
يقدّم الرئيس الأميركي دونالد ترمب نفسه كـ"وسيط للسلام" قادر على إنهاء الحروب، لكن الواقع يكشف عن تناقض واضح في سياساته؛ إذ يتسامح مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اللذين يتجاهلان مطالبه، ويتردد في ممارسة النفوذ الأميركي لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، أو الحد من الهجوم الرّوسي على أوكرانيا، حسبما ترى صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
ويصف مراقبون في تصريحات للصحيفة، هذا الموقف بـ"المفارقة في شخصية ترمب"، فهو كثيراً ما يفاخر بإنهاء سبعة حروب، ويقدّم نفسه كـ"صانع للسلام" لا مثيل له، لكنه في النزاعين اللذين تعهّد مراراً بوقفهما (غزة والحرب في أوكرانيا)، بدا الرئيس الأميركي متردداً في ممارسة نفوذ واشنطن على إسرائيل وروسيا.
وشنت إسرائيل، الثلاثاء، ضربات صاروخية استهدفت قيادات "حماس" في قطر، كانوا مجتمعين لمناقشة مقترحات ترمب لإنهاء الحرب على غزة وضمان الإفراج عن المحتجزين. أما بوتين، فبعد لقائه ترمب في ألاسكا الشهر الماضي، صعّد هجماته بالطائرات المسيّرة والصواريخ على أوكرانيا، فيما أسقطت قوات من أعضاء حلف الناتو الأوروبيين مسيّرات روسية توغلت في أجواء بولندا.
ولم يظهر ترمب ردوداً علنية قوية على أي من الحدثين. فقد أجرى مكالمة متوترة مع نتنياهو أعقبتها أخرى أكثر ودّية بشأن نتائج العملية الإسرائيلية.
وبشأن المسيّرات الروسية فوق بولندا، وهي أول مرة يسقط فيها الناتو طائرات روسية على جبهته الشرقية، كتب ترمب على "تروث سوشال": "ما قصة روسيا وانتهاكها أجواء بولندا؟" ثم قال لاحقاً إن الحادثة "قد تكون خطأ، لكنني لست سعيداً بأي شيء له علاقة بالوضع برمته". وفيما أعلنت دول أوروبية في الحلف إرسال طائرات وقوات إضافية لتعزيز دفاعاتها، لم تُعلن الولايات المتحدة عن أي مساهمة مباشرة.
بعد ذلك، أضاف ترمب شروطاً جديدة لفرض ما وصفه بـ"عقوبات كبرى" على روسيا، مطالباً أوروبا بوقف شراء النفط الروسي تماماً، وإلزام دول الناتو بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 50% و100% على الصين حتى تنتهي الحرب في أوكرانيا. وكتب: "هذه ليست حرب ترمب، بل حرب بايدن وزيلينسكي".
نافذة دبلوماسية
وأصرّ مسؤولو إدارة ترمب، على أن الرئيس الأميركي يتحكم بزمام السياسة الخارجية، مشيرين إلى حالات ساهمت فيها واشنطن في تهدئة نزاعات مثل الحرب بين الهند وباكستان أو المواجهات الحدودية بين كمبوديا وتايلندا. ويقول مساعدوه إن علاقته الشخصية بكل من نتنياهو وبوتين تمنحه نافذة دبلوماسية، وأن كسر هذه العلاقات قد يضر باستراتيجياته الطويلة الأمد.
لكن خبراء يحذرون من أن "العلاقات الفردية وحدها لن تنهي الحروب"، خاصة ما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية. إذ تقول ألينا بولاكوفا، رئيسة مركز السياسات الأوروبية في واشنطن: "بالنسبة لبوتين، تدمير أوكرانيا طموح يتجاوز أي رئيس أميركي. يراه مصيره التاريخي لإعادة روسيا، ولن يغيّره أي نفوذ شخصي".
وبلغ تأثير ترمب على إسرائيل ذروته في يونيو الماضي، حين قصفت قاذفات أميركية من طراز B-2 مواقع نووية إيرانية محصنة، في عملية عسكرية صعبة كانت ستُرهق الجيش الإسرائيلي. "هذا الإنجاز عزّز أوراق ترمب التفاوضية"، وفق ما قاله المبعوث الأميركي السابق للسلام في الشرق الأوسط، دينيس روس.
وبينما يحصل الجيش الإسرائيلي على نحو 3 مليارات دولار سنوياً من المساعدات الأميركية، يقترح بعض المسؤولين السابقين، أن يكون "تباطؤ التسليم أو تقييد استخدام الأسلحة، وسيلة ضغط لدفع نتنياهو نحو حل سياسي". "لكن ترمب لا يبدو مستعداً لمواجهة كبرى مع نتنياهو، الذي يستخدم الإطراء للبقاء في دائرة رضا الرئيس الأميركي"، على حد وصف "وول ستريت جورنال".
وركز ترمب انتقاداته على حركة "حماس" الفلسطينية. ورغم دعمه المتواصل للحرب الإسرائيلية على غزة، أكد أن الضربات في قطر "لن تتكرر". وتستعد إسرائيل الآن لهجوم جديد على مدينة غزة، التي يصفها نتنياهو بأنها "آخر معقل مهم لحماس".
لكن منتقدين مثل دانيال شابيرو، المسؤول السابق في وزارة الحرب الأميركية (الدفاع سابقاً) البنتاجون، يرون أن سياسات ترمب ساهمت في إطالة الحرب أكثر من إنهائها، عبر "التصريحات غير المنضبطة حول تهجير الفلسطينيين، والتجاهل النسبي للأزمة الإنسانية، والتساهل مع العمليات الإسرائيلية التي تعرض الرهائن للخطر".
أما في الملف الروسي، فاقتصاد موسكو يعاني بشدة من العقوبات الغربية، لكن إدارة ترمب لم تُشدد تنفيذها بالشكل الكافي، فيما ترفض فرض عقوبات جديدة واسعة على قطاع الطاقة الروسي، تضيف "وول ستريت جرنال".
وبينما عاقب ترمب الهند لشرائها نفطاً روسياً، لم يتخذ إجراءات مماثلة ضد الصين، المشتري الأكبر للنفط الروسي. كما يبيع أسلحة لدول أوروبية لإرسالها إلى كييف، لكنه امتنع عن منح أوكرانيا صواريخ "أتاكمس" لاستخدامها داخل روسيا.
وحتى حلفاؤه، مثل السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، يضغطون عليه لتغيير مساره وتشديد العقوبات على موسكو. غير أن ترمب يواصل ربط أي قرارات بشروط جديدة، ما يراه بعض المسؤولين السابقين ذريعة للمماطلة أكثر من كونه خطة حقيقية للتحرك.
وقال إريك جرين، خبير روسيا السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي: "لقد أضاعوا بعض أوراق قوتهم. الخلاصة أنهم مستعدون للضغط على الدول الأضعف والحلفاء، لكن ليس على الخصوم".