مؤامرات وأسلحة.. وثائق أميركية سرية عن خطط داعش في أفغانستان

time reading iconدقائق القراءة - 9
عنصر من حركة "طالبان" خلال عملية دهم أحد المواقع التايعة لتنظيم "داعش" في شمال كابول بأفغانستان. 4 أكتوبر 2021 - REUTERS
عنصر من حركة "طالبان" خلال عملية دهم أحد المواقع التايعة لتنظيم "داعش" في شمال كابول بأفغانستان. 4 أكتوبر 2021 - REUTERS
دبي-الشرق

أظهرت مجموعة من الوثائق الأميركية المسرَّبة أنَّ أفغانستان أصبحت موقعاً مهماً لتنسيق خطط تنظيم "داعش" ومساعيه لشن هجمات في قارتي أوروبا وآسيا، إلى جانب استهداف الولايات المتحدة، بعد أقل من عامين على قرار سحب الرئيس جو بايدن القوات الأميركية من البلاد.

وقالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إنَّ الوثائق تضمنت تقييماً صادراً عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) يحذّر من التهديد الذي يفرضه تنظيم "داعش" باعتباره مصدر قلق أمني متزايد.

وكشفت الوثائق، التي تم تسريبها على منصة المراسلة "Discord"، خطط "داعش" بشكل مفصَّل، إذ ذكرت أمثلة محددة لمحاولات التنظيم استهداف سفارات وكنائس ومراكز تجارية، فضلاً عن بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر.

ووفقاً للصحيفة، كان مسؤولو البنتاجون على دراية، في ديسمبر الماضي، بتسع مؤامرات من هذا القبيل نسَّقها قادة التنظيم في أفغانستان، كما ارتفع عدد الخطط إلى 15 بحلول فبراير الماضي، بحسب التقييم الذي يتم الكشف عنه للمرة الأولى.

وفي 31 أغسطس 2021، أعلن البنتاجون خروج آخر جندي أميركي من أفغانستان، لتستكمل الولايات المتحدة بذلك سحب آخر قواتها من ذلك البلد لتنهي حرباً استمرت 20 عاماً سيطرت في أعقابها حركة "طالبان" على الحكم.

نموذج جديد للعمليات

وبحسب الوثائق العسكرية، التي صُنفت بأنها "سرية للغاية"، طور داعش "نموذجاً فعالاً من حيث التكلفة للعمليات التي تعتمد على موارد من خارج أفغانستان، بما في ذلك نشطاء في الأماكن المستهدفة، وشبكات واسعة لتسهيل العمليات، وهو النموذج الذي سيؤدي لتمكين التنظيم من التغلب على العقبات التي قد تواجه تنفيذ العمليات".

ولفتت الصحيفة إلى وجود تقارير داخل الوثائق كشفت محاولات "داعش" في أماكن متفرقة حول العالم للحصول على خبرة تصنيع الأسلحة الكيماوية، وتشغيل الطائرات بدون طيار، فضلاً عن وجود خطة يقوم بموجبها تابعون للتنظيم بخطف دبلوماسيين عراقيين في بلجيكا أو فرنسا للمساومة، والإفراج عن 4 آلاف سجين من عناصره.

ورفض مسؤولو إدارة بايدن تأكيد صحة الوثائق المُسربة، لكنهم دافعوا عن سجلهم في مكافحة الإرهاب منذ وصولهم البيت الأبيض.

وقالت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، للصحيفة، إنَّ "الولايات المتحدة تستمر في الحفاظ على قدرتها على تحييد الإرهابيين، دون وجود دائم لقواتها على الأرض، كما أنَّها أعادت ترتيب عمليات مكافحة الإرهاب لمواجهة التهديدات المستقبلية في أي مكان".

واستشهدت واتسون في هذا الصدد بالغارة التي نفذتها العمليات الخاصة الأميركية في الصومال للقضاء على أحد قادة التنظيم بلال السوداني، والذي وصفه مسؤولون أميركيون بأن له تأثيراً كبيراً على عناصر "داعش" في أفغانستان.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول دفاعي أميركي قوله إنَّ عدد خطط تنظيم داعش ظل تاريخياً ينحسر ويتزايد، كما لم يتم تنفيذ الكثير من هذه الخطط، مضيفاً أنَّ حركة "طالبان" ظلت تعمل في أفغانستان بمثابة المشرف على فرع "داعش" هناك، والمعروف باسم "داعش - ولاية خراسان".

وتابع: "لقد ارتفعت مكانة (داعش في خراسان) داخل التنظيم، وهو ما يرجع جزئياً إلى الحملة المستمرة للقضاء على خلايا (داعش) في مواقع أخرى، لكن الولايات المتحدة لديها أيضاً الآن أساليب وتكنولوجيا أفضل لتعقب عناصر التنظيم".

مخاوف تجدد "الإرهاب"

وقال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن التقارير، التي تم تسريبها، تحمل تحذيرات سابقة بشأن احتمال تجدُّد الإرهاب في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي من كابول.

ويقول ناثان سيلز، منسق وزارة الخارجية الأميركية لمكافحة الإرهاب خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب: "لقد بات (داعش-خراسان) يتمتع بملاذ آمن في أفغانستان منذ الانسحاب الأميركي قبل 20 شهراً".

وأضاف سيلز الذي دعا إلى صياغة خطة عاجلة لمهاجمة قيادة التنظيم وبنيته التحتية: "رغم أن أغلب هجمات داعش استهدفت الأفغان، إلا أنَّ التنظيم لديه طموحات لمهاجمة المصالح الأميركية في المنطقة، وكذلك أراضي الولايات المتحدة نفسها".

وقالت "واشنطن بوست" إن التقييم، الذي تم تسريبه، يتماشى مع شهادة الجنرال الأميركي مايكل إريك كوريلا أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب في مارس الماضي.

وكان كوريلا اعتبر في شهادته أنَّ "داعش" بات له وجود أقوى في أفغانستان مما كان عليه قبل عام، محذراً من أن التنظيم قد يتمكن من شن هجمات خارج البلاد في غضون 6 أشهر "مع القليل من الفرص للتحذير المسبق أو حتى بدون سابق إنذار".

وأضاف كوريلا، الذي يشرف على العمليات العسكرية الأميركية في المنطقة، في شهادته أن الولايات المتحدة ترى "الخطوط العريضة" فقط المتعلقة بخطط "داعش" هناك، ولكنها لا ترى "الصورة الكاملة".

تنسيق الفرع والقيادة

وتابعت الصحيفة: "ليس من الواضح إلى أي مدى ينسق (داعش-خراسان) عملياته مع قيادة التنظيم المركزية، الذي يُعتقد أن مقرها في سوريا، لكن الوثائق المُسربة تسلط الضوء على أن عناصره تتطلع لمهاجمة أهداف غربية، إذ أشارت تقارير مقلقة إلى جهود يبذلها التنظيم لتجنيد خبراء تقنيين عبر الإنترنت لشن هجمات في الخارج".

وكشفت إحدى الوثائق المُسربة، المحررة في مارس، عن محاولة أُجريت في الصيف الماضي للحصول على خدمات رجل بريطاني ادعى أنه يمتلك "مهارات في هندسة الطيران والهندسة الكيميائية"، فيما لم تكشف الوثائق عن هويته.

وأوضحت أن "الرجل البريطاني عرض (على التنظيم) تقديم إرشادات بشأن الصواريخ والطائرات بدون طيار، فضلاً عن كيفية صنع السلاح الكيميائي، وطُلِب منه إرسال معلوماته عن بُعد بدلاً من المخاطرة بالذهاب في رحلة إلى سوريا أو العراق".

وأوردت إحدى الوثائق أيضاً أن عناصر "داعش" المتمركزين في العراق يقومون بمراقبة طلاب الهندسة في إحدى جامعات دمشق، لتحديد مدى إمكانية الاستفادة من مهاراتهم، كما سعى التنظيم للحصول على معلومات من "فرد مقيم في أوكرانيا" حول كيفية بناء طائرة بدون طيار قوية لحمل "مواد ثقيلة".

ولفتت الصحيفة إلى أن "داعش" كان يبحث إمكانية استخدام الأسلحة الكيماوية والطائرات بدون طيار في هجمات إرهابية منذ عام 2015 على الأقل.

ووثقت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة جهداً مكثفاً، خلال فترة سيطرة التنظيم على مناطق واسعة في سوريا والعراق، لتصنيع غاز الخردل، والمواد الكيميائية الأخرى، والتي تم استخدام بعضها في المعارك، وكذلك تم اختبارها على السجناء.

لكن على الرغم من جهود التنظيم لامتلاك سلاح دمار شامل، تشير إحدى الوثائق إلى أنَّ طموحات "داعش" الهائلة قد تم تقويضها بعد طرده من المناطق التي كان يسيطر عليها.

ووفقاً للوثائق، سعى التنظيم منذ عام 2019 للعثور على مواقع آمنة، وتعيين موظفين لتصنيع الأسلحة، كما اضطر إلى الاعتماد على المتعاطفين معه عن بُعد للحصول على الدعم والمشورة.

وتقدر الوثائق أن "داعش" سيقتصر في المستقبل القريب على تصنيع المتفجرات التقليدية أو ربما الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية على نطاق صغير، وأن إحباط مثل هذه الجهود سيظل مستمراً بسبب عدم قدرة التنظيم على اكتساب الخبرات اللازمة.

خطط لشن هجمات

وكشفت الوثائق أيضاً تفاصيل تعامل التنظيم مع العديد من الأحداث العالمية الأخيرة، بما في ذلك نظره في إرسال أحد عناصره إلى الدوحة لشن هجوم في بطولة كأس العالم الماضية، كما درس رجال التنظيم خططاً انتقامية للرد على "حرق نسخة من المصحف" من قبل عناصر اليمين المتطرف في السويد وهولندا.

وأشارت الوثائق إلى أن تلك المؤامرات تضمنت دعوات لشن هجمات على منشآت دبلوماسية سويدية أو هولندية في أذربيجان، وطاجيكستان، وروسيا، وتركيا ودول أخرى.

وقالت الوثائق إن وكالات الاستخبارات الأميركية (CIA) نجحت بشكل متكرر في اعتراض الاتصالات بين خلايا "داعش"، مضيفة أن عمليات الاعتراض هذه أدت إلى تعطيل خطط عمليات الخطف والهجمات بالأسلحة الصغيرة على المباني الحكومية في أوروبا.

وأكدت الوثائق أن تنظيم "القاعدة" يستمر في التراجع، مشيرة إلى أنه "رغم تسليط التقارير الواردة الضوء على التهديد الناشئ من داعش بأفغانستان، لا يوجد أي ذِكر لعودة التنظيم هناك"، وهو أمر كان العديد من خبراء مكافحة الإرهاب يخشون حدوثه بعد الانسحاب الأميركي من البلاد.

ونقلت الصحيفة عن بروس ريدل، وهو مسؤول سابق في مكافحة الإرهاب في "CIA"، قوله: "تشير الدلائل إلى أنه لم يُعد تشكيل (القاعدة) من جديد، فصحيح أن الانسحاب من أفغانستان يمثل كارثة، خاصةً بالنسبة للمرأة الأفغانية، لكن الإدارة الأميركية محقة فيما يتعلق بالتنظيم، إذ قد تم تدميره بشكل كامل". 

اقرأ أيضاً: 

تصنيفات