لماذا تراجعت شعبية بايدن؟ خبراء ومحللون يجيبون

time reading iconدقائق القراءة - 9
الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مؤتمر صحافي عن الأعاصير التي ضربت ولاية كنتاكي- 11 ديسمبر 2021 - REUTERS
الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مؤتمر صحافي عن الأعاصير التي ضربت ولاية كنتاكي- 11 ديسمبر 2021 - REUTERS
واشنطن- هبة نصر

مع اقتراب انتهاء العام الأول من رئاسة جو بايدن للولايات المتحدة، يواجه الرئيس الديمقراطي تراجعاً ملحوظاً في شعبيته على خلفية جملة من المسائل، ما قد ينعكس على نتائج الانتخابات النصفية المقررة في نوفمبر المقبل. 

وفي أحدث استطلاع للرأي أجرته شبكة "أيه بي سي نيوز" بالتعاون مع "أبسوس" ونشر الأحد 12 ديسمبر، أعلن أكثر من ثلثي الأميركيين، وتحديداً ما نسبته 69%، عدم موافقتهم على أداء بايدن، بينما أعلن قرابة 57% عدم رضاهم على تعامله مع التعافي الاقتصادي. 

وتكمن أهمية الأرقام ليس فقط في ما تعكسه بالإجمال، بل في التراجع بشعبية بايدن داخل الحزب الديمقراطي نفسه؛ إذ أبدت غالبية ضئيلة من الديمقراطيين الذين شملهم الاستطلاع رضاها على أداء بايدن في مسألة التضخم، بينما أبدى 71% من المستقلين معارضتهم له. 

وحظي بايدن بتأييد 54% من الأميركيين في مسألة تعامله مع جائحة كورونا، لكن هذه النسبة هي أقل مما كانت عليه سابقاً. 

أسباب التراجع 

وكانت مؤشرات تراجع شعبية بايدن، ومعه الديمقراطيين الذين حققوا فوزاً بغالبية ضئيلة في مجلسي الشيوخ والنواب في انتخابات عام 2020، قد انعكست جلية في نتائج انتخابات الحاكمية لولاية فيرجينيا، التي جرت بداية نوفمبر الماضي وأسفرت عن فوز الجمهوريين في منصب الحاكم ومجلس النواب. 

وفي حين أنه غالباً ما يخسر حزب الرئيس انتخابات فيرجينيا في ولايته الأولى، ثمة عوامل محلية أخرى تقاطعت معها وأدت إلى هذه النتيجة. 

  • أجندة انتخابية

وقالت مديرة الاتصال في مكتب الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما (ديمقراطي)، جوهانا ماسكا، في حديث خاص لـ"الشرق"، إن الأجندة التي خاض الجمهوريون حملتهم وفقها هي التي أدت بالدرجة الأولى إلى فوزهم؛ فالجمهوري جلين يونكين ركز حملته على معارضة الديمقراطيين لتدخل الأهل في المناهج التدريسية، وهو أمر يعارضه حتى بعض الديمقراطيين. وتقول ماسكا: "أنا أمّ ولا يمكن أن أوافق ألا يكون لي رأي بذلك". 

ولا تعد هذه العوامل مسألة عابرة في ظل الاستقطاب الحاد الذي تعيشه البلاد منذ أيام الرئيس السابق دونالد ترمب. وهي جزء من تباينات أيديولوجية بين الحزبين. 

  • تأخر وانقسامات

بمعزل عن هذه العوامل رغم أهميتها، جاءت انتخابات فيرجينيا في وقت لم يكن الديمقراطيون قد نجحوا في تمرير خطتهم للبنية التحتية، وهو أمر حرم بايدن وفريقه من بدء قطف ثمارها وإن كان ليس من المؤكد أنها تنعكس على فيرجينا بالذات. 

لكن التأخر في إقرار خطة البنية يلقي الضوء على أحد العوامل التي تهدد شعبية بايدن، كونها تعرقل أجندته وتتكرر في ملفات أخرى. فالتأخر في إقرار الخطة جاء جراء الانقسامات داخل الحزب الواحد وهو ما قد يحول أيضاً دون إقرار الحزمة الاقتصادية الأخرى التي تحمل اسم "إعادة البناء بشكل أفضل". 

وفي هذا السياق، تقول ماسكا: "هناك انقسام كبير. فالديمقراطيون سيطروا على المجلسين بأشخاص يحملون وجهات نظر متباينة، وفازوا أصلاً بغالبية ضئيلة جداً، أضيفت إليها خلافات الحزب الواحد على قضايا كالبنية التحتية التي لم يكن يجب أن تستغرق كل هذا الوقت لإقرارها". 

وقالت إن خطة البنية التحتية التي أُقرّت أخيراً لا تتضمن كل المسائل التي تعني الناخب الأميركي، وإنما تشملها الحزمة الاقتصادية التي يناقشها مجلس الشيوخ حالياً، والتي لا يوجد توافق حولها. 

  • بطء التعافي الاقتصادي

وفي حين من الطبيعي أن تتراجع شعبيه الرئيس وحزبه بعد انتهاء شهر العسل عقب التنصيب، كما يقول مدير برنامج الشؤون التشريعية في "جامعة جورج واشنطن" كايسي بوغارت، إلا أنه يشير إلى أن مستوى تراجع شعبية بايدن يقارب المستوى الذي وصل إليه سلفه دونالد ترمب.

ويضيف أن "الناس يلومون بايدن على البطء في التعافي الاقتصادي والتضخم، وأسعار الغاز، وذلك بمعزل عن صحة مدى مسؤوليته عن ذلك".

وكان مؤشر أسعار الاستهلاك الذي تصدره وزارة العمل، أعلن ارتفاعاً في أسعار الاستهلاك في الولايات المتحدة بنسبة 6.8% في نوفمبر الماضي بالمقارنة مع نوفمبر 2020، في أعلى ارتفاع لها منذ عام 1982.

وفيما يدافع بايدن وفريقه عن هذه المسألة باعتبار أنها نتيجة للتعافي الاقتصادي بعد الخروج البطيء من جائحة كورونا، إلا أن معارضيه من الجمهوريين يستثمرون في هذه المسألة باعتبار أن الأمر بات خارجاً عن السيطرة بعدما كانت التوقعات بداية العام بألا يتخطى التضخم نسبة 2%، فيما هو يقارب الآن نسبة 7%.

  • تحديات أخرى

وفي المسائل التي لا يزال يحظى بايدن بشعبية في مقاربتها، كتعامله مع تداعيات جائحة كورونا التي بلغ عدد ضحاياها يوم الثلاثاء 800 ألف وفاة، برزت تحديات أخرى؛ إذ مرر مجلس الشيوخ بغالبية 52 صوتاً، مشروع قانون لإلغاء قرار بايدن المتعلق بإلزامية لقاح كورونا لأصحاب العمل في القطاع الخاص. وحظي القرار بتأييد كامل من الجمهوريين وتصويت 2 من الديمقراطيين. 

وعلى الرغم من أن المشروع قد لا يمر في مجلس النواب، نظراً إلى أن حجم الغالبية الديمقراطية أكبر من مجلس الشيوخ، إلا أنه يعكس التفاوت في الآراء داخل الحزب الواحد. 

وهذا التفاوت هو نفسه الذي أخّر إقرار خطة البنية التحتية ومنَع بايدن من التوجه إلى قمة "مجموعة العشرين" وقمة المناخ محصناً بغالبية تشريعية مؤيدة لأجندته التي سيقدمها للمجتمع الدولي؛ ويتوقع أن ينسحب على الحزمة الاقتصادية، ما سيؤدي إلى خسارة الحزب في الانتخابات المقبلة، بحسب عدد من الخبراء. 

كما أخفق الديمقراطيون في تمرير قوانين حماية التصويت، والإصلاح الجنائي، وإصلاح قوانين عمل الشرطة وغيرها، في وقت نجح الجمهوريون في تمرير نحو 33 مشروع قانون من أصل 389 مشروعاً تم طرحها في الولايات ويرى الديمقراطيون أنها تقيّد عملية التصويت. 

وولدت هذه المشاريع من رحم تشكيك ترمب بنزاهة العملية الانتخابية عام 2020، وهي تعكس استمرار تأثيره على الحزب الجمهوري. وبدا ذلك في سلسلة الأسماء التي يتبنى دعمَها لخوض السباق التشريعي المقبل والتي تحاول كسب وده قبل إعلان خوض السباق. 

وفي هذا السياق أيضاً، لا يزال الترقب سيد الموقف لمعرفة ما إذا كان ترمب نفسه سيترشح مجدداً عام 2024، وهو ما أخر انطلاق قافلة الترشيحات الجمهورية وإن كان ثمة حراك بدأ يلوح لبعض المرشحين المحتملين من أمثال نائب الرئيس السابق مايك بنس. 

تأثير السياسة الخارجية

أما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية ومدى تأثيرها على تدني شعبية بايدن، ورأى كايسي بوجارت (من جامعة جورج واشنطن) أن أفغانستان كانت مسألة كبرى عندما حصلت، لكن كما هو الحال في الكثير في الأشياء عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فإن الذاكرة بهذا الخصوص غالباً ما تتلاشى ولا تبقى عاملاً مؤثراً. 

إلا أن جوهانا ماسكا، التي كانت داخل البيت الأبيض ومع أوباما خلال حملته، قالت إن تأثير الانسحاب من أفغانستان هو في عامل الثقة. فعلى الرغم من أنه لا طريقة مثلى للانسحاب، فإن طريقة تنفيذ الانسحاب عكست غياباً في القيادة، مشيرة إلى أن ثمة حاجة ملحة كانت لدى الناس ليشعروا بأن ثمة قيادة على المسرح العالمي، وثمة من ظن أن بايدن سيأتي بالأشخاص المناسبين، وهو ما لم يحصل. 

وفي الحديث عن رأيهم في القيادة، أعرب 55% من الذين شملهم استطلاع "أيه بي سي"، عدم رضاهم عن كيفية تعامل بايدن مع العلاقات مع روسيا، بينما أبدى 38% فقط ثقتهم به للتفاوض مع بوتين نيابة عن الولايات المتحدة.

انعكاسات انتخابية

وكما هي القاعدة في كل انتخابات أميركية، يصعب التكهن في ما سيكون عليه المشهد قبل 10 أشهر؛ إلا أن ثمة من يرى أنه بعد عام من سيطرة الديمقراطيين، ولو كان لهذه الانتخابات أن تُجرى غداً، فإن حظوظ الديمقراطيين تبدو أقل مما كانت عليه قبل خوضهم انتخابات عام 2020. 

لكن في حال فشل الديمقراطيين في الحفاظ على المجلسين، ستواجه البلاد حالة من الشلل التشريعي، مشابهة لتلك عاشتها إدارة أوباما، وستنصبّ الجهود على انتخابات الرئاسة لعام 2024.