يساور دول غربية القلق من أن الصين وروسيا ربما تحاولان استغلال التوتر الجيوسياسي المتزايد في منطقة القطب الشمالي، لزيادة سيطرتهما على المنطقة ومواردها الطبيعية الوفيرة.
وذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية في تقرير، الاثنين، أن كبار صانعي السياسات في الغرب أعربوا في مقابلات أجرتها معهم أخيراً عن مخاوف من أن يكون "عصر استثنائية القطب الشمالي"، الذي كانت المنطقة القطبية معزولة فيه عن التوتر الموجود في أماكن أخرى في العالم، قد انتهى.
وكان الأعضاء الغربيون السبعة في مجلس القطب الشمالي (الدنمارك وآيسلندا وكندا والنرويج والولايات المتحدة وفنلندا والسويد) توقفوا عن التعاون مع روسيا في كل شيء من حماية البيئة إلى مناقشة حقوق السكان الأصليين بعد غزوها أوكرانيا، العام الماضي.
وقال مصدر وصفته الصحيفة بأنه أحد كبار صانعي السياسات من دولة أخرى في القطب الشمالي إن "الخطة التي نريد تعزيزها في المنطقة لن يكون لها معنى دون روسيا التي تشكل 40% من القطب الشمالي، ولكن لا يمكننا التعاون مع موسكو الآن، وهذه هي المعضلة التي نواجهها".
ونقلت الصحيفة عن جوناس جار ستور، رئيس وزراء النرويج، التي تولت رئاسة المجلس من روسيا الشهر الماضي، قوله: "لا يمكن أن يستمر العمل بشكله المعتاد".
منطقة بلا قوانين
وأعرب وزير خارجية فنلندا بيكا هافيستو عن شعوره بالقلق من أن يؤدي الجمود الناتج عن ذلك إلى خلق "منطقة قطبية من دون قوانين أو من دون هدف مشترك لمواجهة أزمة تغير المناخ".
وقال هافيستو: "كما سيصبح استخدام مسارات الشحن والمواد الخام مجانياً للجميع، فهناك العديد من البلدان الأخرى التي تنظر لاستخدام القطب الشمالي وموارده الخام باعتباره مسألة مغرية، ولذا فإنه لدى أعضاء المجلس مصلحة مشتركة قوية للغاية للعمل معاً".
وقال صانع السياسة البارز في دولة القطب الشمالي الذي تحدث مع الصحيفة: "ما نقلق بشأنه هو أن تؤسس روسيا والصين مجلس قطب شمالي خاص بهما".
وفي نهاية فترة رئاسته للجنة كبار المسؤولين في المجلس في مايو الماضي، قال السفير الروسي نيكولاي كورشونوف إن "موسكو يمكن أن تنسحب من المنظمة في حال لم تتم دعوتها للمشاركة في الفعاليات خلال رئاسة النرويج للمجلس".
واعتبر كورشونوف أن "عدم دعوة ممثلي روسيا إلى فعاليات مجلس القطب الشمالي يعني انتهاكاً لحقوقها كدولة عضو، وفي هذه الحالة لن يكون من الممكن لبلدنا الاستمرار في المشاركة في أنشطة هذه المنظمة".
وأضاف المسؤول الروسي أنه في ضوء "الدور الضعيف" للمجلس، الذي ألقى باللائمة فيه على أعضاء غربيين، فإن موسكو "تتواصل مع دول ومنظمات أخرى، كما تجري بالفعل حواراً نشطاً بشأن أجندة القطب الشمالي معهم".
"توتر جيوسياسي"
"فاينانشيال تايمز" أشارت إلى أن أعضاء مجلس القطب الشمالي حاولوا إبقاء التوتر الجيوسياسي بعيداً عن المنطقة، كما أنهم غالباً ما يؤكدون على ضرورة حل المشكلات المتعلقة بالبيئة والشحن واستغلال المعادن في المنطقة القطبية بشكل مشترك، لكن روسيا عززت بشكل كبير تواجدها العسكري في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، ما دفع دولاً أخرى مثل الدنمارك والنرويج للرد من خلال بناء منشآت دفاعية جديدة في أعالي الشمال.
ووفقاً للصحيفة، أطلقت الصين، وهي واحدة من عدة دول غير قطبية تتمتع بوضع مراقب في مجلس القطب الشمالي، خططاً لـ"طريق الحرير القطبي" في عام 2018، وحاولت باستمرار تعزيز نفوذها في ما يعتبر أحد آخر جبهات الاستكشاف على كوكب.
لكن محاولات الشركات المملوكة للدولة في الصين لبناء مطارات في جرينلاند، وهي جزء مستقل من الدنمارك في عام 2019، توقفت بعد أن حضت الولايات المتحدة كوبنهاجن على التصدي لخطط بكين.
في هذا السياق، قال رئيس الوزراء الدنماركي ميت فريدريكسن، الذي سيزور جرينلاند الأسبوع المقبل، بعد لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض: "ينبغي ألا نكون ساذجين، فلا يمكننا أن نكون ساذجين بشأن أوكرانيا، وكذلك لا يمكننا أن نكون ساذجين بشأن منطقة القطب الشمالي".
وتسائل: "هل ستعود الأمور إلى وضعها الطبيعي في مجلس القطب الشمالي؟ لا أعتقد ذلك في ما يتعلق بروسيا، هل تلعب الصين دوراً في المنطقة؟ نعم، هل يجب أن نكون على دراية بهذا؟ نعم".
ووفقاً للتقرير، تسعى النرويج للعمل من أجل الحفاظ على استمرار مجلس القطب الشمالي من خلال بذل أقصى ما في وسعها مع الأعضاء الآخرين مع إبقاء روسيا بعيدة.
وقال رئيس الوزراء النرويجي إن "مجلس القطب الشمالي سيبقى، فهناك الكثير من الأشياء المشتركة، من حيث التحديات والفرص، ولذا فإن النظر بعيداً عن هذه المنظمة سيكون تصرفاً غير مسؤول تماماً".
ولكن دبلوماسيين رأوا أن استبعاد روسيا من المجلس بحكم الأمر الواقع يخلق "معضلة واضحة".
اقرأ أيضاً: