قال المتحدث باسم لجنة التحقيق بأحداث الساحل السوري، ياسر الفرحان، إن اللجنة تمكنت من توثيق أسماء الضحايا بالمقابر الجماعية.
وذكر الفرحان أن إحدى المقابر الجماعية ضمّت جثامين عدد من عناصر الأمن العام، دُفنوا على يد عناصر تابعة للنظام السابقة، مشيراً إلى أن هناك عناصر آخرين من الأمن والمدنيين ما زالوا في عداد المفقودين.
وأضاف أن بعض عائلات الطائفة العلوية اضطرت، في ظل حالة من الهلع وانهيار الوضع الميداني، إلى دفن أبنائها في مقابر جماعية، نظراً لتعذر إجراء دفن فردي، مبيناً أن تلك المقابر حفرت على عُجالة واستخدمت لأغراض الدفن في ظروف قاسية.
وذكر أن لجنة تقصي الحقائق زارت معظم مواقع الدفن، بمشاركة العائلات ومخاتير القرى وعدد من رجال الدين، حيث تم توثيق شهادات الأهالي وتدوين أسماء الضحايا.
وأشار إلى أن اللجنة تمكنت من إجراء حصر تقريبي لعدد الضحايا، مع مطابقة البيانات المستقاة من مصادر حكومية ومدنية وطبية، إلى جانب روايات الشهود.
المتهمون بأحداث الساحل السوري
وذكر الفرحان، في مقابلة مع "الشرق"، أن اللجنة توصلت إلى قائمتين تضمان أكثر من 560 شخصاً، يُشتبه في تورطهم بأعمال عنف وانتهاكات خطيرة بحق المدنيين في الساحل السوري، وذلك في إطار المرحلة الأولى من نتائج التحقيقات الجارية.
وأوضح الفرحان أن القائمة الأولى تضم 298 شخصاً متهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد الأهالي المدنيين، بينما تشمل القائمة الثانية 265 شخصاً تورطوا في أعمال عدائية.
وأكد الفرحان أن القائمتين تستندان إلى أدلة قطعية، وستُحالان في وقت لاحق إلى هيئات إنفاذ القانون المختصة لمتابعة الإجراءات القضائية، موضحاً أن اللجنة ترفع تقريرها بشكل مباشر إلى الرئيس السوري أحمد الشرع والنيابة العامة والقضاء.
وأوضح الفرحان أن اللجنة ستطلب من النائب العام إصدار مذكرات إحضار بحق المتورطين إذا تمكنت من ترجيح هويتهم، مشيراً إلى أنه في حال تمديد ولاية اللجنة، قد تتولى استجوابهم بنفسها، أما إذا لم تُمدد، فستُحال ملفاتهم إلى الجهات القضائية المختصة لمتابعة مسارات العدالة بشأنهم.
كما أشار إلى أن مصادر المعلومات الرئيسية تضمنت شهادات عائلات، بمن فيهم ضحايا الانتهاكات الذين أبدوا تعاوناً لافتاً رغم معاناتهم، ومن بينهم سوريون من الطائفة العلوية ممن عانوا كذلك من ممارسات النظام السابق.
هل تورطت جهات خارجية في أحداث الساحل؟
وعن رصد التحقيقات أي جهات داخلية أو خارجية تقف وراء أحداث الساحل السوري، اتهم المتحدث باسم اللجنة عناصر من نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد بأنها مسؤولة عن عمليات قتل في الساحل السوري وفرض حصار على قطاعات ومناطق عسكرية بالكامل.
ورجح أن يصل عدد هذه العناصر، وفقاً لما توصلت إليه اللجنة من معلومات، إلى 4 آلاف شخص على أقل تقدير، فيما تشير تقديرات إلى أن عددهم قد يتجاوز 20 ألفاً.
وأضاف الفرحان أن من وصفهم بـ"الفلول" ما زالوا يشكّلون بنية أمنية، متهماً إياهم بالحصول على تمويل من أطراف خارجية متعددة، وقال: "حصل البعض على أموال من إيران، وحصل آخرون على أموال من بعض التجار الذين كانت تربطهم علاقات وثيقة بنظام الأسد".
واتهم الفرحان عناصر ممن يسميهم "فلول الأسد" بمحاولة إقامة دويلة مسلحة في الساحل السوري، وتحدث عن معلومات تشير إلى أن بعضهم يتحصنون داخل قاعدة حميميم العسكرية، أو في مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التابعة للأكراد.
وأشار أيضاً إلى انضمام بعض الشبان إلى تلك الجماعات، مشيراً إلى أن دوافعهم قد تكون مرتبطة بالحماسة أو أسباب أخرى، وقال إن "بعضهم تلقى تدريبات سابقة على يد الفرقة الرابعة أو أجهزة أمنية تابعة لنظام الأسد".
فوضى مسلحة في الساحل
ووصف الفرحان المشهد في بعض مناطق الساحل السوري بأنه "خرج عن السيطرة عقب استعادة الفلول السيطرة على الأرض، مما تسبب في فوضى واسعة النطاق، مع اندفاع مجموعات مسلّحة من الفصائل والمكونات الحكومية، إلى جانب أفراد من القرى والمناطق المحيطة"، بحسب تعبيره.
وقال المتحدث باسم لجنة التحقيق بأحداث الساحل السوري إن "الانتهاكات لم تتوقف في سوريا"، مرجعاً ذلك إلى أن "الدولة لا تزال في مرحلة إعادة البناء".
وأسفرت أحداث الساحل السوري عن سقوط المئات، بينهم نحو 230 عنصراً من قوات الأمن الحكومية، إضافة إلى ارتكاب عمليات نهب وسلب، في انتهاك صارخ للكرامة الإنسانية، بحسب الفرحان.
توصيات وتحذيرات
وشدد الفرحان على أهمية توصيات اللجنة، والتي نصّت في البند الاول على ضرورة مواصلة التحقيقات من قبل توصيات المؤسسات الحكومية المختصة، انطلاقاً مما توصّلت إليه اللجنة، وإحالة أكثر من 500 متهم إلى القضاء بأسمائهم الكاملة.
واعتبر أن النتائج الحالية، وإن لم تكن كافية، إلا أنها تشكل سابقة في تاريخ سوريا الحديث، إذ تمكنت لجنة مستقلة من تحقيق هذا القدر من التوثيق في فترة زمنية قصيرة، وبإمكانات محدودة.
وأكد المتحدث أن سوريا تحتاج إلى إصلاح شامل في المؤسسات الأمنية والعسكرية، وضبط السلاح، وتأهيل الكوادر البشرية، إلى جانب موارد مالية وزمن كافٍ لتحقيق العدالة الانتقالية، مشدداً على دور الشعب السوري في تجاوز هذه المرحلة الصعبة وبناء مستقبل خالٍ من الانتهاكات.