
قال مسؤولون حاليون وسابقون في المحكمة الجنائية الدولية لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إن المدعي العام للمحكمة كريم خان، كان يستعد لطلب إصدار مذكرات توقيف بحق وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف، قبل أن يغادر في إجازة وسط تحقيقات تجريها الأمم المتحدة بشأن اتهامات له بالاعتداء الجنسي.
وقال المسؤولون إن القضايا المرفوعة ضد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن الداخلي إيتمار بن جفير، تتركز حول دورهما في توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وستتولى نائبتا خان اتخاذ القرار بشأن المضي في القضايا، إلا أنه من غير الواضح كيف تعتزمان التعامل معها.
ويشكك بعض المسؤولين والخبراء القانونيين، في إمكانية تقدم المحكمة في القضية، دون وجود المدعي العام على رأس عمله، نظراً لما قد يترتب عليها من مخاطر سياسية.
ويُحتمل أن يؤدي المضي قدماً في الإجراءات إلى تصعيد المواجهة بين المحكمة وإسرائيل، وتوسيع نطاقها ليتجاوز الحرب على غزة، وهي الحرب التي دفعت المحكمة، العام الماضي، إلى إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
ويُرجح أيضاً أن تتسبب مذكرات التوقيف الجديدة في توتير العلاقات أكثر مع الولايات المتحدة، وربما تؤدي إلى فرض واشنطن عقوبات جديدة.
جرائم حرب
وقالت "وول ستريت جورنال" إن المحكمة رفضت التعليق على قضايا بعينها، لكنها أكدت أن لديها تفويضاً بالتحقيق في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية منذ عام 2014، حينما قبلت السلطة الفلسطينية باختصاص المحكمة. ولم يرد المتحدثان باسم سموتريتش وبن جفير على طلبات التعليق.
وقال المسؤولون الحاليون والسابقون، إن المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية، يدرسون ما إذا كان سموتريتش وبن جفير، قد ارتكبا جرائم حرب من خلال الدفع باتجاه بناء مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية.
وتحظر اتفاقيات جنيف على الدول، نقل سكانها إلى الأراضي التي احتلتها. ويحقق المدعون أيضاً مع مسؤولين إسرائيليين آخرين، بشأن دورهم في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وفق ما ذكره المسؤولون.
وتقول إسرائيل إن الحظر لا ينطبق على الضفة الغربية، لأن المنطقة لم تكن جزءاً قانونياً من دولة أخرى عندما سيطر عليها الجيش الإسرائيلي في حرب عام 1967، وبالتالي فهي لا تُعد "أرضاً محتلة" بحسب القانون الدولي، بحسب "وول ستريت جورنال".
لكن محكمة العدل الدولية، وهي أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية.
ودافع سموتريتش وبن جفير عن توسيع سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية. ويقيم كلاهما في مستوطنات بالضفة، وقد دعيا إلى أن تستولى إسرائيل على كامل أراضيها. وقالت "وول ستريت جورنال" إن نظر المحكمة الجنائية الدولية في القضايا المرفوعة ضد الوزيرين، يأتي في وقت مشحون سياسياً بالنسبة للمؤسسة القضائية.
مخاوف من تعطيل عمل المحكمة
وأثارت مذكرات التوقيف، التي أصدرتها المحكمة العام الماضي بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، بسبب دورهما في إدارة الحرب على غزة، إدانات من الولايات المتحدة، كما فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب عقوبات على مدعي المحكمة كريم خان.
وسعى خان أيضاً إلى إصدار مذكرات توقيف بحق ثلاثة من قادة حركة "حماس"، لقوا مصرعهم لاحقاً، إما في المعارك أو عبر عمليات اغتيال.
وأخذ خان إجازة هذا الشهر، بعدما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن إحدى مساعداته، وهي محامية في الثلاثينيات من عمرها، اتهمته بإجبارها على ممارسة الجنس معه في عدة مناسبات، وبأنه استغل تحقيقات المحكمة مع نتنياهو وجالانت و"حماس" للضغط عليها كي تتراجع عن اتهاماتها. وينفي خان ارتكاب أي مخالفات ذات طابع جنسي.
ويخضع خان حالياً لعقوبات أميركية، تقول المحكمة إنها أثرت سلباً على عملها. وتدرس إدارة ترمب فرض جولة جديدة من العقوبات، بينما يخشى مسؤولو المحكمة وخبراء قانونيون أن يؤدي إصدار مذكرات توقيف جديدة ضد مسؤولين إسرائيليين إلى تحرك أميركي مباشر ضد المحكمة، ما قد يُعطلها بالكامل من خلال عزلها عن النظام المالي الأميركي.
وقال مارك إيليس، المدير التنفيذي لرابطة المحامين الدولية والمستشار لدى المحكمة بشأن العقوبات، للصحيفة: "في هذا المشهد السياسي، أعتقد أن على مكتب الادعاء والمحكمة أن يتصرفا بدرجة من الحذر"، مضيفاً: "المحكمة تواجه تهديداً وجودياً".
أسس قانونية
وينص نظام روما الأساسي، وهو المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية، على أن نقل دولة محتلة لسكانها، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى أراضٍ تحتلها يُعد جريمة حرب. وتقدم الحكومة الإسرائيلية دعماً كبيراً للمستوطنين في الضفة الغربية.
وقال إيليس: "هذا أساس قانوني قوي.. لكن البعد السياسي في المسألة، يا إلهي".
وقد تؤدي مذكرات التوقيف الجديدة، إلى زيادة الضغط الدولي على نتنياهو. فقد شددت حكومات أوروبية وكندا انتقاداتها مؤخراً لتعامل إسرائيل مع الحرب في غزة، وفرضت عقوبات جديدة على مستوطنين بسبب العنف في الضفة الغربية. كما دعا ترمب هذا الأسبوع إلى إنهاء الحرب "في أسرع وقت ممكن".
ووجهت المحكمة اتهامات إلى نتنياهو وجالانت بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، استناداً إلى أوامرهما بمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وقال المسؤولون إن قضاة المحكمة أمروا بأن تُقدم أي طلبات جديدة لإصدار مذكرات توقيف ضد مسؤولين إسرائيليين أو عناصر من "حماس" بشكل سري.
وكان خان قد أعلن طلباته بإصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو وجالانت، مخالفاً بذلك نصائح بعض كبار المدعين في مكتبه الذين دعوه إلى إبقاء الإجراءات سرية.
ردود فعل
وأثناء استعداد المحكمة لطلب مذكرات توقيف بحق نتنياهو وجالانت بشأن حرب غزة، قال مسؤولون حاليون وسابقون، إن بعض مسؤولي المحكمة كانوا يفضلون أن تبدأ الإجراءات بقضية المستوطنات في الضفة الغربية.
وأوضح المسؤولون، أن مثل هذه الخطوة كانت ستثير ردود فعل أقل حدة من تلك التي ترتبت على ملاحقة نتنياهو بسبب حرب غزة، في ظل دفاع حكومات غربية عن حق إسرائيل في ضرب "حماس" بعد هجمات 7 أكتوبر.
وكانت عواصم غربية، بما فيها الولايات المتحدة، قد فرضت بالفعل عقوبات على مستوطنين إسرائيليين بسبب اعتداءاتهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ولا تُعد إسرائيل عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وكانت دائماً تشكك في اختصاص المحكمة بالنظر في جرائم محتملة يرتكبها مسؤولون إسرائيليون في الأراضي المحتلة.
لكن المحكمة قررت عام 2021 أن فلسطين تُعد دولة طرفاً في نظام روما الأساسي، وأن للمحكمة ولاية قضائية على الجرائم المزعومة التي تُرتكب فيها، حتى وإن لم تكن إسرائيل عضواً في المحكمة.