"صدام" استجدى "خامنئي" غداة غزو الكويت: نعرض اتفاقاً يحقق كل ما أردتموه (2-2)

time reading iconدقائق القراءة - 27
المرشد الإيراني على خامنئي (الأعلى من اليمين) والرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني والرئيس العراقي الراحل صدام حسين. - مجلة المجلة
المرشد الإيراني على خامنئي (الأعلى من اليمين) والرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني والرئيس العراقي الراحل صدام حسين. - مجلة المجلة
المجلة- إبراهيم حميدي

تكشف وثائق ورسائل سرّية، حصلت "المجلة" على نسخ منها، أن الرئيس العراقي صدام حسين بدأ الإعداد لغزو الكويت أغسطس 1990، غداة خروجه من حربه مع إيران بين 1980 و1988.

وأظهرت الوثائق والرسائل، أن صدام عمل على أكثر من مسار: تشكيل مجلس تعاون يضم الأردن واليمن ومصر، التحالف مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، "تخوين" الرئيس السوري حافظ الأسد ومحاربته في لبنان، تهدئة مع بعض الدول الخليجية واستضافته القمة العربية في بغداد.

لكن المفاجأة، هي إرسال رسائل سرّية، حمل بعضها عرفات، إلى "المرشد" الإيراني علي خامنئي والرئيس هاشمي رفسنجاني قبل غزو الكويت وبعده، تضمنت تنازلات كبيرة لطهران، وقوله في رسالة بعثها لرفسنجاني في منتصف أغسطس: "في قرارنا هذا أصبح كل شيء واضحا، وبذلك تحقق كل ما أردتموه، وما كنتم تركزون عليه".

تضمنت الحلقة الأولى (مجلس التعاون، والوساطة اليمنية بين صدام والأسد).

وهذه حلقة ثانية وأخيرة، تتضمن نصوص رسائل سرية متبادلة بين صدام وخامنئي ورفسنجاني:

في 21 أبريل 1990 بادر صدام بإرسال رسائل سرّية إلى "المرشد" الإيراني علي خامنئي والرئيس هاشمي رفسنجاني، واستمر تبادل الرسائل إلى ما بعد الغزو في 2 أغسطس، بوسائل عدة، عبر رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ومبعوثين شخصيين منهم السفير العراقي في جنيف برزان التكريتي ونظيره الإيراني سيروس ناصري.

تكشف الرسائل والوثائق التي سلمها الجانب الإيراني إلى نظيره السوري وحملها خدام من الأرشيف الرسمي السوري معه إلى باريس، وحصلت "المجلة" على نصها، قساوة اللغة في البداية وصولا إلى حجم التنازلات العراقية التي بلغت قبول جميع شروط طهران وسحب القوات العسكرية من حدود إيران بعد اجتياح الكويت.

كانت الرسالة الأولى لـ"المرشد" علي خامنئي والرئيس هاشمي رفسنجاني، في 21 أبريل، يقول صدام فيها: "سبق لي وأن خاطبتكم في مناسبات سابقة، أثناء الحرب، بصورة غير مباشرة عبر وسائل إعلام العراق (...) وكانت آخر مبادرة توجهنا بها إليكم بنية لا ريب فيها إلى تحقيق السلام الكامل والشامل، هي تلك التي أعلناها في الخامس من يناير 1990 غير أننا لم نهتد معا حتى الآن إلى ما نرجوه من سلام بين بلدينا لنغادر سوية مآسي الحرب واحتمالات اندلاعها من جديد، وإنه لأمر مفهوم أن تحيط الظنون والهواجس والتفسيرات المتشككة".

وأضاف: "أخاطبكم هذه المرة مباشرة لأقترح عليكم في هذا الشهر المبارك الذي يصوم فيه المسلمون (...) عقد لقاء مباشر بيننا يمثلنا فيه عبدالله صاحب هذه الرسالة، السيد عزت إبراهيم (الدوري) وفريق من معاونينا، ويمثلكم فيه السيدان علي خامنئي وهاشمي رفسنجاني وفريق من معاونيكم (...) لنعمل بعون الله، على تحقيق السلام (ومنع) الفتنة التي وقعت بين إيران والعراق بتجديد الحرب".

وزاد: "إنني لأقترح عليكم، وعلى قاعدة "خير البر عاجله" أن يتم اللقاء في ثاني أيام عيد الفطر المبارك أو في أي موعد آخر يتم الاتفاق عليه. وتسهيلا وتحضيرا لمتطلبات اللقاء، قد ترون مثلما نرى أن يتواجد في طهران من يمثلنا ويتواجد في بغداد من يمثلكم وأن تفتح خطوط الهاتف المباشر بين العاصمتين لتأمين الاتصالات اللازمة".

الرد جاء من رفسنجاني وليس من خامنئي في... (1 مايو 1990)، بالعتب أنه لو أرسلت هذه الرسالة قبل ثماني سنوات، أي قبل بدء الحرب، "مكان إرسال الجندي، لما كانت إيران والعراق وربما جميع الأمة الإسلامية تواجه كل هذه الخسائر والضحايا اليوم".

وزاد: "يجب أن نؤكد وكما أعلن قائد الثورة الإسلامية ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني العظيم قدس سره الشريف، وذلك بعد قبول القرار، حيث قال (إننا نتحدث إلى شعبنا بكل صدق وإننا في إطار القرار 598 نفكر في سلام صامد وهذا ليس تكتيكا بأي شكل من الأشكال) إننا في سعينا من أجل الوصول إلى سلام حقيقي وشامل لن نسمح لأي شك أن يساورنا وإن سماحة آية الله الخامنئي قائد الثورة يواصل بحزم الطريق نفسها التي رسمها إمامنا الراحل للوصول إلى سلام شامل، وعلى هذا الأساس فإننا نرحب بأي نوع من المبادرة أو الاقتراح الذي يوصل البلدين إلى السلام الشامل خاصة في الظرف الحالي الذي يحاول حماة إسرائيل الغاصبة، الاستفادة من تمزق العالم الإسلامي من أجل الحصول على امتيازات أكثر وتضعيف المسلمين وتقوية الصهاينة، إننا لا نرغب في حالة اللاحرب واللاسلم ولكننا نختار وبكل حزم طرق السلام الحقيقي والشامل الذي يحفظ مصالح الأمة الإسلامية".

ثم يذهب إلى تقديم ثلاثة طلبات، الأول أن "مواصلة احتلال قسم من أراضينا الإسلامية سيجعل حركتنا في طريق الوصول إلى صلح شامل بطيئة أو غير مثمرة، وأنتم تعلمون أننا وبعد قرارنا بإيقاف الحرب سحبنا جميع قواتنا في داخل العراق إلى حدودنا دون إبطاء". الثاني، "قبل الإقدام على إجراء الاتصال بين رئيسي جمهوريتي البلدين لا بد من جلوس ممثل من جانبنا وممثل من جانبكم في إحدى الدول التي لها علاقات ودية". الثالث، "يجب أن يكون أسلوب الإجراءات بحيث لا يوجد أي خلل في اعتماد القرار 598 باعتباره الإطار المناسب لحل النزاعات".

"حرب كلمات" عراقية- إيرانية.. وعرفات ساعي البريد

وتكشف الوثائق أن الذي حمل هاتين الرسالتين، هو مندوب بعث به رئيس منظمة التحرير الفلسطينية إلى طهران مع الرسالة التالية من عرفات إلى خامنئي:

"أغتنم فرصة وصول رسولنا إليكم الأخ أبو خالد وهو يحمل رسالة خاصة من السيد الرئيس صدام حسين والتي قمت بتسليمها له، وهذه الرسالة المفاجئة والهامة هي مبادرة حسن نية من العراق إلى إيران، بل من القيادة العراقية إلى إخوانهم في القيادة الإيرانية التي أملتها الظروف الخطيرة التي تمر بها الأمة الإسلامية بشكل عام والأمة العربية بشكل خاص (...) إن العالمين العربي والإسلامي بل وشعوب ودول العالم الثالث وشعب فلسطين بالخصوص لينتظر منكم المبادرة الإيجابية والبناءة أمام هذه المبادرة التي يرسلها إليكم السيد الرئيس صدام حسين وهي تأتي بناء على هذه العوامل المجتمعة وعلى أرضية المساعي الخيرة التي ننطلق منها لإنهاء هذا الوضع بين البلدين الشقيقين المسلمين لما فيه خير الشعبين الإيراني والعراقي وخير الأمة الإسلامية وخير فلسطين وشعبها المجاهد. أناشدكم بكل المحبة، وبكل الأخوة وبكل المقدسات أن نسارع بهذه الخطوة المباركة، فأفئدة المسلمين ترنو إليكم وتهفوا لنجاحها".

وفي 19 مايو، بعث صدام رسالة جوابية لخامنئي ورفسنجاني، بدأها بالقول: "قرأت الرسالة وأعدت قراءتها أكثر من مرة، أنا وإخواني في القيادة ورغم أننا قد فهمنا من رسالتكم أنكم توافقون على اقتراحنا لعقد لقاء بيننا وبينكم على مستوى القمة لإعطاء حل حاسم ونهائي للمشاكل المعلقة بين بلدينا، والتي كانت سببا للنزاع أو نتيجة له، وإننا قد سررنا بذلك، إلا أن روح الرسالة لم تكن كما كنا نأمل، ذلك أنها قد انطوت على عبارات مبطنة في بدايتها وحيثما وجدت فرصة لذلك، وخشنة في خاتمتها". ثم يذهب ليفند نصوص الرسالة: "من ضمن ما ورد في رسالتكم من عبارات ومصطلحات، مثل (الحرب المفروضة)، و(بطء الفهم)، واختتام رسالتكم بجملة (والسلام على من اتبع الهدى) بدلا من (والسلام عليكم)، مما هو معتاد استخدامه في رسائل كهذه... والواجب يقتضي أن نجرب أسلوبا جديدا في التخاطب، هو غير أسلوب الحرب أو الزمن الذي سبقها". 

ويضيف: "أما عن قرار مجلس الأمن رقم 598 فهو في نظرنا منذ أن قبلناه بعد صدوره في يوليو عام 1987 خطة سلام شامل ودائم بين البلدين وفـق ما يتفقان عليه مستعينين بما ورد فيه من مبادئ وأحكام (...) عندما يتحقق السلام فإنه من تحصيل الحاصل أن يكون جيش كل بلد داخل بلده، وأن لا يكون له امتداد على أي تلة أو شبر أرض أو في مياه أي من البلدين، مما فرضته ظروف خاصة واعتبارات وقف إطلاق النار وحالة اللاحرب واللاسلم".

وردا على رفسنجاني يقول صدام: "ذكرتم في رسالتكم، أنكم انسحبتم من الأراضي العراقية، وتعنون بذلك انسحابكم من حلبجة في ظروف خاصة معروفة... إلى آخر الجملة. وتعليقنا على ذلك، أننا انسحبنا من أراضيكم التي دخلت إليها جيوشنا في ظروف معروفة في بداية النزاع المسلح عام 1980 وتم ذلك في 20 يونيو 1982 بعد أن كنا قد أعلنا قرار الانسحاب ذاك في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في 10 يونيو 1982 والذي قلنا فيه إننا سننسحب في مدة أقصاها عشرة أيام وقد طبق فعلا، بينما انسحبت قواتكم من حلبجة في ظروف قتال خاصة، هي غير الظروف التي انسحبت فيها جيوشنا.

لذلك، فإذا كنتم تعدون انسحابكم من حلبجة الذي حصل في ظروف خاصة دليلا على إثبات حسن النية الذي ينفي عنكم الطمع، أو الرغبة في الاحتفاظ بأراضي الغير، فإن الأدعى أن يعد انسحابنا من أراضيكم عام 1982 وانسحابنا من أراضيكم بعد معارك (توكلنا على الله الرابعة) في قاطعي الجنوب والأوسط في يوليو 1988 دليلا إضافيا، مع الدلائل الأخرى على حسن نيتنا، وعدم رغبتنا في احتفاظ العراق بأي شبر من أرض إيران".

ويكشف صدام عن قناة ثانية بين طهران وبغداد عبر السفير العراقي في جنيف، برزان التكريتي، ونظيره الإيراني سيروس ناصري، و"في رأينا أن تكون مهمة مندوبينا تبادل وجهات النظر حول مواقف الطرفين ليتعرف كل طرف على رأي الطرف الآخر إزاء القضايا التي تهمنا وقد يتمكن المندوبان من الاتفاق على بعض الجوانب بما يوضح لنا الصورة عند اللقاء على مستوى القمة ويسهل مهمتنا على أن يبقيا ما قد لا يتفقان عليه ليحسم في اللقاء على مستوى القمة. أما عن مكان انعقاد القمة فإننا ما نزال بانتظار تحديد مقترحكم بشأنه لأننا لم نجد في جوابكم رأيا قاطعا في المكان الذي اقترحناه وهو مكة المكرمة، وقد يكون ذلك من الأمور التي يبحثها المندوبان. أما بشأن من يحضر القمة فإننا ما نزال نرى أن اللقاء على مستوى القمة، ينبغي أن يضم مصادر القرار الأساسية في البلدين، إذا ما قبلتم فعليا فكرة اللقاء على مستوى القمة".

ويتمسك صدام بلقاء خامنئي، قائلا: "نعيد التمسك بمقترحنا بأن يحضر لقاء القمة من جانبنا رئيس مجلس قيادة الثورة رئيس الجمهورية، ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة، ويحضر من جانب إيران السيدان علي خامنئي، وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني".

رفسنجاني لصدام: لا تضيع الوقت بالرسائل

وفي... (19 مايو 1990) رد رفسنجاني: "نظرا  لاحتمال أن تكون حكومتكم جادة في طريق السلم كما ظهر من رسالتكم، فإننا نرسل لكم جواب هذه الرسالة الثانية، ولكننا نأمل أن لا تضيع الوقت من الآن فصاعدا، في تبادل الرسائل إلا في الحالات الضرورية (...) وأدعو الله أن تكون هذه آخر رسالة وأن نشهد خطوات عملية جدية في طريق السلام".

وزاد: "في رسالتكم هناك شكوى لبعض عبارات ومضامين رسالتنا الجوابية، ونحن أيضا لا نرضى في رسائل السلم أن تطرح موضوعات مؤذية أو مؤلمة، ولكن مع الأسف فإن حجر أساس هذا البناء قد تم وضعه في أول رسالة كتبتموها وهي في رأيكم من أجل إزالة ترسبات الصراع وتمهيد طريق الصداقة، ومن ضمنها في الرسالة الأولى تم الادعاء وكأن الجانب الذي يواجهنا هو الأمة العربية (...) وأستبعد أن تكونوا قد نسيتم أن أغلب الحكومات التقدمية والذين كانوا معكم في خندق واحد في جبهة المواجهة كانوا معنا في هذا الصراع أو على الأقل لم يكونوا منحازين".

وأضاف: "الآداب المتبعة في المراسلات الرسمية لم تتم رعايتها في رسالتكم، ووجدت فيها عبارات وتعبيرات تحتوي على نقاط سلبية ومؤلمة".

كما حسم أمر عدم مشاركة خامنئي، قائلا: "فيما يخص مستوى المسؤولين في المحادثات فمن الأفضل أن يكون الأمر الآن واضحا بأن سماحة آية الله الخامنئي ولي أمر الثورة الإسلامية لن يشارك في المحادثات وطبيعي أن رئيس الجمهورية وسائر المسؤولين لن يقدموا على شيء يخالف نظر القائد وإذا شارك رئيس الجمهورية في المحادثات فإنه ستكون حتما لديه كامل الصلاحيات حيث سينفذ القرار بالتأكيد ولا مجال للقلق الذي أبديتموه في رسالتكم".

ثم دخلت الرسالة في الخلاف حول تفسير القرار 598 وتنفيذه، قائلا: "إن السيد سيروس ناصري ممثلنا في المحادثات مع ممثلكم وإن مهمته هي المحادثات في القضايا الجوهرية لتنفيذ القرار وتهيئة الأرضية لاستئناف العلاقات السلمية بين البلدين، طلبنا منه أن يتحاشى الاشتراك في بحث القضايا الشكلية والهامشية التي تؤدي إلى قتل الوقت وإطالة الوضع الحالي، ولا بد من أن نؤكد أن لقاء رئيسي الجمهوريتين سيكون مناسبا وصالحا فقط في حالة أن يثق الطرفان من نتائجها الإيجابية وبعكس ذلك فإن من الممكن أن تكون لها آثار سلبية وخسائرها أكثر من الوضع الحالي".

كما رفضت إيران أن تعقد القمة في السعودية، و"انتخاب المكان المناسب للطرفين لن يمثل مشكلة بالنسبة لنا ويفضل أن تكون وجهة النظر محددة عشية البدء في المحادثات".

صدام لرفسنجاني عشية الغزو: اتفاق بأي ثمن

وفي 30 يوليو، وقبل اجتياح الكويت بثلاثة أيام، أرسل صدام رسالة إلى رفسنجاني، كشفت تصميمه على الوصول إلى اتفاق مع إيران بأي ثمن، لأن قرار الحرب ضد الكويت بات في طريق التنفيذ. وكتب: "بعد استعراض دقيق لتطور العلاقات والحال بين العراق وإيران، وما يحيط بالمنطقة وما يكتنفها من أخطار، وبغية مواصلة دورنا في تقديم المبادرات التي توفر فرصا أوسع لإنجاز السلام، فقد وجدنا أنفسنا،  وطبقا لمسؤوليتنا الوطنية والمسؤولية الإنسانية التي ترتبها على كاهلنا مبادئنا العظيمة أمام مسؤولية تقديم مبادرة جديدة، ولأن مبادرتنـا هذه المرة تتناول بالمعالجة، كل القضايا الجوهرية التي تضمنتها بنود قرار مجلس الأمن رقم 598 مرة واحدة، وفي إطار واحد، وبصورة تفصيلية، فإننا نأمل أن يجري التعامل معها على هذا المستوى، وأن يكون التفاعل معها بمستوى من الجدية الذي لا يضيع على شعبينا فرصة حق العيش في ظروف سلام متفق عليه.

وعلى أساس كل هذا أبادر بما يلي :

أعاود طرح فكرة إجراء لقاء سريع بين رئيسي البلدين، في مكان يتم الاتفاق عليه للاتفاق على السلام الشامل والدائم .

 أن يتناول البحث والاتفاق كل الموضوعات المعلقة، وأن طرح أي موضوع جديد بعد التوصل إلى الاتفاق الشامل من جانب أي طرف دون موافقة الطرف الآخر أمر مرفوض ويعتبر بمثابة تنصل من الاتفاق، وأن العناوين الفرعية لما يتفق عليه يجب أن تستخرج من بنود القرار 598 وأن يتم الاتفاق على أساس الفهم والتأكيد على أن هدف القرار 598  الأساس هو تحقيق السلام الشامل والدائم وعن طريق الحوار وليس أي شيء آخر، وأن تكون عناصر الاتفاق كلا لا يتجزأ، وبصيغة صفقة متكاملة ومترابطة، وأن يكون الإخلال بأي بند من بنودها إخلالا بكل بنودها.

لا يهم من أين يبدأ الحوار والاتفاق على الموضوعات، إلا أن الاتفاق على أي مفرد، أو عدد من مفردات موضوعات البحث، يبقى معلقا على الاتفاق على البنود الأخرى. لأي من طرفي الحوار الحق في الرد على أي إعلان منفرد يصدر من قبل الطرف الآخر بما يراه مناسبا، بما في ذلك حق نفي الاتفاق الجزئي على أي من موضوعات الحوار المتفق عليه.

أن يتم الانسحاب خلال مدة لا تزيد على شهرين من تاريخ المصادقة النهائية على الاتفاق الشامل الذي نتوصل إليه، وكلما كان الزمن أقصر كان ذلك أفضل، وأن يجري الاتفاق على ترابط لا انفصام فيه، بين كل خطوة يخطوها طرفا النـزاع، فيما يترتب عليه من التزام طبق الاتفاق مع الخطوة المناسبة في الالتزام المقابل، أو ما يوازيه من الطرف الآخر.

إننا ما زلنا نعد موضوع الأسرى محكوما باتفاقيات جنيف، ولذلك نفترض أن إطلاق سراحهم كان يجب أن يتم على أساس بنود هذه الاتفاقية، وقد مضت سنتان على الزمن اللازم لإطلاق سراحهم طبقا لهذه الاتفاقية، وهو الزمن الممتد بين توقف إطلاق النار والوقت الحاضر، ومع هذا ولكي نسهل عملية السلام، فلا نمانع ووفقا للأسس والمفاهيم المشار إليها أعلاه، من الاتفاق على جدول إطلاق سراح الأسرى وفق الفترة المحددة في الفقرة /4/ شهرين اعتباراً من تاريخ المصادقة النهائية على الاتفاق كأقصى مدة وكلما اتفق على ما هو أقل زمنا كان ذلك أفضل.

أن يجري الحوار فيما يتعلق بشط العرب على أساس العناوين الثلاثة الآتية :

أ. السيادة الكاملة عليه للعراق، كما هو حقه التاريخي المشروع .

ب. السيادة للعراق على شط العرب مع تطبيق مفهوم خط التالوك في حقوق الملاحة بين العراق وإيران بما في ذلك حق الملاحة والصيد والمشاركة في إدارة الملاحة فيه وتقاسم الأرباح منها .

ج. إحالة موضوع شط العرب للتحكيم، وفق صيغة يتفق عليها الطرفان مع الالتزام المسبق بالقبول بما يسفر عنه التحكيم. وحتى تبت جهة التحكيم بالأمر، يباشر بتنظيف شط العرب وفق صيغة يتفق عليها الطرفان ليكون صالحا للملاحة والاستعمال ويكون الاتفاق على أساس افتراض أن الطرفين، سيختاران أيا من العناوين الثلاثة أعلاه باعتبار أن العنوان الأول يمثل حق العراق، ومفترضين أن العنوانين الآخرين يمثلان رغبة إيران.

الاتفاق على إسقاط الفقرة السادسة من القرار 598 عن البحث وإهمالها نهائيا لأنها لا تنطوي على فائدة السلام، بل تعرقله، وقد تدفع نتائجها إلى البغضاء والحقد والثأر في المستقبل، فيما يفترض السلام طريقا آخر للشعبين الإيراني والعراقي، ومطلوب في هذا الشأن إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة رسميا وخطيا بالاتفاق الذي نتوصل إليه.

أن لا يباشر بأي خطوة من الخطوات المشار إليها والتي تتضمنها اتفاقية السلام التي نتوصل إليها بين العراق وإيران، قبل استكمال كل الإجراءات التشريعية للمصادقة عليها، طبعا للوضع الدستوري في البلدين بما يجعلها نهائية من الناحية القانونية والدستورية ولا رجوع عنها بأي شكل من الأشكال كلا أو جزءا ويجعل بنودها نافذة، وعلى أن يتم إيداع وثائق المصادقة على الاتفاقية لدى الأمين العام للأمم المتحدة، وفي توقيت واحد يتفق عليه الطرفان .

 أن تكون اتفاقية السلام الجديدة بين العراق وإيران، متضمنة لكل ما يتفق عليه، ولا مانع، وتسهيلا لتحقيق السرعة لإنجاز اتفاقية السلام، من أن تتضمن الاتفاقية - إلى جانب الموضوعات الجديدة، وموضوعات الحدود البرية والحقوق الأخرى ووفقـا لما يتفق عليه - بعض ما ورد في الاتفاقيات السابقة التي تضمنها تاريخ العلاقة بين البلدين، وما تم الاتفاق عليه سابقا من غير إخلال بالبنود الواردة في رسالتنا هذه.

 أن تتضمن الاتفاقيات مبادئ واضحة حول إقامة علاقات حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام كل بلد لما يختاره البلد الآخر من نظام سياسي واقتصادي واجتماعي وكذلك الإقرار الذي لا لبس فيه بحقوق الملاحة بكل أشكالها في المياه الدولية في الخليج ومضيق هرمز.

 قد يكون مناسبا أن تضمن حسن تطبيق الاتفاقية جهة دولية يتفق عليها مجلس الأمن.

 رغم أننا نعرف أن الوضع الدولي لا يسمح لنا ببناء آمال كبيرة على مساعدات تقدم إلينا لإعادة الإعمار فإننا نرى أن تقسم المساعدات الدولية التي تقدم وفق الفقرة /7/ مناصفة بين العراق وإيران.

 ومن أجل تسهيل الاتصالات بيننا، وفي ضوء التطور الإيجـابي في علاقاتنا، فإننا نرى أن نعيد فتح سفارتينا في طهران وبغداد، خاصة وأنهما بقيتا في ظروف الحرب ولم تغلقا إلا في شهر سبتمبر 1987.

هذا أيها السيد الرئيس ما بدا لنا، أنه يحقق السلام الدائم والشامل بين العراق وإيران وهو مقترح متكامل، عناصره مترابطة وغير قابلة للتجزئة، وهو ما عاونتنا تجربتنا على تلمسه بما في ذلك ما أوحت به أو ما تضمنته المحادثات بين ممثلينا في جنيف، السيدين ناصري وبرزان .

وفي هذا يكون كل شيء قد أصبح واضحا بما لا يدع مجالا لأي تفسير غير هذا وما ننشده من السلام الحقيقي الشامل والسريع".

بالفعل رد رفسنجاني برسالة سريعة تضمنت أجوبة على كل النقاط في رسالة صدام، قائلا: "النقطة التي أكدتم عليها في رسالتكم حول الإسراع في الحركة باتجاه السلام نقبلها تماما ولكن هذا لا يعني أن تكون السرعة والتقدم في طرح الاقتراحات الشكلية ورفع مستوى المحادثات دون أن يحصل تقدم في محتواها، بل يجب التقيد بالاتفاقيات الثنائية المعترف بها دوليا ولا نطالب بأكثر من حقوقنا المشروعة، لأنه لا يمكن التصور بأن يحصل في المحادثات ما لم يتحقق خلال حرب دامت ثماني سنوات".

بعد الغزو

بعد اجتياح الكويت، بعث صدام رسالة جديدة في 3 أغسطس، تطرقت إلى البيانات الرسمية الإيرانية والتحركات العسكرية تعليقا على الغزو، ثم استعرض مبادراته سواء برسائله أو بلقاءات سفيري البلدين في جنيف. وقال: "تضمنت رسالتي في 30 يوليو، معالجات محددة ومقترحات عملية وليس كلاما عاما عن كل بند تضمنه القرار 598 الذي أكد العراق وأكدت إيران الالتزام به، ونحن ما زلنا بانتظار موافقتكم على تحديد يوم تستقبلون فيه مبعوثينا اللذين سميناهما لكم، وهما (وزير الخارجية وممثلنا الدائم في جنيف) والذي بعد إجراء المحادثات معكم ومع من تنسبونهم سنكون أمام مرحلة حاسمة للسلام بين العراق وإيران".

وأضاف: "إنكم لا شك، أو هذا ما أظنه على الأقل، تعرفون دوافع التصريحات التي تطلق من صباح يوم أمس الخميس 2 أغسطس، سواء من داخل المنطقة أو من خارجها، وقد كان لكم تقييمكم لأطرافها، وكان لنا تقييمنا لأطرافها وكلنا يعرف دوافعهم، ولكنكم تعرفون بأنهم جميعا قادرون على إصلاح مواقفهم بوسائلهم الخاصة وبإمكاناتهم المعروفة عندما يكتشفون أن تصريحاتهم لن تقدم ولن تؤخر أمام إرادة شعب العراق العظيم الذي صمم على إحقاق الحق ومعالجة الغبن والغدر والتآمر".

وزاد: "إن من يصدر السلاح إلينا ويصرح بوقف تصديره سيصلح الأمر عندما يعيد تصديره إلينا، وإن من يوقف أو يقطع العلاقات الاقتصادية سيعالج الأمر عندما يعيدها معنا، أما العراق وإيران إذا ما انزاح موقف أي منهما عن موضعه الصحيح فإنه سيفوت فرصة تاريخية على شعبه في الفوز بالسلام إلى جانب تثبيت حقوقه المشروعة، وإن الخسارة ستكون كبيرة إذا ما اهتز مسار ما أنجزناه من شوط في حوارنا على هذا الطريق الذي كوّن بداية ثقة بخـــطوات بعضنا، وهذا ما لا نتمناه لكم مثلما لا نتمناه لأنفــــسنا، وعلى أي حال، فإذا كان الذي نعرفه وهو المعلن من أهدافكم في المفاوضات هو كل أهدافكم، فيما نؤكد لكم أن المعلن منا هو كل أهدافنا بالتأكيد، فعلينا أن نسرع بعقد اللقاء وعليكم أن تسرعوا بتحديد يوم لاستقبال المبعوثين، وعن هذا الطريق فقط تتحقق الأهداف المشروعة ويتحقق السلام الذي هو غاية نبيلة لشعبي البلدين، والله أكبر".

في 14 أغسطس، بعث صدام رسالة استجدائية إلى  رفسنجاني  ردا على واحدة وصلت في 8 أغسطس، ثم "مبادرة" قدّمها في 12 أغسطس بهدف "تحقيق السلام الشامل... وكي لا نبقي لذي حجة ما يمنعه من التفاعل وإبقاء الهواجس والتحسب، ولكي لا تبقى أي من طاقات العراق معطلة خارج ميدان المنازلة العظيمة، وحشدها باتجاه الأهداف التي أجمع المسلمون والعرب الشرفاء على أنها حق، ولإبعاد التداخل عن الخنادق، وإبعاد الظنون والهواجس ليجد الخيرون طريقهم إلى علاقات طبيعية بين العراق وإيران، وكثمرة لحوارنا الذي امتد بصورته المباشرة منذ رسالتنا، قررنا الموافقة على مقترحكم الذي جاء في رسالتكم الجوابية المؤرخة في 8 أغسطس التي استلمها ممثلنا في جنيف السيد برزان إبراهيم التكريتي من ممثلكم السيد سايروس ناصري، باعتماد اتفاقية عام 1975 مترابطة مع الأسس الواردة في رسالتنا في 30/7/1990 وخاصة فيما يتعلق بتبادل الأسرى والفقـرتين /6/ و/7/ من قرار مجلس الأمن الدولي 598".

كما أبدى الاستعداد لإرسال وفد إلى طهران أو استقبال وفد في بغداد لـ"إعداد الاتفاقيات والتهيؤ لتوقيعها على المستوى الذي يتم الاتفاق عليه... وكبادرة حسن نية، فإن انسحابنا سيبدأ اعتبارا من يوم الجمعة 17 أغسطس، وسنسحب قواتنا التي تواجهكم على طول الحدود بما يبقى ما هو رمزي منها، مع حرس الحدود والشرطة فحسب، لتنفيذ الواجبات اليومية لظروف طبيعية، وأن يتم تبادل فوري وشامل لكل أسرى الحرب بكل أعدادهم المحتجزين في كل من العراق وإيران، وأن يتم ذلك عبر الحدود البرية وعن طريق خانقين- قمر شيرين ومنافذ أخرى يتفق عليها، وسنكون نحن المبادرين إلى هذا وسنباشر به اعتبارا من يوم الجمعة المصادف 17 أغسطس".

ويختم صدام: "أيها الأخ الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني، في قرارنا هذا أصبح كل شيء واضحا، وبذلك تحقق كل ما أردتموه، وما كنتم تركزون عليه، ولم يبق إلا ترويج الوثائق لنطل معا من موقع إشراف بيّن على حياة جديدة، يسودها التعاون في ظل مبادئ الإسلام ويحترم كل منا حقوق الآخر، ونبعد المتصيدين في الماء العكر عن شواطئنا، وربما تعاونا بما يبقي الخليج بحيرة سلام وأمان خالية من الأساطيل الأجنبية وقوى الأجنبي التي تتربص بنا الدوائر، بالإضافة إلى ميادين الحياة الأخرى".

المفاجأة كانت في رد رفسنجاني: "جناب السيد صدام حسين رئيس الجمهورية العراقية المحترم، لقد تم استلام رسالة سيادتكم المؤرخة في... (14 أغسطس 1990) بأن إعلان قبولكم من جديد معاهدة عام 1975 قد مهد الطريق لتنفيذ القرار وحل الخلافات في إطار القرار 598 وتبديل وقف إطلاق النار إلى سلام دائم وصامد، ويعتبر انسحاب قواتكم من الأراضي الإيرانية المحتلة دليلا على صدقكم وجديتكم في طريق السلام مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن حسن الحظ أن هذا يتزامن مع الموعد المقرر لإطلاق سراح الأسرى ونأمل مواصلة انسحاب قواتكم حسب الجدول الزمني المعلن واستمرار عملية إطلاق سراح أسرى الطرفين بصورة أسرع حتى تتكامل. وكما أعلمناكم عن طريق ممثلنا في جنيف، فإننا مستعدون لقبول ممثلكم في طهران آملين مع استمرار الجو الإيجابي وحسن النية الموجودة أن نتمكن من الوصول إلى سلام شامل وثابت مع الحفاظ على جميع الحقوق والحدود المشروعة للشعبين والبلدين المسلمين. والسلام عليكم، أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

هكذا تنازل صدام وخسر، وكسبت إيران.

*هذا المحتوى من مجلة "المجلة".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات