بريطانيا.. إضراب موظفي الجوازات يفاقم أزمة "الخدمات العامة"

time reading iconدقائق القراءة - 12
موظفو مكتب الجوازات في لندن يبدأون إضراباً للمطالبة برفع الأجور. 3 أبريل 2023 - AFP
موظفو مكتب الجوازات في لندن يبدأون إضراباً للمطالبة برفع الأجور. 3 أبريل 2023 - AFP
لندن-بهاء جهاد

بدأ موظفو الجوازات في إنجلترا وويلز واسكتلندا، إضراباً عن العمل يستمر لخمسة أسابيع، ويتوقع أن يعرقل إصدار أو تجديد أكثر من مليون وثيقة سفر، خاصة وأن موظفي هذا القطاع في إيرلندا الشمالية سينضمون لزملائهم اعتباراً من الجمعة المقبلة، ليصبح الحراك شاملاً لدول بريطانيا الأربع.

ويعتبر احتجاج قطاع الجوزات أحدث موجات إضراب موظفي القطاع العام في بريطانيا، اعتراضاً على تآكل الأجور بفعل التضخم وارتفاع أسعار السلع.

ويطالب موظفو الجوازات، وهم جزء من موظفي الخدمة المدنية والتجارية، الحكومة برفع رواتبهم بنسبة 10%، وفقاً لبيانات رسمية صادرة عن النقابات المختصة.

ولا يقف موظفو الجوازات على "خطوط المواجهة الأمامية" مثل نظرائهم في القطاع الطبي. كما أن تعطل القطاع قد لا يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية للناس، كما هو الحال عند تعطل وسائل النقل العامة، ورغم ذلك يرى مختصون أن هذا الحراك الجديد يزيد أعباء الحكومة، ويعرقل خطط سفر الأفراد خلال أشهر الصيف.

مفاوضات فاشلة

ويمتد إضراب موظفي الجوزات بين الأسبوع الأول من أبريل الجاري، وحتى الأسبوع الأول من مايو المقبل، وهي 5 أسابيع يضرب فيها أكثر من 1000 عضو ينتمون إلى نقابة الخدمات العامة والتجارية، للمطالبة برفع رواتبهم وتحسين برنامج التقاعد الخاص بهم، إضافة لحماية شروط وأحكام التسريح من العمل.

ويشير الأمين العام للنقابة مارك سيروتكا، إلى أن موظفي الجوازات لجأوا إلى الإضراب بعد 6 أشهر من المفاوضات الفاشلة مع وزارة الداخلية لتحقيق الأهداف المعلنة.

واعتبر أن "حكومة ريشي سوناك تتعامل مع موظفي القطاع العام بفظاظة ولامبالاة، في بحث الأزمات الوظيفية والمالية التي يعيشونها اليوم".

ورد متحدث باسم وزارة الداخلية على نقابة الخدمات العامة، قائلاً إن الإضراب خطوة محبطة للحكومة، ولكن الوزارة تؤكد على التعامل مع تداعياته، وتحرص على تقليص آثاره السلبية.

وأشار في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية إلى أن التقديرات الرسمية لمدة إنجاز وثيقة السفر لن تتغير على ضوء الإضراب.

تقديرات متباينة

ويعمل في إصدار وتجديد جوازات السفر نحو 4000 موظف وفق إحصاءات رسمية. وبالتالي يشمل الإضراب ما يزيد على ربع موظفي القطاع.

لكن الأرقام المتزايدة من طلبات وثائق السفر يجعل من الصعب احتواء غياب 1300 موظف، والاستمرار بإنجاز العمل وفق الجداول الزمنية المقدرة من الحكومة.

وتقول منظمة "ويتش" المعنية بقضايا المستهلكين في عموم المملكة المتحدة، إن مئات الآلاف من الأشخاص سيعانون نتيجة إضراب موظفي الجوازات، حيث سيتعذر عليهم إصدار أو تجديد وثائق سفرهم لمغادرة البلاد خلال الأشهر القليلة المقبلة، لافتة إلى أن تداعيات هذا الحراك قد تطال فصل الصيف وموسم الإجازات.

وأشارت المنظمة في بيان رسمي، إلى أن إصدار جواز السفر اليوم يحتاج إلى فترة تزيد على عشرة أسابيع أحياناً، وفي ظل الإضراب ستتسع هذه المدة بشكل مؤكد.

وذكرت أن قطاع الخدمات العامة يستقبل أسبوعياً ما يفوق ربع مليون طلب لإصدار أو تجديد جوازات السفر، وخاصة قبيل العطل الصيفية.

ويقدر الموقع الإلكتروني المختص، والمعروف باسم "زمن انتظار جواز السفر"، الوقت اللازم لاستصدار أول جواز للبالغين في المملكة المتحدة بنحو 19 يوماً، أما التجديد فلا يتجاوز الأسبوعين. في حين أن الحكومة تقول على موقعها إن المدة لن تزيد على 10 أسابيع أياً كانت حال الطلب المستوفى للشروط.

في السياق ذاته، تشير دراسات مختصة إلى أن الأشهر العشرة الأولى من العام 2022، شهدت تأخراً في إصدار وتجديد جوازات السفر لأكثر من 360 ألف مواطن.

وحذّرت نقابة الخدمات العامة والتجارية من زيادة كبيرة في هذه الأرقام، مع توقع وصول 10 ملايين طلب مماثل خلال الفترة ذاتها في 2023.   

إضرابات الطيران

يهدد حراك موظفي الخدمات العامة والتجارية العطلة الصيفية لكثير من البريطانيين، وخاصة إن ترافق مع إضراب موظفي المطارات، كما يحدث في مطار هيثرو في لندن منذ نهاية شهر مارس الماضي وحتى 9 أبريل الجاري، حيث يخلو المبنى رقم 5 في المطار من حراس الأمن الذين يحتجون على تدني رواتبهم.  

وصوت أكثر من 1400 حارس أمن يعملون في مطار هيثرو، أكبر مطارات الدولة، لصالح تنفيذ إضراب قد يصبح مفتوحاً إن رفضت الحكومة زيادة أجورهم لمواكبة التضخم. 

ونتيجة للقرار صدرت تحذيرات رسمية للمسافرين خلال هذه الفترة من احتمال تأخر مواعيد رحلاتهم وإجراءات مغادرتهم أو وصولهم.  

وخلال الأيام العشرة لإضراب حراس الأمن، ثمّة أكثر من 6000 رحلة مجدولة للمغادرة من مطار هيثرو، تشمل 1.3 مليون مقعد، لكن احتواء الأمر لن يكون بالغ الصعوبة إن بقي في حدوده الراهنة، أو أنه لم يحرض موظفي شركات الطيران على حراك مشابه، كما فعل موظفي شركة "إيزي جيت" في البرتغال.  

ونقلت صحيفة "إيفنينج ستاندرد" عن مصدر رسمي في هيثرو أن إدارة المطار تتعامل بجدية مع مطالب حراس الأمن، وقد عرضت زيادة بنسبة 10% على الأجور بأثر رجعي ابتداء من شهر يناير 2023، كما عرضت المساعدة بمبلغ مقطوع يصرف لكل موظف مرة واحدة، تبلغ قيمته 1000 جنيه إسترليني.   

تهديدات نقابية

وينتمي موظفو الجوازات لنقابة الخدمات العامة والتجارية التي تمثل قطاع الخدمة المدنية المستمر في إضراباته منذ العام الماضي.

ويقول الأمين العام للنقابة إن تجاهل الحكومة لمطالب أعضائها سيدفعها نحو توسيع الاعتراض على تآكل الأجور بسبب التضخم وارتفاع أسعار السلع، وخاصة الاستراتيجية منها.

ويشير مارك سيروتكا إلى أن أكثر من 40 ألفاً من موظفي الخدمة المدنية يستخدمون بنوك الطعام في المملكة المتحدة، كما أن أكثر من 45 ألفاً من بينهم يطالبون بتلقي ذات المساعدات التي يعملون على توفيرها لغيرهم، ممن يدرجون في سجلات الحكومة كعاطلين عن العمل أو غير القادرين عليه لأسباب صحية.

وصوّت أكثر من 130 ألف موظف في الخدمة المدنية لصالح إضراب جديد يوم 28 من أبريل الجاري، للمطالبة بزيادة أجورهم بنسبة 10%، في حين تقول الحكومة إن "هذه الزيادة تكلف خزينة الدولة نحو 2.5 مليار جنيه إسترليني، وهو أمر لا يمكن الموافقة عليه، ولا حتى مناقشته مع النقابة التي تمثلهم".

وعرضت الحكومة زيادة بنسبة 2 إلى 3% على أجور موظفي الخدمة المدنية في ميزانية الربيع التي أعلنتها خلال الشهر الماضي، ولكن الزيادة لم تلق قبولاً، واحتضنت مدن المملكة المتحدة منتصف مارس الماضي إضراباً شارك فيه موظفو نحو 190 مؤسسة مختلفة، وفقاً لتقديرات نقابة الخدمات العامة.

عروض مرفوضة

ولا يتوقف رفض العروض الحكومية بشأن زيادة الأجور على موظفي الخدمة المدنية. فقد صوّت 98% من أعضاء الاتحاد الوطني للتعليم ضد مقترح الحكومة زيادة رواتب المدرسين بـ 4.5% في 2024، ودفع مبلغ مقطوع بقيمة 1000 جنيه إسترليني هذا العام للجميع من أجل المساعدة في كلفة المعيشة.

وقرر المعلمون في إنجلترا تنظيم إضراب جديد في 27 أبريل الجاري. وتقول الأمينة المامة للاتحاد "إن الإضراب يمثل رسالة واضحة للحكومة بشأن عرضها الذي لم يكن مقبولاً أبداً". متسائلة عن سبب اختلاف طرح حكومة لندن عن حكومتي أدنبرة وكارديف إزاء مطالب ذات القطاع في دول المملكة المتحدة.

ويرى كبير محرري صحيفة "التايمز" مايكل بنيون، أن الحكومة لن تبدي مرونة ملحوظة إزاء مطالبة موظفي القطاع العام بزيادة الأجور، قبل أن تسيطر على التضخم ويتحول مساره إلى الهبوط، باستثناء قطاع الصحة الذي يعتقد أن الحكومة لا تفضل استمرار حراكه بسبب الحاجة إليه والضرورة الملحة للتعامل معه.

ويقول بنيون لـ"الشرق"، إن الحكومة لا تزال تقف بعيدة إلى حد ما عن مفاوضات مؤسسات القطاع العام مع موظفيها. والمماطلة في معالجة أسباب الإضرابات ستحرج النقابات لأنها لن تستطيع الاستمرار فيها طويلاً، حيث أنها ملزمة قانوناً بتعويض الموظفين مادياً، وهي لا تملك أموالاً كثيرة، على حد رأيه.

ويوضح كبير محرري "التايمز"، أن اتساع رقعة الإضرابات في القطاع العام لن يقلق الحكومة بشكل كبير. صحيح أن الحراك مكلف للخزينة، ولكن أولويات الحكومة في تخفيض معدل التضخم، سيدفعها إلى الاستمرار برفض زيادة الأجور، ولن تبدي أي استجابة واضحة تجاه الإضرابات قبل أشهر، على حد قوله.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات