ترمب وفنزويلا.. استراتيجية غامضة تسعى إلى "أبعد من مجرد تغيير سياسي"

time reading iconدقائق القراءة - 12
عناصر مشاة البحرية البحرية الأميركية في الكاريبي. 17 نوفمبر 2025 - via REUTERS
عناصر مشاة البحرية البحرية الأميركية في الكاريبي. 17 نوفمبر 2025 - via REUTERS
واشنطن-رشا جدة

تحت شعار الحرب على قوارب مخدرات تنطلق من السواحل الفنزويلية، عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في البحر الكاريبي، إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب الباردة، مع تزايد احتمالية تحول الوجود العسكري الأميركي إلى تدّخل أوسع في فنزويلا، خاصة في ظل تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، المتكررة بشن ضربات عسكرية في أراضي فنزويلا.

وفي ظل تصاعد الضغوط والتهديدات الأميركية، كشفت تقارير صحافية، عن اتصالات بين إدارة ترمب والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، عبر قنوات دبلوماسية خلفية، لكن الرئيس الأميركي دائماً ما يكرر أن أيام مادورو في حكم فنزويلا "باتت معدودة".

وقدم عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري)، الأربعاء المالضي، مشروع قرار بمنع العمل العسكري ضد فنزويلا، دون موافقة من الكونجرس.

وكانت الولايات المتحدة قد نفذت نحو 21 ضربة جوية، منذ بداية سبتمبر الماضي، على قوارب في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، أودت بحياة أكثر من 80 شخصاً، الأمر الذي يبرره ترمب وإدارته بأنها تأتي في إطار العمليات العسكرية ضد "عصابات المخدرات".

كان ترمب قد صعد من تهديداته للرئيس الفنزويلي مادورو، بعد سلسلة من العمليات التي تستهدف ما يسمى بـ"كارتل دي لوس سوليس" Cartel de los Soles في فنزويلا. 

وفي أغسطس، رفعت الولايات المتحدة قيمة المكافأة التي تعرضها لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال مادورو إلى الضعف لتصل إلى 50 مليون دولار، بسبب مزاعم "تورطه في تهريب المخدرات، وصلاته مع عصابات إجرامية"، فيما وصفت كاراكس الإعلان الأميركي بأنه "خدعة سخيفة".

وقبل تهديده بتوسيع العمليات العسكرية لتشمل الأراضي الفنزويلية، دعا ترمب، الأسبوع الماضي، إلى اعتبار المجال الجوي لفنزويلا ومحيطها "مغلقاً بالكامل".

وهي تهديدات اعتبرها مستشار السياسة الخارجية السابق في قيادة الحزب الجمهوري بمجلس الشيوخ، جيمس جاتراس، "جادة للغاية".

وأوضح جاترس، خلال تصريحاته لـ"الشرق"، أن هذا لا يعني أن الإدارة الأميركية قد قررت بالضرورة اتخاذ إجراء عسكري موسع، لكنه يرى "أنهم يطالبون بنوع من الاستسلام من حكومة مادورو. وإذا لم يحصلوا عليه، فأعتقد أنهم مستعدون للتحرك بشكل محدود، بعدما قاموا بكل الاستعدادات اللازمة للهجوم على فنزويلا في تلك الحالة".

استراتيجية سياسية

ويتفق مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الأمن الدولي والحد من انتشار الأسلحة النووية سابقاً، توماس كنتريمان، مع جاترس في وصف تهديدات ترمب بـ"الجادة إلى حد ما".

ولكن كنتريمان، لم يستبعد في حديثه لـ"الشرق"، أن تكون تهديدات ترمب "مجرد استراتيجية سياسية"، موضحاً أنه "من الصعب التنبؤ بخطط ترمب، لأنه يستخدم التهديدات أحياناً كضغط تفاوضي، فمع دونالد ترمب، لا يمكنك أن تعرف حقاً ما إذا كان جاداً أم لا. فهو يحب إطلاق التهديدات، ولا سيما ضد من هم أقل قوة منه".

لكن في حالة فنزويلا، يعتبر كنتريمان، أنه من الخطأ النظر إلى تهديدات ترمب على أنها إجراء تفاوضي، مشيراً إلى أنها قد تحمل خطورة حقيقية، مضيفاً: "قد يباشر ترمب بالفعل إجراءات عسكرية لتغيير النظام في فنزويلا، والضغط على دول المنطقة مثل كوبا، لأن ترمب أثبت أنه قادر على اتخاذ إجراءات غير قانونية".

لطالما اتهمت واشنطن مادورو وحلفاءه الرئيسيين بالإرهاب المرتبط بالمخدرات والفساد. ففي عام 2020، وجهت وزارة العدل الأميركية اتهامات للرئيس الفنزويلي و14 مسؤولاً بالتعاون مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية "تنظيم فارك"، لاستخدام المخدرات كسلاح في "إغراق" الولايات المتحدة.

وفي بداية عام 2025، وبعد فترة قصيرة من توليه الحكم، صنّف ترمب العديد من كارتيلات المخدرات كمنظمات إرهابية، وهو تصنيف تستخدمه إدارة ترمب حالياً كتبرير للضربات العسكرية المحتملة على فنزويلا، حسبما يرى المستشار السابق في الخارجية الأميركية، دانيال سيروير.

وبينما لا تزال مكافحة تهريب المخدرات هي الهدف المُعلن لإدارة ترمب، يؤكد سيروير، في تصريحاته لـ"الشرق"، أنه "لا يوجد أي دليل على أن التهريب من فنزويلا يمثل مشكلة خطيرة". وأشار سيروير، على حد وصفه، إلى أن "فنزويلا لا تلعب دوراً في تهريب أخطر المخدرات إلى الولايات المتحدة وهي الفنتانيل".

وكان تقييم التهديد الوطني للمخدرات في عام 2025 الذي أعدته إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، قال إن تهريب "الفنتانيل" داخل الولايات المتحدة تسيطر عليه عصابات مكسيكية، وإن الحدود الجنوبية-الغربية هي الطريق الرئيسي لدخول الفنتانيل إلى أميركا.

لكن ترمب أعلن، في أكتوبر الماضي، أن الجيش الأميركي يهاجم القوارب في منطقة البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ؛ بسبب الأعداد الكبيرة من الوفيات الناجمة عن الفنتانيل في الولايات المتحدة، قائلاً: "كان سيموت ما لا يقل عن 25 ألف أميركي لو سمحتُ لهذه الغواصة بالوصول إلى الشاطئ".

وينفي جيمس جاتراس هذا الادعاء، معتبراً أن اتهامات ترمب لمادورو بقيادة كارتل مخدرات "مجرد ذريعة"، مضيفاً "كل هذا الحديث، أمر سخيف. مثل ادعاءات أسلحة الدمار الشامل الخاصة بـ(الرئيس العراقي السابق) صدام حسين. إنه كذب واضح".

ويتفق معه توماس كنتريمان، لافتاً إلى أن ترمب يستخدم المخدرات "وهي حجة زائفة" ليضفي الشرعية للإجراءات التي يريد اتخاذها، وفسّر ذلك بأن ترمب "يحاول خلق فكرة أن فنزويلا تشن حرباً على الولايات المتحدة، من خلال السماح بتهريب المخدرات. وبهذا يحاول صياغة أساس قانوني لفعل شيء هو في جوهره غير قانوني وغير دستوري".

أكثر من مجرد تغيير سياسي

وفي ظل عدم توفر معلومات تؤيد اتهامات ترمب لمادورو، بإدارة عصابة تغرق الولايات المتحدة بالمخدرات، يرى سياسيون وخبراء تحدثت إليهم "الشرق"، أن الهدف النهائي من عمليات النشر العسكرية "لا يزال غير واضح"، ورغم تأكيدهم أن ما يحدث سيؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير النظام، أكدوا أن "ترمب يسعى إلى ما هو أكثر من مجرد تغيير سياسي".

ويشير المستشار السابق في الخارجية الأميركية، دانيال سيروير، إلى أن "مادورو في موقف صعب"، معتبراً أن "عليه اكتشاف ما يريده ترمب من خلال قنوات الاتصال الخلفية".

ووصف سيروير نظام مادورو بـ"السلطوي الذي يزوّر نتائج الانتخابات"، و"لا يتمتع بأي شرعية داخل فنزويلا. وهذا ما يجعل هناك شبه إجماع داخل الطيف السياسي في واشنطن حول عدم قبول هذا النظام"، ومع ذلك، قال سيروير، إن ترمب لا يشغله الأمر فهو "ليس مؤيداً للديمقراطية".

ورجح سيروير، أن ترمب يسعى إلى "ما هو أكثر من مجرد تغيير سياسي"، ويريد مزيد من الوصول إلى موارد النفط الفنزويلية، قائلاً: "هذا مجرد تحليل من جانبي، لكنه منطقي، فنزويلا لديها احتياطيات ضخمة".

ويعتقد سيروير، أن هناك أسباباً أخرى لتهديدات ترمب، تتعلق جزئياً بمحاولة صرف الأنظار عن مشكلاته الداخلية، "فهو يواجه مشكلات خطيرة، وتراجعاً في الشعبية، وفشلاً في تحويل وقف إطلاق النار في غزة إلى حل سياسي حقيقي، كما فشل في إنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتالي فإن ملف فنزويلا يمثل له تشتيتاً مفيداً"، على حد وصفه.

إعادة تشكيل المنطقة

ويُرجَّح مساعد وزير الخارجية السابق توماس كنتريمان، أن يكون وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الذي طالما عارض بقوة النظامين في كوبا وفنزويلا، وراء هذا القرار.

وقال كنتريمان: "أعتقد أن الرئيس ترمب يعرف القليل جداً، ولا يهتم مطلقاً بشعوب أميركا اللاتينية"، ولهذا "فوّض سياسة المنطقة لروبيو"، لافتاً إلى أن الرئيس "يتبع حدس روبيو في ممارسة الضغط بهدف تغيير النظام في هذين البلدين".

ويجد تحليل كنتريمان صدى لدى جيمس جاتراس، الذي يرى أن "السبب الحقيقي لتهديدات ترمب، على ما يبدو، هو أن الولايات المتحدة تريد إعادة تشكيل المنطقة، بدءاً من فنزويلا ثم الانتقال إلى كوبا".

وأضاف: "أما الدوافع الأعمق وراء ذلك، فلا أستطيع تحديدها، لأنها لا تبدو منطقية من منظور المصلحة الوطنية الأميركية. وأعتقد ألا أحد يملك إجابة قاطعة".

سيناريوهات التحركات الأميركية

في نوفمبر الماضي، تحركت حاملة الطائرات الأكبر في البحرية الأميركية، جيرالد فورد، مع مدمراتها الثلاث إلى منطقة البحر الكاريبي.

وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS، فإن هذه الأصول غير مناسبة لعمليات مكافحة المخدرات ضد قوارب تهريب المخدرات المشتبه بها، ولكنها مناسبة لشن ضربات جوية وصاروخية ضد فنزويلا.

ومع وجود نحو 15 ألف جندي في البحر الكاريبي، يقول توماس كنتريمان، إن الولايات المتحدة تملك القدرة على تنفيذ ضربات جوية محدودة داخل فنزويلا، "لكن ليس واضحاً إن كانت الإدارة ستسلك هذا الطريق". 

اقرأ أيضاً

فنزويلا والضغط الأميركي.. كيف يحكم مادورو قبضته على السلطة؟

تحليل يوضح كيف حافظ مادورو على حكمه في فنزويلا رغم تصاعد الضغط الأمريكي، عبر شبكة ولاء واسعة تضم امتيازات سياسية وعسكرية وآليات ردع تمنع الانقسام داخل النظام.

أما عن كيفية انتهاء الوضع، أشار كنتريمان، إلى سيناريوهات عديدة، فقد يتراجع ترمب، أو يرحل مادورو، أو يتوصل الطرفان لاتفاق يحفظ ماء الوجه، لكنه أضاف أنه "إذا بدأت واشنطن عملاً عسكرياً، فقد تجد نفسها مضطرة للتصعيد لتبرير الخطوة الأولى. وتجربة الولايات المتحدة في محاولات تغيير الأنظمة حول العالم تُظهر أن الأمور نادراً ما تسير كما يخطط الأميركيون".

لكن السيناريو الأكثر ترجيحاً من جانب مستشار السياسة الخارجية السابق في قيادة الحزب الجمهوري بمجلس الشيوخ جيمس جاتراس، هو "انقلاب داخلي" يعلن إسقاط مادورو وتشكيل حكومة جديدة تطلب دعماً أميركياً.

وما "بدا واضحاً"، بالنسبة لجاتراس، هو أن ترمب "مُصمم على تحقيق تغيير للنظام في كاراكاس، سواء عبر رضوخ مادورو لمطالبه، أو من خلال عمل عسكري".

ويضيف أنه "في كل الأحوال قد ينتهي الأمر بتغيير للنظام يعقبه اضطراب وفوضى تقع مسؤوليتها على الولايات المتحدة، كما حدث في العراق بعد إسقاط النظام هناك. حققنا تغيير النظام بسرعة نسبياً، لكن البلاد بعدها ظلت غارقة في الفوضى".

المشهد الأخير

من جانبه، قال المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية، دانيال سيروير، إن ترمب وضع نفسه في موقف صعب، فإذا لم يفعل شيئاً، ولم ينجح في إرغام الفنزويليين على تنفيذ ما يريده، رغم أن أهدافه غير واضحة، فسيبدو وكأنه "أهدر قوة الولايات المتحدة دون نتيجة".

وتابع: "لذلك، إذا لم يحصل ترمب على ما يريد من فنزويلا، قد يلجأ إلى ضربات عسكرية ضد بعض المدن".

لكن سيروير يرى أن القصف من هذا النوع لا يحقق أثراً يُذكر داخل البلد المستهدَف، موضحاً أن الناس عادةً ما يلتفون حول القيادة في مثل هذه الظروف، "وبالتالي سيكون القصف دون جدوى". ويعتقد أن "ترمب غير قادر على تنفيذ غزو بري لفنزويلا، وأنه ربما يحاول دفع الجيش الفنزويلي للإطاحة بمادورو".

وتوقع سيروير، أن ينتهي الأمر بأن يقدم مادورو شيئاً ما للرئيس الأميركي، "شيئاً يعتقد ترمب أنه يستطيع بيعه للجمهور على أنه انتصار".

تصنيفات

قصص قد تهمك