"غزو أوكرانيا" يقرّب حلفاء روسيا في آسيا الوسطى من واشنطن

time reading iconدقائق القراءة - 12
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح نظيره الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف في ضواحي سانت بطرسبرج - 28 ديسمبر 2021 - REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح نظيره الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف في ضواحي سانت بطرسبرج - 28 ديسمبر 2021 - REUTERS
دبي - الشرق

في مطلع عام 2022، أرسلت روسيا أكثر من ألفي جندي إلى كازاخستان، حليفتها القديمة، لمساعدتها في القضاء على احتجاجات مناهضة للحكومة. وبعد 6 أسابيع، عندما اجتاحت القوات الروسية أوكرانيا، سنحت الفرصة لكازاخستان لردّ الجميل للروس، من خلال دعمها الغزو، "لكنها لم تفعل ذلك".

وبدلاً من ذلك، انضمّت كازاخستان إلى دول أخرى في آسيا الوسطى، تقع على الحدود الجنوبية لروسيا، في البقاء على الحياد بشأن الغزو، ممّا جعل بيلاروس الدولة الوحيدة من جمهوريات الاتحاد السوفيتي، التي قدّمت دعماً كاملاً لموسكو، حسبما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".

وتعهدت كازاخستان بتطبيق العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو، وبزيادة صادراتها النفطية إلى أوروبا، عبر طرق لا تمرّ عبر روسيا، كما رفعت موازنتها الدفاعية، واستضافت وفداً أميركياً سعى إلى إقناع دول آسيا الوسطى بالتقارب أكثر مع واشنطن.

"تحدٍ غير متوقّع" لبوتين

هذه المسافة المتعاظمة بين موسكو وأبرز حلفائها في آسيا الوسطى، تشكّل تحدياً لم يكن في حسبان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب الصحيفة الأميركية.

فعلى مدى عقود، منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، عمِلت موسكو على الاحتفاظ بنفوذها في كل دول آسيا الوسطى، من خلال تحالفات عسكرية واقتصادية مع الجمهوريات السوفيتية السابقة، وفي مقدّمها كازاخستان، الغنية بالنفط، والتي تفوق مساحتها دول أوروبا الغربية مجتمعة. وتتشارك روسيا وكازاخستان حدوداً طولها 7644 كيلومتراً، تُعتبر الأكبر في العالم بعد الحدود بين الولايات المتحدة وكندا.

لكن الغزو الروسي لأوكرانيا، وهي جمهورية سوفيتية سابقة تتشارك قواسم كثيرة مع كازاخستان، يعيد رسم ملامح هذه العلاقات، إذ تراجع الآن المكانة المتميّزة التي تحظى بها روسيا في سياستها الخارجية، وتتواصل مع دول، مثل الولايات المتحدة وتركيا والصين، وفقاً لمقابلات أجرتها "وول ستريت جورنال" مع مسؤولين ونواب ومحلّلين كازاخيين، حاليين وسابقين.

قصة الدب والسنجاب

وثمة لحظة فارقة في هذا الصدد، في يونيو الماضي، عندما زار الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف، روسيا للمشاركة في منتدى اقتصادي نظمه بوتين في مدينة سانت بطرسبرج.

ففي أثناء مشاركته المنصة مع الرئيس الروسي، قال توكاييف إن كازاخستان لن تعترف بجمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين في إقليم دونباس، شرق أوكرانيا، والمدعومتين من موسكو. وتجاهل الرئيس الكازاخستاني سؤالاً وجّهه منسّق الجلسة، بشأن احتمال تعرّض بلاده لضغوط غربية.

وأثناء زيارته، قال توكاييف للتلفزيون الروسي، إن بلاده لن تساعد موسكو في انتهاك العقوبات الغربية، مستدركاً أنها ستبقى حليفاً مهماً لكازاخستان، التي أكد أنها "لن تتخلّى عن التزاماتها تجاه حلفائها".

هذه الإجابة كانت تحاول تحقيق توازن دقيق، إذ حظّرت كازاخستان التظاهرات المناهضة للحرب، التي قد تُغضب موسكو، لكنها حظّرت أيضاً الاستخدام العلني لعلامة "Z"، التي باتت رمزاً لتأييد الغزو الروسي لأوكرانيا، بحسب "وول ستريت جورنال".

واستحضر النائب الكازاخي، ساياسات نوربيك، قصة خيالية من الفولكلور السيبيري بشأن كيفية حصول السناجب على الخطوط المرسومة على أجسامها، لتفسير المنطق الكازاخي. وتفيد القصة بصداقة جمعت دباً وسنجاباً، وكان الدب يربت على ظهر السنجاب، لكنه جرحه بمخالبه. وقال النائب: "المغزى الذي نستلهمه من هذه القصة، هو أنه إذ كنت صديقاً للدب، ولو كنت صديقه الصدوق، ولو كان الدب في حالة مزاجية جيدة، فاحذر دائماً بشأن ظهرك".

مساعدات كازاخية لكييف

أولى مؤشرات كازاخستان بشأن عزمها على عدم السير في ركب روسيا، ظهرت فور اندلاع الحرب، عندما امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة، في مطلع مارس، على قرار يطالب موسكو بإنهاء الغزو، بدلاً من التصويت ضده. وبعد أيام، أرسلت كازاخستان طائرة حملت 28 طناً من الأدوية إلى أوكرانيا، ضمن رحلات جوية أخرى.

وفي مطلع يوليو، نشرت وزارة المال الكازاخية مسوّدة مرسوم يؤكد التزامها بالقيود التي فرضتها العقوبات الغربية على بعض الصادرات إلى روسيا.

وأثار موقف كازاخستان غضباً في روسيا، لا سيّما بعدما ساعدتها في القضاء على ما بدأ كاحتجاجات سلمية، في يناير، على ارتفاع أسعار الوقود، قبل أن تتحوّل إلى ما اعتبره كثيرون من الكازاخيين صراعاً على السلطة بين النخب.

وتساءل تيجران كيوسايان، وهو مقدّم برامج في التلفزيون الرسمي الروسي: "أيها الكازاخيون، ماذا تسمّون هذا النوع من الجحود؟". وأضاف: "انظروا جيداً إلى ما يحدث في أوكرانيا.. إذا كنتم تعتقدون بأنكم تستطيعون الإفلات، من خلال محاولات المكر، وتتخيّلون أن شيئاً لن يطالكم، فأنتم مخطئون".

كازاخستان والقومية الروسية

لكن مواطني كازاخستان اعتادوا هذا النوع من الخطاب، إذ أن حوالي 20% من سكانها هم من أصل روسي، ولطالما زعم القوميون الروس أن شمال كازاخستان هي أرض روسية، بحسب "وول ستريت جورنال".

وفي عام 2014، بعدما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، قال بوتين إن كازاخستان لم يكن لها تاريخ بوصفها دولة، قبل انهيار الاتحاد السوفيتي.

وبعد الغزو، بات هناك تعامل جدي مع هذا الخطاب، لا سيّما أن كازاخستان هي الدولة الوحيدة المتاخمة لروسيا في آسيا الوسطى، فيما تقع قيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان في جنوب كازاخستان. ولم تدعم أيّ من هذه الدول غزو أوكرانيا، وأعلنت أوزبكستان أنها لن تعترف بانفصال جمهوريتَي إقليم دونباس.

زيارات أميركية

هذه القطيعة الجزئية منحت الولايات المتحدة فرصة لمحاولة استعادة نفوذها في المنطقة، بعد تراجعه في السنوات الأخيرة. وزار مسؤولون أميركيون المنطقة مرات، بدءاً من أبريل الماضي، عندما توجّهت عزرا زيا، وزيرة الدولة لشؤون الأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى كازاخستان.

وفي أواخر مايو، أجرى دونالد لو، مساعد وزير الخارجية الأميركي، جولة شملت كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان. وفي يونيو، أجرى القائد المعيّن حديثاً للقيادة المركزية الأميركية، الجنرال إريك كوريلا، جولة في تلك الدول.

وقال أندريه جروزين، وهو باحث متخصّص في شؤون آسيا الوسطى، في أكاديمية العلوم الروسية، المموّلة من الدولة، إن التواصل الأميركي مع كازاخستان أثار دهشة في موسكو. وأضاف أن الكرملين لم يبدِ انزعاجاً بعد، مستدركاً أن تحوّل الحكومة الكازاخستانية إلى طرف عدائي، سيكون أكثر خطورة على روسيا من عدائية أوكرانيا، نظراً إلى الحدود المشتركة الطويلة بين البلدين. وتابع: "أعتقد بأن الأمور لن تبلغ هذا الحدّ. لدى النخبة الكازاخستانية غريزة أقوى لحفظ النفس، من نظيرتها في أوكرانيا". 

استقالة وزير خارجية قيرغيزستان

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولَين في الخارجية الأميركية، إن الولايات المتحدة طلبت من دول آسيا الوسطى مساندة الغرب في دعم أوكرانيا، لكنها حرصت على عدم ممارسة ضغوط بلا داعٍ.

في 28 يونيو، بعد أسبوع على زيارة الجنرال كوريلا لطاجيكستان، اختارها بوتين لتكون أولى زياراته الخارجية، منذ غزو أوكرانيا. وقال لنظيره الطاجيكي إمام علي رحمن: "أنا سعيد جداً لوجودي على أرض حليفتنا".

وبعدما زارت عزرا زيا كازاخستان في أبريل، توجّهت إلى قيرغيزستان المجاورة. وخلال مؤتمر صحافي مع وزير خارجية البلاد آنذاك، رسلان كازاكباييف، أعلن المسؤولان أن بلديهما سيوقّعان قريباً اتفاق تعاون مشترك، يمكّن قيرغيزستان من الحصول على مساعدات أميركية في بعض المجالات، مثل الاقتصاد والتعليم.

وقدّم كازاكباييف استقالته بعد 8 أيام، لأسباب صحية، كما قال خليفته لوسائل إعلام محلية. لكن مصدراً أبلغ "وول ستريت جورنال" أن الوزير استقال استجابة لطلب من موسكو.

تنويع طرق التجارة

تضرب العلاقات الثقافية والاقتصادية والتاريخية مع روسيا بجذور عميقة في دول آسيا الوسطى. ولدى موسكو قواعد عسكرية في قيرغيزستان وطاجيكستان، إضافة إلى موقع لاختبار الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، في كازاخستان.

كما تُعدّ روسيا أبرز شريك تجاري في المنطقة، إذ تؤمّن فرص عمل لملايين العمال من آسيا الوسطى. وتبلغ قيمة التحويلات نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي في قيرغيزستان، وأكثر من ربع هذا الناتج في طاجيكستان، ونحو 10% في أوزبكستان، علماً أن معظمها يأتي من روسيا.

بعدما فرض الغرب عقوبات على روسيا، شهدت وتيرة التجارة الكازاخية مع أوروبا عبر الطريق التقليدي الذي يمرّ بروسيا، توقفاً شبه كامل، نتيجة قلق شركات التأمين والمستوردين من مرور البضائع عبر البلاد. ودفع ذلك المسؤولين الكازاخستانيين إلى تنويع طرق التجارة.

وبعد أسابيع على الغزو الروسي لأوكرانيا، زار مسؤولون كازاخستانيون أذربيجان وجورجيا، المتاخمتين لتركيا، وأجروا محادثات لإحياء ما يُعرف بـ"الممرّ الأوسط"، وهو طريق تجاري يمتد من الصين إلى أوروبا عبر آسيا الوسطى، ومنطقة القوقاز وتركيا.

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن سلجوق كولا أوغلو، مدير المركز التركي لدراسات آسيا والمحيط الهادئ، كان مستشاراً في وزارة الخارجية التركية، ويدرّس الآن في جامعة صينية، قوله إن دول آسيا الوسطى والصين وتركيا لم تستكشف بجدية هذا الطريق التجاري في الماضي، لأن حكوماتها لم تُرِد إغضاب موسكو. وأضاف أن غزو أوكرانيا شجّع دول المنطقة، بما في ذلك الصين وتركيا، على تحدي الهيمنة الروسية.

الاستفادة من المقاومة الأوكرانية

أغلقت روسيا خط الأنابيب الذي يمرّ عبر بحر قزوين، مرتين في الأشهر الماضية، فيما مررت كازاخستان المزيد من تجارتها عبر مينائي أكتاو وكوريك، اللذين باتا يشهدان حركة محمومة، إذ زادت شحنات الحاويات 3 مرات، بين يناير وأبريل، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. 

ويشكّل تنويع التجارة مسألة وجودية بالنسبة إلى كازاخستان، إذ أغلقت روسيا في الأشهر الماضية خط أنابيب بحر قزوين، الذي ينقل نحو 80% من صادرات النفط الكازاخستانية عبر روسيا إلى مدينة نوفوروسيسك المطلّة على البحر الأسود. وفي 7 يوليو، كلّف توكاييف شركات النفط في بلاده، بتطوير طرق شحن جديدة.

وعلى مدى سنوات، كان هناك تقسيم ضمني للعمل بين موسكو وبكين في المنطقة، تتولّى بمقتضاه روسيا الإشراف الأمني، فيما تطوّر الصين الاقتصاد.

لكن هذا الأمر تبدّل الآن، وزار وزير الدفاع الصيني، وي فنجي، كازاخستان في أبريل، حيث التقى توكاييف. وأعلنت وزارة الدفاع الصينية أن الطرفين اتفقا على تعزيز تعاونهما العسكري.

وتضغط كازاخستان بقوة أيضاً، لتعزيز علاقاتها مع تركيا، التي زارها توكاييف في مايو، ووقّع الجانبان اتفاقاً لإنتاج مشترك لمسيّرات عسكرية في كازاخستان.

وزادت كازاخستان موازنتها الدفاعية، بنحو 918 مليون دولار. وقال مسؤول كازاخستاني بارز لـ"وول ستريت جورنال"، إن جزءاً من هذه الأموال سيُخصّص لتعزيز الاحتياطات العسكرية في البلاد. 

وأضاف أن كازاخستان تعلّمت أيضاً دروساً من المقاومة الأوكرانية الشرسة، كي تحوّل جيشها ليصبح أكثر قدرة على الحركة وأكثر مهارة في الحرب القتالية الهجينة، بحسب "وول ستريت جورنال".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات