قال المفاوض الجمهوري جاريت جريفز، الجمعة، إن متطلبات العمل في برامج مكافحة الفقر تمثل "نقطة شائكة" في مفاوضات سقف الديون الفيدرالية الأميركية مع البيت الأبيض، وذلك وسط ترقب الصين واليابان لكونهما من أكبر المستثمرين الأجانب في ديون الولايات المتحدة.
وأضاف جريفز في تصريحات أوردتها "رويترز"، أن البيت الأبيض "يرفض التفاوض بشأن متطلبات العمل"، واصفاً ذلك بأنه "جنون".
وتابع أن الخلافات حول تمويل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية في مقابل متطلبات العمل "لا تزال تمثل مشكلة بين الجانبين".
وفي الإطار، يقترب الرئيس الأميركي جو بايدن والنائب الجمهوري كيفين مكارثي من التوصل إلى "اتفاق مؤقت" بشأن سقف الديون.
ووفقاً لشخص مطلع على المحادثات، فإن ما قد يظهر على الأرجح لن يكون مشروع قانون من مئات الصفحات، وهو أمر قد يستغرق أياماً لكتابته وقراءته والتصويت عليه، بل سيكون على هيئة "اتفاق مخفف".
التوقع هو أن يضع المفاوضون أرقاماً للإنفاق التقديري، بما في ذلك الإنفاق العسكري، لكنهم يتركون المشرعين لصياغة التفاصيل الدقيقة لفئات مثل الإسكان والتعليم من خلال عملية الاعتمادات العادية في الأشهر المقبلة.
وفي عام 2022، بلغ الإنفاق التقديري للولايات المتحدة 1.7 تريليون دولار، ما يمثل 27 % من إجمالي 6.27 تريليون دولار تم إنفاقه، وحوالي نصف ذلك كان للدفاع، وهو مجال قال بعض المشرعين الجمهوريين إنه "لا ينبغي قطعه".
ترقب صيني ياباني
ومع اقتراب العد التنازلي إلى التوصل لمرحلة من التعثر غير المسبوق عن سداد ديونها، في حال عدم التوصل لاتفاق، تراقب الصين واليابان، ثاني وثالث أكبر اقتصادات في العالم، الوضع مع شعور بالخوف، وذلك بالنظر لكونهما من أكبر المستثمرين الأجانب في ديون الحكومة الأميركية.
وتمتلك طوكيو وبكين معاً تريليوني دولار من سندات الخزانة الأميركية التي تحتفظ بها الدول الأجنبية، البالغ قيمتها 7.6 تريليون دولار، ما يمثل أكثر من ربع قيمة هذه السندات، حسب شبكة CNN.
وقالت الشبكة، في تقرير نشرته، الخميس، إن الصين بدأت في زيادة حجم مشترياتها من سندات الخزانة الأميركية في عام 2000، عندما أيدت الولايات المتحدة انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، ما أدى إلى زيادة حجم صادراتها بشكل كبير، الأمر الذي أدى إلى تحقيق بكين مكاسب بكميات هائلة من الدولارات وجعلها بحاجة إلى مكان آمن لتخزينها فيه.
وأضافت الشبكة، أنه بالنظر إلى أنه يتم اعتبار سندات الخزانة الأميركية على نطاق واسع بأنها واحدة من أكثر الاستثمارات أماناً في العالم، فقد زاد حجم حيازات الصين من ديون الحكومة الأميركية من 101 مليار دولار إلى 1.3 تريليون دولار في عام 2013.
وظلت الصين أكبر دائن أجنبي للولايات المتحدة على مدى أكثر من عقد من الزمان، ولكن تصاعد التوترات مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في عام 2019، دفع بكين لتقليص حجم حيازاتها الأميركية، ما أدى إلى دفع اليابان إلى صدارة الدول الدائنة للولايات المتحدة في ذلك العام.
وتمتلك طوكيو الآن 1.1 تريليون دولار في السندات الأميركية، وذلك مقابل 870 مليار دولار للصين، ما يعني أن كلا البلدين باتا معرضين لانهيار محتمل في قيمة سندات الخزانة الأميركية، حال تحقق سيناريو "يوم القيامة" لواشنطن.
وحذرت الشبكة من أن انخفاض قيمة سندات الخزانة الأميركية سيؤدي إلى انخفاض احتياطيات اليابان والصين من العملات الأجنبية، ما يعني أنه سيكون لديهما أموالاً أقل متاحة لدفع ثمن الواردات الأساسية، ودفع ديونهما الخارجية، أو دعم عملاتهما الوطنية.
ونقلت الشبكة عن جوش ليبسكي وفيليب مِنج، وهما محللين من مركز "جيو إيكونوميكس" التابع للمجلس الأطلسي، قولهما إن "الخطر الحقيقي يأتي من التداعيات الاقتصادية العالمية والركود الأميركي المحتمل الذي يمكن أن يتبع من تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، فالأمر يمثل مصدر قلق خطير لجميع البلدان لكنه يشكل خطراً خاصاً على الانتعاش الاقتصادي الهش للصين".
تأثير مدمر
وكان بعض المشرعين الأميركيين قد اقترحوا إعطاء الأولوية لدفع الفوائد على السندات لأكبر حامليها، فيما يقول أليكس كابري، كبير المحاضرين في كلية الأعمال بجامعة سنغافورة الوطنية، إن "هذا سيتم على حساب الالتزامات الأخرى، مثل دفع معاشات التقاعد الحكومية والرواتب لموظفي الحكومة، ولكنه سيساعد على تجنب التخلف عن سداد الديون لدول مثل اليابان والصين".
ووفقاً لليبسكي ومِنج، فإنه في ظل عدم وجود بديل واضح، فإنه يمكن للمستثمرين، للتعامل مع تقلبات السوق المتزايدة، تبديل السندات قصيرة الأجل بديون طويلة الأجل، ما قد يفيد الصين واليابان، لأن ممتلكاتهما تتركز في سندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل.
وحذرت الشبكة من أنه رغم هذه الاقتراحات فإن انتشار العدوى المالية والركود الاقتصادي يشكلان تهديداً أكبر بكثير، إذ نقلت عن ماركوس نولاند، نائب الرئيس التنفيذي ومدير الدراسات في معهد "بيترسون" للاقتصاد الدولي قوله، إن "تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها سيؤدي لانخفاض أسعار سندات الخزانة الأميركية، وارتفاع أسعار الفائدة، وهبوط قيمة الدولار، وزيادة التقلبات".
وأضاف أنه "من المحتمل أيضاً أن يكون مصحوباً بانخفاض في سوق الأسهم الأميركية، وزيادة الضغط على القطاع المصرفي وكذلك قطاع العقارات داخل الولايات المتحدة"، فيما حذرت CNN من أن الأمر يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تعثر الاقتصاد العالمي المترابط والأسواق المالية أيضاً.
وتعتمد الصين واليابان على الولايات المتحدة التي تمثل الاقتصاد الأكبر في العالم لدعم الشركات والوظائف محلياً، حيث يعد قطاع التصدير مهماً بشكل خاص لبكين بعد تعثر الركائز الأخرى للاقتصاد مثل العقارات، إذ تمثل صادرات البلاد خُمس الناتج المحلي الإجمالي كما أنها توفر فرص عمل لنحو 180 مليون شخص.
"شريك تجاري"
ورغم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، فإن الولايات المتحدة تظل أكبر شريك تجاري للصين، كما أنها ثاني أكبر شريك تجاري لليابان، ففي عام 2022، سجلت التجارة بين واشنطن وبكين رقماً قياسياً بلغ 691 مليار دولار، كما زادت صادرات طوكيو إلى الولايات المتحدة بنسبة 10 % العام الماضي.
ورأت CNN أنه لا يوجد الكثير من الحلول المتاحة التي يمكن لطوكيو أو بكين تبنيها بخلاف الانتظار والأمل في الأفضل، فيما يقول بعض المحللين إن تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها قد يدفع الصين إلى تسريع مساعيها لإنشاء نظام مالي عالمي أقل اعتماداً على الدولار الأميركي على المدى الطويل.
وأبرمت الحكومة الصينية بالفعل مجموعة من الصفقات مع روسيا والسعودية والبرازيل وفرنسا لزيادة استخدام اليوان في التجارة والاستثمار الدوليين، وكان أحد المشرعين الروس قد صرَح العام الماضي، بأن دول البريكس (الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) تدرس إنشاء عملة مشتركة للتجارة عبر الحدود.
ومع ذلك، تواجه الصين بعض العقبات الخطيرة، مثل الضوابط التي تطبقها على حجم الأموال التي يمكن أن تتدفق داخل وخارج اقتصادها، حيث يقول المحللون إن بكين "أبدت استعداداً ضئيلاً للاندماج بشكل كامل مع الأسواق المالية العالمية".
وأظهرت البيانات الأخيرة من نظام الدفع الدولي "سويفت" أن حصة اليوان من تمويل التجارة العالمية بلغت 4.5 % في مارس الماضي، بينما بلغت نسبة الدولار 83.7%.