تبدو معضلة تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا مستعصية في ظل إصرار الرئيس فلاديمير بوتين على تلقي ثمن الغاز بالروبل بدلاً من اليورو والدولار، إذ يواجه إصراره رفضاً غربياً للمخطط الروسي الذي يروا فيه خرقاً للعقود القائمة بينهم، وفي الوقت ذاته لا تملك أوروبا ترف الاستغناء عن الغاز الروسي.
لكن حلاً وسطاً أتى به بوتين قد يمكن الاتحاد الأوروبي من الدفع مقابل الغاز باليورو، ويسمح في الوقت ذاته للرئيس الروسي بادعاء النصر على أوروبا بإجبارها على الانصياع لقراره، الذي يبدو أنه أراد به إحداث فجوة في نظام العقوبات الغربية المالية والاقتصادية التي ضيقت الخناق على اقتصاده عقب غزوه أوكرانيا في 24 فبراير.
وتعد أوروبا أكبر سوق للغاز الروسي وهي تدفع مقابل 60% منه باليورو و40% بالدولار.
وطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 31 مارس المشترين الأجانب، بدفع ثمن الغاز الروسي بالروبل ابتداء من الجمعة وإلا فسيقطع الإمدادات، لكن دولاً أوروبية أعربت عن رفضها للقرار، معتبرة أنه "ابتزاز" وخرق للعقود الموقعة مع روسيا، فيما رأت الولايات المتحدة في المطالبة الروسية "علامة على يأس موسكو الاقتصادي والمالي".
وتمثل روسيا مصدراً هاماً للطاقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي وخاصة الغاز، وتُصدر موسكو الغاز مباشرة إلى أوروبا من خلال شبكة أنابيب تنقل 155 مليار متر مكعب سنوياً، وتُمثل 45% من واردات الاتحاد الأوروبي وحوالي 40% من استهلاكه.
وتثير مسألة فرض حظر محتمل على واردات الغاز الروسي انقساماً في صفوف الدول الأوروبية، لأن البعض يعتمد عليه كثيراً، لا سيما ألمانيا التي تستورد 55% من احتياجاتها من الغاز من روسيا.
وتخشى ألمانيا على وجه التحديد من تبعات حظر النفط والغاز الروسيين، إذ حذر وزير المالية الألماني، كريستيان ليندر الأربعاء في حوار مع صحيفة "دي تسايت" الألمانية، من أن تخلي ألمانيا عن النفط والغاز الروسي"، يخاطر "بأمن ألمانيا الاقتصادي والاجتماعي".
عقود لن تتغير
وطبقاً للقرار الجديد لن تتغير العقود المبرمة بين موسكو والعواصم الأوروبية، فستواصل روسيا إمداد أوروبا بالغاز بنفس الكميات المتفق عليها، ولكن ما سيتغير هو عملة الدفع.
ورغم الرفض الأوروبي المبدئي للقرار الروسي، إلا أن ذلك قد يتغير في ظل المخاوف من عدم توفر مصادر بديلة للطاقة.
حلاً وسطاً
الحل الوسطي الذي طرحه الرئيس الروسي يقضي بأن يدفع العملاء الأوروبيون باليورو والدولار في حسابات خاصة في شركة "غازبوم بنك"، وتعرف هذه الحسابات باسم ACCOUNT K ثم يتم تحويل هذه الأموال إلى روبل في حساب خاص ثان وإرسالها إلى "غازبروم" بشكل نهائي كمدفوعات للغاز المصدر.
ويتيح هذا الحل لدول الاتحاد الأوروبي الدفع بالعملات الأجنبية وفي الوقت نفسه تتلقى "غازبروم"، مقابل الغاز بالروبل.
كما تتيح هذه الطريقة استبعاد "غازبروم بنك"، على وجه التحديد من عقوبات سويفت حتى يتمكن من تلقي هذه المدفوعات، كما يصبح "غازبروم بنك"، وكيلاً رسمياً للمدفوعات، ويظل مرتبطاً بالأسواق المالية الدولية خاصة مع وجود تهديد لاحق بتجميد أموال دفع الغاز، عندما يبدأ الاتحاد الأوروبي بالاستغناء عن الغاز الروسي.
التغيير يقع على المصدرين الروس
ما يهم أوروبا في النهاية هو بقاء عقود الغاز المبرمة كما هي دون تغيير، وقد يعتبرون أن "غازبروم بنك"، مجرد وسيلة تتلقى المدفوعات باليورو أو الدولار حتى نهاية فترة العقود.
بهذه الطريقة لا يقع تغيير كبير على طريقة الدفع بالنسبة للعملاء الأوربيين، لكن التغيير الرئيسي سيقع على المصدرين الروس الحاليين، إذ أنهم كانوا مطالبين بموجب طريقة الدفع الحالية بتسليم 80٪ من أرباحهم من العملات الأجنبية إلى البنك المركزي الروسي.
أما في مخطط الدفع الجديد، فأصبح يتوجب عليهم تسليم 100٪ من أرباح العملات الأجنبية إلى "غازبروم".