوض دقيق قد يأتي بنتائج عكسية.
واعتبرت "بوليتيكو" أن هذه التحذيرات تعكس شعوراً عميقاً بالقلق في العواصم الأوروبية بشأن مدى قدرة ترمب، الذي يقدم نفسه كصانع الصفقات الأمثل، على إبرام اتفاق سلام قابل للتنفيذ مع بوتين.
وانضم وزير الخارجية الأوكراني، أندريه سيبيا، إلى المؤتمر في الهند، حيث أشاد بالتقدم الذي أحرزته كييف مع الجانب الأميركي خلال المحادثات الأخيرة في السعودية، موضحاً أن الأوكرانيين "وافقوا على وقف إطلاق فوري للنار لمدة 30 يوماً لبدء المفاوضات، بشرط التزام الروس بذلك".
وعند سؤاله عما يأمله من مكالمة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع بوتين، قال سيبيا: "نتوقع من الجانب الروسي الموافقة غير المشروطة على الهدنة"، أما المسؤولون الروس المشاركون في المؤتمر، فقد توقعوا مسبقاً أن يطالب بوتين بتنازلات أكبر قبل الموافقة على أي وقف مؤقت لإطلاق النار.
واللافت أن أياً من المسؤولين الأوروبيين لم يوجه انتقاداً مباشراً للرئيس الأميركي، بسبب محاولته التواصل مع بوتين، في حين أشاد بعض المسؤولين الأوروبيين بالرئيس الأميركي، رغم التوترات التي تسبب بها في العلاقة عبر الأطلسي، بعد انتقاده لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، وحديثه عن ضم جرينلاند وكندا، وعقده اجتماعاً متوتراً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
تفوق بوتين
في الإطار قالت وزيرة خارجية لاتفيا، بايبا برازه: "لا يوجد مؤشر واحد على أن روسيا تريد السلام".
وقال أمين عام وزارة الخارجية الإستونية، جوناتان فسيفيوف: "نعتقد بكل يقين أن روسيا لم تغير أياً من أهدافها، وأن بوتين لا يزال يريد أوكرانيا بالكامل، والسيطرة التامة عليها".
بدورها، قالت وزيرة الخارجية السويدية، ماريا مالمير ستينرجارد: "حان الوقت لضمان التوصل إلى اتفاق عادل ودائم لا يتيح لروسيا فرصة لتعزيز قوتها وشن هجوم جديد وتحقيق نصر آخر".
ورغم أن المؤتمر شهد حضور مسؤولين من حلف "الناتو" وروسيا، لم يُعقد أي لقاء علني بينهم، ولم يتحدثوا معاً على منصة المؤتمر، إذ بحسب "بوليتيكو"، فإن بعض المسؤولين الأوروبيين يخشون من أن تحاول روسيا فرض مطالب "مرهقة" على أوكرانيا وحلفائها الغربيين كشرط لبدء محادثات جدية، كما يخشون أن يتمكن بوتين من التفوق على ترمب في هذه المفاوضات.
وقال وزير الخارجية النرويجي، إسبن بارث إيدي: "هناك قدر من الحذر، على الأقل، من تقديم تنازلات كبيرة فقط لإحضار الروس إلى طاولة المفاوضات".
وأضاف: "بالطبع، هم يعرفون جيداً كيف يلعبون هذه اللعبة، وسيحتفظون بما يحصلون عليه، وعندها لن يُعتبر ذلك إنجازاً، لأنهم سيأخذون ما يحصلون عليه".
وقال فسيفيوف: "بوتين يفعل ذلك منذ عقود، لذلك لا ينبغي الاستهانة به"، مضيفاً: "إنه بارع جداً في التلاعب بالرأي العام وقادة الغرب، لذلك يجب أن نكون شديدي الحذر عند التعامل مع أشخاص مثل بوتين. بالإضافة إلى ذلك، فهو ضابط مدرب في الاستخبارات السوفيتية".
بدوره، قال بنديكت فرانكه، نائب رئيس مؤتمر ميونيخ الأمني: "قد يبدو الأمر غريباً، لكنني ممتن للأميركيين وللرئيس ترمب، لأنهم لا يزالون يحاولون... نحن الأوروبيون فشلنا تماماً في هذا الأمر. كان ينبغي أن نكون نحن من يقود هذه الجهود".
وأضاف: "في نهاية المطاف، هذه أقرب نقطة وصلنا إليها نحو التفاوض، وذلك بفضل الإدارة الأميركية الحالية، وعلينا الاعتراف بذلك حتى لو لم يعجبنا الأسلوب أو بعض التفاصيل".
مكالمة ترمب وبوتين
وبعد مكالمة ترمب وبوتين، أعلن البيت الأبيض أن الجانبين اتفقا على أن "التحرك نحو السلام" سيبدأ بوقف إطلاق النار على منشآت الطاقة والبنى التحتية، ما يعني وقف الهجمات التي تلحق الضرر باقتصادي البلدين.
ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، والذي سيكون موضوع محادثات تبدأ الأحد المقبل في السعودية.
وبعد ساعات، واصلت روسيا قصف البنى التحتية للطاقة في أوكرانيا، ما يناقض وعود بوتين بوقف هذه الهجمات، وإثر ذلك كتب الرئيس الأوكراني على حسابه في منصة "إكس": "في هذه اللحظة، يمكنكم سماع ما تريده روسيا بالفعل في العديد من المناطق. هناك نحو 40 مُسيرة من طراز شاهد تحلق في أجوائنا، والدفاع الجوي يعمل بنشاط".
وأضاف: "هذه الهجمات الليلية التي تشنها روسيا هي التي تدمر قطاع الطاقة لدينا، وبنيتنا التحتية، والحياة الطبيعية للأوكرانيين... اليوم، رفض بوتين عملياً مقترح وقف إطلاق النار الكامل".
وقال البيان الروسي حول محادثة بوتين مع ترمب، إن الرئيس الروسي طالب بـ"وقف التعبئة في أوكرانيا وإعادة تسليح الجيش الأوكراني، ووقف تقديم المساعدات العسكرية الأجنبية وتبادل المعلومات الاستخباراتية.