
حشد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قوة بحرية غير مسبوقة في منطقة البحر الكاريبي، وهدد بشن غزو بري لفنزويلا، وحذر من إمكانية انخراط دول مجاورة في عمليته ضد مهربي المخدرات. لكن خيارات الرئيس في المنطقة تبدو محدودة على أفضل تقدير، بحسب مجلة "بوليتيكو".
وقال ترمب، في حلقة خاصة من بودكاست The Conversation مع داشا بيرنز من "بوليتيكو"، الاثنين، إن أيام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في السلطة "معدودة"، ورفض استبعاد احتمال إرسال قوات برية إلى البلاد.
وأشار إلى أن المكسيك وكولومبيا، قد تواجهان أيضاً، عمليات عسكرية تستهدف تهريب المخدرات.
لكن، وبحسب "بوليتيكو"، لا توجد قوة أميركية برية كبيرة في المنطقة تنتظر الأوامر، وسيستلزم نقل آلاف الجنود إلى دولة صديقة أو إقليم أميركي قريب، استعداداً لغزو بري، جهداً لوجستياً كبيراً ومرئياً بوضوح.
ويجعل هذا الضربات الجوية، الخيار الأكثر واقعية للرئيس الأميركي، رغم تحذيراته من اتخاذ إجراءات أشد.
تكتيك تفاوضي
وأبرزت مقابلات مع ستة أعضاء من الحزب الجمهوري، ومسؤولين في البنتاجون، ومستشارين في البيت الأبيض، التحديات الكبيرة التي تواجهها خطط الغزو البري المحتمل، بالإضافة إلى الاعتقاد المشترك بأن خطاب ترمب، المدعوم بقصفه المفاجئ للبرنامج النووي الإيراني هذا الصيف، قد يكون كافياً لإقناع مادورو بالتنحي.
ونقلت "بوليتيكو" عن شخص مقرب من البيت الأبيض، ومطلع على تفكير الإدارة: "هذه التهديدات هي استراتيجية مصممة للضغط على مادورو لمغادرة منصبه".
ورفض آخرون فكرة تورط المكسيك أو كولومبيا. وقال شخص ثان مقرب من البيت الأبيض، طلب عدم كشف هويته في تصريحات لـ"بوليتيكو": "فرصة حدوث ذلك هي 99.9% لا أكثر، لكن ترك فرصة 0.1% على الطاولة سيدفع الأطراف المعنية إلى التفاوض".
وقالت "بوليتيكو"، إن الخطاب الصارم ليس جديداً على رئيس جعل من تهديداته العلنية ضد أعداء حقيقيين أو متصورين سمة مميزة من أسلوبه في الحكم. كما عمل ترمب على بناء صورته كوسيط للسلام، ما يجعل سعيه لعقد صفقات السلام متناقضا بعض الشيء مع تهديداته بشن هجمات على ثلاث دول مختلفة في نصف الكرة الغربي.
وقال ستيف بانون، المستشار السابق للبيت الأبيض، والصوت المؤثر في حركة "ماجا" Make America Great Again: "هذه ليست نسخة جديدة من مبدأ مونرو 2.0، بل هي نسخة مونرو 5.0"، في إشارة إلى نسخة أكثر عدوانية ومباشرة، تصل إلى حد التهديد العسكري المباشر لتحقيق أهدافه السياسية.
وأضاف: "تشكل هذه التعزيزات البحرية ضغطاً إضافياً على مادورو للاستسلام والقيام بما يريد ترمب، وهو الانتقال إلى تركيا ومغادرة البلاد، لأن المفاوضات وصلت تقريباً إلى هذا المستوى، وما يحدث الآن هو مجرد ضغط".
تعزيزات عسكرية مكثفة
ويشير تحليل حديث لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أن حوالي 12 سفينة حربية أمريكية في المنطقة، عُززت مؤخراً بوصول حاملة الطائرات يو إس إس جيرالد ر. فورد، قادرة على إطلاق ما يقرب من 200 صاروخ توماهوك على أهداف برية في المنطقة. لكن التجارب السابقة تشير إلى أن شن هجوم شامل يتطلب على الأقل 50 ألف جندي، منهم 20 ألف جندي من قوات المشاة.
وقال مارك كانسيان، وهو عقيد مشاة بحرية متقاعد وأحد معدي التحليل: "الولايات المتحدة لا تمتلك القوات البرية اللازمة لغزو، بينما تصل قوات مادورو البرية إلى نحو 90 ألفاً، بما في ذلك الجيش والمشاة البحرية والحرس الوطني. أما الولايات المتحدة فلديها 2200 مشاة بحرية فقط بالقرب من المنطقة، ولا توجد تحركات لتعزيزهم".
وبحسب "بوليتيكو"، تشكل السياسة عائقاً إضافياً أمام ترمب، إذ أن قاعدة حركة "ماجا" منقسمة بشأن هذه المغامرة بالكامل. فقد خاض ترمب ونائب الرئيس جي دي فانس، الانتخابات على برنامج يرفض فكرة أن تكون الولايات المتحدة "شرطي العالم"، وينتقد الحروب الطويلة في العراق وأفغانستان، ويعتبرها إرثا لـ "فشل النظام العالمي بعد الحرب الباردة".
وأعرب بعض أعضاء الحزب الجمهوري، الذين أيدوا علناً الضربات على القوارب في البحر الكاريبي، عن ترددهم بشأن فكرة الغزو البري. وقال السيناتور ليندسي جراهام (جمهوري منساوث كارولاينا)، وهو حليف ترمب، والذي يصف مادورو بـ "ديكتاتور ناركو إرهابي": "لا أرى حاجة لتدخلهم في الوقت الحالي".
ورفض العديد من مؤيدي ترمب فكرة تورط القوات الأميركية. وقال السيناتور جوش هوالي (جمهوري من ميسوري) في مقابلة، الثلاثاء: "لست من مؤيدي القوات البرية، ولا من مؤيدي التغيير القسري للنظام الذي تفرضه الولايات المتحدة. إذا قرر مادورو المغادرة بمحض إرادته، فذلك جيد. لكنني لم أدعم أبدا التغيير القسري للنظام".
وقد يؤدي الغزو أيضاً إلى تكاليف متزايدة ونجاح غير مؤكد، وقد يتحول سريعاً إلى حرب عصابات في الغابات الفنزويلية إذا قررت القوات الموالية لمادورو المقاومة، بحسب مسؤول سابق في إدارة ترمب.
وأضاف مسؤول دفاعي: "أي وجود لقوات أميركية برية في فنزويلا قد يستغرق أشهراً من التحضير، وسيكون مرئياً في الدولة المجاورة التي ستُجمع فيها القوات. هذا ليس شيئا يمكن تفعيله بسرعة".
كما أن الرأي العام الأميركي يبدو معارضاً لمثل هذه الإجراءات. وأظهر استطلاع حديث لـ CBS News، أن 70% من الأميركيين يعارضون اتخاذ ترمب أي إجراء عسكري في فنزويلا.
وقال مسؤول دفاعي سابق ثان: "كانت إدارة ترمب تأمل في إخافة مادورو ليغادر فنزويلا، لكن إذا لم ينجح ذلك، فإن الخيارات العسكرية المتبقية غير جذابة. وإذا غادر مادورو بالفعل، سواء طوعاً أو بالقوة، فسيظل السؤال مطروحاً بشأن ما إذا كانت القوات الأميركية ستكون بحاجة لتأمين البلاد، ولأي مدة زمنية".











