
انتهت القمة الروسية الأميركية بألاسكا، الجمعة، من دون إعلان نتائج ملموسة، إذ بقيت التفاهمات التي جرت بين الجانبين بعيدة عن الأضواء.
ورغم أن اللقاء بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين لم يفضِ إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، إلا أنه رسّخ لدى ترمب قناعة بأن السلام الشامل أولى من هدنة مؤقتة.
وهي الرؤية التي سارع ترمب إلى نقلها للقادة الأوروبيين، في وقت أعلن فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عزمه التوجّه إلى واشنطن للقاء نظيره الأميركي.
وأعلن الكرملين بدوره عدم وجود اتفاق لعقد اجتماع ثلاثي، فيما أعرب نائب سكرتير مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف عن قناعته بأن قمة بوتين وترمب سجلت عودة إلى عقد لقاءات على مستوى كبار المسؤولين الروس والأميركيين من دون شروط مسبقة وبلا تهديدات وإنذارات.
لا شك أن القمة تركت لدى الروس انطباعاً بأنهم خرجوا منها بـ"نجاح لافت" بحسب وسائل الإعلام الروسية، وفي المقابل ارتفعت الأصوات الأوروبية والأميركية المنتقدة للرئيس دونالد ترمب، باعتبار أنه عاد من القمة "خالي الوفاض" من دون التوصل إلى قرارات ملموسة.
رؤئ مختلفة بشأن تسوية النزاع
وقال مدير مركز المعلومات السياسية في موسكو، ألكسي موخين لـ"الشرق"، إن هذه القمة تشكل خطوة أولى على طريق العديد من اللقاءات الهادفة إلى إطلاق العملية التفاوضية.
وتوقع موخين أن تعقد القمة التالية في موسكو وأن تسفر عن قرارات عديدة، مشيراً إلى أن الرئيس ترمب أعلن منذ البداية أن هذا اللقاء استكشافي.
واعتبر أن الجانبين "أظهرا مودة خلال لقاء القمة، ما شكل بداية طيبة وذخيرة للمستقبل".
وقال موخين إن "تحالف الراغبين" الداعم لأوكرانيا يعارض بقوة تحقيق تسوية سلمية للنزاع، في الوقت الذي تعمل واشنطن وموسكو على إنهاء هذا الصراع في اوكرانيا بصورة جذرية .
وأضاف أن كل من موسكو وواشنطن تملكان رؤية مختلفة بشأن سبل إنهاء النزاع، لكن تجمعهما الرغبة المشتركة في العمل على إيجاد حلول للحرب في أوكرانيا.
واعتبر موخين هذا الأمر نتيجة إيجابية لقمة ترمب وبوتين في ألاسكا التي دشنت مرحلة جديدة من التقارب في مواقف الإدارتين الروسية والأميركية.
وبشأن مستقبل التهديد الأميركي بفرض عقوبات، أعرب موخين عن اعتقاده بأن ترمب لن يتخلى عن التلويح بالعقوبات، لأنه يشكل أحد معاول دبلوماسية التفاوض الأميركية والغربية بشكل عام، والتخلي عن هذه المعاول يعني الإقرار بأنها تشكل انتهاكاً للقانون الدولي يتطلب المسائلة لاحقاً.
وذكر أنه لا توجد أوهام لدى الجانب الروسي بإمكانية إلغاء هذه العقوبات، مفترضاً أنه ربما يتم تجميد هذه العقوبات في مرحلة ما، ولكن يتم الاحتفاظ بها للتلويح بهاً مجدداً.
موقف أوروبا
ووصف موخين موقف الاتحاد الأوروبي من القمة الروسية الأميركية بأنه "غير بناء"، قائلاً إن الأوروبيين حاولوا تحريض ترمب على بوتين بهدف إحباط القمة، لأنهم يدركون أنه في حال امتنعت الإدارة الأميركية عن تقديم العون والمساعدة إلى اوكرانيا، فسيتوجب عليهم هم أيضاً الانصياع لهذا الواقع.
وتوقع الخبير الروسي أن تشهد جبهات القتال تصعيداً خطيراً خلال الفترة المقبلة، لأن روسيا عازمة على مواصلة العملية العسكرية حتى النهاية لتحقيق الأهداف المعلنة، فيما تحاول أوكرانيا من خلال مواصلة عملياتها ضد المدنيين الروس إثبات قدرتها على مواصلة القتال.
وأضاف أن هذا التوجه ضروري بالنسبة لأوكرانيا سعياً منها للحصول على مزيد من المساعدات المالية والعسكرية.
وبشأن آفاق التعاون الاقتصادي والاستثماري بين روسيا والولايات المتحدة، أعرب موخين عن ثقته بأن ترمب يعطي الأولوية للتعاون الاقتصادي والتجاري ويفضلهما على سواهما من المشاكل، مشيراً إلى أن موسكو درست هذا الجانب من عقلية ترمب التجارية بصورة جيدة.
ومن جانبه دعا كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة وكندا بالعاصمة الروسية موسكو، بافل كوشكين في حديث لـ"الشرق"، إلى عدم المبالغة في تضخيم نتائج القمة الروسية الأميركية، قائلاً إن هذه القمة تعتبر خطوة إيجابية، ولكن لا يجب المبالغة في تقييمها، لأن نتائجها غير واضحة المعالم و"نحن لا نعلم ما هو طبيعة التقدم الذي تحدث الجانبان الروسي والأميركي عن تحقيقه".
وشدد على أن كلاً من الجانبين الروسي والأميركي يسعى لتقديم القمة باعتبارها إنجازاً بحد ذاته، لافتاً إلى أن نجاحها الحقيقي لن يتحقق إلا إذا مهدت الطريق لعقد لقاء مباشر بين الرئيسين فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي، بمشاركة القادة الأوروبيين.
وتوقع كوشكين أن تؤدي القمة- في حال نجاحها- إلى تطور العلاقات الثنائية في مجالات التعاون الاستراتيجي ونزع السلاح والفضاء واستئناف الرحلات الجوية وإحياء الروابط الاقتصادية والتجارية وتخفيف العقوبات.
ولفت إلى أن هذه القمة ستعود بنتائج سلبية إذا لجأ الجانب الروسي إلى تضخيم نتائجها إعلامياً دون حدوث تقدم عملي، لأن مثل هذا الأمر من شأنه أن يغضب الجانب الأميركي، الذي يمكن أن يصعد من حدة خطابه حيال روسيا .
وأقر بأن العلاقات الروسية الأميركية لا تزال تستند إلى أساس هش، ولهذا فهي تتاثر سلباً أو ايجاباً بالكثير من العوامل.
وذكر أن ترمب أخذ على عاتقه مهمة صعبة تتمثل في تسوية النزاع الروسي الأوكراني، نظراً لانعدام الثقة بين الجانبين الروسي والأوكراني، قائلاً إنه إذا تمكن ترمب من تحقيق هذا الهدف، فسوف يسجل له كإنجاز هام للغاية وسوف يفتح الطريق أمام حصوله على جائزة نوبل للسلام.
وتوقع كوشكين حدوث تطور في استئناف علاقات التعاون الاقتصادية والتجارية بين موسكو وواشنطن، لأن هذا ينسجم مع توجهات الرئيس ترمب، مشيراً الى أن التبادل التجاري بين البلدين تدهور بسبب النزاع الأوكراني.
ولفت إلى أن تركيبة الوفد الروسي المشارك في القمة الذي ضم مسؤول ملف الاستثمارات ووزير المالية الروسي شكلت دلالة على الاهتمام بتطوير العلاقات التجارية بين البلدين.
وأبدى الباحث الروسي اعتقاده بأن مباحثات القمة في ألاسكا تطرقت إلى ملف الأملاك الدبلوماسية الروسية التي صادرتها الإدارة الأميركية خلال عهد الرئيس باراك أوباما، إضافةً إلى قضايا نزع السلاح والرقابة على التسلح، ولا سيما ما يتعلق بمصير معاهدة تقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية التي ينتهي سريانها العام المقبل.
وقال إن روسيا تولي أهمية كبيرة لمسالة الأملاك الروسية في الأراضي الأميركية وتعمل على استعادتها منذ سنوات طويلة، مشيراً في الوقت نفسه إلى تخفيف القيود المفروضة على عمل وحركة الطاقم الدبلوماسي العامل في كلا البلدين.
وشدد كوشكين على اهتمام وموسكو وواشنطن بملفات نزع السلاح والرقابة على التسلح انطلاقاً من كونهما أكبر دول نووية في العالم، ملاحظاً أن العلاقات الدبلوماسية والتعاون الاستراتيجي في ملفات نزع السلاح أصبحت مرتبطة بشكل وثيق مع النزاع الأوكراني.
وقال إن تطوير العلاقات الثنائية بين موسكو وواشنطن يعتمد على تسوية النزاع مع أوكرانيا. ولاحظ أن الحوار الاستراتيجي بين البلدين لن يتوقف في حال استمرار النزاع الأوكراني، ولكن هذا العامل سوف يساهم في تباطئ وتيره تحسين العلاقات الثنائية.