حذر مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إيه" وليام بيرنز أجهزة المخابرات الروسية، بشكل سري، من مواجهة عواقب إذا كانت وراء سلسلة الحوادث الصحية الغامضة المعروفة باسم "متلازمة هافانا" التي تعرّض لها الدبلوماسيون والعملاء الأميركيون في عدة أنحاء من العالم، حسبما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين أميركيين.
وقالت الصحيفة في تقرير، الأربعاء، إنه خلال زيارته موسكو في وقت سابق من نوفمبر الجاري، أثار بيرنز الأمر مع قيادة جهاز الأمن الفيدرالي الروسي "إف سي بي"، وجهاز المخابرات الخارجية في البلاد "إس في آر"، وأكد لهم أن التسبب في إصابة الموظفين الأميركيين وأفراد أسرهم بضرر شديد في الدماغ وغيرها من الأعراض "يتجاوز حدود السلوك المقبول لجهاز استخبارات محترف"، بحسب المسؤولين الذين تحدثوا للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هوياتهم.
وأضافت الصحيفة أن تحذير بيرنز لم يلقِ باللوم على الروس في ما يسميه المسؤولون الأميركيون "الحوادث الصحية الغريبة"، كما أن حقيقة أنه صاغ تحذيره باستخدام كلمة "إذا" تشير إلى أنه بعد 4 سنوات من التحقيقات، عبر عدة إدارات أميركية مختلفة، لا تزال حكومة الولايات المتحدة غير قادرة على تحديد سبب هذه الحوادث غير العادية.
الكرملين ينفي
وعلّق الكرملين على التقرير، الخميس، نافياً أي تورط لروسيا في "متلازمة هافانا"، وشدد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، على أن القضية لم تتم إثارتها خلال الاجتماعات السياسية بين بيرنز وبوتين، ولكنه قال إنه لا يمكنه التعليق على المحادثات الخاصة التي عقدها بيرنز مع وكالات الأمن الروسية.
وأضاف بيسكوف أن القول بأن وكالات استخبارات أجنبية وراء المتلازمة الغامضة، للتسبب بإصابات دماغية للدبلوماسيين الأميركيين وعائلاتهم، هو "أمر غير معقول".
وقال بيسكوف: "يمكنني فقط النفي بشكل قاطع أي تلميحات أو تصريحات بتورط روسي في هذه القضية"، مضيفاً: "لا علاقة لنا بهذا الأمر مطلقاً".
شكوك عميقة
وتابعت الصحيفة أن قرار مدير "سي آي إيه" الحديث بشكل مباشر عن إمكانية التدخل الروسي مع نظرائه في موسكو يؤكد الشكوك العميقة لدى وكالة المخابرات المركزية حول تورط الكرملين في الأمر.
من جانبها، امتنعت وكالة المخابرات المركزية الأميركية عن التعليق على تحذير بيرنز للروس، والذي كشفت عنه "واشنطن بوست" لأول مرة، كما لم ترد السفارة الروسية في واشنطن على طلب من الصحيفة بالتعليق.
كانت موسكو نفت في السابق أي دور لها في حوادث "متلازمة هافانا"، وهي ظاهرة سميت على اسم العاصمة الكوبية التي أبلغ فيها دبلوماسيون وضباط مخابرات أميركيون، لأول مرة عام 2016، عن أعراض غير عادية ومتنوعة من صداع ومشكلات في الرؤية ودوخة وإصابات في الدماغ.
وأشار المسؤولون الأميركيون الذين تحدثوا إلى "واشنطن بوست" إلى أن الهدف الرئيسي من رحلة بيرنز إلى موسكو كان إخطار الكرملين بأن واشنطن "تراقب حشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا"، وأنها "لن تتسامح مع أي هجوم عسكري على البلاد"، بحسب الصحيفة.
وتابعت: "كان ظهور بيرنز في موسكو، والذي جاء بطلب من الرئيس الأميركي جو بايدن، يهدف إلى إبراز جدية واشنطن بشأن الحشد الروسي على الحدود مع أوكرانيا".
غضب وإقالات
ولفتت الصحيفة إلى أن عدم قدرة واشنطن على تحديد سبب "متلازمة هافانا" أثار غضب أعضاء الكونجرس والدبلوماسيين الأميركيين ومسؤولي المخابرات الذين يقولون إنهم يعانون من هذه المشكلة الصحية.
وتابعت: "سعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إثبات أنها تتعامل مع المشكلة بشكل جديّ، كما شجعت الموظفين على الإبلاغ عن أي مشكلات صحية محتملة قد يواجهونها. وفي الأشهر الأخيرة، أقيل اثنان من كبار المسؤولين الأميركيين بعد اتهامهما بالفشل في التعامل مع الأمر بجدية".
وأشارت الصحيفة إلى إقالة رئيس مكتب وكالة المخابرات المركزية في فيينا، حيث تم الإبلاغ عن إصابة العشرات من الجواسيس والدبلوماسيين الأميركيين بالمتلازمة الغامضة، فضلاً عن المسؤولة بوزارة الخارجية الأميركية عن الإشراف على حالات متلازمة هافانا، السفيرة باميلا سبراتلين".
ووفقاً للصحيفة، فإنه بعد إقالة سبراتلين، عَيّن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الدبلوماسي جوناثان مور لرئاسة فريق عمل الاستجابة لـ"متلازمة هافانا"، والموظفة البارزة في السلك الدبلوماسي مارجريت أويهارا، لضمان تلقي المتضررين من المرض الرعاية الطبية اللازمة.
"هجمات" روسية
وقالت "واشنطن بوست" إن بيرنز وصف "متلازمة هافانا" بشكل علني بأنها "هجمات"، مشيرة إلى أن بعض المسؤولين الأميركيين يشتبهون بأن عملاء روساً يقفون وراءها، إذ يتكهنون بأن موسكو استخدمت أسلحة الطاقة لإصابة الأفراد الأميركيين، فيما عزاها مسؤولون آخرون إلى مرض نفسي يعاني منه هؤلاء الذين يعملون في بيئة عمل شديدة الضغط.
وذكرت الصحيفة أنه في يوليو الماضي، عَيّن بيرنز ضابطاً كبيراً في وكالة المخابرات المركزية، لعب دوراً قيادياً في مطاردة زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن، كمسؤول عن فرقة العمل التي تحقق في سبب المرض الغامض. وفي أغسطس الماضي، أبلغ موظفان أميركيان في هانوي عن الأعراض قبل وصول نائبة الرئيس كامالا هاريس إلى العاصمة الفيتنامية في رحلة دبلوماسية رسمية، وهو ما أدى إلى تأخير زيارتها بضع ساعات.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين حاليين وسابقين، لم تكشف هوياتهم، قولهم إن أحد ضباط المخابرات الأميركية الذين سافروا مع بيرنز في زيارته إلى الهند في سبتمبر الماضي، أبلغ عن شعوره بأعراض "متلازمة هافانا"، ما تطلب خضوعه لرعاية طبية، وهو ما رآه البعض رسالة إلى قادة وكالة المخابرات المركزية بأنه يمكن استهدافهم في أي مكان أيضاً.
وذكرت الصحيفة أنه تم الإبلاغ عن أكثر من 200 حادثة صحية غامضة حول العالم في السنوات الخمس الماضية، في كل القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية، ومع ذلك فإنه لا يوجد نمط واضح يفسر الأمر.
وأشارت إلى أنه في بعض الحالات، أبلغ الموظفون الأميركيون عن أعراض مرتبطة بمتلازمة هافانا، لكن مسؤولاً بارزاً في الإدارة قال للصحيفة إنه عند إجراء مزيد من الفحص وُجد أن الأعراض ترجع إلى أسباب أخرى.
ورأت الصحيفة أن لغز "متلازمة هافانا" يمثل إضافة إلى التعقيد الموجود بالفعل في العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، في الوقت الذي تحاول فيه إدارة بايدن تحديد ما إذا كان تعزيز موسكو لقواتها على طول الحدود مع أوكرانيا بمثابة استعراض للعضلات أو مقدمة لغزو شامل للبلاد.
اقرأ أيضاً: