لا يبدو حصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على ورقة الترشح باسم الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة أمراً مضموناً، خصوصاً مع إعلان ممولين للحزب رغبتهم في البحث عن "خيارات أفضل" قد تكون أكثر قابلية للفوز بالسباق إلى البيت الأبيض، والمقرر في عام 2024.
وأعلن ترمب ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد أسبوع واحد من فشل انتخابات التجديد النصفي (نوفمبر الماضي) في إحداث "موجة حمراء" كان يتوقعها، لتترك مجلس الشيوخ في أيدي الديمقراطيين، ومجلس النواب بالكاد تحت سيطرة الحزب الجمهوري.
وجاء قرار ترمب بالترشح، على الرغم من إلقاء اللوم عليه في الأداء الباهت للمرشحين الجمهوريين المدعومين منه في سباقات مجلسي الشيوخ والنواب، الأمر الذي يجعل المحلل الاستراتيجي الجمهوري جيم دورنان يعتقد أنه "لا يتعين على الحزب الجمهوري ترشيح ترمب للرئاسة".
"خيارات أفضل"
وقال دورنان لـ"الشرق" إنه بعد فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، تم ترشيحه بسهولة من قبل الحزب الجمهوري في عام 2020، لكن في الوضع الراهن يمكن القول إن هناك "خيارات أفضل".
ويتطلع المتبرعون للحزب الجمهوري إلى خيارات مثل حاكم فلوريدا رون ديسانتيس وحاكم فرجينيا جلين يونجكين، باعتبارهما مرشحين "أكثر عقلانية" ولديهما فرصة أكبر للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وبالفعل أعلن رجل الأعمال المقيم في نيويورك آندي سابين أنه سيدعم ديسانتيس إذا ما قرر خوض السباق.
وسبق وتبرع سابين، صاحب أكبر شركة خاصة في العالم لتكرير المعادن الثمينة Sabin Metal Corporation، من أجل إعادة انتخاب ترمب لعام 2020.
وبعد فشل ترمب في الفوز بالرئاسة، قال سابين: "لن أعطيه نيكلاً جديداً" (النيكل يساوي 5 بنسات، والدولار يساوي 20 نيكلاً).
وفي الوقت ذاته، لم يتراجع عن التبرع للحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي الأخيرة، إذ دفع "سابين" لصالح إعادة انتخاب ديسانتيس حاكماً لولاية فلوريدا، مبلغ 55 ألف دولار أميركي.
كما أعلن الرئيس التنفيذي لشركة Citadel الاستثمارية للحملات السياسية كين جريفين دعم ديسانتيس في انتخابات الرئاسة المقبلة، وذلك بعد أن خصص 5 ملايين دولار لدعمه في الانتخابات النصفية الماضية، وذلك من أصل نحو 100 مليون دولار قدمها للجمهوريين في هذا السباق الانتخابي.
وبرر جريفين ذلك لموقع "بوليتيكو"، قائلاً إنه يريد تحسين تنوع الحزب الجمهوري وتقليل النزعة الشعبوية التي أدت إلى تعقيد علاقة الحزب بعالم الشركات. وقال أيضاً إن هناك "عدداً من الأسباب، أعتقد أن الوقت قد حان للانتقال إلى الجيل التالي".
المال يحكم
للمال تأثير كبير على كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي في كل مستوى انتخابي فيدرالي بدايةً من مجلس النواب مروراً بمجلس الشيوخ وصولاً إلى الرئاسة. وعن ذلك يقول دورنان إن "حجم المال وكميته يتحكمان في اختيار المرشح وفوزه في أحيانٍ كثيرة".
ورأى أن "المانحين الكبار يختارون المرشح بناءً على مدى قبوله ووفقاً لمصالحهم الخاصة"، معتبراً أنهم "بدأوا إعلان احجامهم عن دعم ترمب في 2024 باعتباره لم يعد مؤهلاً للفوز أو حتى لتحقيق مكاسبهم"، وتابع: "هذا يخبرني على الفور أنه سيواجه مشاكل في الفوز بالترشيح من داخل الحزب نفسه".
ويتفق أستاذ العلوم الاجتماعية في "جامعة بوسطن" توماس والين مع المحلل الاستراتيجي دورنان في التأثير الكبير للمال على سير العملية الانتخابية. وقال والين لـ"الشرق" إن المانحين الكبار، الذين يدفعون المبالغ الأكبر في الانتخابات، يتحكمون في توجيه كل شيء في العملية الانتخابية بدءاً من اختيار المرشحين للرئاسة واختيار برنامجهم الانتخابي والرسائل التي يتبنوها وحتى النتائج النهائية.
وأضاف والين: "هذا النظام لا يمت إلى الديموقراطية الأميركية كما أسسها توماس جيفرسون بصلة، بل هو أقرب لحكم الأقلية".
حالة استثنائية
لكن تأثير المال لا ينطبق على حالة ترمب، حسب ما يعتقد أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية في "جامعة أوهايو" بول بيك، مبرراً ذلك بمكانته بالنسبة إلى القاعدة الجمهورية في الوقت الحالي.
وأضاف بيك لـ"الشرق" أن "من يفوز بترشيح الحزب الجمهوري يعتمد بالأساس على تفضيلات الناخبين الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية وعدد قليل من المؤتمرات الحزبية"، مشدداً على أن "المال ليس مهماً بشكل خاص بالنسبة لترمب، ولكنه قد يكون مهماً لمنافسيه، على الأقل لكي يدعم زيادة ظهورهم ومكانتهم لدى الناخبين".
أفعال مثيرة للجدل
بعيداً عن المال، يواجه ترمب الكثير من المشاكل التي يعتقد دورنان أنها تحول بينه وبين الحصول على دعم الحزب لترشحه للرئاسة، مشيراً إلى أن "تمسكه المستمر بالكذب بشأن انتخابات 2020 أدى إلى إبعاد الكثير من الناخبين عنه، وخصوصاً الجمهوريين التقليديين".
ويدعم اعتقاد الخبير الاستراتيجي دورنان، استطلاع رأي لـ NBC News وجد في يناير 2019 أن 51% من الجمهوريين يعتبرون أنصار ترمب أكثر من كونهم مؤيدين للحزب. وبحلول يوم الانتخابات النصفية 2022، انخفضت النسبة إلى 30%.
ويعتقد دورنان أنه "من المعقول تماماً انخفاض نسبة أنصار ترمب أكثر الآن، خصوصاً بعد عشاءه الأخير مع قومي أبيض معروف بأزماته أيضاً"، في إشارة إلى نيك فوينتيس أحد دعاة تفوق العرق الأبيض والذي وصفته رابطة مكافحة التشهير بأنه "متعصب للبيض ومعاد للسامية".
وأضاف دورنان: "أعتقد أن الناخبين الجمهوريين سئموا من أفعاله وسوف ينتقلون إلى مرشحين آخرين أكثر قابلية للانتخاب".
بعد ذلك العشاء تحديداً، خرج زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، في 29 نوفمبر الماضي، ليعلن أن الحزب الجمهوري "لن يرشح ترمب لسباق الرئاسة"، مرجعاً السبب إلى أنه "لا يوجد مكان في الحزب الجمهوري لمعاداة السامية أو تفوق البيض". وقال إن "أي شخص يلتقي بأشخاص يؤيدون وجهة النظر هذه، في رأيي، من غير المرجح أن يتم انتخابه رئيساً للولايات المتحدة".
لكن على النقيض، يرى بيك أن لدى ترمب "فرصة ربما قد تكون بسيطة لكنها مازالت موجودة نظراً لتأييد الكثير من الناخبين الجمهوريين له". وعبّر بيك عن اعتقاده بأنه "في حال انضم العديد من خصوم الرئيس السابق للسباق داخل الحزب الجمهوري، فسوف يوفر هذا الانقسام فرصة لترمب كي يحقق الفوز في انتخابات 2024، كما حدث في عام 2016".
الأمر ذاته يؤيده والين، إذ يعتقد أن الحزب الجمهوري لا يزال بإمكانه ترشيح ترمب للرئاسة، مشيراً إلى أنه "يحتفظ بقاعدة شبه طائفية من الداعمين سيكون من الصعب على المتنافسين المحتملين الآخرين مثل رون ديسانتيس كسرها".
الترشح كمستقل
في الوقت ذاته، يحذر والين من أنه "في حال خسر ترمب ورقة الترشيح من الحزب الجمهوري، فمن المحتمل أن يفكر في خوض السباق الرئاسي كمرشح مستقل أو ممثلاً لحزب ثالث، وهذا من شأنه القضاء على حظوظ الحزب الجمهوري في انتخابات 2024".
وقبل ساعات من بدء الانتخابات النصفية، وجه ترمب تحذيراً إلى حاكم فلوريدا ديسانتيس بشأن الترشح لسباق الرئاسة، قائلاً إن ذلك (ترشح الأخير) سيضر بالحزب الجمهوري. وهدد بالإفصاح عن معلومات "لن تكون جيدة للغاية"، وقال: "أعرف عنه أكثر من أي شخص آخر، ربما بخلاف زوجته التي تدير حملته الانتخابية".
مرشحون محتملون
ومع ذلك، يعد ديسانتيس أكبر المرشحين المحتملين الرئيسيين للحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة 2024، لكن دورنان يؤكد أن هناك بعض الأسماء الأخرى التي يتم ذكرها داخل الحزب الجمهوري كمرشحين محتملين للرئاسة، من بينهم عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الجنوبية، تيم سكوت، وحاكم نيو جيرسي السابق كريس كريستي، ونائب الرئيس السابق مايك بنس.
وفي سياق تفسيره لتعدد أسماء المرشحين المحتملين للرئاسة من داخل الحزب الجمهوري، يرى بيك أن "رجال الأعمال المانحين لم يتفقوا ولم يصطفون وراء أي مرشح معين في الوقت الحالي، ولا حتى ترمب". ويختم قائلاً: "يبدو أنهم قلقون من عدم تمكن ترمب من الفوز في الانتخابات العامة، لكنهم سيبقونه على الهامش حتى يظهر له منافس قابل للحياة".