تداعيات الزلزال الأفغاني (6).. تركيا: مساومات عالية المخاطر

time reading iconدقائق القراءة - 10
تصميم يجمع بين العلمين التركي والأفغاني - "الشرق"
تصميم يجمع بين العلمين التركي والأفغاني - "الشرق"
دبي-رامي زين الدين

فتح السقوط المفاجئ لحكومة أشرف غني الذي أنهى عقدين من السيطرة الأميركية في أفغانستان، شهية العديد من الدول للعب دور بارز في المنطقة، من بينها تركيا التي تسعى إلى إيجاد موطئ قدم في آسيا الوسطى، عبر الانخراط في الترتيبات السياسية والأمنية التي تجري صياغتها، في وقت أظهرت التصريحات "الودية" المتبادلة بين المسؤولين في أنقرة وقادة حركة طالبان، استعداداً للتعاون في المرحلة المقبلة.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد انفتاح بلاده على العمل مع طالبان، وفي مقابل ذلك قال المتحدث باسم الحركة، سهيل شاهين، إن تركيا "شريك رئيسي في إعادة إعمار أفغانستان وبناء الإمارة الإسلامية".

في حديث لـ"الشرق"، قال أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور سمير صالحة، إن القيادة التركية تبنّت سياسة مغايرة لسياسة العديد من العواصم الغربية والإقليمية تجاه التطورات السريعة على المشهد الأفغاني، وذلك لناحية الإعلان أنّ قوّاتها باقية حالياً في كابول، وأنّها لن تغلق مباني بعثاتها الدبلوماسية.

وتابع الأكاديمي التركي"وسط كلّ هذه المتغيّرات ستحاول أنقرة أن تكون جزءًا من معادلة جديدة في أفغانستان تأخذ بعين الاعتبار مصالحها (هناك) مع المحور الغربي الذي اعترف بالهزيمة وخسارة الكثير، والمحور الشرقي المحسوب على مجموعة شنغهاي (الصين وروسيا) الذي يقول إنّه خرج منتصراً من المشهد".

الانفتاح على طالبان

لم تكن العلاقة بين تركيا وطالبان، خلال العقدين الماضيين على وفاق، إذ لطالما نظرت الحركة إلى تركيا، باعتبارها عضو في حلف "الناتو"، كجزء من الحرب الأميركية على أفغانستان، إلا أن الطرفين أظهرا بعد سقوط كابول في 15 أغسطس انفتاحاً على التقارب في ترتيبات المرحلة المقبلة.

وأعلنت وزارة الخارجية التركية، أنها تُجري محادثات مع جميع الأطراف في أفغانستان، بما في ذلك طالبان، وتنظر بإيجابية إلى الرسائل التي بعث بها قادة الحركة منذ سيطرتهم على البلاد.

وفي تعليقه على تصريحات أردوغان التي أعرب فيها عن استعداد حكومته لفتح أبواب الحوار مع طالبان وإقامة علاقات رسمية معها، قال المحلل السياسي التركي هشام جوناي لـ"الشرق"، إن أنقرة تعتقد أن سيطرة طالبان على أفغانستان تعكس إرادة شعبية يجب التعامل معها كأمر واقع، لذلك "أتوقع أن يكون هناك حوار مباشر بين تركيا والحكومة الأفغانية التي ستتشكّل ملامحها في المرحلة المقبلة، وهذا لا يمكن أن يحدث حالياً في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد".

بدوره، استبعد المحلل السياسي التركي طه عودة أوغلو، هذه الخطوة في المرحلة الحالية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن لدى تركيا أفضلية على القوى الغربية في التعامل مع طالبان، ترتبط بالعامل المذهبي من جهة، وعدم انخراط القوات التركية سابقاً بأعمال قتالية ضد الحركة من جهة أخرى، وكذلك قبول (أنقرة) على المستوى الدولي.

وأضاف "مع ذلك، ستتابع أنقرة موقف واشنطن والدول الأوروبية التي على الأرجح ستضع شروطاً على طالبان تتعلق بتغيير سلوكها، وعلى ضوء ذلك سيتضح الموقف التركي".

أزمة اللاجئين

منذ تصاعد هجمات طالبان في مايو الماضي تزامناً مع إعلان القوات الأميركية بدء الانسحاب النهائي من أفغانستان، هرب مئات آلاف الأفغان من مناطقهم. وبعد اجتياح مقاتلي الحركة للعاصمة كابول، تضاعفت أعداد الفارين من الحرب والفقر، بينما حذرت الأمم المتحدة من أن البلاد على شفا أزمة إنسانية كبيرة. وذكرت تقارير أن هذا العام شهد نزوح نحو نصف مليون أفغاني.

وفي ضوء التدهور الأمني الحالي، يحاول آلاف الأفغان بشكل يومي العبور نحو دول الجوار، في حين يتجه بعضهم إلى الحدود التركية عبر إيران، حيث تشغل هذه القضية، بحسب هشام جوناي، قلق أنقرة، موضحاً "يعيش في تركيا أكثر من 5 ملايين لاجئ، لذلك فإن أي زيادة مفاجأة ستُربك السلطات، لاسيما في ظل حساسية المواطنين الأتراك وامتعاضهم من قدوم الأجانب، حيث يعتقد الكثيرون أن اللاجئين يقاسمونهم لقمة العيش، ما يزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد". 

وأشار جوناي إلى أن تدفق اللاجئين ينطوي من جانب آخر على تهديدات أمنية، إذ أن "بعض الأفغان يدخلون تركيا بشكل عشوائي دون تسجيل بياناتهم على الحدود، وهذا قد يشجع عناصر لها صلات بتنظيمات إرهابية من التسلل لتنفيذ هجمات في تركيا".

وللحد من تدفق اللاجئين الفارين من حكم طالبان، تعمل تركيا على تعزيز حدودها مع إيران، حيث تقوم بتركيب ألواح خرسانية بارتفاع ثلاثة أمتار، وذكرت وسائل إعلام محلية أنه تم بالفعل نصب 155 كيلومتراً من الجدار المخطط له، والبالغ طوله 241 كيلومتراً على الحدود.

كما أعلنت قوات الأمن التركية منع عبور أكثر من 69 ألف مهاجر غير نظامي، واعتقال 904 مشتبهاً بهم بتهمة الاتجار بالبشر، حيث لطالما كانت تركيا نقطة عبور رئيسية لطالبي اللجوء المتجهين إلى أوروبا.

وحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدول الأوروبية على تحمل المسؤولية إزاء المهاجرين القادمين من أفغانستان، وقال في تصريحات بعد اجتماع لمجلس الوزراء، الخميس الفائت، إن بلاده "‎ليست مضطرة وغير مسؤولة أو موكّلة لتكون مستودعاً للاجئين من أجل فائدة ‎أوروبا".

وخلال العقد الماضي، كثيراً ما استخدمت الحكومة التركية أزمة اللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا، كورقة لمساومة الغرب والحصول على مكاسب مالية وسياسية.

حماية مطار كابول

في يونيو 2021، عرضت أنقرة على واشنطن استعداد القوات التركية تحمل مسؤولية حماية مطار كابول، وقال الرئيس رجب طيب أردوغان إن تركيا هي "البلد الوحيد الموثوق به الذي يحتفظ بقوات في أفغانستان".

وتنشر تركيا أكثر من 500 جندي على الأراضي الأفغانية في إطار مهمة "الناتو" التي كانت تتولى تدريب قوات الأمن الأفغانية، لكن بقاء تلك القوات في أفغانستان لن يكون دون ثمن، وفق ما ألمح آنذاك وزير الدفاع خلوصي أكار في حديث لصحيفة "حرييت" المقربة من الحكومة، بقوله "بقاؤنا في أفغانستان، مشروط بالدعم السياسي والمالي واللوجستي من الحلفاء".

ورغم تأكيد وزارة الدفاع التركية أن مهمة قواتها في أفغانستان لن تكون قتالية، إلا أن حركة "طالبان" أكدت في ذلك الوقت أنها ترفض بشكل قاطع بقاء أي قوات أجنبية أو أمنية في أفغانستان، بما فيها التركية، مُشددة على أن أمن السفارات والمطار سيكون من مسؤولية الأفغان.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، الأميركية في يوليو الماضي، أن من بين التنازلات التي تريدها تركيا مقابل حماية مطار كابول، سماح الولايات المتحدة لها بالاحتفاظ بنظام الدفاع الجوي الروسي "إس - 400" وتشغيله.

ولطالما عارضت الولايات المتحدة بشدة استحواذ تركيا على هذه المنظومة المتقدمة، محاولة الضغط لإلغاء الصفقة الروسية، عبر فرض عقوبات على قطاع الدفاع التركي وإخراجه من برنامج مقاتلات الشبح طراز(إف 35).

وكانت وكالة "رويترز"، نقلت عن مصادر أمنية تركية في 17 أغسطس، أن أنقرة تخلت عن خطط حراسة وتشغيل مطار كابول، في حين أبدت استعدادها بدلاً من ذلك، لتقديم المساعدة الفنية والأمنية إذا طلبت طالبان ذلك، وفقاً للمصادر ذاتها.

الدور المستقبلي

وتسعى أنقرة من خلال محاولات تعزيز نفوذها في أفغانستان، إلى إيجاد موطئ قدم في المنطقة، خاصة في ظل تقارب وتداخل حدود أفغانستان مع دول مُتأثرة تاريخياً ودينياً بتركيا، مثل قرغيزستان وكازخستان وتركمانستان، حيث تعود أصول الأتراك إلى قبال الأوغوز في آسيا الوسطى. إلى جانب شهية تركيا للثروات الضخمة التي يحتويها الإقليم، على غرار النفط والغاز واحتياطات المعادن والفحم، والموارد المائية العذبة والجوفية.

المحلل السياسي طه أوغلو، اعتبر في حديثه لـ"الشرق"، أنه على الرغم من مخاطر تفجر الوضع الأمني، لكن يبدو واضحاً من التحركات التركية، أن أنقرة  تنظر إلى أفغانستان بكثير من الأهمية، خاصة لموقعها الاستراتيجي والمشاريع الاستثمارية التي أنشأتها هناك خلال السنوات الماضية.

من جانبه، لفت هشام جوناي إلى أن أفغانستان مهمة من الناحية الجيوستراتيجية بالنسبة لأنقرة، حيث تُعد بوابتها إلى آسيا الوسطى، المنطقة التي تجمعها بها روابط ثقافية ولغوية قائمة على التقارب العرقي مع الأقليات التركمانية والأوزبكية.

وأضاف جوناي "كما أن من أهم الرموز لهذه الأقليات، الجنرال الأفغاني عبد الرشيد دوستم، المدعوم من أنقرة، والذي اضطر للخروج من أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على البلاد".

ويرى الدكتور سمير صالحة، أنّ تركيا على الأرجح ستذهب وراء سيناريو التنسيق والحوار المباشر مع طالبان، والاعتراف بها قبل الآخرين، فمن ناحية لا تريد أنقرة الانتظار طويلاً ريثما يحسم المجتمع الدولي مواقفه، لأنّ ظروفها وتموضعها وعلاقاتها الحسّاسة مع أطراف النزاع في آسيا متداخلة ومتشابكة.

وأضاف الأكاديمي التركي أن تحرّك أنقرة نحو التعاون مع طالبان سيكون من خلال 3 اتجاهات، سياسي عبر الحوار مع القيادات المتمركزة في الدوحة، وعسكري عبر الحوار مع القيادة الموجودة في إسلام أباد، واستخباراتي عبر التنسيق مع أجهزة الحركة الأمنية في كابول.

وفي سياق متصل، أشار صالحة لـ"الشرق"، إلى أن قناعة أنقرة تميل نحو تحويل ما يجري في أفغانستان إلى فرصة جديدة تخدم سياستها الإقليمية، وتابع "تريد تركيا إقناع طالبان أنّها أمام مرحلة انتقالية تتطلّب تغيير الأداء والأسلوب بحيث لا يُقلِقان المجتمع الدولي، من أجل فتح الطريق أمام مرحلة انتقالية جديدة، مع استعداد تركيا لاحتضان الحركة أيضاً".

اقرأ أيضاً: