مع انخفاض مستوى العلاقات الدبلوماسية بين روسيا والغرب إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة، تستخدم موسكو المناورات العسكرية، كلغة تواصل جديدة مع الولايات المتحدة وحلفائها في مناطق الصراع على النفوذ.
وأعلنت وزارة الدفاع في بيلاروسيا، الخميس، أنها ستجري مناورات "غرب" الاستراتيجية في سبتمبر المقبل، للمرة الأولى منذ عام 2017، في وقت تتصاعد فيه معركة النفوذ على الجمهوريات السوفيتية السابقة في المنطقة، بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.
وقالت الوزراة إن التدريبات ستعرف مشاركة 12 ألفاً و800 جندي، ضمنهم 2500 من القوات الروسية، فضلاً عن 50 جندياً من كازاخستان، وهي عضو في تكتل دفاعي تقوده موسكو.
ومن المقرر أن تشمل التدريبات استخدام 140 دبابة، ونحو 110 أنظمة مدفعية، وقاذفات صواريخ وأكثر من 30 مقاتلة جوية.
وستجرى التدريبات العسكرية في ميادين تدريب في روسيا وبيلاروسيا، وستقوم على سيناريو يفترض أن "التوترات الدولية تصاعدت لمستوى قد يؤدي لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وتحركات عدوانية ضد" البلدين"، بحسب وزارة دفاع بيلاروسيا.
صراع نفوذ
بيلاروسيا، التي تقع عند أبواب الاتحاد الأوروبي ولها حدود مشتركة مع بولندا وليتوانيا، كانت علقت الأسبوع الماضي مشاركتها في "الشراكة الشرقية" ضمن الاتحاد الأوروبي، الهادفة إلى تحقيق تقارب بين الأوروبيين والجمهوريات السوفيتية السابقة، بسبب العقوبات الأوروبية المفروضة عليها.
وأكد الاتحاد الأوروبي بشكل دائم أن هذه الشراكة لا تهدف إلى توسيع نفوذه، لكن روسيا اعتبرتها تدخلاً في منطقتها.
وانتقدت أوكرانيا، التي تتشارك حدوداً بطول 1084 كم مع بيلاروسيا، هذه التدريبات، إذ قال رومان ماشوفيتس، نائب مدير مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنها "تهديد للأمن الأوروبي والأطلسي" و"ذات طبيعة عدائية".
وترغب أوكرانيا في عضوية حلف شمال الأطلسي، بهدف إنهاء أزمة منطقة دونباس، حيث تخوض القوات الأوكرانية نزاعاً مع الانفصاليين الموالية لروسيا.
وبالتزامن مع تصعيد التوتر في دونباس في أبريل الماضي، حشدت روسيا أكثر من 80 ألف جندي قرب حدود أوكرانيا الشرقية، وفي شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو من أوكرانيا في 2014. وسحبت موسكو قواتها بعد أسابيع من التوتر، إثر ضغوط أميركية وأوروبية.
وقال مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) الأميركي، إن تدريبات "غرب 2021" تثير مخاوف في أوروبا من أن تكون تمهيداً لغزو روسي جديد داخل أوركانيا انطلاقاً من بيلاروسيا، لكنه استبعد ذلك.
ورجح المركز أن تكون هذه التدريبات بمثابة تحدٍّ للولايات المتحدة وأوروبا، التي تفرض عقوبات على بيلاروسيا، وتدعم احتجاجات المعارضة، التي تسعى للإطاحة بالرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو. كما تأتي التدريبات بمثابة بروباغاندا إلى الداخل في بيلاروسيا، تظهر أنها لن تسمح بالتدخل الخارجي.
البحر الأسود.. منطقة المواجهة
وبالتزامن مع التحضير لتدريبات "غرب 2021"، حذر مسؤول في الخارجية الروسية، الخميس، من أن البحر الأسود بدأ يتحول إلى منطقة "مواجهة عسكرية خطيرة"، حيث تثير مناورات حلف شمال الأطلسي في المنطقة صراعات جديدة.
وقال يوري بيليبسون، مدير الدائرة الأوروبية الرابعة بوزارة الخارجية الروسية في مقابلة مع وكالة "ريا نوفوتسي" الروسية: "للأسف، علينا أن نعترف بأن البحر الأسود بدأ يتحول من منطقة سلام وحسن جوار، إلى منطقة مواجهة عسكرية خطرة".
وأضاف: "من البديهي تماماً أن مثل هذا النوع من التدريبات، يثير صراعات بدلاً من منعها"، رداً على سؤال بشأن تأثير مناورات "نسيم البحر 2021"، على الأمن في منطقة البحر الأسود.
وشاركت في مناورة "نسيم البحر 2021" الدولية في يوليو الماضي بالبحر الأسود، دول "الناتو" وأوكرانيا، وشملت هذه المناورات نحو 4 آلاف جندي، و40 سفينة حربية، وقوارب وسفن مساعدة، وأكثر من 100 مركبة، بما في ذلك المدرعات.
وبالتزامن مع هذه المناورات الدولية، نفذت سفن حربية روسية والطيران الحربي الروسي تدريبات عسكرية هجومية في المنطقة ذاتها.
وكجزء من التدريبات، نفذت طائرة برمائية من طراز "Be-12" استطلاعاً في البحر الأسود، بالاشتراك مع السفينتين "ساراتوف"، و"أورسك"، فيما شنت المقاتلات من طراز Su-30SM، وSu-24M، وSu-34، وSu-27، هجمات بالقذائف والقنابل، "على سفن تابعة لعدو مفترض".
وجاءت التدريبات بعد تصاعد التوتر بين حلف الـ"ناتو" وروسيا، التي أعلنت في 23 يونيو الماضي، أنها أطلقت طلقات تحذيرية وأسقطت قنابل، في مسار مدمّرة بريطانية، لإخراجها من مياه البحر الأسود قبالة شبه جزيرة القرم.
وذكرت صحيفة "بيزنس إنسايدر" البريطانية أن "موسكو بعثت من خلال هذه المناورات، إشارات إلى الولايات المتحدة وأوروبا، بشأن قدراتها العسكرية المتطورة، وبأنها تنوي استخدامها".
ونقلت الصحيفة عن ماثيو روجانسكي، مدير معهد "كينان" التابع لمركز ويلسون للدراسات الاستراتيجية، أن "موسكو مستعدة وقادرة بشكل متزايد على تطبيق ردها، على ما تعتبره خطوطاً إقليمية حمراء، في شبه جزيرة القرم والبحر الأسود".
تأمين آسيا الوسطى
وبينما تحتدم المنافسة على التواجد العسكري في البحر الأسود بين روسيا والدول الغربية، فإنها تغيب في أفغانستان، حيث بدأت روسيا تدريبات عسكرية على حدود البلاد، في ظل انسحاب القوات الأميركية وقوات حلف "الناتو" منها.
وتجري روسيا مع أوزبكستان وطاجيكستان، وهما من الجمهوريات السوفيتية وتقعان على حدود أفغانستان، منذ الاثنين الماضي تدريبات عسكرية، عقب تدهور الأمن في أفغانستان.
ونقلت وكالة "إنترفاكس" عن وزارة الدفاع الروسية قولها، الخميس، إن روسيا ستنشر أربع قاذفات استراتيجية من الطراز "Tu-22M3" الأسرع من الصوت، في التدريبات في أوزبكستان قرب الحدود الأفغانية.
وقالت الوزارة إن القاذفات ستنطلق من مدينة ساراتوف الروسية إلى موقع التدريبات، وسترافقها مقاتلات ميج-29 من القوات الجوية الأوزبكستانية أثناء التدريبات.
كما نقلت الوكالة عن فاليري جيراسيموف، رئيس هيئة الأركان العامة الروسية قوله، الخميس، إن روسيا زادت إمدادات السلاح والعتاد إلى طاجيكستان، مع احتدام القتال في أفغانستان.
وتدهور الوضع الأمني في أفغانستان سريعاً، منذ بدأت القوات الأمريكية في الانسحاب الذي سيكتمل بحلول سبتمبر، ما دفع مقاتلي طالبان لشن هجوم وتحقيق مكاسب ميدانية كبيرة.
وعلى مسار موازٍ، ألقت الصين بثقلها لدعم الجهود الروسية لتأمين حدود أفغانستان مع آسيا الوسطى، وذلك في إطار منظمة "شنجهاي" للتعاون، التي تُعتبر بكين وموسكو عضوين فيها.
وأفادت مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأميركية بأن ملامح التعاون الروسي الصيني في أفغانستان، بدأت تتبلور بالفعل، إذ أجرت كل منهما محادثات مع حركة طالبان، بالتزامن مع تقدمها العسكري واتساع نطاق سيطرتها، في وقت تواصل القوات الأميركية انسحابها من هناك.
تحالف عسكري بين روسيا والصين
وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية وو تشيان، الخميس الماضي، أن روسيا والصين ستُجريان تدرييبات عسكرية مشتركة في منطقة نينجشيا شمالي الصين، في النصف الأول من أغسطس.
وقال تشيان: "بناءً على التوافق الذي تم التوصل إليه بين بلدينا، ستشارك القوات المسلحة الروسية في تدريبات "West/ Interaction-2021"، التي ستُجرى بالصين في بداية ومنتصف هذا الشهر".
وأشار إلى أن مقر قاعدة تدريب الجيش الصيني في بلدة تشينجتونجشيا ستستضيف التدريبات المشتركة، مشيراً إلى أن التدريبات ستختبر قدرات الاستطلاع المشترك لدى البلدين، بما في ذلك الإنذار المبكر، والحرب الإلكترونية، والقدرات الضاربة.
وأوردت مجلة "ذا ناشيونال إنترست"، أن "الهدف الرئيسي للتدريبات لا يزال غامضاً"، لافتةً في الوقت نفسه إلى تصريح وزارة الدفاع الصينية، الذي أوضحت فيه أن الهدف يتمثل في "تعزيز وتطوير شراكة استراتيجية شاملة بين موسكو وبكين، والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين، وإظهار العزم على مكافحة الإرهاب".
من المتوقع أن يشارك 10 آلاف جندي في التدريبات العسكرية، التي ستتضمن أيضاً مشاركة طائرات مقاتلة ومدفعية.
وأجرت الصين وروسيا في عام 2018 أكبر مناورات عسكرية مشتركة بينهما، بمشاركة 300 ألف جندي روسي، وفي عام 2019 شهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينج، إطلاق مشروع خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من سيبيريا إلى شمال شرقي الصين.
الناتو قلق
وتأتي هذه المناورات وسط قلق غربي، إذ كان القائد الأعلى لقوات"ناتو"، تود والترز قد أكد في فبراير الماضي، أن "الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يشعرون بقلق متزايد إزاء تنامي التعاون بين روسيا والصين في المجالات ذات الاهتمام المشترك".
وأكد والترز أن "التعاون المتزايد يوحي بظهور شراكة"، وأضاف: "الهدف من الشراكة هو تعزيز المصالح المشتركة، ولكن هذا التعزيز يمكن أن يضر بأوروبا والدول المحيطة بها". وتابع حديثه قائلاً: "نحن يقظون للغاية في ما يتعلق بهذا التعاون المتزايد".
ويتهم الحلف روسيا بمحاولة زعزعة استقرار الغرب بأسلحة نووية جديدة وهجمات إلكترونية وبالعمل السري، ويرى الاتحاد الأوروبي، الذي ينتمي عدد من دوله لحلف شمال الأطلسي، أن الصين منافس على النفوذ وشريك تجاري أيضاً.
واتسمت العلاقات بين روسيا والصين، اللتين تشتركان في حدود برية تمتد لأكثر من 4200 كيلومتر، بعدم الثقة؛ إذ حذر القوميون الروس من طغيان النفوذ الصيني في أقصى شرق روسيا الغني بالمعادن، لكن روسيا اتجهت نحو الصين بعدما تعرّضت لعقوبات من الغرب، عقب ضمها شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014.