
انسحبت مجموعات مسلحة داعمة لرئيس الوزراء الليبي المكلف من البرلمان فتحي باشاغا، الأحد، من وسط العاصمة طرابلس، وسط هدوء حذر يسيطر على المدينة، بعد يوم من اشتباكات دامية بين مسلحين داعمين لباشاغا وآخرين تابعين لحكومة الوحدة المقالة من قبل البرلمان، فيما أعلنت وزارة الصحة بالحكومة المقالة ارتفاع حصيلة ضحايا اشتباكات طرابلس إلى 32 وفاة و159 مصاباً.
وتراجعت مجموعة مسلحة يقودها اللواء أسامة جويلي، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق، من محاور جنوب غرب طرابلس إلى معسكراتها في منطقة العزيزية، التي تبعد عن مركز العاصمة حوالي 50 كيلومتراً.
كما تحركت مجموعة معمَّر الضاوي وحسين بوزريبة إلى منطقة ورشفانة التي تبعد حوالي 55 كيلومتراً عن وسط طرابلس.
وأعقب انسحاب قوات جويلي سيطرة قوات داعمة لحكومة الدبيبة على معسكر 7 أبريل ومنطقة بوابة الجبس جنوب طرابلس، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز" عن وسائل إعلام ليبية محلية.
وقالت مصادر لـ"الشرق" إن عملية انتشار واسع لمركبات تحمل أسلحة ثقيلة تمت في شارعي الجمهورية والزاوية، وحي غوط الشمال، ومنطقة الدريبي، بالإضافة إلى محيط رئاسة الوزراء في طريق السكة، بالعاصمة الليبية طرابلس.
شوارع خالية
وأفادت المصادر بأن شوارع مدينة طرابلس خالية تماماً من حركة السكان، مع إغلاق عدد كبير من المحال التجارية. وأشارت إلى أن "عدة قطاعات حكومية طالبت موظفيها بعدم التوجه إلى أعمالهم خوفاً على حياتهم".
ولا تزال القوات الداعمة لرئيس الحكومة المقال من البرلمان تتمركز في نقاط تفتيش بوسط المدينة وعلى مداخل ومخارج العاصمة، بالإضافة إلى تسيير دوريات تفتيش.
وقالت مصادر بالمؤسسة الوطنية للنفط، ووزارة النفط والغاز بحكومة الدبيبة وشركة الخليج العربي للنفط والغاز الليبية لـ"الشرق"، إن قطاع النفط لم يتأثر بالاشتباكات التي كانت تدور في طرابلس، وذلك لوجود حقول وموانئ النفط في أماكن بعيدة عن العاصمة.
وأوضحت المصادر أن عمليات الحفر والتصدير والإنتاج لم تتأثر بعد بإعلان بعض شركات النفط تعليق العمل "المكتبي الإداري" مؤقتاً في مكاتبها الواقعة بمدينة طرابلس، والتي تم استئناف العمل بها من جديد بعد انتهاء الاشتباكات.
اتهامات متبادلة
وألقى رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان فتحى باشاغا، الأحد، مسؤولية الاشتباكات، التي شهدتها العاصمة طرابلس على مدى يومين، وما نتج عنها من ضحايا، على عاتق رئيس الحكومة المقالة من البرلمان عبد الحميد الدبيبة.
وقال باشاغا، في بيان، "نؤكد أن المدعو عبدالحميد الدبيبة ومستشاريه الخواص من أفراد عائلته الحاكمة ومن معه من عصابات مسلحة مسؤولون عن الدماء التي سفكت والأموال التي نُهبت، ومسؤولون عما سيحدث جراء هوسهم بالمال والسلطة وتشبثهم بها وعدم قبولهم بإرادة الليبيين ومبدأ التداول السلمي على السلطة".
ووصف ما حدث في العاصمة الليبية بأنه حالة من "الفوضى الأمنية وترويع المدنيين"، أحدثتها "مجموعات إجرامية خارجة عن القانون تأتمر بأمر زعيمها المدعو عبدالحميد الدبيبة، الذي انتهت ولايته وشرعيته وفق اتفاق جنيف الدولي وكذلك بموجب قرارات مجلس النواب الليبي".
واتهم باشاغا، في البيان، الدبيبة بأنه "استغل ولا زال يستغل موارد الدولة الليبية ومقدراتها لتشكيل ودعم مجموعات مسلحة ترسخ حكمه وسلطانه بمنطق القوة والأمر الواقع، ويؤسس لدولة دكتاتورية مستبدة تستهدف كل من يعارضها بالقبض والسجن والقتل دون أي رادع من أخلاق أو قانون".
كما اتهمه بأنه وأنصاره "يستأثرون بالدولة ومقدراتها وثرواتها لأجل مصالح شخصية وعائلية صارت ترهن ليبيا وشعبها ومستقبلها لإرادتهم وأطماعهم".
ووصف باشاغا حكومته المكلفة من البرلمان بأنها "ناتجة عن عملية سياسية دستورية ديمقراطية، وخاضعة تماماً لقواعد الديمقراطية وتضع نفسها رهن إرادة الشعب الليبي ومؤسساته التشريعية والدستورية".
في المقابل، أمر عبد الحميد الدبيبة باعتقال أي شخص متورط في "الهجوم على طرابلس" سواء كان "عسكرياً أو مدنياً".
وكلّف الدبيبة لجنتين بحصر الأضرار في بلديتي طرابلس المركز وأبو سليم، كما أمر جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية بصيانة المقار الإدارية التي تعرضت للأضرار، وفق ما أعلنه المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة المقالة.
كما أصدر الدبيبة قراراً باعتبار من قضى من المدنيين في أحداث طرابلس، "شهيد واجب"، وكذلك من يتوفى من الجرحى نتيجة هذه الأحداث.
وظهر الدبيبة في مقطع فيديو ليل السبت في أحد مقار قواته وهو يحيي المقاتلين الداعمين لحكومته. وصافح أنصاره، بينما كان محاطاً بحراسه، والتقط صوراً تذكارية وتبادل بضع كلمات تشجيعية معهم.
وقال الدبيبة لحشد من المقاتلين في تسجيل نشره على حسابه على تويتر، إن "هذا البلد لن نتركه للأوغاد"، مشيراً إلى أن الهجوم مدعوم "داخلياً وخارجياً".
دعوات للتهدئة
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش، مساء السبت، إلى "الوقف الفوري للعنف" في طرابلس، وحث الأطراف الليبية على الدخول في حوار حقيقي لمعالجة المأزق السياسي المستمر، وعدم استخدام القوة لحل الخلافات.
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في بيان، إن الأمم المتحدة "لا تزال مستعدة لبذل المساعي من أجل الوساطة لمساعدة الأطراف الليبية على رسم مخرج من المأزق السياسي الذي يهدد بشكل متزايد استقرار ليبيا".
ودعا البيان الطرفين إلى "حماية المدنيين والامتناع عن اتخاذ أي إجراءات يمكن أن تؤدي إلى تصعيد التوترات وتعميق الانقسامات".
وأشار دوجاريك إلى أن الأمين العام يتابع "بقلق بالغ" التقارير، التي تفيد بوقوع اشتباكات عنيفة في طرابلس أسفرت عن وقوع إصابات بين المدنيين وتدمير البنية التحتية في المدينة.
واندلعت اشتباكات، السبت، في عدد من أحياء طرابلس بين مجموعات مسلحة تابعة لحكومة الدبيبة المقالة من البرلمان، وأخرى مؤيدة لحكومة رئيس الحكومة المكلف من البرلمان فتحي باشاغا.
وسبّب القتال أضراراً جسيمة في العديد من المباني، بينها 6 مستشفيات، كما احترقت عشرات السيارات.
وأرجئت امتحانات المرحلة النهائية للمدارس الثانوية وأغلقت جامعة طرابلس حتى إشعار آخر. كما تم تعليق الرحلات الجوية في مطار معيتيقة الدولي، وهو الوحيد الذي يخدم طرابلس.
تأتي هذه الاشتباكات الأخيرة في إطار التنافس المستمر بين حكومة الدبيبة المقالة، وحكومة باشاغا التي عيَّنها البرلمان الليبي في فبراير الماضي.
وتتخذ حكومة الدبيبة من العاصمة طرابلس مقراً لها، فيما تتخذ حكومة باشاغا من مدينة سرت (450 كيلومتراً شرق العاصمة) مقراً، وتحاول منذ مايو الماضي الدخول إلى طرابلس لممارسة مهامها من هناك، وهو ما ترفضه حكومة الدبيبة، التي تصر على أنها لن تسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة.
وخلال الأيام الأخيرة، حشدت الجماعات المسلحة الرئيسية التي تدعم طرفي النزاع السياسي، قواتها مراراً حول طرابلس وداخلها، مع نشر قوافل كبيرة من المركبات العسكرية في جميع أنحاء المدينة والتهديد باستخدام القوة لتحقيق أهدافها.
اقرأ أيضاً: