وسط مخاوف بشأن التأثيرات.. "تشريعات أيديولوجية" تهدد بـ"تخارج خليجي" من الأسواق الأوروبية

time reading iconدقائق القراءة - 19
الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي خلال اجتماعات مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في الكويت. 6 أكتوبر 2025 - @x.com/GCCSG
الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي خلال اجتماعات مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في الكويت. 6 أكتوبر 2025 - @x.com/GCCSG
دبي -مروان ماهر سعد

أصدر مجلس التعاون الخليجي، في مطلع ديسمبر الجاري، بياناً أعرب فيه عن قلقه البالغ إزاء تشريعين صادرين عن الاتحاد الأوروبي بشأن توجيه العناية الواجبة للاستدامة CSRD، والإبلاغ عن استدامة الشركات CS3D، موضحاً أن هذه التشريعات قد تفرض معايير أوروبية على الشركات الخليجية، بما قد يؤثر سلباً على تنافسيتها واستمرارية أعمالها في السوق الأوروبي.

ولأول مرة، تصدر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، بياناً موحداً، يعبّر عن قلقها من تأثير التشريعات الأوروبية على الأسواق والإمدادات، مطالباً بتعديل نطاق تطبيقها أو إلغائها، على الرغم من مفاوضات سابقة، ساهمت في تخفيف بعض المتطلبات.

وصدر البيان لتأكيد موقف الخليج من تشريعي (CSRD وCS3D)، وتحذير الشركات الخليجية من تأثيرهما على تنافسيتها، مع التنسيق الدبلوماسي مع الحلفاء مثل الولايات المتحدة قبل أي تنفيذ، وذلك في ظل مناقشات "حزمة أومنيبوس" Omnibus Package/Regulation (وهي مجموعة تعديلات وقوانين تفرضها أوروبا على الشركات غير الأوروبية العاملة في السوق الأوروبي، بهدف تسهيل تطبيق التشريعات.

دوافع أيديولوجية وأعباء "غير ضرورية"

اعتبر خبراء أوروبيون، في تصريحاتهم لـ"الشرق"، أن التشريعات الأوروبية (CSRD وCS3D)، "وليدة دوافع أيديولوجية"، وتهدف لفرض معايير الاتحاد الأوروبي على الشركات العالمية، مشيرين إلى أن هناك صراعاً داخلياً بين التوجهات الأيديولوجية، والحاجات الاقتصادية.

بينما يقدّر خبراء ومسؤولون خليجيون، في تصريحاتهم لـ"الشرق"، أن التشريعات الأوروبية المقترحة تفرض أعباءً تنظيمية ومالية غير ضرورية على الشركات الخليجية، وتهدد تنافسيتها في السوق الأوروبية.

الخبراء، حذروا كذلك من تأثير التشريعات الأوروبية، على سلاسل الإمداد، لا سيما في قطاع الطاقة، مشيرين إلى أن "التخارج" من السوق الأوروبية، قد يكون خياراً مطروحاً، للشركات الخليجية.

اعتمد الاتحاد الأوروبي تشريع CS3D في عام 2024، على أن تنتهي الدول الأعضاء من تطبيقه ضمن قوانينها الوطنية بحلول 26 يوليو 2027، ويُتوقع أن تبدأ المجموعات الأولى من الشركات الكبيرة غير الأوروبية العاملة في السوق الأوروبي بالامتثال له اعتباراً من ذلك التاريخ، بينما تطبق الالتزامات تدريجياً على شركات إضافية  في الفترة بين 2028 و2029 حسب حجمها وإيراداتها.

CS3D.. توجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات

نطاق التطبيق:

  • الشركات الكبيرة من حيث عدد الموظفين أو الإيرادات العالية.
  • الشركات غير الأوروبية التي تعمل في السوق الأوروبي ولها تأثير اقتصادي كبير.

المتطلبات الأساسية:

  • تقييم المخاطر البيئية والاجتماعية والعمالية في سلاسل التوريد.
  • وضع خطط للوقاية والمعالجة عند وجود آثار سلبية.
  • تقديم تقارير شفافة عن الإجراءات المتخذة والنتائج المحققة.

المعايير البيئية:

  • الامتثال لمعايير الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالتغير المناخي.
  • إدارة الموارد وتقليل الانبعاثات في كامل سلسلة القيمة.

المعايير الاجتماعية:

  • حماية حقوق الإنسان.
  • حقوق العمال ومكافحة العمل القسري أو الاستغلالي.
  • الامتثال للقوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.

كما أصدر الاتحاد الأوروبي تشريع CSRD في عام 2022، الذي يُلزم الشركات الكبيرة داخل وخارج أوروبا، بإعداد تقارير استدامة دقيقة وشفافة وفق المعايير الأوروبية للاستدامة ESRS، مع تطبيق عقوبات على غير الممتثلين، على أن يبدأ التطبيق التدريجي اعتباراً من 26 يوليو 2028 للشركات الأوروبية الكبرى، وللشركات غير الأوروبية الكبيرة بين 2029 و2030".

CSRD.. توجيه الإبلاغ عن استدامة الشركات

نطاق التطبيق:

  • الشركات الكبيرة في الاتحاد الأوروبي.

  • الشركات غير الأوروبية التي لها نشاط اقتصادي كبير في السوق الأوروبي.

المتطلبات الأساسية:

  • إعداد تقارير الاستدامة: تقديم بيانات حول الأثر البيئي والاجتماعي وسلوك الحوكمة.
  • الشفافية: ضمان الإفصاح الكامل والدقيق لجميع أصحاب المصلحة.

المعايير البيئية:

  • تقييم وإبلاغ عن الانبعاثات الكربونية.
  • إدارة الموارد الطبيعية.
  • المبادرات للتكيف مع التغير المناخي.

المعايير الاجتماعية والحكومية:

  • الإفصاح عن حقوق الإنسان وحقوق العمال.
  • سياسات الحوكمة ومكافحة الفساد.
  • تعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات.

بدأت علاقات التعاون التجاري بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في عام 1988، بما يشمل عدة مجالات أبرزها الطاقة.

ويعد الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري مع دول الخليج منذ عام 2020، مع التزام مستمر بمفاوضات اتفاقية تجارة حرة مستقبلية.

نزعات حمائية

مدير المركز الأوروبي الخليجي للمعلومات EGIC في بروكسل، ماثيو روبنسون، اعتبر أن الاتحاد الأوروبي، يدفع نحو الحواجز التجارية، انطلاقاً من سياسته القاضية بدمج مبادئ المناخ وحقوق الإنسان في النشاط التجاري.

وأضاف في تصريحاته لـ"الشرق"، أن أوروبا ترى في الممارسات المستدامة والأخلاقية "قيم غير قابلة للتفاوض"، حتى لو عقّدت التعاملات الاقتصادية، "ولكن عملياً، يعني ذلك مطالبة الشركات باعتماد تعريفات الاتحاد الأوروبي الخاصة بالاستدامة، والامتثال لمعايير مناخية وعمالية تتجاوز ما تنصّ عليه الاتفاقيات الدولية".

وبينما يُنظر إلى التجارة عادةً، باعتبارها تبادلاً اقتصادياً مباشراً، يرى صانعو السياسات الأوروبيون، أن فرض أهدافهم البيئية والاجتماعية عبر التجارة، "ضروري" رغم مخاطر على تدفقات التجارة، وإمدادات الطاقة الأوروبية، وفق روبنسون.

ومضى روبنسون يقول: "رغم أن لغة الخطاب الأوروبية تعكس مثالية أخلاقية، إلا أن هناك مخاوف من أن (نزعة حمائية) أوروبية تتسلل وراء هذه الإجراءات".

وأكد أن الاتحاد الأوروبي يبرر تشريعات الاستدامة بدوافع أخلاقية (مثل مكافحة تغير المناخ وتعزيز حقوق الإنسان)، إلا أن هناك شكوك في وجود دافع تجاري لحماية الصناعات الأوروبية".

وبذلك يمدد الاتحاد الأوروبي تشريعاته إلى الخارج عبر ربط دخول السوق بالامتثال لمعاييره، على حد قول روبنسون، الذي لفت إلى أن أوروبا تعتبر ذلك وسيلة لمنع المنافسة غير العادلة، وتحقيق المصلحة العالمية، لا استهداف الشركاء.

مخاوف توتر تجاري

يسعى الاتحاد الأوروبي لتعزيز الاستدامة دون إغضاب شركائه، عبر مرونة في تطبيق تشريعاته، على حد وصف، ماثيو روبنسون.

ولفت روبنسون، خلال تصريحاته لـ"الشرق"، إلى أن الاتحاد الأوروبي "تحت ضغط الحلفاء"، بدأ بالفعل في إبداء بعض "الليونة"، إذ أعاد النظر في مسودات القواعد التشريعية لتخفيف الأعباء المفروضة على الشركات الأجنبية في ظل مخاوف من توتر تجاري.

وتظهر التعديلات الأخيرة للبرلمان الأوروبي، والتي هدفت لتخفيف صرامة بعض البنود لحماية التنافسية، وفق روبنسون، الذي توقع استمرار الحوار الدبلوماسي بين التكتل ودول الخليج.

وقد تعهّدت المفوضية الأوروبية بالفعل بأخذ الملاحظات الدولية بعين الاعتبار، فيما شدّد المفوض التجاري الأوروبي، فالديز دومبروفسكيس، مؤخراً، على أن الاتحاد "يحتاج إلى الإصغاء وتقدير المخاوف" التي يثيرها الشركاء.

وتشير مثل هذه التصريحات، إلى أن بروكسل تدرك قلق دول الخليج، ومستعدة لتعديل بعض بنود التشريعات بما يمنع تعطيل التجارة أو إمدادات الطاقة. 

ورغم عدم تقديم إعفاءات محددة، يمكن للاتحاد الأوروبي تعزيز الثقة عبر التنسيق مع حكومات دول مجلس التعاون، إلا أن روبنسون يرى أن مصلحة الاتحاد تكمن في استمرار حضور الشركات الخليجية لضمان المنافسة والاستثمار واستمرار تدفقات الطاقة الحيوية.

بدوره قال الخبير في حوكمة الشركات والاقتصاد الدولي، بيير مورين، في تصريحات لـ"الشرق"، إن الاتحاد الأوروبي، يقدم تشريعاته المتعلقة بالاستدامة، باعتبارها أدوات لتحقيق أهداف "الصفقة الخضراء" وضمان تكافؤ الفرص عالمياً.

ومع ذلك، أوضح مورين، أن الاتحاد يعترف بوجود "مقايضات ومخاوف" مرتبطة بامتداد هذه القوانين إلى خارج الحدود وتأثيرها المحتمل على التنافسية، وهو ما دفعه إلى إقرار  تشريع " أمنيبوس - Omnibus".

عقبات تفرضها "الصفقة الخضراء"

أدى تعديل "تشريع أومنيبوس - Omnibus Regulation"، إلى تضييق نطاق تطبيق توجيه CS3D، مما يقلّل تأثيره على الشركات الخليجية الصغيرة، مع رفع العتبات المالية وعدد الموظفين للتركيز على أكبر الشركات فقط، وفق ما أوضحه بيير مورين.

وأضاف مورين، أن الاتحاد الأوروبي يبرر تشريعاته الصارمة بأنها ضرورية لمعالجة التحديات البيئية وحقوق الإنسان عالمياً، موضحاً أن أوروبا ترى في ذلك استقراراً لاقتصادها وأمنها على المدى الطويل.

ويعتبر مورين أن "العقبات الأيديولوجية" التي تضعها أوروبا، ما هي إلا محاولة لاحتساب التكاليف البيئية والاجتماعية الحقيقية، مثل التلوث أو الانتهاكات، والتي لا يحتسبها النظام التجاري التقليدي، موضحاً أن هذه التشريعات تشكل ركيزة رئيسية في "الصفقة الخضراء" التي تستهدف جعل الاتحاد الأوروبي محايداً مناخياً بحلول 2050.

ويشير مورين إلى أن الاتحاد الأوروبي سيعزز الانخراط الثنائي مع دول الخليج، بما في ذلك المفاوضات التجارية والتعاون في التنويع الاقتصادي والاستثمار الأخضر، مع مواءمة معايير التقارير ESRS، مع معايير IFRS لتقليل الحاجة لتقارير منفصلة. 

وأكد مورين أن القوانين الأوروبية، رغم أهدافها البيئية والاجتماعية، تحمل آثاراً تجارية وحمائية غير مباشرة. فالمنطق الأوروبي يفرض معايير عالية على جميع الشركات لحماية أوروبا، لكن الشركات الخليجية ترى التعقيد وتكلفة الامتثال ميزة للشركات الأوروبية.

ورغم استماع بروكسل للتحذيرات الخليجية، إلا أنها تعتبر النفاذ إلى السوق الأوروبية، "أداة ضغط للتغيير العالمي"، بينما ستعكس تعديلات "أومنيبوس" إدراكاً لأهمية الأسواق الخليجية في الطاقة والاستثمار، بحسب مورين

ولفت إلى أن اعتماد أوروبا على الطاقة والمعادن من دول الخليج، يجعل العلاقات الاقتصادية عاملاً مهماً يقيد تطبيق التشريعات الجديدة.

وتابع: "عندما تحقق شركة خليجية مبيعات كبيرة داخل الاتحاد (فوق 450 مليون يورو بحسب أومنيبوس)، فإن الاتحاد يرى أن كامل سلسلة أنشطتها داخل وخارج أوروبا تؤثر على أهدافه".

الإطار الدولي للمعايير الأوروبية

يعتبر الاتحاد الأوروبي، أن متطلباته تستند إلى أطر دولية مثل مبادئ الأمم المتحدة وإرشادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكنه في أبريل الماضي، اعتمد ما يُعرف بـ "Stop the Clock"، مما أجّل تطبيق بعض التزامات (CSRD و CS3D) لشركات لم تبدأ بعد في تقارير الامتثال.

ومؤخراً، في هذا الشهر، وبحسب اتفاق مبدئي بين البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي، تقرر تأجيل تطبيق تلك المعايير ليشمل فقط الشركات الكبيرة من حيث عدد الموظفين أو الإيرادات العالية، مما يقلل عدد الشركات الخاضعة للتوجيه.

ووفق بيير مورين، فقد تم تأجيل تطبيق الالتزامات الجديدة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الشركات غير الأوروبية إلى 2029/2030، لتوفير وقت كافٍ لها لبناء البنية التحتية اللازمة وتجنّب الإضرار بشركاء كبار مثل دول الخليج.

وأضاف: "رغم القلق الخليجي، تتجه العلاقة نحو شراكة عملية تضمن استمرار التجارة، مع تركيز الرقابة على كبار الشركات وفتح فرص للاستثمار في الطاقة النظيفة وتحويل التحديات التنظيمية إلى فرص طويلة المدى".

عقلية "التحول الأخضر" الأوروبية

توماس أودونيل، الخبير في شؤون الطاقة والجغرافيا السياسية، اعتبر أن التشريعات الأوروبية (CS3D وCSRD)، "وليدة دوافع أيديولوجية" وليست تجارية، و"ارتبطت بسيطرة الفكر البيئي المتشدد داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي"، منذ عهد المستشارة  الألمانية السابقة أنجيلا ميركل. 

ويرى أودونيل وهو أستاذ زائر في مدرسة هيرتي للحوكمة، ومحاضر في أسواق النفط والغاز بجامعة "فريه"، في برلين، أن "عقلية التحول الأخضر" التي تجسدت في "الصفقة الخضراء" كانت وراء سنّ قيود واسعة النطاق تتجاوز المنطق الاقتصادي في أوروبا.

ويشير أودونيل، إلى أن جزءاً من التيار الأخضر (جماعات معنية بالسياسيات البيئية في أوروبا)، يحمل تحيزاً مسبقاً ضد الغاز الطبيعي، ويعامله كـ"وقود ملوث"، ولذلك يسعى للتدقيق في كامل سلسلة القيمة، حتى خارج أوروبا.

وأضاف أن هذا التدقيق يُبرز اعتراض دول الخليج، وفي مقدمتها قطر، على أن الدول المصدِّرة لا يمكنها التحكم في جميع حلقات سلسلة التوريد خارج حدودها.

على حد وصف أودونيل، في تصريحاته لـ"الشرق"، تتسم التشريعات الأوروبية، في هذا السياق بـ"نبرة تفوق أخلاقي"، إذ يرى بعض صانعي القرار الأوروبيين، أنهم يمتلكون مستوى أخلاقياً أعلى، ويحق لهم فرض معاييرهم على بقية العالم.

وأشار إلى أن المدافعين المتشددين عن تلك اللوائح، ليسوا مهتمين بالتجارة مع دول الخليج، إذ يعتقدون إمكانية استبدال النفط والغاز بالطاقة المتجددة رغم صعوبة ذلك تقنياً، مشيراً إلى صراع داخل الاتحاد الأوروبي، بين من يضعون الأيديولوجيا فوق الاقتصاد، ومن يدركون أهمية العلاقات التجارية مع دول الخليج. 

وأرجع كذلك بعض القواعد الأخلاقية، مثل مقاطعة الغاز الروسي، إلى "دوافع سياسية واضحة"، يمكن فهمها، إلا أن تطبيق قواعد الاستدامة على سلاسل توريد على دول مثل الخليج، معقدة، ويبدو في أحيان كثيرة غير واقعي.

وختم تصريحاته لـ"الشرق"، بالإشارة إلى أن هذه التشريعات، رغم دوافعها الأيديولوجية، بدأت تمنح فرصاً حمائية للشركات الأوروبية، وهو تطور قد يحوّل قوانين الاستدامة تدريجياً إلى أدوات اقتصادية بحتة.

أعباء تقوض التنافسية

من جانبه، أكد رئيس مركز الخليج للأبحاث في جدة، عبد العزيز بن صقر، أن الشركات الخليجية العاملة بالسوق الأوروبية، تطبق أعلى معايير الاستدامة حالياً، خاصة التي تتعلق بإعدادها لتقارير الاستدامة التي تكشف عن تأثيراتها البيئية والاجتماعية وحوكمتها (ESG)، وكذلك تقارير العناية الواجبة لاستدامة الشركات (CS3D) التي تتطلب إجراء العناية الواجبة الشاملة لتحديد ومنع وتخفيف الآثار السلبية على حقوق الإنسان والبيئة عبر سلاسل الإمداد الكاملة.

 إلا أنه أوضح في تصريحاته لـ"الشرق"، أن هذه التشريعات المقترحة من قبل الأوروبيين، تفرض أعباءً جديدة لا داعي لها على الشركات الخليجية التي تتعامل مع الاتحاد الأوروبي.

وبشأن المخاطر، يقول بن صقر: "بلا أدنى شك، ستؤثر تلك التشريعات على القدرة التنافسية للشركات الخليجية بالسوق الأوروبي، وربما قد تضطر إلى الخروج من السوق، إذا لم تتوافق مع متطلبات هذه التشريعات".

كما لفت إلى أن هذه التشريعات "قد تؤدي حتماً إلى اضطراب في سلاسل الإمداد القائمة، وبالطبع ستكون إمدادات الطاقة أول القطاعات التي ستتأثر، مما يهدد أمن الطاقة الأوروبي". 

وتابع: "كذلك إنشاء عمليات عناية واجبة شاملة لتحديد ومنع وتخفيف الآثار السلبية على حقوق الإنسان والبيئة في جميع مراحل سلسلة الإمداد، والتي قد يكون بعضها خارج نطاق سيطرتها، مما سيتطلب تتبعاً دقيقاً ومفصلاً للموردين والممارسات، وهو ما يشكل عبئاً إدارياً كبيراً". 

وأضاف أن عدم الامتثال لهذه التشريعات سيؤدي إلى فرض غرامات مالية كبيرة أو الخروج من السوق الأوروبي بنهاية المطاف.

أدلجة التجارة

حسبما يرى رئيس مركز الخليج للأبحاث، فإنه "لابد من البحث عن تشريعات لتسهيل التجارة الحرة القائمة على الكفاءة الاقتصادية وحماية البيئة وتقليل الانبعاثات"، مضيفاً أن التشريعات المقترحة بلا شك ستؤدي لما يُسمى بـ"أدلجة التجارة" لتعزيز توجهات سياسية أو أيدولوجيات اجتماعية واقتصادية.

وأكد أن التشريعات الأوروبية تعمل كـ"شكل من أشكال الحمائية التجارية المقنّعة لحماية الصناعات الأوروبية، الأقل كفاءة"، لافتاً إلى أن هذه التشريعات تشكّل حواجز تجارية غير مبررة.

ومن حيث التنافسية، اعتبر أن "التكاليف الإضافية الإدارية والتنظيمية والمالية للامتثال لإعداد هذه التقارير الجديدة ترفع تكلفة الوحدة المنتجة في الشركات الخليجية مما يجعلها أقل تنافسية"، موضحاً أن عدم الامتثال لذلك سيؤدي إلى فرض عقوبات مالية ضخمة، وتكون النتيجة النهائية هي (التخارج) ويصبح الجميع خاسراً".

وأشار إلى أن أول القطاعات التي ستتأثر هي قطاع الطاقة، إلا أن الضرر الأكبر سيكون علي الاتحاد الأوروبي "الجائع للطاقة" علي مدار العام، وقد تلجأ الشركات الخليجية لأسواق طاقة بديلة.

واختتم بن صقر حديثه موضحاً أن: "الشركات الخليجية في النهاية ستخسر تنافسيتها في الاتحاد الأوروبي فقط، لذا ستتجه حتماً إلى أسواق أخرى لا توجد فيها مثل هذه التشريعات، مما يؤثر بشكل طفيف على الاستثمارات في الخليج، إذ قد يأتي مستثمرون آخرون من آسيا، على سبيل المثال، للاستثمار في الشركات الخليجية، ومع ذلك، فإنه بلا شك يهدد أمن الطاقة الأوروبي".

بدوره أفاد عضو مجلس الشورى السعودي والمستشار الاقتصادي، فضل بن سعد البوعينين، أن إلزام الشركات الكبرى الأوروبية والدولية باتباع مفهوم الاتحاد الأوروبي للاستدامة، وبتشريعات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة وخطط التغير المناخي، يؤثر مباشرة على تنافسية الشركات الخليجية وعلاقاتها التجارية والاستثمارية.

وأضاف البوعينين في تصريحاته لـ"الشرق"،  أن فرض هذه التشريعات من خارج إطار الاتفاقيات المناخية الدولية، يخلق تحديات ليس لدول الخليج فحسب، بل للعالم أجمع.

وأشار إلى أن "التشدد الأوروبي" سيؤثر سلباً على الشركات الخليجية والدولية المرتبطة بالأسواق الخليجية، وأن بعض الدول الأوروبية تستغل ملف حقوق الإنسان لأسباب سياسية لا إنسانية، ما يزيد التعقيد على الشركات.

وأوضح أن التخارج من السوق الأوروبية بالنسبة للشركات الخليجية الكبرى "ليس سهلاً"، لكنه خيار مطروح، بينما التخارج من الاستثمارات المالية قد يكون أسهل وأكثر تأثيراً على الأسواق، كما أن حجب تدفق الاستثمارات يعد أداة فعالة لمواجهة التشريعات الجديدة.

ضغوط خليجية أميركية

في أكتوبر الماضي، أرسلت قطر والولايات المتحدة، رسالة مفتوحة إلى الاتحاد الأوروبي، تعبر عن قلق بشأن تأثير (CS3D) على تنافسية صادرات الغاز وإتاحة الطاقة بأسعار معقولة للمستهلكين.

واعتبر فضل البوعينين، أن الضغط الخليجي والأميركي ساهم في تخفيف تطبيق قوانين الاستدامة على معظم الشركات الخليجية، حيث أصبح (CS3D) يطبق فقط على أكبر الشركات الأوروبية، مع تأجيل الموعد النهائي للامتثال. 

وأضاف أن البرلمان الأوروبي غالباً يتخذ قراراته وفق توجهات الناخبين، وليس على "تقييماً عقلانياً" شاملاً لتأثيراتها الاقتصادية، خاصة في ظل تحديات قطاع الطاقة، ما يستلزم التعامل معها بعقلانية أكبر.

واتفق معه الخبير الاقتصادي القطري، عبد الله الخاطر، مؤكداً أن تلك التشريعات الأوروبية الجديدة، تفرض على الشركات الخليجية معايير قد تزيد التكاليف وتؤخر الالتزام بالمتطلبات، وسط روتين بيروقراطي أوروبي معقد، ما قد يضر بالمستهلك الأوروبي أولاً. 

وأكد في تصريحاته لـ"الشرق"، أن الكثير من صادرات الخليج، خاصة في قطاع الطاقة، تُصدر كمادة خام دون أي تصنيع أو قيمة مضافة، لذا يصعب فرض معايير بيئية إضافية ومكلفة عليها، موضحاً أن المادة الخام مطلوبة في السوق الأوروبي وتدعم اقتصاده، ما يجعل من الصعب فهم سبب فرض اشتراطات جديدة ومكلفة على الشركات الخليجية.

غموض الآليات التنظيمية الأوروبية

وأوضح الخاطر، أن الخليج استثمر بالفعل جهوداً كبيرة في حماية البيئة المحلية والإقليمية، بما يفوق ما تتوقعه أوروبا، ما يجعل المزايدة الأوروبية على هذه الاستراتيجية "غير مقبولة من جانب صانعي القرار الخليجي".

ولفت إلى أن النقاش يشير إلى أن ترك القرار النهائي لتطبيق المعايير الأوروبية على صادرات الخليج بيد أوروبا وحدها، يخلق حالة من الغموض للشركات والمستثمرين الخليجيين في السوق الأوروبي، ويزيد المخاطر التشغيلية وعدم وضوح آليات الرقابة.

ومضى يقول: "يجب تحديد متطلبات أوروبا بوضوح، مع إنهاء المفاوضات بالتوافق بين جميع الأطراف، لتجنب تأثيرات سلبية على بيئة العمل والاستثمارات الخليجية".

تصنيفات

قصص قد تهمك