أزمة أوكرانيا.. انقسام غربي بشأن التهديد الروسي وجدوى الأسلحة الثقيلة

time reading iconدقائق القراءة - 8
جندي أوكراني يسير بينما تحترق البذور في صوامع حبوب بعد قصفها مراراً وتكراراً، وسط الغزو الروسي لأوكرانيا في منطقة دونيتسك بأوكرانيا- 31 مايو 2022. - REUTERS
جندي أوكراني يسير بينما تحترق البذور في صوامع حبوب بعد قصفها مراراً وتكراراً، وسط الغزو الروسي لأوكرانيا في منطقة دونيتسك بأوكرانيا- 31 مايو 2022. - REUTERS
دبي- الشرق

يشهد الغرب حالة من التصدع والانقسام بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية بشأن السبيل الأمثل للتعامل مع الأزمة الأوكرانية، وسط تباين الرؤى إزاء طبيعة التهديد الذي تشكله روسيا وإمكانية انتصار أوكرانيا في تلك الحرب، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وذكرت الصحيفة في تقرير نشرته الثلاثاء، أن التصدعات ظهرت في جبهة الغرب التي تتكتل ضد موسكو، مع انقسام الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين بشكل متزايد بشأن ما إذا كانوا سيواصلون تزويد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة أكثر قوة أم لا، وسط مخاوف البعض من أن يطيل ذلك أمد الصراع ويزيد من تداعياته الاقتصادية التي طالت أغلب دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول الأوروبية ذاتها.

ورصدت الصحيفة انقسام الحلفاء إلى جبهتين متعارضتين، تدفعهما تصورات متباينة إزاء التهديد طويل الأجل الذي تشكله روسيا، وما إذا كانت أوكرانيا يمكن أن تنتصر بالفعل في ساحة المعركة.

وأوضحت أن الكتلة الأولى بقيادة فرنسا وألمانيا، يترسخ ترددها في تزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية بعيدة المدى، وتشكك في صحة التصور القائم على أن روسيا تشكل تهديداً لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بشكل مباشر.

في المقابل ترى الكتلة الثانية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا ومجموعة من دول وسط وشمال أوروبا، وبعضها كانت في السابق ضمن الاتحاد السوفييتي، أن الغزو الروسي لأوكرانيا ينذر بمزيد من التوسع من جانب موسكو، بعد الانتهاء من أوكرانيا، ما يجعل كييف الخط الأمامي في حرب أوسع نطاقاً، الأمر الذي يعني أن روسيا تشكل تهديداً ضد الغرب كله، بحسب الصحيفة. 

"تراكم الخلافات"

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أوروبيين لم تكشف هويتهم، قولهم إن الخلافات بين الفريقين تراكمت في الأسابيع الأخيرة، وخرجت إلى العلن هذا الأسبوع، حيث يعقد رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي قمة حول أوكرانيا التي فقدت بعض أراضيها في منطقة دونباس في ذلك الوقت.

وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومات الأوروبية تمكنت من الاتفاق بشكل جماعي على تدابير لعزل الاقتصاد الروسي لم يكن من الممكن تصورها في يوم من الأيام، بما في ذلك فرض حظر على معظم النفط الخام الذي تبيعه روسيا إلى أوروبا. لكن الآراء منقسمة بشدة حول مخاطر الحرب وفرص أوكرانيا.

وتشير التصريحات العلنية لقادة فرنسا وألمانيا وتعليقات مسؤولي هذين البلدين إلى أنهم يشككون في قدرة كييف على طرد "الغزاة" الروس، ودعوا إلى وقف لإطلاق النار عن طريق التفاوض ما أثار شكوى أوكرانيا من دفعها لتقديم تنازلات تتعلق بالأرض.

في المقابل، يقول قادة دول البلطيق وبولندا ودول أخرى إن زيادة إمداد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة متطورة أمر بالغ الأهمية، ليس فقط للبقاء على خط المواجهة مع القوات الروسية، وإنما لدفعها إلى الوراء وتوجيه ضربة موجعة لموسكو من شأنها ردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أي عمل عسكري آخر في المستقبل.

وقال وزير الدفاع في لاتفيا أرتيس بابريكس: "هذا هجوم غير مسبوق على أوكرانيا، وفهمنا الذي يستند إلى تاريخ طويل من التعامل مع روسيا، يتمحور حول أنه لا يمكننا الاعتماد على الرحمة الروسية، فنحن نرى الهجوم الروسي على أوكرانيا مجرد مقدمة لمزيد من التوسع الإمبريالي الروسي".

وبحسب "وول ستريت جورنال"، تفقد بعض دول أوروبا الغربية شهيتها لمواصلة حرب تعتقد أنها لا يمكن الفوز بها، حيث تعتبرها قد وصلت إلى طريق مسدود دموي يستنزف الموارد الأوروبية ويؤدي إلى تفاقم الركود الاقتصادي الذي يلوح في الأفق. وعلى النقيض من ذلك، تخشى بولندا ودول البلطيق من أن تكون المحطة التالية في خطة التوسع الروسي.

وأدى تدفق الملايين من اللاجئين الأوكرانيين لتلك الدول إلى جعل الحرب أقرب بكثير إلى الحياة العادية للمواطنين، في حين تشعر ألمانيا والنمسا وإيطاليا بالصراع في المقام الأول من خلال ارتفاع تكاليف الطاقة.

"تدمير الوحدة"

ونقلت الصحيفة عن مسؤول تشيكي كبير، لم تكشف هويته، قوله: "في كل مكالمة هاتفية، يغضب وزراء من شمال أوروبا ووسطها أكثر فأكثر. هذا يدمر الوحدة. هذا بالضبط ما يريده (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين وما يقدمه له الفرنسيون والألمان".

وعلى عكس قادة بريطانيا وبولندا ودول البلطيق والعديد من دول أوروبا الوسطى، لم يقم قادة فرنسا وألمانيا بعد بزيارة كييف لإعلان التضامن معها، على غرار ما فعل رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون ومسؤولون أميركيون رفيعو المستوى وغيرهم. 

من جانبه، حذر المستشار الألماني أولاف شولتز مراراً من أن الصراع قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة وإبادة نووية، وقال إن الهدف من المشاركة الغربية هو منع روسيا من الانتصار.

ولم ترسل ألمانيا دبابات إلى أوكرانيا، ووافقت على شحن 7 قطع فقط من المدفعية الثقيلة، وفقاً للصحيفة الأميركية، فيما أعلنت ألمانيا، الثلاثاء، عن اتفاقها مع اليونان على تزويدها بعتاد عسكري حديث مقابل أن ترسل اليونان أسلحة سوفييتية "قديمة" لديها إلى أوكرانيا.

وبحسب الصحيفة أرسلت ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا ويتجاوز عدد سكانها 83 مليون نسمة، مساعدات عسكرية حتى الآن تبلغ قيمتها نحو 200 مليون يورو، وفقاً لتقديرات الحكومة، أي أقل مما أرسلته إستونيا، التي يزيد عدد سكانها قليلاً على مليون نسمة.

كما اكتفت فرنسا بإرسال 12 مدفع هاوتزر إلى كييف، ولم ترسل دبابات أو أنظمة دفاع جوي. 

في المقابل، سلمت بولندا أكثر من 240 دبابة من طراز (T72) سوفييتية التصميم إلى أوكرانيا، إلى جانب طائرات بدون طيار وقاذفات صواريخ وعشرات من مركبات المشاة والشاحنات المحملة بالذخيرة.

وأرسلت جمهورية التشيك طائرات مروحية حربية ودبابات وقطع غيار للحفاظ على تحليق القوات الجوية الأوكرانية.

"حرب حضارة"

وقال الرئيس البولندي أندريه دودا الذي زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ويتحدث إليه في معظم الأيام: "نرسل كل ما في وسعنا، كل ما لدينا، وكل ما في استطاعتنا. لماذا؟ لأننا نعتقد أن هذه حرب على الحضارة. الأمر يتعلق بحرب للدفاع عن أوروبا". 

وقال أندري ميلنيك، سفير أوكرانيا في برلين: "إنه لأمر مخيب للآمال للغاية ألا تتحلى الحكومة الفيدرالية ولا المستشار (الألماني) شخصياً بالشجاعة للتحدث عن انتصار لأوكرانيا والتصرف وفقاً لذلك في دعم أوكرانيا بأسلحة ثقيلة حديثة". 

وأضاف السفير أن ألمانيا التي اتبعت لعقود من الزمن سياسة صديقة لروسيا ويعتمد اقتصادها بشكل كبير على واردات الغاز الروسي، "لا تزال مدينة بالفضل لنهج أظهر فشله بشكل واضح في أعقاب الغزو الروسي". 

وفي المقابل يرفض المسؤولون الفرنسيون والألمان الاتهامات بأنهم لا يفعلون سوى القليل جداً أو أنهم يدفعون زيلينسكي إلى تقديم تنازلات.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني شولتز، اللذان يتحدثان بانتظام إلى الرئيس الأوكراني ونظيره الروسي، مراراً إن كييف هي من سيقرر شروط أي اتفاق سلام.

وأقر فولفجانج شميدت، الوزير الاتحادي للشؤون الخاصة ومدير المستشارية الاتحادية في حكومة شولتز، بوجود بعض الاختلافات في النهج بين برلين ودول أخرى في وسط وشرق أوروبا، "لكن ليس في تقييمها للتهديد الذي يشكله بوتين".

وحذر شميدت في حلقة نقاش أخيرة ببرلين من أنه "إذا لم نواجه طموحات بوتين بطريقة حاسمة وموحدة، فسوف يمتد الصراع إلى جمهورية مولدوفا وجورجيا، وكذلك غرب البلقان".

وقال إن المحادثات المطولة التي أجراها شولتز وماكرون مع بوتين، السبت، لأكثر من 80 دقيقة، كانت تستهدف شرح واقع جيواستراتيجي لزعيم لم يبلغه مرؤوسوه به.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات