"اجتماع جدة".. آمال أوكرانية في التوافق على "مبادئ أساسية" نحو تسوية سلمية للحرب

time reading iconدقائق القراءة - 9
جنود أوكرانيون خلال تدريب عسكري بمنطقة دونيتسك. 2 أغسطس 2023 - REUTERS
جنود أوكرانيون خلال تدريب عسكري بمنطقة دونيتسك. 2 أغسطس 2023 - REUTERS
جدة/ دبي - صالح العليانيالشرق

اعتبر محللون سياسيون وخبراء في تصريحات مع "الشرق"، أن "اجتماع جدة" الذي يضم مُستشاري الأمن القومي وممثلي عدد من الدول، لبحث سبل حل الأزمة الأوكرانية، يمثل أهمية كبيرة، في طريق وضع "خارطة طريق جديدة" تُفضي إلى مفاوضات سلام لوقف الحرب.

الخبراء والمحللون، أشاروا كذلك إلى أهمية "الدور الحيادي" الذي تلعبه السعودية في هذا الملف، في تسهيل التوصل لحلول بين طرفي الصراع المستمر منذ فبراير 2022.

انطلق "اجتماع جدة"، السبت، بمشاركة 42 دولة، من بينها الولايات المتحدة والصين، في ظل ترقب روسي، فيما تأمل أوكرانيا، حسبما أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في الاتفاق على "مبادئ أساسية" لـ"تسوية سلمية مستقبلية" تفضي إلى إنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا.

ووفقاً لوكالة الأنباء السعودية "واس"، فإن الاجتماع يبحث سبل "حل الأزمة الأوكرانية بالطرق الدبلوماسية والسياسية"، و"بما يعزز السلم والأمن الدوليين، ويجنب العالم المزيد من التداعيات الإنسانية والأمنية والاقتصادية للأزمة".

وأعربت السعودية، الجمعة، عن تطلعها إلى أن يسهم هذا الاجتماع في "تعزيز الحوار والتعاون من خلال تبادل الآراء والتنسيق والتباحث على المستوى الدولي حول حل الأزمة الأوكرانية".

توافق على "تصور جديد"

وبشأن أهمية هذه المحادثات في تقريب وجهات النظر وسط تصعيد عالمي، قال أستاذ الإعلام السياسي في جامعة "الإمام محمد بن سعود"، عبد الله العساف، لـ"الشرق"، إن اجتماع أكثر من 30 إلى 40 من مسؤولي الأمن القومي في جدة، "من شأنه رسم (خارطة طريق) يتم التوافق عليها لتحقيق أمرين مهمين جداً".

وتابع: "الأمر الأول هو الإحساس بأن الأمن العالمي في خطر أكبر من السابق، إلى جانب، إدراك أن هذه الحرب لا يجب أن تطول أكثر من سياقها الزمني، الذي كان مخططاً له سواء في موسكو أو كييف، وبالتالي يجب وضع حد لهذه الأزمة، التي كان لها تداعيات سلبية على الاقتصاد والأمن العالميين".

وأشار العساف إلى أنه "على العالم البحث عن رؤية جديدة خلافاً للنقاط العشر التي طرحها الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وكذلك ليست وفق رؤية نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بل أن تكون تصوراً جديداً يتم التوافق عليه، ويتم نقله إلى الجانب الروسي، ويُفضي في نهاية المطاف إلى الجلوس على طاولة مفاوضات وإنهاء النزاع".

بدوره، قال المستشار في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، محمد مجاهد الزيات، لـ"الشرق"، إن "إقناع الصين بالمشاركة في اجتماع جدة بشأن الأزمة الأوكرانية يُمثل نجاحاً كبيراً لهذه المبادرة، لا سيما أن بكين رفضت المشاركة في مؤتمر كوبنهاجن خلال يونيو الماضي".

ولكن الزيات، استبعد خروج الاجتماع بقرارات لحل الأزمة، موضحاً أن "استراتيجية المملكة هي الاستمرار بالحوار والبحث عن صيغ دبلوماسية تبني قواعد جديدة للتفاهم بين الأطراف المتنازعة، للوصول إلى حل سلمي ووقف الحرب والدمار".

وأضاف: "بحسب وجهة النظر الأميركية، يأتي الاجتماع استكمالاً لمؤتمر كوبنهاجن، ومناقشة خطة السلام التي طرحها الرئيس الأوكراني. وهو تعبئة للدول التي تساند الموقف الأوكراني والغربي".

وشدد الزيات في تصريحاته لـ"الشرق"، على أن "الميدان العسكري سيبقى حاكماً لأي تطورات"، وأن تعارض المواقف الحاد بين روسيا من ناحية وأوكرانيا ودول الغرب المساندة من ناحية أخرى، "يحول دون تحقيق ذلك".

حضور صيني "هام"

المدير التنفيذي لمؤسسة المبادرات الديمقراطية في أوكرانيا، بترو بورفيسكي، أشار في تصريحاته لـ"الشرق"، إلى أن الدول المشاركة في "اجتماع جدة"، أعضاء في الأمم المتحدة، إما دعموا أوكرانيا أو أحجموا عن التصويت للتنديد بالغزو الروسي. كما أن كافة البلدان، بما في ذلك الصين، دعمت مبادئ السيادة ووحدة أراضي أوكرانيا، و"هذه ركائز المحادثات التي ستعتمدها كييف والدول المشاركة في الاجتماع بناءً على الميثاق الأممي".

ويرى بورفيسكي أن "اجتماع جدة بالغ الأهمية"، لافتاً إلى أنه "يأتي نتيجة المساهمة القوية للسعودية أخيراً. كما يظهر أن المملكة تكتسب دوراً هاماً في الوساطة للسلام، إذ قد تنجح المحادثات في التوصل لحل بشأن اتفاق الحبوب وفك الحصار عن السوق وخفض أسعار المواد الغذائية، وبالتالي إضفاء الاستقرار على إفريقيا وآسيا". 

كما اعتبر أن الحضور الصيني "بالغ الأهمية"، لأنه "مؤشر على أن بكين تُعيد تقييم علاقاتها مع موسكو، لا سيما بعد عصيان زعيم مجموعة فاجنر (يفجيني بريجوجين)، والذي أظهر تراجع قوة بوتين في روسيا، وقد ترى بكين أنه لا يمكن أن يكون شريكاً لها ولهذا تبحث عن بدائل"، وفق وصفه.

وتابع بورفيسكي: "ربما قامت الصين أيضاً بمراجعة للقوة العسكرية الروسية، ولا سيما في ضوء التقدم الأوكراني في الجنوب".

حياد سعودي

المحلل السياسي السعودي، علي العنزي، أكد في تصريحاته لـ"الشرق"، أن السعودية تمتلك مواقف عدة بصفتها "جهة محايدة" في الصراع الروسي الأوكراني، فهي تجتمع مع روسيا في "أوبك+"، وأيضاً دعت الرئيس الأوكراني لإلقاء كلمة خلال القمة العربية الأخيرة في جدة.

كما نوّه المحلل السعودي إلى طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أن يلعب دوراً في التوسط لحلحلة الأزمة، قائلاً إن هذه المعطيات "توضح قدرة المملكة على الاضطلاع بدور بارز لحل الأزمة الروسية الأوكرانية من خلال اتخاذها مسافة واحدة من طرفي النزاع".

وكانت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، نقلت عن مصادر مطلعة، أن مباحثات جدة ستستمر ليومين، وتتمحور حول 10 قضايا، من بينها، أمن الغذاء والطاقة، وتبادل الأسرى، ومشاكل الأمن البيئي، وتشكيل محكمة لجرائم الحرب.

ويذكر أن السعودية اتخذت موقف الحياد منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير 2022، وتبنت مبادرات إنسانية عدة، ترمي للتخفيف من تداعيات الأزمة، وقدمت لكييف مساعدات إنسانية بقيمة 410 مليون دولار، شملت المواد الإغاثية والمشتقات النفطية.

في المقابل، استمر التعاون والتنسيق بين المملكة وروسيا في مجال الطاقة، بعد انضمام الاتحاد الروسي إلى تحالف "أوبك+"، والذي أسهم في زيادة الاستقرار في سوق الطاقة.

وأثمر دور السعودية في الأزمة الأوكرانية، عبر جهود الوساطة التي قامت بها، في إطلاق سراح عشرات الأسرى الغربيين.

غياب روسيا

الباحث في معهد بلدان رابطة الدول المستقلة في روسيا، ألكسندر دودتشاك، عبر في تصريحاته لـ"الشرق"، عن دهشته من غياب روسيا عن "اجتماع جدة"، وأضاف: "قبل كل شي علينا أن نبحث في أسباب هذا النزاع.. من الواضح أن الموقف الذي تتخذه كييف لا يعبر عن موقف ومصالح أوكرانيا إنما يُشكل تنفيذاً لتعليمات تتلقاها".

وتابع: "بالتزامن مع اللقاءات التي تُعقد في جدة، تشن أوكرانيا هجمات في البحر الأسود، ومن بينها استهداف ناقلة نفط في خليج كيرش، ما كان سيؤدي إلى عمليات تلوث للمياه، ولا يمكن الفصل الهجوم واجتماع جدة. كما أن كييف وبدعم من الغرب وأجهزة استخباراتهم استخدمت صفقة الحبوب لتحقيق مصالحهم متناسين أن موسكو تُساهم من خلال محاصيلها في الأمن الغذائي العالمي، بينما هم لا يعنيهم السلام والأمن الغذائي".

واعتبر دودتشاك، أن "من يدعم كييف يحاول دفع روسيا إلى تنفيذ ضربات تستهدف البنية التحتية رداً على هجمات أوكرانيا في البحر لأسود، ولذلك إذا كان الحديث عن وقف النزاع وفي الوقت نفسه الحفاظ على النظام الحالي في كييف، فإن هذا يعني تحقيق سلام مؤقت وتأجيل النزاع، وليس حله".

وحول مشاركة الصين في "اجتماع جدة" وهي من حلفاء روسيا، قال الباحث الروسي: "في البداية نشكر السعودية على مبادرتها للحل، فالكل معني بالتوصل إلى السلام. وطبعاً هناك من لا يهمه السلام كالغرب وأوكرانيا، أما بالنسبة لحضور ممثل الصين فقد يكون جيداً لمناقشة مبادرة السلام، لكن لماذا يعتقد البعض أنه على الصين أن تمارس ضغوطاً على روسيا؟".

كانت روسيا، أعلنت، في وقت سابق، أنها "تتابع الاجتماع"، وأكد المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، الاثنين الماضي، أن موسكو "لا ترى حالياً أي أساس لإجراء محادثات سلام مع كييف"، معتبراً أن "النظام الأوكراني لا يريد وليس بمقدوره أن يريد السلام طالما أنه يُستخدم حصرياً كأداة في حرب الغرب كله مع روسيا".

وتوقعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن يكون "اجتماع جدة"، "مفيداً إذا كان يساعد الغرب على إدراك عدم جدوى خطة زيلينسكي"، في إشارة إلى خطة السلام المكونة من 10 نقاط وتتضمن الدعوة لـ"سحب القوات الروسية من أوكرانيا".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات