ترانسنيستريا.. جمهورية لا يعترف بها أحد تميل لروسيا وتقلق مولدوفا

time reading iconدقائق القراءة - 11
علما روسيا وجمهورية ترانسنيستريا الانفصالية يرفرفان بالقرب من تمثال للقائد العسكري الروسي ألكسندر سوفوروف، في تيراسبول 12 سبتمبر 2021   - AFP
علما روسيا وجمهورية ترانسنيستريا الانفصالية يرفرفان بالقرب من تمثال للقائد العسكري الروسي ألكسندر سوفوروف، في تيراسبول 12 سبتمبر 2021 - AFP
دبي- الزبير الأنصاري

أعادت التصريحات الروسية عن احتمالية مد سيطرة موسكو من الجنوب الأوكراني وحتى مولدوفا، تسليط الضوء على إقليم ترانسنيستريا في مولدوفا الذي يقبع لسنوات في الظل على الرغم محاولاته للاعتراف به كدولة مستقلة.

هذا الإقليم الذي يعرف أيضاً بـ"جمهورية بريدنيستروفيا المولدافية"، هو عبارة عن جمهورية انفصالية في نطاق دولة مولدوفا الحالية، تقع على الضفة الغربية لنهر دنيستر.

وتبلغ مساحة الإقليم 3500 كيلومتر مربع، وقد أعلن استقلاله في عام 1990 مع بدايات تفكك الاتحاد السوفيتي، إلا أنَّ هذه الجمهورية لا تحظى باعتراف أي من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، التي تعتبرها جزءاً من مولدوفا.

وعلى الرغم من ذلك، فلدى ترانسنيستريا بنكها المركزي، وعملتها الوطنية (الروبل)، إضافة إلى علمها ونشيدها الوطني الخاصين، فيما تعتبر مدينة تيراسبول، كبرى مدن الإقليم، العاصمة المفترضة لهذه الجمهورية.

وعقب إعلانها الاستقلال، تصاعدت حدة التوتر بين مولدوفا وترانسنيستريا، وتحولت إلى صراع عسكري في مارس عام 1992 أودى بحياة 1000 شخص على الأقل، حتى أُعلن وقف إطلاق النار في يوليو من العام نفسه. وباستثناء بعض الخروقات الطفيفة لوقف إطلاق النار، فإن ترانسنيستريا تنعم بالسلام منذ ذلك الحين.

تاريخياً تعاقب على حكم الإقليم الإمبراطورية العثمانية، وروسيا، وأوكرانيا، والاتحاد السوفيتي. ويعترف الإقليم بثلاث لغات هي الروسية والرومانية والأوكرانية، وذلك لتمثيل الإثنيات الثلاث الكبرى التي تعيش في الإقليم، علماً بأنَّ الروسية هي اللغة البارزة.

وشهد عدد سكان الإقليم تراجعاً خلال السنوات الأخيرة، إذ لا يزيد العدد حالياً عن 460 ألف نسمة يشكل الروس 29% منهم، فيما يمثل المولدوفيون 28.6%، والأوكرانيون 22.9%.

النظام السياسي

تتمتع الجمهورية الانفصالية بنظام شبه رئاسي يتيح انتخاب الرئيس لفترتين متتاليتين كل منهما خمس سنوات. وقد أجريت الانتخابات الأخيرة في ديسمبر 2021، وأسفرت عن فوز الرئيس فاديم كراسنوسيلسكي بفترة جديدة، وسط اتهامات بإقصاء جميع المرشحين البارزين من السباق الرئاسي.

وفي 2011 سمح تعديل دستوري بإنشاء منصب هامشي إلى حد ما لرئيس الوزراء، علماً بأن رئيس الجمهورية هو من يقوم بتعيين رئيس الوزراء، وذلك بعد موافقة البرلمان.

على المستوى التشريعي يوجد في الجمهورية برلمان يُعرف باسم المجلس الأعلى، وهو مكوّن من غرفة واحدة، وقد أدى تشريع تم تبنيه في 2019 إلى تقليص حجم هذا المجلس من 43 عضواً إلى 33 فقط يخدمون جميعاً لمدة خمس سنوات. 

وأجريت آخر انتخابات تشريعية في نوفمبر 2020، وقد شابتها أيضاً اتهامات بإبعاد المنافسين لأسباب سياسية، علماً بأن المنظمات المعتمدة لا ترسل مراقبين إلى انتخابات ترانسنيستريا، نظراً لعدم الاعتراف الدولي بالجمهورية.

الدعم الروسي

يتمركز معظم القطاع الصناعي المولدوفي في الإقليم، ومع ذلك فإنَّ اقتصاد هذه الجمهورية يعتمد إلى حد كبير على المساعدات المقدمة من روسيا التي تحتفظ بوجود عسكري يقدر بنحو 1500 جندي.

وتشارك موسكو أيضاً في مهمة لحفظ السلام في الإقليم. وقد أدى هذا الوجود العسكري الروسي إلى توتير العلاقات بين روسيا ومولدوفا.

ووفقاً لشبكة "بي بي سي" البريطانية، يغلب على العاصمة تيراسبول الطابع السوفيتي، إلى درجة أنها كثيراً ما توصف بأنها عالقة في الإرث السوفيتي الذي يطالع زائري المدينة في تمثال فلاديمير  لينين الضخم أمام مبنى البرلمان المبني على الطراز المعماري السوفيتي، وشوارعها التي تحمل أسماء أقطاب الشيوعية.

وخلال الأعوام الأخيرة، أظهرت الجمهورية الانفصالية ميلاً قوياً نحو روسيا، سواءً على المستوى الشعبي أو على مستوى الحكومة.

وتم إجراء استفتاء في عام 2006 لتحديد ما إذا كان السكان يريدون التخلي عن حكمهم الذاتي والاندماج مع مولدوفا أو السعي للحصول على الاستقلال وربما الانضمام إلى روسيا في المستقبل، لتكشف النتائج عن توجه كبير للحفاظ على مكانة الإقليم، والسعي إلى الوحدة مع روسيا.

مخاوف الغزو

ومع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، ثارت مخاوف في أوروبا من أن تكون مولدوفا هي المحطة الثانية لقوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وفي مارس الماضي، تبنت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا قراراً يوم يحدد منطقة مولدوفا الانفصالية ترانسنيستريا بوصفها أرضاً "تحتلها" روسيا.

ومؤخراً، تزايدت التكهنات في الأوساط الغربية بأن القوات الروسية التي تندفع ببطء في الغرب الأوكراني، ستتقدم إلى ترانسنيستريا وتستخدمها نقطة انطلاق لمزيد من العمليات في أوكرانيا أو حتى غزو مولدوفا مستقبلاً.

مخازن أسلحة

ووفقاً لموقع "ديفينس نيوز" الأميركي، تبدو ترانسنيستريا من الناحية النظرية مكاناً مثالياً لاحتلاله بالنسبة للقوات الروسية، فبالإضافة إلى وجود حامية من القوات الموالية لروسيا، يختزن الإقليم أيضاً 20 ألف طن من الأسلحة، كان الجيش الروسي قد خبأها هناك في بداية التسعينات عندما انسحب من مولدوفا.

وأكد وزير خارجية مولدوفا نيكو بوبيسكو، أن مستودع الأسلحة يقع في قرية كوباسنا على الحدود الأوكرانية، لكنه أشار إلى أن عمر هذه الأسلحة سيجعل معظمها غير صالح للاستخدام في الصراع الجاري حالياً.

وقال: "نقدر أن 11 ألف طن انتهت صلاحيتها وأن 9 آلاف طن صالحة للاستعمال"، مضيفاً أنه لم يتم السماح بالوصول إلى هذه الأسلحة في الفترة الأخيرة، مما يجعل إجراء تقييم دقيق أمراً صعباً، وذلك بحسب ما نقله "ديفينس نيوز".

أهداف "غير واقعية"

لكن على الرغم من هذه المخاوف التي عززتها تصريحات القائد في الجيش الروسي الجنرال مينكاييف الجمعة بأن روسيا تسعى للسيطرة على أجزاء من الأراضي تمتد إلى مولدوفا، إلا أن المسألة ليست بتلك السهولة.

ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، يرى محللون أنه من غير المرجح أن يكون الجيش الروسي، المتورط في معركة للسيطرة على شرق أوكرانيا، قادراً على شق مثل هذا المسار.

كما أنه على الرغم من أن ترانسنيستريا تدعمها موسكو وتستضيف القوات الروسية، فإن هذا لا يعني أن سكانها يريدون المشاركة في الحرب، بحسب الصحيفة الأميركية.

بدورها، قالت وزارة خارجية مولدوفا في بيان، إنّ كيشيناو أعربت للسفير الروسي عن "قلقها العميق" إزاء التصريح الذي أدلى به الجنرال الروسي مينكاييف، مطالبة موسكو باحترام "سيادة أراضي" مولدوفا و"حيادها".

من جهتها، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها الجمعة، بأن الأهداف التي كشف عنها الجنرال الروسي "أكثر طموحاً" بكثير من تلك التي حددها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الأسابيع الأخيرة، والتي ركزت على السيطرة على منطقة دونباس في شرق أوكرانيا.

وترى الصحيفة أن هذه الأهداف "لا تبدو واقعية، على الأقل في الوقت الحالي"، مُشيرة إلى التساؤلات التي أثارها المراقبون العسكريون بشأن امتلاك روسيا ما يكفي من القوات والمعدات للانتصار في المعركة الطاحنة للسيطرة على دونباس وجنوب أوكرانيا حيث تقع أوديسا، المدينة المحصنة التي يبلغ عدد سكانها نحو مليون نسمة.

ولم يتضح ما إذا كانت تصريحات مينكاييف تعكس خطط بوتين للحرب، أم تهدف إلى تشتيت انتباه أوكرانيا وإرباكها مع احتدام القتال في دونباس.

وقال المحلل العسكري الروسي يوري فيودوروف للصحيفة، إن الأهداف الأوسع التي تحدث عنها مينكاييف لا يُمكن تحقيقها من وجهة نظر عسكرية.

وأضاف: "كل الوحدات الروسية الجاهزة للقتال متمركزة الآن في دونباس، حيث فشلت روسيا في تحقيق أي تقدم كبير في الأيام الخمسة الماضية".

وأوضح أن رتبة مينكاييف لا تسمح له بإصدار مثل هذه التصريحات السياسية التي تتعارض مع ما قاله كبار السياسيين في روسيا"، مشيراً إلى أن هذه التصريحات قد تشير إلى اختلاف في المواقف، وأن هذا الاختلاف ربما يكون كبيراً بين كبار الضباط العسكريين والنخبة السياسية.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات