فرنسا تسحب آخر جنودها من مالي.. 9 أعوام في مواجهة الإرهاب

time reading iconدقائق القراءة - 10
آخر قافلة فرنسية من عملية برخان تغادر جوسي، مالي. 18 أبريل 2022. - REUTERS
آخر قافلة فرنسية من عملية برخان تغادر جوسي، مالي. 18 أبريل 2022. - REUTERS
باريس-أ ف ب

يستكمل الجيش الفرنسي انسحابه من مالي بعد 9 أعوام على وجوده لمواجهة جماعات مسلحة، في ظل توتر قائم مع المجلس العسكري الحاكم ووسط عدائية شعبية متزايدة تجاههم.

وأعلنت رئاسة الأركان الفرنسية في بيان: "اليوم، آخر كتيبة من قوة برخان متواجدة على الأراضي المالية عبرت الحدود بين مالي والنيجر".

وأشارت إلى أن الكتيبة "غادرت قاعدة جاو الصحراوية، التي تم تسليم قيادتها صباحاً إلى القوات المسلحة المالية".

وأكدت رئاسة الأركان الفرنسية أن "هذا التحدي العسكري اللوجستي الكبير رُفع بشكل منظم وبأمان، وكذلك بشفافية كاملة وبتنسيق مع مجمل الشركاء".

وهذا الانسحاب الذي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد قرّره في 17 فبراير، يضع حداً لتدخل عسكري فرنسي في مالي استمر نحو 10 سنوات.

وحدة مالي

وفي بيان منفصل، أشادت الرئاسة الفرنسية بالتزام العسكريين الفرنسيين "الذين قاتلوا على مدى 9  سنوات الجماعات الإرهابية المسلحة" في منطقة الساحل، وضحى 59 منهم بأرواحهم في سبيل ذلك.

وشدد ماكرون على أن "تضحيتهم تلزمنا وتذكرنا بأن جنودنا حافظوا خلال هذه السنوات على وحدة مالي ومنعوا إقامة خلافة في أراضيها وكافحوا الجماعات الإرهابية، التي تهاجم المجتمعات المحلية وتهدد أوروبا".

وأشار إلى أن فاعليتهم "طوال هذه السنوات كلها، وحتى الأيام الأخيرة هذه، برهنها تحييد غالبية كبار كوادر التراتبية الهرمية في المجموعات الإرهابية الساحلية".

وفي انتقاد ضمني للسلطات المالية المنبثقة عن انقلابين، أكد الرئيس الفرنسي عزمه على "متابعة هذا الالتزام إلى جانب كل الدول، التي اتّخذت خيار مكافحة الإرهاب وصون الاستقرار والتعايش بين المجتمعات" في غرب إفريقيا.

تأسيس "برخان"

وأطلقت فرنسا في يناير 2013 عملية "سيرفال" بهدف وقف تقدم الجماعات المسلحة نحو جنوب مالي ودعم القوات المالية. وتمكنت العملية، التي كانت رأس حربة التدخل العسكري الدولي، من طرد جزء كبير من هذه الجماعات من شمال مالي بعد أن احتلت المنطقة في 2012.

وفي الأول من أغسطس 2014، خلفتها عملية "برخان لمكافحة التطرف"، بقيادة فرنسا مع 5 دول في منطقة الساحل والصحراء، هي موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد.

وبلغ عديد العناصر الميدانيين لهذه القوة 5500 جندي في العام 2020.

وسيُخفّض الوجود العسكري في منطقة الساحل بحلول نهاية العام إلى النصف مع 2500 عسكريّ. ووافقت النيجر على إبقاء قاعدة جوية في نيامي و250 جندياً لعملياتها العسكرية على الحدود المالية. وستواصل تشاد استضافة قاعدة فرنسية في نجامينا، وتأمل فرنسا في الحفاظ على كتيبة من القوات الخاصة في واجادوجو عاصمة بوركينا فاسو.

وتبحث فرنسا مع دول أخرى في غرب إفريقيا تقديم دعم لها، خصوصاً في خليج غينيا، لكن التدخلات العسكرية الفرنسية ستتحول إلى "قوات أصغر حجماً وأقل عرضة للخطر".

وترمي الاستراتيجية الجديدة إلى تجنّب خلق عدائية لدى السكان ضد القوة الاستعمارية السابقة، بدفع من الانعدام المستمر للأمن تؤججها، بحسب باريس، "حملات تضليل متعمّدة" على شبكات التواصل الاجتماعي.

ويأتي الانسحاب بعد نحو عام على تدهور مستمر ومتفاقم للعلاقات بين باريس والمجلس العسكري الحاكم في مالي منذ انقلاب أطاح بالرئيس ابراهيم أبو بكر كيتا في أغسطس 2020.

وفي مايو، ألغى قادة المجلس العسكري الحاكم في باماكو الاتفاقات الدفاعية مع باريس وشركائها الأوروبيين، بعدما عرقلوا مدى أشهر عمل قوة "برخان".

شبهات حول "فاجنر"

وأبدى قادة المجلس انفتاحاً على روسيا، لا سيما مجموعة "فاجنر" شبه العسكرية، بحسب باريس والأمم المتحدة.

وتنفي باماكو أن تكون قد طلبت تدخل مجموعة "فاجنر"، وطالبت ماكرون في يوليو بالتخلي عن "نزعته الاستعمارية الجديدة"، على حد تعبير المتحدّث باسم الحكومة الكولونيل عبد الله مايجا، الذي اتّهم باريس بـ"إثارة الكراهية العرقيّة".

وجاء موقف مايجا في معرض ردّه على تصريحات أدلى بها ماكرون في بيساو، اعتبر فيها أن "الخيارات التي اتخذها المجلس العسكري المالي اليوم" وعمله مع مجموعة "فاجنر غير فعالة في مكافحة الإرهاب".

ويقول محلّلون إن فرنسا وجدت نفسها في مالي عالقة بين منطق سياسي يفرض عليها الخروج بأسرع وقت ممكن، ومنطق فاعلية عسكرية يحضّها على البقاء إلى أن تصبح القوات المسلحة المحلية قادرة على الاضطلاع بالمسؤولية.

وقال خبير شؤون منطقة الساحل في "المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية" آلان أنتيل: "نعلم حالياً، ومنذ تجربة أفغانستان، أن عملية خارجية مع قوات غربية عدة لا يمكنها أن تستمر ميدانياً إلى الأبد"، مشدداً على "محدودية" تحكم "العمليات الكبرى، التي تضم أعداداً كبيرة من العناصر وتتطلب حضوراً ميدانياً كبيراً" ناهيك عن التبصّر السياسية.

واعتبر أن التحوّل نحو "مزيد من الدعم القتالي من بعض كتائب الجيوش الوطنية وعمل القوات الخاصة والدعم الجوي، سيجعل الحضور السياسي الظاهر لفرنسا أقل بكثير من دون التفريط بالفاعلية".

تواريخ حاسمة

ومر الوجود الفرنسي في مالي بعدة محطات منذ إطلاق عملية "سرفال" الفرنسية في مالي عام 2013 والتي نقلت عام 2014 إلى قوة "برخان".

وفي مارس 2012، سيطر المتمردون الطوارق الانفصاليون على مناطق الشمال الثلاث كيدال وجاو ثم تمبكتو (شمال مالي)، لكنهم ما لبثوا أن أُبعدوا على أيدي شركائهم المرتبطين بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب".

وفي 11 يناير 2013، أطلقت فرنسا عملية سرفال في مالي لوقف تقدم المسلحين.

وفي نهاية يناير، استعاد الجنود الفرنسيون والماليون مدينة جاو، ثم دخلوا إلى تمبكتو من دون قتال قبل أن يسيطروا على مطار كيدال.

وبعد 3 أسابيع من بدء التدخل الفرنسي، لقي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند استقبال الفاتحين في باماكو وتمبكتو.

في الأول من يوليو، أطلقت "عملية الأمم المتحدة المتكاملة لإحلال الاستقرار في مالي" (مينوسما)، وحلت محل قوة إفريقية.

وفي مايو 2014، استعادت مجموعات متمردة من الطوارق والعرب السيطرة على كيدال بعد مواجهات مني فيها الجيش المالي بهزيمة كبيرة.

وفي الأول من أغسطس، حلت محل "سرفال" عملية "برخان" ذات الأبعاد الإقليمية بمشاركة 3 آلاف جندي فرنسي في منطقة الساحل.

وفي مايو-يونيو 2015 شهدت الجزائر العاصمة توقيع اتفاق السلام بين الحكومة المالية والمتمردين السابقين من الطوارق، لكن تطبيقه بقي صعباً.

صراع مع المسلحين

ومنذ ذلك الحين، امتدت أعمال العنف إلى الجنوب ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين.

واعتباراً من 2015، تضاعفت الهجمات على القوات المالية والأجنبية والأماكن التي يرتادها أجانب. وقد استخدمت فيها عبوات يدوية الصنع، كما نفذ مسلحون هجمات خاطفة على دراجات نارية وغيرها.

وفي مارس 2017، اتحد المسلحون المرتبطون بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب" وحركة الداعية الفولاني أمادو كوفا، الذي ظهر في 2015 وسط مالي، تحت مظلة "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" بقيادة الزعيم إياد أغ غالي المنتمي إلى الطوارق.

وانتشر تنظيم "داعش" أيضاً في الصحراء الكبرى، وشنّ سلسلة من الهجمات الواسعة على قواعد عسكرية في مالي والنيجر. وصُنف العدو الأول خلال قمة بو (جنوب غربي فرنسا) في يناير 2020 بين باريس وشركائها في مجموعة دول الساحل الخمس (موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد).

وبالإضافة إلى تركيزها على تنظيم "داعش"، واصلت "برخان" في 2020 سياستها في القضاء على الكوادر الكبيرة المسلحة.

وفي 4 يونيو، قتلت قوة "برخان" زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب"، الجزائري عبد المالك دروكدال في مالي في نجاح رمزي كبير.

وفي نوفمبر، قتلت فرنسا بالرصاص "القائد العسكري" للحركة باه أغ موسى، لكن المسلحين لم يخففوا قبضتهم، فقد قتل تنظيم "داعش" في الصحراء 6 عمال إغاثة فرنسيين في أغسطس 2020 في النيجر.

وفي 2021، قتلت القوات الفرنسية زعيم تنظيم "داعش في الصحراء الكبرى" عدنان أبو وليد الصحراوي.

بداية التدهور مع باماكو

وفي 18 أغسطس 2020، أطاح انقلاب بالرئيس المالي ابراهيم أبوبكر كيتا، الذي انتخب في 2013 بعد أشهر من أزمة سياسية.

وتدهورت العلاقات بين باريس وباماكو بعد انقلاب جديد في 24 مايو 2021.

وفي 10 يونيو أعلن ماكرون الرحيل التدريجي لـ5 آلاف عنصر من قوة "برخان" لإبقاء قوة مخفضة من 2500 إلى 3000 رجل.

وفي 25 سبتمبر، اتهم رئيس الوزراء المالي فرنسا "بالتخلي في منتصف الطريق" عن بلاده مع خفض عديد "برخان"، مبرراً ضرورة "البحث عن شركاء آخرين"، وفي 30 سبتمبر وصف ماكرون تصريحاته بأنها "مخزية".

وفي نهاية ديسمبر، نددت حوالى 15 قوة غربية، بينها باريس، ببدء انتشار مجموعة "فاجنر" الروسية شبه العسكرية في مالي.

وفي 9 يناير 2022، أغلقت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا حدودها مع مالي، وفرضت عليها حظراً بسبب إرجاء انتخابات رئاسية وتشريعية كانت مرتقبة في 27 فبراير، وتم رفع الحظر في يوليو.

في 24 يناير وقع انقلاب عسكري في بوركينا فاسو، الدولة الثالثة بين الأربع التي تنتشر فيها قوة "برخان"، ويحكمها مجلس عسكري.

وفي نهاية يناير، طالب المجلس العسكري الحاكم في مالي الدنمارك بالسحب الفوري لجنودها المئة، الذين وصلوا أخيراً كجزء من التجمع الأوروبي للقوات الخاصة "تاكوبا"، قائلاً إنه لم يعط موافقته على هذا الانتشار.

وفي 31 يناير تقرر طرد السفير الفرنسي.

الانسحاب

وفي 17 فبراير، أعلنت فرنسا وشركاؤها الأوروبيون رسمياً انسحاب "برخان" و"تاكوبا" من مالي، وفي اليوم التالي طلبت باماكو من باريس أن تسحب "بدون تأخير" جنودها من البلاد، وهو طلب قوبل بالرفض من جانب ماكرون.

وفي 2 مايو، أعلن المجلس العسكري الحاكم إلغاء الاتفاقيات الدفاعية الموقّعة مع فرنسا وشركائها الأوروبيين.

وفي 15مايو، أعلنت باماكو الانسحاب من مجموعة دول الساحل الخمس.

وفي 13 يونيو، غادر الجيش الفرنسي رسمياً قاعدة ميناكا العسكرية في شمال شرق مالي، بعدما انسحب من قاعدة جوسي في أبريل، وقبل مغادرة قاعدة غاو في أغسطس الحالي.

وفي 29، مدّدت الأمم المتحدة تفويض بعثتها إلى مالي (مينوسما)، التي لم تعد تحظى بدعم جوي فرنسي، لمدة عام.

وفي 1 يوليو، أعلنت باريس انتهاء عمل القوات الخاصة الأوروبية "تاكوبا"، وفي الشهر نفسه تضاعفت العقبات الدبلوماسية بين باماكو ومينوسما.

تصنيفات