في لقائه مع نظيره الصيني على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان الخميس، أقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجود "أسئلة وقلق" لدى الصين بشأن أوكرانيا، وتعهد بتقديم شرح خلال اجتماعات اليوم".
هذا "الاعتراف" من جانب بوتين، شكل كما ترى مجلة "بوليتيكو أوروبا" إقراراً لم يكن متوقعاً بتلك الأسئلة والمخاوف الصينية، كما يعد بمثابة عكس دراماتيكي لمسار العلاقات بين البلدين، والذي شهد في فبراير الماضي إعلاناً لـ"شراكة من دون حدود" بين بوتين وشي خلال زيارة الأول لبكين لحضور فعاليات أولمبياد بكين الشتوي.
الديناميكية الجديدة في العلاقات الصينية الروسية، أبرزها بوتين "المتجهم" بحسب "بوليتيكيو أوروبا"، حين قال إنه يقدر "الموقف المتوازن لأصدقائنا الصينيين في ما يتصل بالأزمة الأوكرانية".
وأضاف بوتين في لقائه مع شي، في سمرقند بأوزبكستان: "نحن نتفهم أسئلتكم ومخاوفكم بهذا الشأن وخلال اجتماعات اليوم، بالطبع سأشرح لكم بالتفصيل موقفنا من هذه القضية، رغم أننا تحدثنا عنها بالفعل"، حسبما أوردت وكالة "تاس" الروسية.
وجاءت أول تصريحات لبوتين بشأن المخاوف الصينية من الحرب بعد أيام قليلة من تعرض قواته لهزيمة خاطفة في شمال شرقي أوكرانيا.
وذكر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف للصحافيين في وقت لاحق، أن المحادثات التي جرت خلف الأبواب المغلقة كانت "ممتازة"، حسبما ذكرت وكالة "رويترز".
وقال: "تقييماتنا للوضع الدولي تتوافق تماماً... لا يوجد تناقض على الإطلاق... سنواصل تنسيق أفعالنا، بما يشمل في الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة".
تجاهل صيني لأوكرانيا
"بوليتيكو" اعتبرت أن رفض بكين الإدلاء بأي تصريح بشأن أوكرانيا الخميس، بعد أول لقاء وجهاً لوجه بين شي وبوتين منذ الغزو في 24 فبراير، جاء "كاشفاً".
وحرص بوتين بحسب المجلة الأميركية على "استعراض موالاته للصين"، قائلاً إن العالم يشهد تغييرات كبيرة الآن، وأن الثابت الوحيد هو "الصداقة والثقة المشتركة بين روسيا الصين"، حسبما نقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية الصينية "CCTV".
الرواية الصينية عن اللقاء بين بوتين وشي، لم تتضمن إشارة واحدة لأوكرانيا، كما لم تشر إلى "الصداقة دون حدود" بين البلدين.
الرئيس الصيني قال عقب اللقاء وفقاً لـ"CCTV": "منذ بداية العام الجاري، حافظت روسيا والصين على اتصالات استراتيجية فعالية. نسقت بكين وموسكو عن قرب على الساحة الدولية لضمان القواعد الأساسية للعلاقات الدولية".
شي تعهد أيضاً بتعميق العلاقات التجارية والزراعية مع روسيا، وحرصت بكين في المقابل على ذكر دعم بوتين للصين في قضية تايوان في البيان الصادر عنها بعد اللقاء، إذ قالت إن "شي أعرب عن تقديره لروسيا لالتزامها بمبدأ الصين الواحدة، والتأكيد على أن تايوان جزء من الصين".
شي على خيط رفيع
"بوليتيكو" رأت أن العلاقات مع روسيا تجبر شي جين بينج، على السير على خيط رفيع، فبينما يرى شي روسيا على أنها حليف قيّم بمواجهة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، فهو لا يريد استعداء واشنطن أو الاتحاد الأوروبي للدرجة التي يواجه فيها عقوبات أو مشكلات اقتصادية أخرى إذا تم النظر إليه على أنه يدعم أفعال روسيا في الحرب.
وكغيرها من الدول غير الغربية، تملك الصين حساباتها الخاصة بشأن أوكرانيا، فشكلت بكين موقفها من الحرب بناءً على منظورها للسياسة الخارجية، وإدراكها لقيمة وأغراض التحالفات الدولية، حسبما ذكر المحلل إيليا كوسا في تحليل للموقف الصيني نشر على موقع مركز "وودرو ويلسون" المعني بالسياسة والقضايا الدولية ومقره واشنطن.
وركزت الصين، التي لم تدن الغزو كما لم تؤيده في مواقفها بشأن أوكرانيا، على عدة رسائل وهي أن روسيا ليست وحدها ولكن الغرب وخاصة الولايات المتحدة، هي الملام في ما يحدث في أوكرانيا، لأن الغرب "أصر باستمرار على تجاهل المخاوف الأمنية الروسية".
وفي أغسطس الماضي اتهمت بكين الولايات المتحدة على أنها "المحرض الرئيسي" على الحرب في أوكرانيا، ووضع روسيا في موقف صعب "مع التوسعات المتكررة لحلف الناتو، ودعم القوى التي تسعى للدفع بكييف إلى صف الاتحاد الأوروبي بدلاً من موسكو".
النقطة الثانية التي ركزت عليها السياسة الصينية كانت إبراز أهمية تأسيس مفهوم للأمن في الإقليم والعالم، يأخذ في الحسبان مصالح ومخاوف كل الأطراف، وألا يكون هذا المفهوم مهيمن عليه من قبل الغرب.
مخاطر أمام الصين
بينما بات من الصعب الحكم على ما إذا كانت الحرب في أوكرانيا قوت أو أضعفت من يد الصين في ساحة العلاقات الدولية، إلا أنها خلقت فرصاً وكذلك مخاطر، تحاول بكين تقييمها والتعامل معها بشكل ملائم، بحسب المقال.
من بين تلك المخاوف، أن الموقف السياسي "السام" الذي خلفه الغزو، بات يهدد سمعة الصين وصورتها في الخارج بسبب علاقات الصين الوثيقة مع روسيا، وسط ازدياد حدة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي في جنوب شرقي آسيا وجنوبها.
وكذلك، أضافت الحرب تعقيدات إضافية إلى العلاقات بين الصين وروسيا، فالعقوبات الاقتصادية الغربية التي فرضت على موسكو عقب الغزو، خلقت صعوبات أمام بكين في تنفيذ مبادرتها "الحزام والطريق" إذ أن العقوبات المتعلقة بالقيود المالية ستعوق على الأرجح تدفق البضائع عبر روسيا وبيلاروس.
وبالإضافة لذلك، وضعت الحرب في أوكرانيا أساساً لتعزيز إضافي لحلف الناتو، والذي تراه الصين كعامل يدعم الأهداف الجيوسياسية الأميركية.
وفي تلك النقطة تتفق بكين وموسكو في النظر للناتو "ليس كحلف دفاعي، ولكن أداة للتوسع الأميركي".
فرص ضخمة
في المقابل، فتحت الحرب فرصاً ضخمة أمام الصين، إذ أن ضعف روسيا قد يبعد موسكو عن الغرب ويقربها من بكين كـ"حليف أصغر"، وهو بالضبط ما تراه الصين في العلاقة بين البلدين، وإضافة إلى ذلك، أطلقت الحرب تفاعلات سياسية واقتصادية ومالية امتدت من أوروبا إلى الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق.
ووفر انكشاف قدرات العقوبات الغربية، وحدود الغرب وخطوطه الحمراء، معلومات هامة للصين عن آليات الرد الأميركي والأوروبي، وعن حدود قدراتهم على الذهاب وراء الدبلوماسية التقليدية واستخدام وسائل غير تقليدية لممارسة الضغوط.
ويرى كوسا في تحليله على موقع "مركز ويلسون" أن تلك المعلومات لها أهمية خاصة بالنسبة للصين، في تحديد كيفية الرد في حال اندلاع مواجهة ضخمة مع الغرب، بشأن تايوان على سبيل المثال.
الغزو الروسي لأوكرانيا دفع الصين أيضاً، للانخراط بشكل أكبر في توسيع نفوذها في منطقة أوقيانوسيا ووسط وجنوب آسيا، فيما تنشغل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسياستهم الهجومية ضد روسيا وكذلك الصعوبات الداخلية الاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها آثار الحرب.
كيف يستمر الموقف الصيني؟
موقف الصين في الرد على الحرب الروسية في أوكرانيا يتمثل في "رد فعل متوازن ومحسوب بعناية" بحسب إيليا كوسا، فالصين ليست مهتمة بالدخول في نزاع طويل الأمد عال المخاطرة نظراً للمخاطر السياسية والاقتصادية، وتلك التي تتعلق بصورة البلد وسمعتها والتي قد تجلبها حرب كتلك.
وفي الوقت نفسه، فإن بكين لا تريد أن ترى روسيا تنهزم كلياً، وهو ما قد يؤدي إلى تنصيب نظام ديمقراطي داعم للغرب في موسكو، أو السيناريو الأسوأ، وهو تفكك البلد نتيجة للأزمة السياسية الداخلية.
فأي من هاتين النتيجتين ستعني خلق بيئة جيوستراتيجية جديدة كلياً تؤثر سلباً على المنافسة الاستراتيجية للصين مع الغرب.
ورجح كوسا، أن تستمر الصين في مواصلة "دبلوماسية النأي"، وتجنب أي دعم لروسيا، خوفاً من العقوبات الغربية وكذلك، لأن الصين لا ترى روسيا كعامل هام لتحديث اقتصادها الوطني، فعلى العكس ترى بكين أن مستقبلها الاقتصادي والتكنولوجي يقع في الأسواق الأوروبية.
وكذلك لا ترغب الصين في رؤية روسيا كجار طموح ذا تأثير قوي على الإقليم، يعمل قادتها انطلاقاً مع أحقاد تاريخية.
فالصين لطالما رأت روسيا كلاعب "متوسط القوة" وشريك وقتي في المنافسة العالمية مع الولايات المتحدة، وشريك تعتمد عليه في بعض قضايا الأمن الإقليمي، كالنزاعات في أفغانستان وسوريا والنزاعات الحدودية في آسيا الوسطى.