قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مقابلة خاصة مع "الشرق"، إن العلاقة مع السعودية "استراتيجية" بغض النظر عن بعض الخلافات في وجهات النظر، مشدداً على أن "واشنطن لن تغادر الشرق الأوسط، وأنها باقية للعمل مع دول المنطقة، ليس فقط للتصدي للتحديات والأزمات، ولكن للعمل أيضاً على أجندة إيجابية نحو المستقبل".
وأضاف بلينكن "ليس خفياً أنه كان لدينا اختلاف في وجهات النظر مع الرياض بشأن قرار تحالف أوبك+ (خفض إنتاج النفط)، ولكن أظن أن ما نراه هو تقارب متزايد في شراكتنا لدعم القضايا التي تهم البلدين، والمنطقة بشكل عام".
وأشار إلى متانة العلاقات بين واشنطن والرياض، قائلاً: "لدينا شراكة تمتد لعقود، تقوم على أساس التعاون في مجالات الأمن والطاقة، وفي السنوات الأخيرة من خلال مكافحة الإرهاب، وهذا الأساس لا يزال باقياً".
وتابع الوزير الأميركي: "لكن ما نراه أيضاً، وما تؤكده هذه الزيارة، أن هناك فرصاً للبلدين للعمل سوياً لدعم قضايا واتجاهات إيجابية ومهمة للغاية، منها خفض التوتر في المنطقة، وهذا أمر مهم ونعمل سوياً على هذا، لتحقيق اندماج أكبر بالمنطقة".
علاقات راسخة
وقال بلينكن إن "هناك فرصاً حقيقية نعمل عليها للتعاون بين بلدينا للتعامل مع عدد من التحديات التي لا تهم شعبينا فقط، ولكنها تهم الناس في كافة أنحاء العالم من الأمن الصحي إلى الأمن المناخي، وأمن الطاقة وأمن الغذاء، وكذا الانتقال إلى الطاقة النظيفة، فنحن نعمل سوياً على التقنيات الناشئة".
واعتبر وزير الخارجية الأميركي أن هناك "أساساً راسخاً للعلاقات"، ولكنه يضاف إلى "مناطق جديدة بشكل متزايد للتقارب، إذ نعمل سوياً على دعم المصالح المشتركة لشعبينا، ومن هذا المنطلق فإن العلاقة مع السعودية هي علاقة استراتيجية".
وأشار إلى التعاون بين واشنطن والرياض في قضايا عدّة وبينها النزاع في اليمن، منوهاً: "إذا نظرنا إلى العمل الذي قمنا به سوياً، مثل إنهاء النزاع في اليمن، والذي تقوم السعودية بدور إيجابي وحيوي فيه. ومؤخراً الشراكة التي نقوم بها من أجل إنهاء العنف في السودان، فإننا نرى أن العلاقة تسير على مسار إيجابي بناءً على المصالح التي نتشاركها، وهي تحدث في مساحة أوسع من التعاون فقط في المجال العسكري والطاقة، ومكافحة الإرهاب، رغم أهمية هذه المجالات".
الدور الصيني في الإقليم
وفي ما يتعلق بالاتفاق بين السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية والذي جاء برعاية بكين، وما إذ كان تعاظم الدور الصيني في الإقليم يقلق واشنطن، رحب بلينكن: "بالاتفاق بين الرياض وطهران"، قائلاً: "نحيي أي جهود يمكنها خفض التوتر، وإزالة مشكلة واحدة على الأقل من الأجندة، وفي هذه الحالة، فالمساهمة في دعم السلام في اليمن، نعتقد أنه أمر جيد".
وتابع: "إذا كانت الدول، أياً كانت هذه الدول، تلعب دوراً يمكنه ممارسة تأثير إيجابي في دعم أهداف خفض التوتر، فنحن نعتقد أن هذا أمر جيد، وبالطبع كان السعوديون والإيرانيون يتحدثون سوياً لعامين على الأقل قبل الوصول إلى هذه النقطة، لذا سنرى ما سيحدث الآن، ولكن مجدداً إذا كانت تلك الجهود تؤدي إلى خفض التوتر، وتنهي مشكلة واحدة على الأقل، فإن هذا أمر جيد".
وكرر بلينكن: "إذا كانت الدول وبينها الصين، يمكنها أن تلعب دوراً لدعم السلام وخفض التوتر فهذا أمر جيد. وبشكل واسع، فإن أي تحرك إيجابي تتخذه القوى الكبرى يمكنه خفض التوتر ودعم السلام والمصالحة، هذا أمر جيد".
الاتفاق النووي مع إيران
وعمّا إذا كان الاتفاق النووي لا يزال على الطاولة الأميركية بعد تعثر المحادثات مع إيران العام الماضي، قال بلينكن: "حاولنا منذ اليوم الأول (لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن) أن نقرر ما إذا كانت العودة للالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، ممكنة، وقمنا بجهود ضخمة في هذا الاتجاه، وكذلك شركاؤنا الأوروبيين، وروسيا والصين أيضاً، ولكن إيران إما أنها لم تستطع أو لا تريد فعل ما هو ضروري للعودة إلى الالتزام بالاتفاق، لذا فإن الاتفاق ليس محور تركيزنا".
وأضاف أن واشنطن تواصل الاعتقاد بأن الدبلوماسية هي الطريق الأمثل بشكل عام لضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي بشكل موثوق، "لذا نحن نبقى منفتحين على الدبلوماسية، وهذا هو السبيل الأفضل، ولكننا في نفس الوقت مصممون على الوقوف في وجه الأفعال الخطرة والمزعزعة التي تقوم بها إيران".
وأشار إلى أن هذا كان "جزءاً من الحوار الذي قمنا به مع شركائنا في مجلس التعاون الخليجي"، في اجتماع مجلس وزراء دول التعاون الخليجي والولايات المتحدة في الرياض الأربعاء.
حل عسكري
وفي ما يتعلق بدفع إسرائيل في اتجاه خيار عسكري في التعامل مع إيران، وعمّا إذا كان هذا الخيار على الطاولة الأميركية، قال بلينكن: "الرئيس جو بايدن كرر مراراً وبشكل واضح وثابت أن كل الخيارات على الطاولة، لضمان ألا تحصل إيران على سلاح نووي".
وبشأن إذا ما كانت واشنطن تحاول إحداث تقارب في العلاقات بين إسرائيل والسعودية من أجل منع إيران من الحصول على سلاح نووي، قال بلينكن إن "ما رأيناه في الإقليم هو اندماج أكبر، ورأينا هذا جزئياً في عملية التطبيع بين إسرائيل وجيرانها، ومع الدول العربية، والدول ذات الغالبية الإسلامية خارج الإقليم، وهذا اتجاه إيجابي، وهو شيء كنا عازمين على المساعدة في القيام به، وتعميق بعض الاتفاقات الموجودة بالفعل، وكذلك توسيع هذه الجهود".
وشدد: "إذا كان هناك شيء يمكن فعله لدعم وتعميق تطبيع العلاقات وتحقيق اندماج أكبر في الإقليم، فسنقوم به".
الأزمة في السودان
وعن الأدوات التي ستقوم الولايات المتحدة باستخدامها لاستئناف مفاوضات جدة المعلقة بين طرفي النزاع في السودان والتي تلعب الرياض وواشنطن دور الوسيط فيها، أشاد بلينكن بالجهود المشتركة مع السعودية لإنهاء العنف وتحقيق وقف إطلاق نار بين الطرفين لإدخال المساعدات الإنسانية.
وقال بلينكن "من خلال عملنا الوثيق مع السعودية، حققنا بعض النجاح في تطبيق محدود لوقف إطلاق النار. لم تكن تلك الهدن كافية، ولكنها سمحت لنا بإدخال مساعدات إنسانية والوصول إلى مليوني شخص، لم يكونوا ليحصلوا عليها".
وأضاف: "لكننا وصلنا إلى نقطة لم يكن فيها الطرفان يحترمان الالتزامات التي يقطعونها بوقف إطلاق النار، لذا نحن نتطلع لأن نرى في الأيام المقبلة، ما إذا كان الجانبان جادين بشأن هذه العملية، والامتثال لوقف إطلاق النار الذي يتعهدان الالتزام به، وكذلك جدية ما إذا كانا مستعدان جدياً لوقف أوسع للعمليات العدائية والانتقال الديمقراطي".
خيارات أخرى
وحذر بلينكن "إذا لم يكن الطرفان مستعدين لذلك، فسنضطر إلى النظر في خيارات أخرى للتعامل مع الموقف".
وعمّا إذا كانت العقوبات خياراً، قال بلينكن: "لدينا أدوات عدة تحت تصرفنا، وكنا واضحين بهذا الشأن، لا نريد أن نستبق الأمور، أولاً نريد أن نرى ما إذا كانا جادين بشأن عملية وقف إطلاق النار، وإن لم يكن ذلك فلدينا أدوات لمحاولة تحريك الأمور في اتجاه آخر".
وعن الانتقادات التي طالت الولايات المتحدة، ومفادها أنه كان يمكن تجنب النزاع إذا كانت واشنطن منخرطة بشكل أكبر من البداية، قال بلينكن إن بلاده كانت منخرطة في الوضع في السودان منذ بدايته وفي الواقع حتى بدء النزاع حين قرر الجنرالان (قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو) شن حرب على بعضهما".
وتابع: "كنا على مسار إيجابي لدعم الانتقال إلى حكومة مدنية، وحققت هذه الجهود تقدماً كبيراً، بما في ذلك بسبب جهودنا الدبلوماسية، ولكن بشكل مأساوي قرر الجنرالان أن يذهبا للحرب، وأن يجلبا عنف رهيب على البلد بأكمله".
وأضاف: "وحتى في هذا انخرطنا بشكل فوري لمحاولة وقف العنف، وتحقيق وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإعادة السودان إلى مسار الانتقال إلى حكومة مدنية".
التسوية في أوكرانيا
وفي شأن الالتزام الأميركي بدعم أوكرانيا مهما طال الأمر، والنتيجة المقبولة للولايات المتحدة وأوكرانيا لتسوية النزاع مع روسيا، قال بلينكن: "من المهم بداية القول إن النتيجة التي سعى (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين لتحقيقها في أوكرانيا، لا يمكن تحقيقها، لقد فشل بالفعل في تحقيقه ما كان يريده، وهو محو أوكرانيا من على الخريطة، وإلغاء استقلالها، ودمجها في روسيا. هذا الأمر فشل، ولا يمكنه النجاح فيه".
وأضاف وزير الخارجية الأميركي: "أما عن كيف ومتي يمكن أن تتم تسوية هذا الوضع وتحت أي شروط؟ يظل هذا أمراً لم يتم تحديده بعد".
وقال: "نحن لسنا وحدنا، وحين تسمع ليس فقط من أكثر من 50 دولة تدعم أوكرانيا، بل 140 دولة في الأمم المتحدة في عدة قرارات في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الدول تريد السلام، أن هناك التزاماً بأن الدول تريد أن ترى سلاماً متسقاً مع ميثاق الأمم المتحدة، والذي يقوم بشكل أساسي على وحدة أراضي الدول وسيادتها".
وتابع: "ليست الولايات المتحدة فقط، ولكن دول حول العالم تريد أن ينتهي الأمر وأن تتم تسويته بشكل جيد وهذا يعني سلام عادل ومستدام، وهو ما يعني أنه يجب أن يكون متسقاً مع ميثاق الأمم المتحدة".
وأضاف: "سلام مستدام لا يعني الضغط على زر لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه ببساطة، والسماح لروسيا بإعادة التسلح والاستراحة ثم استئناف الهجوم مرة أخرى بعد 6 أشهر أو سنة".
سياسة واشنطن في سوريا
وبشأن سياسة واشنطن في سوريا، وتصريح بلينكن في 2021 بالندم على أنه لم يكن قادراً على وقف خسارة الأرواح في سوريا، وأنه سيحمل هذا لبقية حياته، قال بلينكن إن "ما قام به (الرئيس السوري بشار) الأسد وما ألحقه ببلده، وبشعبه هو مأساة، كشخص عمل في إدارات سابقة وفي إدارة (الرئيس الأميركي السابق باراك) أوباما في وقت حدوث هذا، نعم، أشعر بالأسف لأننا لم نكن قادرين على فعل المزيد لوقف القتل، ووقف ذبح الشعب السوري والإساءات الموجهة نحوه، لذا فإن هذا أمر لدي مشاعر قوية تجاهه".
وأشار إلى أن "سياستنا لا تزال أننا نريد تطبيق قرارات مجلس الأمن 2024 المتعلقة بسوريا، ليكون هناك انتقال سياسي حقيقي يعكس حقوق وتطلعات الشعب السوري، وحتى يحدث هذا هناك عدد من الأمور الهامة، والتي تحسن حياة السوريين".
وذكر أن هذه الأمور تشمل "وصول أوسع للمساعدات الإنسانية، نحن نخوض هذا الأمر كل عدة أشهر، لتمديد تفويض الأمم المتحدة (للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية من تركيا إلى سوريا)، نريد تمديد هذا التفويض لمدد أكبر، ونريد زيادة عدد المعابر التي تسمح بتدفق المساعدات الإنسانية لكل المجتمعات في سوريا، على كل الجهات، خاصة عقب الزلزال المدمر في 6 فبراير.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة "تريد أن ترى بيئة يمكن أن يكون ممكناً فيها للناس العودة لسوريا تحت الشروط الصحيحة حيث يكونوا سالمين ومحميين".
وتابع: "نريد وصولاً إلى السجون ومراكز الاحتجاز، نريد المحاسبة عما حدث لعشرات ومئات الآلاف، وبالطبع نريد أن نرى سوريا تتخذ خطوات مسؤولة لإنهاء التجارة في الكبتاجون والتي تركت آثاراً مدمرة عبر الإقليم، الأفيونات الصناعية لها تأثير مدمر في الشرق الأوسط، وخاصة الكبتاجون والذي يأتي من سوريا، وكذلك في الولايات المتحدة حيث يلعب نوع آخر من الأفيونات الصناعية وهو الفنتانيل دوراً مدمراً".
وذكر أن "هذا هو أحد الأسباب أننا نريد أن نجلب دول العالم سوياً لتشكيل تحالف ضد تجارة الأفيونات الصناعية، ولكن في هذه الحالة هذا أمر على سوريا والأسد (الرئيس بشار) أن يتحركا بشأنه".
الخروج من الشرق الأوسط
وعما إذا كانت الولايات المتحدة تنوى الخروج من الشرق الأوسط مع تزايد النفوذ الروسي والصيني، قال بلينكن: "أظن أن وجودي هنا عبر الأيام الثلاثة الماضية يظهر أننا بالطبع لن نغادر، نحن هنا لنبقى، الرئيس بايدن كان هنا (زيارة السعودية في يوليو 2022) العام الماضي، واجتمع مع مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى. نحن نعمل مع الشركاء في الإقليم بشكل مستمر".
وأضاف: "ما أسمعه في أغلب تعاملاتي تقريباً، هو أن الولايات المتحدة تبقى هي الشريك المفضل رقم 1، هذا واضح فيما أسمعه وما نسمعه من كل شركائنا، ونحن ننخرط معهم ونعمل على التعامل مع كثير من التحديات التي تحدثنا عنها، هي تحديات حقيقية، ولكن أيضاً، نعمل على أجندة للمستقبل، محاولة بناء مستقبل أفضل في الولايات المتحدة ولشعوب المنطقة، ونرى هذا في التعاون الذي يصبح أقوى وأقوى في التعامل مع انعدام الأمن الغذائي وكذلك الانتقال إلى الطاقة النظيفة وكيفية استخدام التقنيات الناشئة، والتعامل مع التغير المناخي".
وقال: "نعمل على ضمان أن لدينا استثمارات في البنية التحتية وحماية حقوق العمال والبيئة والتعامل مع المجتمعات المحلية، هذه أمور إيجابية للمستقبل، هذا هو نوع الأمور التي نعمل عليها سوياً، نحن نتعامل مع الأزمات والتحديات الأمنية، ولكن أيضاً في أجندة إيجابية، ما أسمعه هو أن الولايات المتحدة هي الشريك المفضل".
عودة زخم العلاقة
وتعليقاً على لقاء بلينكن مع "الشرق"، قال الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية سامي المرشد لـ"الشرق"، إنه "كان هناك اختلافات في الرؤى بين البلدين خلال الفترة الماضية، وكنا نريد عمل أكثر من واشنطن بشأن مسألة معالجة أزمات المنطقة".
واعتبر أن الواقع الحالي "عودة لزخم العلاقة وذلك بعدما شهدنا زيارات لمسؤولين أميركيين وقمم أميركية مع السعودية ودول خليجية وعربية"، معرباً عن أمله بأن تكون "نظرة الولايات المتحدة شاملة لأزمات المنطقة والتعامل معها بنفس الجدية والكيفية".
وذكر أن "الرياض حريصة على ألا تكون هناك حروب جديدة في المنطقة"، أملاً بأن "تتوج الجهود الأميركية للتفاوض مع إيران من أجل الوصول إلى حلول سلمية".
من جهته، ذكر الدبلوماسي الأميركي السابق ريتشارد شيمر أن "واشنطن ترحب بالدور المتنامي الذي تلعبه الرياض في المنطقة سواء في اليمن أو السودان أو العلاقة مع إيران"، لافتاً إلى أن "ذلك يساعد في إيجاد طريق لحل الأزمات المنطقة".
وتوقع الدبلوماسي الأميركي أن "تلعب السعودية دوراً مهماً خلال المفاوضات الأميركية مع إيران"، مضيفاً أن "طهران قد لا تتجاوز الخطوط الحمراء بعد الاتفاق مع الرياض، لكنهم أبدوا عدم رضاهم بشأن بقاء القوات الأميركية في المنطقة".
وعن العلاقات "الصينية-السعودية"، قال شيمر إن "الرياض طورت علاقات اقتصادية متينة مع بكين ومن المتوقع أن تتنامى هذه العلاقات وتتطور في المستقبل".