
توصل الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الثلاثاء، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في مدينة حلب، شمال سوريا، بعد اشتباكات استمرت يومين، وأسفرت عن سقوط ضحايا ومصابين.
وذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا)، الثلاثاء، أنه تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب.
وكانت وزارة الدفاع السورية قالت إن الجيش أعاد الانتشار على طول عدة جبهات لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق البلاد، وذلك بعد تصاعد التوتر بين الجانبين.
وأكد البيان أن هذه الخطوة ليست تمهيداً لعمل عسكري، وإنما تهدف إلى منع الهجمات المتكررة ومحاولات الجماعة التي يقودها الأكراد للسيطرة على أراض.
ونقلت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) عن الوزارة أن "تحركات الجيش العربي السوري تأتي ضمن خطة إعادة انتشاره على بعض المحاور شمال وشمال شرق سوريا، وذلك بعد الاعتداءات المتكررة لقوات قسد واستهدافها للأهالي وقوى الجيش والأمن، وقيامها بمحاولة السيطرة على نقاط وقرى جديدة".
ونقلت عن إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع قولها: "نلتزم باتفاق العاشر من آذار (مارس)، ولا توجد نوايا لعمليات عسكرية".
وقال شهود إن الجيش أغلق في وقت سابق حيين بمدينة حلب تسيطر عليهما قوات سوريا الديمقراطية، مما أثار احتجاجات متفرقة من جانب السكان.
وذكر الشهود أن اشتباكات متفرقة استمرت على مشارف الحيين اللذين يديرهما الأكراد، حيث أفاد السكان بأن قذائف صاروخية أطلقت من داخل الحيين وأصابت مناطق سكنية قريبة.
وقال مصدر أمني إن أحد ضباط الأمن سقط في هجوم على نقطة تفتيش. وذكر مقاتلون أكراد مرتبطون بقوات سوريا الديمقراطية أنهم صدوا هجوماً للقوات الحكومية. وقال اثنان من السكان لرويترز إن عشرات العائلات في الحيين تفر بحثاً عن الأمان.
محافظ حلب: لا نية للتصعيد
وأكد محافظ حلب عزام الغريب أن قوى الأمن الداخلي وقوات وزارة الدفاع تسعى للحفاظ على أمن وسلامة المواطنين، ولا نية لديها لأيّ تصعيد عسكري.
وقال المحافظ في منشور عبر حسابه الشخصي على "فيسبوك": "إنّ ما يجري اليوم من إعادة انتشار للقوات الحكومية على أطراف المدينة، جاء بعد العديد من الانتهاكات المستمرة التي قامت بها "قسد" خلال الفترة الماضية، وتساندها فلول خارجة عن القانون كانت قد لجأت إليها"، على حد وصفه.
وأضاف محافظ حلب: "نُتابع المجريات الميدانية بمتابعة مباشرة مع وزارتي الدفاع والداخلية لافتاً إلى أن الحكومة سعت جاهدَةً إلى التحلي بالصبر والالتزام باتفاقية العاشر من مارس، ولا يزال المجال مفتوحاً للحوار".
ودعا المحافظ الأهالي إلى الالتزام في المنازل هذه الليلة، والابتعاد قدر المستطاع عن أماكن الاشتباكات، وقال: "نسعى مع الأطراف المعنية إلى التهدئة ووقف الاشتباكات".
وأعلن محافظة حلب تأجيل الامتحانات وتعطيل الدوام في جميع المدارس والجامعات العامة والخاصة، إضافةً إلى الدوائر الرسمية في مدينة حلب، الثلاثاء، نظراً للأوضاع الراهنة.
واستثنى من هذا القرار الجهات التي تتطلب طبيعة عملها الاستمرار في تقديم الرعاية الطبية والخدمات الطارئة للمواطنين، بحسب قوله.
ولقي عنصر من قوى الأمن الداخلي حتفه وأصيب أربعة آخرون، جراء استهداف قوات "قسد" لحواجز الأمن في محيط حي الشيخ مقصود بمدينة حلب، وفقاً لوكالة "سانا".
كما لقي مدني حتفه وأصيب آخرون بينهم نساء وأطفال جراء استهداف "قسد" الأحياء السكنية في محيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب بقذائف الهاون والرشاشات الثقيلة ونيران القناصة.
الشرع والفرصة التاريخية
من جانبه، قال المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية السورية نور الدين البابا في تصريحات لقناة الإخبارية السورية، الاثنين، إن الرئيس السوري أحمد الشرع قدم فرصة تاريخية لـ"قسد" عبر اتفاق 10 مارس، معتبراً أن الحكومة ملتزمة بهذا الاتفاق وتسعى إلى حقن الدماء.
واعتبر البابا أن سيطرة التيار الانعزالي في "قسد" هو ما يمنع نجاح اتفاق مارس حتى الآن، مبيناً أن "قسد" تسعى باستمرار لفتح ممرات لتهريب الأسلحة والممنوعات.
كما أشار إلى أن قوات الجيش ملتزمة بحماية المدنيين، لافتاً إلى أنها ردت بحزم على مصادر نيران "قسد" في حلب، معتبراً أن "قسد" تحرض أهالي حيي الأشرفية والشيخ مقصود على قوات الجيش وقوى الأمن الداخلي.
وأكد البابا على أنه "لا تزال هناك فرصة لتنفيذ اتفاق مارس بين قسد والحكومة السورية".
"قسد" تدعو لرفع الحصار
في المقابل، قالت "قسد" إن ما يجري في حلب نتيجة مباشرة لما وصفته بـ"استفزازات فصائل الحكومة المؤقتة ومحاولاتها التوغل بالدبابات".
وأضافت في بيان: "تتناقل بعض الوسائل الإعلامية مزاعم باطلة تفيد بأن قوات سوريا الديمقراطية استهدفت حواجز تابعة لمسلحي حكومة دمشق في محيط حيي الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب، ونؤكد بشكل قاطع أن هذه الادعاءات غير صحيحة إطلاقاً، فقواتنا لا وجود لها في المنطقة منذ انسحابها بموجب تفاهم 1 نيسان (أبريل)".
واتهمت قسد الجيش السوري بشن هجمات "ضد السكان المدنيين"، وفرض "حصار أمني وإنساني خانق"، ما أدى، بحسب البيان، إلى "استفزاز الأهالي ودفعهم للدفاع عن أنفسهم، إلى جانب قوى الأمن الداخلي في الحيين، التي تقوم بواجبها في حماية المدنيين وحفظ الأمن والاستقرار".
ودعت "قسد" المنظمات الدولية والإنسانية إلى التحرك العاجل والفعّال لإنهاء ما وصفته بـ"الحصار الجائر"، ووقف "الهجمات والاستفزازات الممنهجة ضد المدنيين".
ونفى المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) فرهاد شامي الاتهامات الموجهة لعناصر "قسد" باستهداف نقاط تفتيش، قائلاً إن "الجماعة لا تملك قوات في حيي الأشرفية والشيخ مقصود".
ودعا فرهاد إلى رفع ما وصفه بالحصار، محذراً من أن ما تقوم به الحكومة يمثل تصعيداً خطيراً يفاقم معاناة السكان المحليين.
الجيش السوري يرد
في المقابل، نفت وزارة الدفاع السورية اتهامات "قسد" بشأن استهداف الجيش السوري للأحياء السكنية في دير حافر، مؤكدة أن "هذه الادعاءات المضلِّلة تهدف إلى التغطية على جرائمها بحق المدنيين في مناطق شمال وشرق سوريا، ومحاولاتها المستمرة لزعزعة الأمن والاستقرارط.
ونقلت وكالة الأنباء السورية عن إدارة الإعلام والاتصال بالوزارة تأكيدها أن "وحدات الجيش السوري تمارس أعلى درجات ضبط النفس، وتختصر الرمايات في المرحلة الراهنة ضمن الحق في الرد على مصادر النيران، كما حصل، الاثنين، حيث قامت وحدات الجيش السوري بالرد على مصادر نيران قوات (قسد) التي استهدفت قريتي حميمة والكيطة شرقي حلب".
وكانت قوات "قسد" استهدفت خلال الفترة الماضية عدداً من القرى والبلدات في ريف حلب الشرقي بالقذائف والصواريخ، ما أسفر عن سقوط وإصابة عدد من عناصر الجيش والمدنيين في المنطقة، وفقاً للوكالة.
وكثفت قوات سوريا الديمقراطية المداهمات في عدة بلدات تسيطر عليها وتقطنها أغلبية عربية، قائلة إن العمليات تستهدف خلايا نائمة لتنظيم "داعش".
وأثارت هذه المداهمات، إلى جانب حملة متسارعة للتجنيد العسكري للشبان، احتجاج بعض القبائل العربية التي تتهم قوات سوريا الديمقراطية بالتمييز، وهو ما تنفيه الجماعة.
وقال مسؤولون إن المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم برّاك وقائد القيادة المركزية الأميركية الأميرال براد كوبر التقيا في وقت سابق بقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي ومسؤولين كبار في شمال شرق سوريا. وركزت المحادثات على تسريع تنفيذ اتفاق مارس مع دمشق.
وتصاعدت الاشتباكات المتقطعة خلال الأيام القليلة الماضية، وتبادلت دمشق وقوات سوريا الديمقراطية الاتهام بممارسة استفزازات.
وفي مارس، توصل الطرفان إلى اتفاق برعاية الولايات المتحدة لدمج القوات التي يقودها الأكراد في المؤسسات السورية بحلول نهاية العام، بما يشمل نقل السيطرة على معابر حدودية ومطار وحقول للنفط والغاز إلى دمشق. لكن التنفيذ بطيء وسط اتهامات متبادلة بالمماطلة.
وتضغط واشنطن أيضاً على الأكراد لتسريع المفاوضات من أجل الاندماج مع دمشق بشروط مقبولة من الطرفين. وتتهم تركيا أيضاً قوات سوريا الديمقراطية بالمماطلة وأنذرت بأنها قد تقدم على عمل عسكري إذا لم تندمج في أجهزة الدولة السورية.