رغم مرور نحو 6 أشهر على انعقاد أولى جلسات البرلمان العراقي لانتخاب رئيس الجمهورية، ما زال العراق بلا رئيس منتخب، وسط أزمة سياسية، وانقسام بين الأحزاب الكردية بشأن الاستقرار على مرشح واحد.
وأدّى تفسير المحكمة العليا الاتحادية، مطلع العام الجاري، المتعلق بتحديد نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في البرلمان بأغلبية الثلثين، إلى نشوء حالة الثلث المعطل، ما تسبب في تأجيل بقية الاستحقاقات الدستورية، ولا سيّما تكليف رئيس مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة.
وفي ظل هذه الإشكالية، ازداد المشهد تعقيداً مع استمرار الخلاف الداخلي بين الكرد، وتحديداً بين حزبي "الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الديمقراطي" حول أحقية كل منهم بالمنصب.
أزمة الثلث المُعطِل
وفقاً للدستور، ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية بأغلبية ثلثي أعضائه، وإذا لم يحصل أي منهم على الأغلبية المطلوبة يتم التنافس بين المرشحين الاثنين الحاصلين على أعلى الأصوات في اقتراعٍ ثان، ليعلن رئيساً من يحصل على أكثرية الأصوات.
وفسرت المحكمة العليا الاتحادية أن أغلبية ثلثي الأعضاء يستوجب نصاباً مماثلاً لانعقاد الجلسة في كلا الاقتراعين، وهو ألّا يقل عن (220) نائباً، وهو ما أعاق من قبل تحالف إنقاذ وطن، المكون من الكتلة الصدرية، تحالف السيادة، والحزب الديمقراطي الكردستاني، في تشكيل حكومة "الأغلبية الوطنية" التي دعا إليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لينتهي إلى سحب كتلته من البرلمان.
ولم تقف أحكام المحكمة الاتحادية عند تحديد نصاب الانعقاد، بل أجازت أيضاً إمكانية بقاء رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح في منصبه حتى اختيار رئيس جديد للبلاد بغض النظر عن المادة (72/ثانيا/ج) من الدستور التي حددت مدة 30 يوماً من تاريخ انعقاد أول جلسة للبرلمان لانتخاب رئيس جديد، باعتبارها "مُدّة تنظيمية".
وقالت المحكمة إن فتح باب الترشيح يتم لمرة واحدة، ما أغلق الباب أمام أي ترشيح جديد لتضع التحالفات والأحزاب السياسية أمام مرشحين ليس بالإمكان تغييرهم أو الإضافة عليهم.
الأسماء المرشحة
ورشح حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" (السليمانية) رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح كمرشح وحيد للحزب، فيما رشح "الحزب الديمقراطي الكردستاني" (أربيل) وزير داخلية الإقليم ريبير أحمد البارزاني، بعد أن استبعدت المحكمة العليا الاتحادية مرشح الحزب هوشيار زيباري من سباق الرئاسة بسبب اتهامات تتعلق بالفساد، فيما رشحت شخصيات كردية أخرى نفسها كمرشحين مستقلين، ومنهم عبد اللطيف رشيد عضو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني والقاضي المعروف رزكار أمين.
كما ترشحت شخصيات من مختلف التنوعات المجتمعية ليس لها حظوظ في الفوز سوى مجرد المحاولة لأسباب تتعلق بالوجاهة، أو كتعبير عن كسر منطق المحاصصة أو لأسباب شخصية أخرى.
سيناريو 2018
بموجب عُرف سياسي متّبع منذ عام 2006، فإن الكرد يشغلون منصب رئيس الجمهورية، فيما تذهب رئاسة مجلس النواب للعرب السنة، بينما يكون رئيس مجلس الوزراء من حصة الشيعة.
ولم يسبق حدوث الخلاف "الكردي-الكردي" حول هذا المنصب في زمن الرئيس الراحل جلال الطالباني والرئيس الأسبق فؤاد معصوم، ولكن الانقسام بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني حدث بعد انتخابات عام 2018 للمرة الأولى.
حينها أراد الحزب الديمقراطي الكردستاني منصب رئيس الجمهورية، وهو ما رفضه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني معتبراً ذلك "انقلاباً على التفاهمات الكردية بأن يكون منصب رئيس الجمهورية من حصته".
وأمام إصرار الطرفين على موقفيهما، ذهب الكرد بخيارين قبل أن يستطيع مرشح حزب الاتحاد برهم صالح الفوز في جولة الاقتراع الثانية على منافسه فؤاد حسين مرشح الحزب الديمقراطي.
في هذه الدورة، يتكرر السيناريو نفسه حتى الآن، إذ أصر كل حزب على موقفه، فالحزب الديمقراطي الكردستاني أبقى على هوشيار زيباري مرشحاً لرئاسة الجمهورية قبل أن تستبعده المحكمة الاتحادية ليدفع ببديلاً له المرشح ربير أحمد، فيما لم يتراجع حزب الاتحاد عن ترشيح برهم صالح.
موازين قوى مختلفة
لكن مع فشل انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في المرة الأولى، ثم انسحاب الكتلة الصدرية، عادت المفاوضات بين الطرفين مرة أخرى، في محاولة لرأب الصدع بينهما والخروج بمرشح واحد.
ولكن تأتي هذه الجولة من المفاوضات وسط موازين قوى مختلفة، حيث أدرك الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد انسحاب "الكتلة الصدرية" أن موازين القوى داخل البرلمان تغيرت لمصلحة حزب الاتحاد، لذا تراجع تماماً عن فكرة الذهاب بمرشحين اثنين، وأصبح قراره الذهاب بمرشح توافقي من خلال تسويات تشمل مناصب في الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، أو عدم الذهاب بمرشح.
في المقابل، يدرك حزب الاتحاد الوطني قوة موقفه التفاوضي بوصفه حليفاً للإطار التنسيقي المهيمن على البرلمان بعد انسحاب الكتلة الصدرية، لذا فهو يفاوض الحزب الديمقراطي على خيارين اثنين: إما الاتفاق على مرشح واحد، أو سيناريو 2008 بالذهاب إلى البرلمان بمرشح عن كل حزب.
تفاوض بدون نتيجة
وجرت عدّة جولات تفاوضية بين الحزبين كان آخرها اجتماع رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، بزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، لكنها لم تسفر عن شيء جراء تمسك كل طرف بمواقفه وعدم القبول بالعروض المتبادلة.
وبعد إعلان الإطار التنسيقي عن مرشحه لرئاسة الوزراء، وهو الأمين العام لتيار الفراتين محمد شياع السوداني، نفت مصادر في الحزبين ما تردد عن توصل الأطراف الكردية إلى ترشيح عبد اللطيف رشيد عن الاتحاد الوطني الكردستاني كمرشح تسوية، إذ صرحت عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء كريم، الاثنين، بعدم التوصل إلى اتفاق حتى الآن.
وقالت وفاء كريم، إنه "على الإطار التنسيقي إيصال رسالة إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بترشيح بديل عن برهم صالح من أجل حسم ملف منصب رئيس الجمهورية"، واستبعدت عقد جلسة لمجلس النواب من دون اتفاق على مرشح موحد للرئاسة.
كما نفى القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الاثنين، الاتفاق على مرشح تسوية لرئاسة الجمهورية، مشدداً على أن مرشح حزب الاتحاد لا يزال برهم صالح، مضيفاً: "نحن نتمسك به، وندعمه بشكل كبير".
"رؤى متوقعة"
ووفقاً للمشهد الحالي، تشير سيناريوهات انتخاب رئيس جديد للبلاد، إلى أن عدم اتفاق الحزبين على مرشح واحد، سيؤدي إلى فشل انعقاد جلسة البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية. والسيناريو الثاني: "ذهاب حزب الاتحاد بمرشحه إلى مجلس النواب لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية مدعوماً من الإطار التنسيقي".
ويلفت السيناريو الثالث إلى اتفاق الحزبين على مرشح واحد من المرشحين، إما مرشح حزب الاتحاد برهم صالح، أو ربير أحمد مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو سيناريو يفترض تنازل أحد الحزبين للآخر مقابل تنفيذ مطالب معينة.
والسيناريو الأخير يتمثل في اتفاق الحزبين على مرشح تسوية، والمرشح الأكثر ترجيحاً في هذا السيناريو هو عبد اللطيف رشيد.
*رئيس مركز كلواذا للدراسات وقياس رأي الإعلام العراقي
اقرأ أيضاً: