
في أغسطس الماضي، تسلم سكان محافظة طوباس في الضفة الغربية المحتلة، 9 أوامر عسكرية بمصادرة مئات الدونمات من أراضيهم الواقعة على مشارف منطقة الأغوار. وقبل أيام كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عن مشروع جديد لبناء جدار بطول 22 كيلومتراً، وعمق 12 كيلومتراً، يفصل المحافظة عن أراضيها الواسعة الواقعة إلى الشرق حتى نهر الأردن.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن المتحدث باسم الجيش، قوله إن هذا الجدار الذي يسميه "سياجاً" يقام بسبب "حاجة عسكرية" تتمثل في "مراقبة حركة المركبات بين الحدود الشرقية والأغوار، ومنع تهريب الأسلحة وإحباط تنفيذ الهجمات، ومنع التسلل".
لكن الفلسطينيين يرون في جدار يقام بهذا العمق على الحدود مع الأردن، استكمالاً للسياسة الإسرائيلية الهادفة إلى ضم أراض واسعة من الضفة الغربية، وعزل التجمعات السكانية الفلسطينية في "كانتونات محاصرة" خلف جدران وأسيجة وبوابات.
الخبير الفلسطيني في شؤون الاستيطان الإسرائيلي، خليل توفكجي، أشار في تصريحاته لـ"الشرق" إلى أن "إسرائيل تعمل على ترسيم حدودها في قلب الضفة الغربية"، مرجعاً الهدف من هذا الجدار، وجدران وجسور وأنفاق أخرى تعمل إسرائيل على إقامتها، إلى محاولة تل أبيب "رسم حدود ضم الضفة الغربية المنتظر"، على حد وصفه.
وأضاف أن "عزل التجمعات السكانية الفلسطينية في كانتونات وراء جدران وأسيجة"، هي "سياسة إسرائيلية تهدف إلى إفقار هذه التجمعات، وفصلها عن بعضها البعض لتفتيت الكيانات الفلسطينية، وتحويلها إلى تجمعات سكانية بلا رابط سياسي، لتسهيل عملية السيطرة عليها".
وسائل الإعلام الإسرائيلية التي نشرت في الأيام الأخيرة، سلسلة تقارير حول هذا الجدار الجديد، قالت إنه يحمل اسم "السياج ج"، ما أثار توقعات بوجود خطط "غير معلنة" لإقامة جدارين آخرين يحملان الرمزين "أ" و "ب"، لعزل كافة أراضي الأغوار وضمها رسمياً أو فعلياً لإسرائيل.
الجدار الشرقي ومنطقة الأغوار
كان مسؤولون إسرائيليون، أعلنوا في عام 2004، خططاً لإقامة جدار شرقي في الضفة الغربية، بموازاة الجدار الغربي الذي فصل بين الضفة وإسرائيل، وضم 12% من أرضيها.
وواجهت الحكومة الإسرائيلية في حينه، عاصفة من الانتقادات الدولية، مع جعلها تتراجع عن إقامة الجدار الشرقي، والاكتفاء بالجدار الغربي، الذي أقامته بحجة منع "الهجمات الانتحارية" الفلسطينية.
ويرى مراقبون، أن إقامة هذا المقطع من الجدار في أراضي محافظة طوباس، والذي يفصل المحافظة عن أراضيها، يشكل بداية تنفيذ فعلي لجدار الضم الشرقي الذي يضم مساحات أكبر بكثير من تلك التي ضمها الجدار الغربي.
وتشكل منطقة الأغوار، 28% من مساحة الضفة الغربية، ويتركز فيها الجزء الأكبر من الموارد الطبيعية من أراض زراعية ومياه، ما جعلها تحمل اسم "سلسلة غذاء فلسطين".
واتبعت إسرائيل منذ احتلال الضفة الغربية في عام 1967، سياسة تقوم على تقليص عدد السكان الفلسطينيين في هذه المنطقة، إلى أقل حد ممكن، من خلال منع البناء، وهدم المنشآت، وإقامة مشروعات استيطانية زراعية واسعة، ومنشآت عسكرية كبيرة، وتخصيص مساحات واسعة منها للتدريب العسكري.
سياسات إسرائيلية لتقليص عدد الفلسطينيين بمنطقة الأغوار في الضفة الغربية
منع البناء الجديد.
هدم المنشآت المقامة بالفعل.
تأسيس مشروعات استيطانية زراعية واسعة.
إقامة منشآت عسكرية إسرائيلية كبيرة في المنطقة.
تخصيص مساحات واسعة من منطقة الأغوار للتدريب العسكري.
ودأب مسؤولون إسرائيليون، على الإعلان عن خطط لضم منطقة الأغوار، لكن الردود الدولية، أعاقت قيامهم بالضم الرسمي حتى اليوم.
وفي اتفاق أوسلو في عام 1993، أبقت إسرائيل مناطق الأغوار تحت سيطرتها الأمنية والمدنية، ما أتاح لها مواصلة مشروعات التوسع الاستيطاني والعسكري والحد من الوجود الفلسطيني فيها.
وفي هذا الإطار، أشار مسؤول التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أمير دواد، خلال تصريحات لـ"الشرق"، إلى أن إسرائيل تسيطر على 90% من أراضي الأغوار، و"تقوم بكل أشكال التوسع الاستيطاني والتدريب العسكري فيها بلا توقف".
وأضاف: "الضم يجري بصورة فعلية في هذه المنطقة، سواء جرى الإعلان عنه رسمياً، أم لم يجر، والممارسات القهرية الرامية لطرد العدد القليل من سكان هذه المنطقة، يجري بلا توقف".
وتعد طوباس، واحدة من أكبر البلدات الزراعية في فلسطين التاريخية. وتشير الخرائط إلى أن مساحتها تبلغ 372 كيلومتراً مربعاً، وهي مساحة تزيد قليلاً عن كامل مساحة قطاع غزة.
وتمتد أراضي محافظة طوباس، إلى الحدود مع الأردن شرقاً، ومدينة بيسان في أراضي عام 1948 شمالاً، ومحافظة أريحا جنوباً. ويبلغ عدد سكانها أكثر من 65 ألف نسمة.
مستوطنات ومعسكرات
أقامت إسرائيل، 7 مستوطنات زراعية، و7 معسكرات وقواعد للجيش على أراضي طوباس.
ويجري الجيش الإسرائيلي، تدريبات دورية دائمة، بالذخائر الحية، في أراضي المحافظة مستخدماً الطائرات والدبابات والمشاة والمظليين.
ودفعت أعمال التدريب هذه، السكان إلى الإحجام عن زراعة مساحات واسعة من أراضيهم لتعرض محاصيلهم للتلف والحرق، جراء التدريبات بالذخائر الحية.
ومنعت السلطات الإسرائيلية، الفلسطينيين، من إقامة بيوت ومنشآت زراعية في الجزء الأكبر من هذه الأراضي التي خصصتها للمعسكرات والقواعد والمستوطنات وحقول التدريب العسكري.
وكانت بعض دوائر السلطة الفلسطينية، أعدت خططاً لإقامة مدن جديدة لإسكان اللاجئين في أراضي طوباس، بعد اتفاق أوسلو، ضمن رؤية للحل السياسي الذي كان من المقرر أن تقوم بموجبه "دولة فلسطينية"، تعود إليها أعداد كبيرة من اللاجئين. لكن هذه الخطط لم تر النور، بعد فشل العملية التفاوضية.
عنف المستوطنين والتهجير
استغل المستوطنون والحكومة الإسرائيلية، الحرب على غزة، للقيام بحملة تهجير وطرد للفلسطينيين، وتوسع استيطاني واسع في هذه المناطق. وبينت تقارير متطابقة بعضها صدر عن مؤسسات إسرائيلية لحقوق الإنسان مثل "بتسيلم"، أن المستوطنين قاموا خلال الحرب بتهجير 33 تجمعاً سكانياً في هذه المنطقة، وأقاموا عشرات المستوطنات الرعوية.
وأوضح تقرير صادر عن مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في القدس "أوتشا"، صدر مؤخراً أن المستوطنين قاموا خلال العام الجاري 2025، بـ 1680 هجوماً على 270 تجمعاً فلسطينياً في الضفة الغربية المحتلة.
وجاء في التقرير، أن اعتداءات المستوطنين وممارسات الجيش، أدت إلى نزوح عشرات آلاف الفلسطينيين من بيوتهم وتجمعاتهم، وفصلهم عن مدارسهم وجامعاتهم وأعمالهم.
وأشارت التقارير، إلى أن المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، خاصة وزير المالية بتسلئيل سموتريترش، الذي يدير الإدارة المدنية في الجيش المسؤولة عن الضفة الغربية، ومعه وزيرة المستوطنات، ووزير الشرطة، وقائد المنطقة الوسطى في الجيش، وهو مستوطن، عملت على توفير الغطاء المالي والقانوني والأمني للاعتداءات وعمليات التهجير والتوسع هذه.
تفتيت الضفة الغربية
والجدار الجديد، هو واحد من سلسلة مشروعات استيطانية وأمنية وعسكرية إسرائيلية، يقول المراقبون إنها عملت على تفتيت الضفة الغربية إلى كانتونات متناثرة مفصولة عن بعضها البعض.
ومن بين تلك المشروعات، جسر هو الأعلى والأكبر في إسرائيل والضفة الغربية، لربط مستوطنات القدس مع مستوطنات الأغوار.
وفي هذا السياق، قال الخبير الفلسطيني في شؤون المستوطنات، خليل توفكجي، إن هذا الجسر يبلغ ارتفاعه 300 متر، وطوله 400 متر، ويمر فوق وادي النار الواقع بين رام الله وبيت لحم، وتبلغ تكلفته نصف مليار دولار.
كما تشمل تلك المشروعات، حواجز وسدود وبوابات على مداخل غالبية التجمعات السكانية الفلسطينية، تتحكم في حركة الأفراد والمركبات الفلسطينية، إذ تشير إحصاءات إسرائيلية أخيرة، إلى أن عدد البوابات والحواجز العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة تصل إلى أكثر من 950 بوابة وحاجزاً.
















