قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إنه يتعيّن على الولايات المتحدة أن توافق على تعويض إيران عن الخسائر التي تكبدتها خلال الحرب التي اندلعت، الشهر الماضي، وذلك في إطار تشديد طهران موقفها، وفرضها لشروط جديدة قبل استئناف المحادثات النووية مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وأضاف عراقجي في مقابلة مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، الخميس، أن إيران لن توافق على "العمل كالمعتاد" في أعقاب الحرب التي استمرت 12 يوماً مع إسرائيل، والتي انضمت إليها الولايات المتحدة لفترة وجيزة على الرغم من أنها كانت تجري محادثات مع إيران.
وتابع: "عليهم أن يفسروا لماذا هاجمونا في وسط المفاوضات، وعليهم أن يضمنوا أنهم لن يكرروا ذلك (خلال المحادثات المستقبلية). وعليهم أن يعوضوا (إيران عن) الأضرار التي تسببوا فيها".
وأشار عراقجي، وهو كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين في المحادثات مع واشنطن، إلى أنه تبادل الرسائل مع المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، خلال الحرب وبعد انتهائها، وأنه أبلغه بأنه من الضروري التوصل إلى "حل يرضي الطرفين" لإنهاء المواجهة المستمرة منذ سنوات بشأن برنامج إيران النووي.
وتابع: "الطريق المؤدي إلى التفاوض ضيق لكنه ليس مستحيلاً. أنا بحاجة إلى إقناع رؤسائي بأننا إذا ذهبنا للتفاوض، فإن الطرف الآخر سيأتي بعزم حقيقي للتوصل إلى اتفاق مربح للجانبين".
وأشار الدبلوماسي الإيراني، إلى أن ويتكوف حاول إقناعه بأن ذلك ممكن واقترح استئناف المحادثات؛ لكنه استدرك قائلاً: "نحن بحاجة إلى إجراءات حقيقية لبناء الثقة من جانبهم".
وشدد على أن هذا يتعين أن يشمل تعويضات مالية، دون أن يقدم تفاصيل، وضمانات بعدم تعرض إيران للهجوم خلال المفاوضات مجدداً.
وأردف: "رسالتي (إلى ويتكوف) ليست بهذا التعقيد. قلت إن العدوان الأخير أثبت أنه لا يوجد حل عسكري لبرنامج إيران النووي، ولكن يمكن إيجاد حل تفاوضي".
حرب الـ12 يوماً
وفي 13 يونيو الماضي شنت إسرائيل غارات جوية واسعة النطاق على إيران، قبل 48 ساعة من عقد جولة سادسة من المحادثات غير المباشرة بين عراقجي وويتكوف.
وخلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، قصفت إسرائيل مواقع نووية، ودمرت جزءاً كبيراً من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، واغتالت كبار القادة العسكريين وما لا يقل عن 13 عالماً نووياً، إلى جانب سقوط أكثر من 1000 شخص، بحسب السلطات الإيرانية.
وردت إيران بإطلاق وابل من الصواريخ والطائرات المسيّرة التي استهدفت مدناً إسرائيلية، وعدداً من المنشآت العسكرية، والتي تقول السلطات الإسرائيلية إنها أودت بحياة 29 شخصاً.
وقبل يومين من التوسط في وقف إطلاق النار، قصفت واشنطن الموقعين الرئيسيين لتخصيب اليورانيوم في إيران، "فوردو" و"نطنز"، وأطلقت صواريخ على منشأة في أصفهان، ما ألحق أضراراً بالغة بالمنشآت التي أنفقت طهران مليارات الدولارات عليها.
وكشف وزير الخارجية الإيراني، أن منشأة ثالثة جديدة تعمل في تخصيب اليورانيوم بالقرب من أصفهان، والتي قالت طهران قبل أيام من الحرب إنه سيجري تشغيلها رداً على انتقادات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تعرّضت أيضاً للهجوم.
وتابع: "على حد علمي، كانت الاستعدادات أجريت (للتخصيب)، لكنها لم تكن نشطة عندما تعرّضت للهجوم".
وهذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها إيران بتعرض الموقع للقصف.
دعوات إيرانية لتلسيح البرنامج النووي
وفي ما يتعلّق بالتحديات التي تواجه استئناف الجهود الدبلوماسية، قال عراقجي، إن الحرب عززت "المعارضة المتزايدة للمفاوضات داخل المؤسسة الحاكمة في إيران"، بالإضافة إلى دعوات البعض في طهران إلى "تسليح" برنامجها النووي.
وشدد كبير الدبلوماسيين الإيرانين، على التزام حكومة بلاده ببرنامج نووي سلمي مدني، مضيفاً: " إيران لن تغير عقيدتها وستلتزم بفتوى المرشد الإيراني علي خامنئي منذ عقدين، بحظر تطوير أسلحة نووية".
لكن عراقجي قال إن الحرب "لم تؤد إلا إلى تعميق عدم الثقة بالرئيس الأميركي ترمب"، الذي انسحب خلال ولايته الأولى من الاتفاق الذي أبرمته إيران في عام 2015 مع إدارة سلفه باراك أوباما، والقوى العالمية الأخرى.
ومضى عراقجي قائلاً: "المشاعر المناهضة للتفاوض مرتفعة للغاية. الناس يقولون لي: لا تضيعوا وقتكم بعد الآن، لا تنخدعوا.. إذا جاءوا إلى المفاوضات، فهذا مجرد تغطية على نواياهم الأخرى".
كما انتقد عراقجي "الترويكا الأوروبية" بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي في عام 2015، التي حذرت من أنها ستطلق آلية "إعادة فرض العقوبات" (سناب باك) لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة في نهاية أغسطس المقبل، إذا لم تستأنف طهران المفاوضات مع واشنطن، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال عراقجي، إن طهران ستنهي المحادثات مع القوى الأوروبية إذا فعلت ذلك، متهماً إياها بعدم الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق 2015.
وأردف: "فيما يتعلق بالأوروبيين، لا يوجد سبب الآن للتفاوض لأنهم لا يستطيعون رفع العقوبات، ولا يمكنهم فعل أي شيء. إذا أعادوا فرض العقوبات، فهذا يعني أن هذه هي نهاية المطاف بالنسبة لهم".
نقطة خلاف رئيسية
وذكرت "فاينانشيال تايمز"، أنه في حين قالت كل من إيران والولايات المتحدة قبل حرب الـ12 يوماً، إن المحادثات كانت تحرز تقدماً، إلا أنهما انقسمتا بشأن مطلب ترمب بأن توقف إيران جميع عمليات تخصيب المحلي لليورانيوم، وهو ما رفضته طهران.
ومنذ ذلك الحين، أصر القادة الإيرانيون على موقفهم، معتبرين أن لطهران الحق في التخصيب بصفتها دولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي.
ورغم أن إيران علّقت التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد الحرب، قال عراقجي إنه يتوقع إجراء محادثات مع الوكالة النووية التابعة للأمم المتحدة الشهر المقبل حول "طريقة تعاون جديدة".
ويقول مسؤولون غربيون، إنه في حين أن البرنامج النووي الإيراني قد تضرر بشدة، إلا أنه لم يتم تدميره. كما أنهم يعتقدون أن إيران احتفظت ببعض، إن لم يكن كل، مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء تصل إلى 60%، وهو ما يقارب درجة النقاء اللازمة لتطوير أسلحة نووية (90%).
وأشار عراقجي، إنه "لا يعرف مكان مخزون اليورانيوم الإيراني"، لافتاً إلى أن طهران تحتفظ بقدرات تخصيب اليورانيوم. ومضى قائلاً: "المباني يمكن إعادة بناءها. والآلات يمكن استبدالها، لأن التكنولوجيا موجودة. لدينا الكثير من العلماء والفنيين الذين كانوا يعملون في منشآتنا، لكن موعد وكيفية استئناف تخصيب اليورانيوم يعتمد على الظروف".
وأكد عراقجي، أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق طالما طالب ترمب إيران بالموافقة على عدم تخصيب اليورانيوم، معتبراً أنه يتعين على واشنطن معالجة ما لديها من مخاوف من خلال المفاوضات.
وزاد: "يمكننا التفاوض، ويمكنهم تقديم حجتهم وسنقدم حجتنا الخاصة. لكن مسألة التخلي عن التخصيب، تعني أنه لن يكون بيننا ما نتفاوض بشأنه".
تصعيد أميركي ضد إيران
وقال مسؤول أميركي، في وقت سابق، إن واشنطن "مستعدة للتحدث مباشرة مع الإيرانيين"، فيما أكدت الإدارة الأميركية، الأربعاء، تصميمها على مواصلة حملة "الضغط الأقصى" على إيران، عندما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، عقوبات جديدة على أكثر من 115 فرداً وكياناً وسفينة على صلة بإيران.
وحذّر الرئيس ترمب، الاثنين، من أنه سيأمر بشن هجمات أميركية جديدة إذا حاولت طهران إعادة تشغيل المواقع النووية التي سبق أن قصفتها الولايات المتحدة.
وقال ترمب إن إيران ترسل "إشارات سيئة"، والولايات المتحدة قد تشن ضربات جديدة إذا استأنفت طهران التخصيب، مضيفاً: "سنقضي على (البرنامج النووي) بأسرع مما يتخيلون".
وعقدت الولايات المتحدة، 5 جولات من المحادثات مع إيران قبل غاراتها الجوية في يونيو الماضي، التي قال ترمب إنها "قضت" على برنامج تقول واشنطن وحليفتها إسرائيل إنه يهدف إلى تطوير قنبلة نووية. ويشكك بعض الخبراء في حجم الضرر الذي لحق بالبرنامج، وتنفي إيران سعيها لامتلاك سلاح نووي.