أزمة "الوثائق السرية".. بايدن في مواجهة ترمب مجدداً

time reading iconدقائق القراءة - 13
الرئيس الأميركي جو بايدن خلال استقبال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في البيت الأبيض. 13 يناير 2023 - REUTERS
الرئيس الأميركي جو بايدن خلال استقبال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في البيت الأبيض. 13 يناير 2023 - REUTERS
واشنطن -رشا جدة

لا تزال الساحة السياسية الأميركية تشهد توتراً متصاعداً على خلفية العثور على وثائق سرية في مكتب ومرآب خاص بالرئيس جو بايدن، إذ يتوقع خبراء سياسيون أن تأخذ القضية مسارات مختلفة، ما يضع الرئيس الأميركي مجدداً في مواجهة الرئيس السابق دونالد ترمب قبل السباق الرئاسي المنتظر في 2024. 

وكان البيت الأبيض أعلن أخيراً، العثور على 10 وثائق سرية في نوفمبر الماضي، أثناء إفراغ مكتب بايدن الخاص في مركز أبحاث تابع لـ"جامعة بنسلفانيا" (واشنطن)، والذي كان بايدن يعمل فيه بشكل منتظم خلال الفترة الممتدة بين منتصف عام 2017 وحتى بداية حملته الرئاسية في عام 2020. وتم تسليم تلك الوثائق إلى هيئة المحفوظات المسؤولة عن حفظ هذا النوع من المستندات الرسمية.

وبعد الإعلان الذي جاء متأخراً لأكثر من شهرين، أجرى محامو الرئيس تفتيشاً لمقراته الخاصة، وعثروا على وثائق سرية إضافية في مرآب وغرفة مجاورة بمقر إقامته في ويلمنجتون بولاية ديلاوير.

وبين إعلان بايدن دهشته وإنكار معرفته بتلك الوثائق التي تتضمن مذكرات استخباراتية أميركية ومواد إعلامية تتعلق بأوكرانيا وإيران وبريطانيا، وبين مطالبة النواب الجمهوريين في الكونجرس بالتحقيق، عيّن وزير العدل الأميركي ميريك جارلاند، الخميس الماضي، المدعي الفيدرالي والمسؤول الرفيع السابق بوزارة العدل روبرت هير، محققاً خاصاً في القضية.

في ما يتعلق بالسيناريوهات المحتملة التي يفترض أن تتبع خطوة تعيين محقق خاص في تعامل بايدن مع الوثائق السرية التي عثر عليها في مكتبه وبيته، قال أستاذ العلوم السياسية ودراسات الاتصال في "جامعة ميشيجان" مايكل تراوجوت لـ"الشرق" إنه "يتعين على المحامي الخاص تحديد مدى المشكلة وعدد المستندات المتضمنة، وما إذا كان الحصول على المستندات أو نقلها إلى هذه المواقع متعمداً أم عرضياً، وما إذا كان الأفراد المرتبطون ببايدن عندما كان نائباً للرئيس، في ذلك الوقت، هم من فعلوا ذلك، وهل كان ذلك عمداً أم عن غير قصد، إضافة إلى منشأ تلك الوثائق ومن اطلع عليها؟".

وبناء على العوامل الواردة أعلاه، يرسم تراوجوت مسارين للأزمة، الأول يتعلق بـ"استدعاء هيئة محلفين كبرى"، لافتاً إلى أنه "إذا اعتُبر الإجراء متعمداً وكان هناك عائق لمصلحة الأرشيف الوطني في استرداد المستندات، قد يتم توجيه تهم أكثر خطورة في نهاية المطاف". لكن ترواجوت يرى أن "من غير المرجح أن يُتهم بايدن، بل سيتم توجيه الاتهام لمعاونيه في تلك الفترة على الأرجح".

وأضاف تراوجوت أن المسار الثاني يتعلّق بحالة اعتبار نقل المستندات عرضيًا أو عن طريق الخطأ، وأشار إلى أن "الأمر هنا يتوقف عند توجيه توبيخ أو تحذير إداري، فقط. وفي تلك الحالة، توضع ملاحظة بالإهمال في ملف عمل الشخص المسؤول".

في سياق متصل، وعلى الرغم من اعتبار أستاذ السياسة والشؤون العامة في "جامعة برينستون" تشارلز كاميرون أن "ما حدث يمكن أن يعد انتهاكاً لقانون التجسس، المتعلق بالحصول على وثائق وطنية سرية أو تسجيلها أو بثها"،إلا أن الأخير "يشكك في وجود نية فعلية لارتكاب التجسس"، مرجحاً أنه "لا يعدو كونه إهمالاً".

وقال كاميرون لـ"الشرق" إن "المدعي الخاص سيرغب في إظهار أنه حريص وشامل وحيادي، لذلك سوف يراجع الأحداث والوثائق ببطء وبعناية، في حين يفضل بايدن حلاً سريعاً، لإظهار عدم وجود انتهاك خطير، بالإضافة إلى إجراء مرئي من قبله مثل طرد المرؤوس المهمل الذي ربما يكون وزير الخارجية الحالي".

ورأى كاميرون أنه "في معظم الحالات، كان المخالفون لقانون التجسس أفراداً تمكنوا من الوصول إلى مواد سرية وقاموا بتسريبها للصحافة، احتجاجاً على سياسة الحكومة"، مشيراً إلى أنه في بعض الحالات "كان المخالفون جواسيس فعليين يعملون لدى حكومات أجنبية، لذلك كانت المحاكمات الحكومية قاسية".

وإذ أشار إلى أن "حالتي بايدن و دونالد ترمب تختلفان تماماً"، قال: "الأمر في الحالتين على الأرجح عبارة عن إهمال وحفظ للسجلات بشكل غير متقن، ولم يعرف بايدن ولا ترمب أي شيء عنها". 

في الوقت ذاته، أكد كاميرون أن التحقيقات التي تجرى مع ترمب "ستبين ما إذا كان احتفظ بها عمداً لاستغلالها مالياً في صفقات تطوير عقاري، وفي تلك الحالة سيكون في ورطة كبيرة، لكن إثبات ذلك سيكون صعباً للغاية".

وأوضح أن "ما أثار استفزاز الشرطة الفيدرالية أو مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI في قضية ترمب، هو رفضه الغريب تسليم الوثائق السرية". ورأى أن من المؤكد أن "بايدن سيتعاون بشكل كامل وسريع مع المحققين الفيدراليين، إذ يريد ذلك بسرعة، بينما يريد ترمب أن يلعب دور ضحية ملاحقة سياسية".

بايدن و ترمب.. اتهام واحد

في وقت يتم فيه التحقيق مع ترمب لسوء تعامله المحتمل مع 325 وثيقة سرية على الأقل، تم العثور عليها في مقر إقامته بمنتجع "مارالاجو" بولاية فلوريدا، وصف بايدن تعامل ترمب مع الوثائق السرية بأنه "غير مسؤول على الإطلاق". 

وبعد 4 أشهر، فقط، من ذلك الوصف حل بايدن مكان ترمب ليواجه القضية ذاتها، لكن الباحث السياسي زاك مكيري رأى أن "هناك ثمة فروق رئيسية بين مراجعة وزارة العدل لوثائق بايدن، وبين التحقيق الجنائي في إساءة تعامل ترمب المحتملة مع المستندات السرية".

ويعتقد مكيري أن كمية المستندات المضبوطة تعد أحد أوجه الاختلاف الرئيسة في القضيتين. ففي وقت استعاد فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي أكثر من 300 وثيقة سرية من نادي ترمب الخاص ومكان إقامته في منتجع "مارالاجو" في بالم بيتش في ولاية فلوريدا، كشف محامو بايدن عن أكثر من 10 وثائق سرية. 

وقال مكيري لـ"الشرق" إن "وثائق بايدن أعيدت بشكل طوعي إلى عهدة الحكومة، في حين قاوم ترمب جهود الحكومة لاستعادة الأوراق السرية، كما أنه تعامل باستخفاف مع الوثائق السرية وخلطها بنسخ مطبوعة من المقالات الإخبارية وهو ما أدى إلى إجراء تحقيق في احتمال سوء التعامل مع المعلومات السرية في حالته".

وجود اختلافات بين قضية وثائق بايدن وقوثائق ترمب، لا يعني أن الأمر أبسط في حالة بايدن، كما يعتقد الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي الجمهوري جيم دورنان الذي قال لـ"الشرق" إن "هناك الكثير من الأسئلة بشأن هذه الوثائق، متسائلاً: لماذا استغرق الأمر وقتاً طويلاً للعثور عليها؟ ولماذا كان لدى بايدن تلك الوثائق؟، وهل يوجد وثائق أخرى؟"، لكن دورنان اعتبر في المحصلة أن "الأمر ليس جيداً للرئيس".

وتحدث دورنان عن إمكان أن "يتعرض بايدن وترمب على حد سواء إلى لائحة اتهام، بسبب أخذ وثيقة سرية بشكل غير قانوني".

فرصة جديدة لترمب

الحزب الجمهوري الذي تعاني صورته السياسية آثار النتائجه المتواضعة التي حققها في الانتخابات النصفية، في نوفمبر الماضي، وفشل نوابه في اختيار رئيس مجلس النواب على مدار 14 جولة اقتراع في 4 أيام، لم يتأخر في الدخول على خط الأزمة.

وفور الإعلان عن الوثائق السرية التي وجدها محامو بايدن في مكتبه الخاص، قال ترمب عبر منصته "تروث سوشيال": "متى سيقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي بمداهمة العديد من منازل جو بايدن، وربما حتى البيت الأبيض؟، بالتأكيد لم يتم رفع السرية عن هذه الوثائق".

النائب الجمهوري الذي من المقرر أن يصبح رئيساً للجنة الرقابة التابعة لمجلس النواب جيمس كومر، وصف الأمر بأنه "شديد الهزلية"، لافتاً إلى أن "الرئيس بايدن انتقد ترمب بشدة لنقل الأخير وثائق سرية بطريق الخطأ إلى مقر إقامته أو إلى أي مكان آخر، والآن يبدو أنه فعل الشيء نفسه".

بدوره، سارع رئيس مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي إلى القول: "أعتقد أن على الكونجرس التحقيق في هذا الأمر. هذا هو الشخص (يقصد بادين) الذي جلس في برنامج 60 دقيقة وكان قلقاً للغاية بشأن وثائق الرئيس ترمب، والآن نجد أن هذا الذي كان نائب الرئيس يحتفظ بها في العراء لسنوات في أماكن مختلفة".

ويوفر اكتشاف وثائق سرية في مكان العمل السابق لبايدن وفي مساحته الشخصية "ذخيرة لترمب والجمهوريين الآخرين"، حسبما يعتقد أستاذ مساعد العلوم السياسية في "جامعة كورنيل" ديفيد بيتمان، الذي قال لـ"الشرق" إنه "سيتم اتهام الرئيس والمدعي العام بمتابعة تحقيق ذي دوافع سياسية مع الرئيس السابق". 

وتابع: "أنا أقول غالباً إن ترمب مقيد في مدى قدرته على مهاجمة بايدن، لكن رغم ذلك فإن كلا الاثنين متهمين إلى حد ما بنفس التهمة".

وعلى الرغم من أن ترمب متهم أيضاً بارتكاب "جريمة أكثر خطورة تتمثل في محاولة إخفاء حقيقة أنه لا يزال بحوزته وثائق سواء كانت سرية أم لا"، يرى بيتمان أن "لا حدود لنفاق حلفاء ترمب"، متوقعاً منهم (الحلفاء) "محاولة استغلال تشابه الأزمتين في خلق زخم سياسي حول ترمب في إطار التمهيد للانتخابات الرئاسية المقبلة".

ويتفق أستاذ العلوم السياسية تراوجوت مع بيتمان في أن "الكشف عن تلك الحقائق يمنح ترمب والجمهوريين فرصة لمهاجمة بايدن وكذلك لمحاولة التقليل من تصرفات ترمب باعتبارها حدثاً شائعاً".

في المقابل، ذهب كاميرون بعيداً باعتقاده أن "التحقيق مع بايدن في نفس الجريمة يجعل الملاحقة السياسية لترمب تبدو غير مرجحة، خصوصاً مع زعم الأخير المستمر، أن التحقيق الموجه إليه له دوافع سياسية بحتة".

ومع ذلك، رأى كاميرون أن "الجمهوريين الحزبيين يريدون رؤية بايدن متهماً بإساءة التعامل مع أسرار الدولة، وستشعر الصحافة بأنها مضطرة للإبلاغ عن كل التفاصيل حول وضع بايدن، مما سيجعله يبدو سيئاً حتماً".

وزاد: "قد تحاول الصحافة أن تكون أكثر حذراً مما كانت عليه مع التغطية المتطرفة لقضية البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون، والتي ربما كلفتها الانتخابات الرئاسية"، في إشارة إلى استخدام هيلاري كلينتون أثناء فترة توليها منصب وزيرة الخارجية الأميركية، بريداً إلكترونياً شخصياً في الاتصالات العامة الرسمية بدلاً من استخدام حسابات البريد الإلكتروني الرسمية لوزارة الخارجية والمحفوظة على خوادم فيدرالية رسمية.

وأعرب دورنان عن اعتقاده بأن ما حدث "قد يصب في مصلحة ترمب السياسية، على الرغم من تعامله مع القضية بشكل أسوأ بكثير مما فعل بايدنط. وأضاف: "لن يمتنع  ترمب عن القول إنه وبايدن متساويان في ارتكاب كلتا الجريمتين".

مستقبل "على المحك"

وفي وقت ارتفعت شعبية الرئيس بايدن للمرة الأولى خلال فترة رئاسته، ظهرت قضية الوثائق السرية لتضع البيت الأبيض في حرج سياسي كبير قبل انتخابات الرئاسة المقررة في عام 2024. 

وأرجعت نتائج مسح أجرتها قناة "سي إن بي سي" CNBC مع شركة "سيرفي مونكي" (SurveyMonkey) خلال الربع الرابع من عام 2022، زيادة طفيفة في نسبة تأييد بايدن منذ أغسطس الماضي، نتيجة انخفاض أسعار الغاز وتحقيقه بعض الانتصارات التشريعية الرئيسية، وتباطؤ التضخم.

وأعرب أستاذ السياسة والشؤون العامة كاميرون عن اعتقاده بأن تلك القضية (الوثائق) "قد تضر بفرصة دخول بايدن السباق الرئاسي مرة أخرى". وقال لـ"الشرق" إن "الأمر يعتمد على شدة التغطية الصحافية، ومدة استمرار الفضيحة، ومدى الضرر الذي تسببه له مع الجمهور، إذ أنه ليس رئيساً يحظى بشعبية، لذا، لا يمكنه بشكل عام  أن يكون سعيداً جداً في الوقت الحالي".

ويتفق تراجوت مع ما قاله كاميرون، إذ اعتبر أنه "حتى اللحظة واستناداً إلى الحقائق كما هي مطروحة، ليس للأزمة تأثير على قرار ترشح بايدن لمدة تالية، أو فرص نجاحه في حال قرر الترشح، أما إذا كشفت العملية أن هناك قضايا قانونية خطيرة معنية، فمن المحتمل أن تقضي على فرصه في السعي لولاية ثانية، وتضع مستقبله السياسي على المحك".

في حين اعتبر بيتمان أنه من السابق لأوانه معرفة "كيف سيؤثر ذلك على فرص ترشح بايدن للرئاسة"، وقال لـ"الشرق" أنه "إذا تم فتح تحقيق قانوني، وإذا بدا أن قضيتي بايدن وترمب متشابهتان جوهرياً، فسيؤدي ذلك بالتأكيد إلى إضعاف الرئيس قليلاً".

وزاد: "لن أتفاجأ إذا كان بايدن وحلفاؤه قادرين على القول إن هذا يختلف جوهرياً عما فعله ترمب، نظراً لأن معظم الروايات تقول بأن ترمب معارضاً إلى حد ما لتسليم المستندات التي تنتمي إلى الولايات المتحدة وربما أخفى حقيقة أنه لا يزال يمتلكها، ولكن ربما لا. إنها بالتأكيد ليست أخباراً جيدة للرئيس".

في الوقت ذاته، تبنى الخبير الاستراتيجي الجمهوري جيم دورنان نظرية المؤامرة في القضية. وقال: " في الواقع، هناك شائعات بأن هذا الأمر تم تسريبه للصحافة من قبل نشطاء ديمقراطيين للضغط على بايدن لعدم الترشح للسباق الرئاسي المقبل".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات