أفادت "بلومبرغ" نقلاً عن مسؤولين في الاستخبارات الأوروبية، بأن روسيا نقلت عتاداً عسكرياً من سوريا عبر سفن تجارية في البحر الأسود إلى أراضيها، في مسعى لتعزيز مواردها العسكرية، فيما دخل الغزو الروسي لأوكرانيا شهره السادس.
واجتازت سفينة تجارية خاضعة للعقوبات الأميركية مضيق البوسفور التركي، في طريقها من سوريا إلى روسيا أواخر الشهر الماضي، حاملة مركبات عسكرية، وفق ما نقلته الوكالة عن مسؤولين بالاستخبارات الأوروبية كانوا قد تعقبوا السفينة "سبارتا 2".
وأوضحت "بلومبرغ" أن رحلة السفينة إلى ميناء نوفوروسيسك المطل على البحر الأسود؛ تسلط الضوء على جهود الكرملين للاستفادة من الموارد اللازمة للغزو الذي دخل الآن شهره السادس، إذ تعرضت خطوط الإمداد للإجهاد، تحت ضغط أكبر حملة عسكرية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي حين تلقت أوكرانيا أسلحة بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة وأوروبا للمساعدة في الدفاع عن نفسها، فقد تعين على روسيا الاعتماد على مواردها الخاصة لدعم قوات الخطوط الأمامية، وسط تقارير عن خسائر فادحة في العتاد والأرواح بين الجيش الروسي، وفقاً للتقديرات الأميركية.
السفن التجارية
ونقلت "بلومبرغ" عن مسؤول مطلع على الأمر أن الإدارة الأميركية تعتقد أن روسيا تستخدم سفناً تجارية لنقل شحنات عسكرية إلى البحر الأسود، مردداً بذلك تقارير الاستخبارات الأوروبية. وطلب المسؤول عدم الكشف عن هويته نظراً لمناقشته مسائل سرية.
ومن شبه المؤكد أن سفينة "سبارتا 2" جلبت مركبات عسكرية من ميناء طرطوس السوري الذي تستخدمه روسيا، وفقاً لمسؤولي الاستخبارات وصور الأقمار الصناعية التي اطلعت عليها "بلومبرغ"، في الفترة من 17 إلى 25 يوليو.
وقال المسؤولون إن الطبيعة الدقيقة للمركبات غير واضحة. وشوهدت السفينة في سوريا وعلى متنها مركبات، ثم شوهدت وهي تعبر مضيق البوسفور وتم تحديدها لاحقاً في ميناء نوفوروسيسك الروسي وعلى متنها نحو 11 مركبة، وكان من المرجح أنها تفرغ حمولتها.
وتظهر بيانات التتبع البحري أن السفينة المملوكة لشركة فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات في مايو الماضي، وتسيطر عليها وزارة الدفاع الروسية، قامت بالرحلة في تلك التواريخ، وذلك بدون عوائق، على ما يبدو، من قبل تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو).
اتفاقية مونترو
وذكّرت بلومبرغ بأن أنقرة استندت إلى "اتفاقية مونترو" لإغلاق مضيق البوسفور أمام السفن الحربية، بعد وقت قصير من الغزو الروسي في 24 فبراير، بينما يمكن للشحن التجاري أن يمر عبره.
ونقلت الوكالة عن مصادر لم تكشف عنها أن روسيا استخدمت سفن شحن من شركة "أوبورونلوجيستيكا أو أو أو"، على نفس المسار في مناسبات أخرى هذا العام، ونقلت شحنات عسكرية عدة مرات من روسيا إلى سوريا في الماضي.
وأشارت بلومبرغ إلى أن متحدثاً باسم وزارة الخارجية الأميركية أحال استفسارات بشأن هذه المسألة إلى الحكومة التركية.
وقال مسؤول تركي مطلع على الأمر إنه لن يتم فحص سفينة تجارية؛ إلا إذا كانت هناك معلومات أو اشتباه في ارتكاب مخالفات.
ورفض متحدث باسم البيت الأبيض التعليق على ما إذا كانت الولايات المتحدة تحدثت مع مسؤولين أتراك بشأن ذلك الموضوع. ولم يرد الكرملين وشركة أوبورونلوجيستيكا على الفور على طلبات بلومبرغ للتعليق.
وأشارت الوكالة إلى أنه من المؤكد أن روسيا راكمت مخزونات ضخمة من الأسلحة، خلال برنامج تحديث استمر عقداً من الزمان تحت إشراف الرئيس فلاديمير بوتين، وينفي مسؤولو الكرملين أي مشاكل في إعادة الإمداد.
المعدات القديمة
ومع ذلك، يقول مسؤولون أميركيون وأوروبيون إن فقدان أعداد كبيرة من الدبابات وناقلات الجنود المدرعة يجبر موسكو على الانغماس في مخزونات المعدات القديمة، بما في ذلك دبابات (تي - 62) التي يعود تاريخها إلى عقود.
وعلى غرار روسيا، لم تكشف أوكرانيا عن حجم خسائرها العسكرية، على الرغم من أنها واجهت تحديات لوجستية ضد عدو أكبر بكثير، خصوصاً في وقت سابق من الحرب.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" في 22 يوليو الماضي، إن عدد الضحايا في ساحة المعركة انخفض إلى نحو 30 في اليوم، من مستوى مرتفع يتراوح بين 100 و200 يومياً في مايو ويونيو، وهو رقم لم يتم التحقق منه بشكل مستقل.
ولدى بوتين قوات في سوريا منذ أن أمر بعملية عسكرية عام 2015 لدعم رئيسها بشار الأسد.
وقال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو في عام 2017 إن الجيش اختبر أكثر من 160 نوعاً من الأسلحة المتقدمة هناك، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والصواريخ الموجهة بالليزر والدبابات وأساليب الحرب الإلكترونية وأنظمة الدفاع الجوي.
وهناك مؤشرات على أن الكرملين بحث في مكان آخر عن موارد إضافية أيضاً، وفقاً لبلومبرغ.
وتجدد التوتر بين أرمينيا وأذربيجان في الأسابيع الأخيرة، بشأن إقليم "ناجورنو قره باغ" المتنازع عليها، وسط تقارير نفتها موسكو بأن روسيا قلصت قوة حفظ السلام، التي يصل قوامها إلى 2000 جندي، لإرسال هؤلاء الجنود إلى أوكرانيا.
وقالت الولايات المتحدة في مارس إن روسيا حولت بعض قواتها إلى أوكرانيا من منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية في جورجيا، حيث تحتفظ بآلاف الجنود منذ خوضها حرباً عام 2008.
إيران وكوريا الشمالية
كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز، قد قال أمام منتدى أمني أميركي الشهر الماضي، إن روسيا تتجه إلى إيران لمحاولة شراء طائرات مسلحة بدون طيار، قائلاً إن ذلك يشير إلى "أوجه القصور في صناعة الدفاع الروسية اليوم، والصعوبات التي تواجهها بعد خسائر كبيرة".
وقد تصبح كوريا الشمالية مصدراً جديداً غير محتمل للمدفعية الروسية، لأن لديها أنظمة ذات جودة لائقة، واعترفت الشهر الماضي باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا، المواليتين للكرملين، وفقاً لشخص مطلع على السياسة الدفاعية الروسية، طلب عدم الكشف عن هويته لمناقشة القضايا الحساسة.
ونقلت بلومبرغ عن أحد مسؤولي الاستخبارات الأوروبية أنه من المرجح أن تغذي الشحنات الروسية من سوريا الخدمات اللوجستية الشاملة، إذ يستخدم ميناء نوفوروسيسك لإعادة تزويد القواعد في شبه جزيرة القرم المجاورة، التي ضمها الرئيس بوتين في عام 2014، ومن هناك إلى خيرسون وزاباروجيا المحتلتين في جنوب أوكرانيا.
وأعادت روسيا مؤخراً نشر قواتها ومعداتها في المنطقة، في الوقت الذي تهدد فيه أوكرانيا بشن هجوم مضاد في منطقة خيرسون.
ونقلت بلومبرغ عن مصدر لم تكشف هويته أن روسيا نقلت عدداً كبيراً من القوات إلى شبه جزيرة القرم، استعداداً للنشر في جنوب أوكرانيا.
وتم نقل ما لا يقل عن 8 مجموعات تكتيكية، تضم ما بين 800 وألف جندي من منطقة دونباس الشرقية، مما زاد من الضغط على طرق الإمداد اللوجستي.
خسائر روسيا
وتقول وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) إنها قدمت 9.1 مليار دولار من المساعدات الدفاعية لأوكرانيا منذ فبراير، بما في ذلك مليار دولار أعلنت، الاثنين، لتعزيز إمدادات ذخائر المدفعية بعيدة المدى، والأسلحة المضادة للدبابات والمركبات الطبية.
كما تلقت حكومة كييف أسلحة بمليارات الدولارات من المملكة المتحدة، وغيرها من أعضاء حلف شمال الأطلسي.
وقتل أو جرح ما يصل إلى 80 ألف جندي روسي في الحرب، حسبما قال وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون السياسة كولن كال، الاثنين، في مؤتمر صحافي دوري للبنتاجون.
وأضاف أن التقييم الأمريكي يشير أيضاً إلى أن روسيا استهلكت نسبة كبيرة من ذخائرها الموجهة بدقة، بما في ذلك الصواريخ التي تطلق من الجو والبحر، وفقدت ما يصل إلى أربعة آلاف دبابة ومركبة مدرعة أخرى.
وقال: "الكثير من ذلك بسبب الأنظمة المضادة للدروع مثل صواريخ جافلين وإيه تي 4، ولكن أيضاً بسبب الإبداع في الطريقة التي استخدم بها الأوكرانيون هذه الأنظمة".