تصاعدت الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي بعد قرار إنهاء القيود على مشتريات الحبوب الأوكرانية، الجمعة، والتي كانت دول أوروبية فرضتها لحماية منتوجها الوطني.
وأدت قرارات بولندا والمجر وسلوفاكيا بحظر الحبوب الأوكرانية إلى إثارة نزاع طويل الأمد بين بروكسل والدول الشرقية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وأشعل الخلاف التوترات داخل التكتل، وأحدث شقاقاً بين أوكرانيا وبولندا، أحد أقوى حلفاء كييف منذ بدء الغزو الروسي، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"الأميركية.
وجاء قرار المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، الجمعة، بعد أسابيع من المفاوضات التي تهدف إلى إيجاد حل وسط. وتهدد أوكرانيا لإحالة القضية إلى منظمة التجارة العالمية لرفع دعوى للحصول على تعويضات.
وحذرت بولندا والمجر وسلوفاكيا، الدول الجارة لأوكرانيا، والتي تقول إنها تحملت وطأة تدفق الحبوب الأوكرانية الرخيصة، من أنها ستتحرك بمفردها.
بولندا: سنمدد حظر الحبوب الأوكرانية
وعقّدت الانتخابات المقبلة في بولندا المفاوضات، إذ شن حزب "القانون والعدالة" الحاكم حملة مكثفة في الأرياف، مع وعود بحماية المزارعين البولنديين المتضررين بالفعل من تدفق الحبوب الأوكرانية، والناجم عن انسحاب روسيا في يوليو الماضي من اتفاق الحبوب الذي كان يتيح لكييف تصدير حبوبها عبر البحر الأسود.
وقال رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيتسكي، متحدثاً في تجمع انتخابي في شمال شرق البلاد: "سنمدد حظر الحبوب الأوكرانية رغم الخلاف. سنفعل ذلك لأنه في مصلحة المزارع البولندي".
وبموجب الترتيبات الجديدة للاتحاد الأوروبي، وافقت أوكرانيا على اتخاذ خطوات سريعة لمنع زيادة صادرات الحبوب إلى التكتل. ووافقت المفوضية الأوروبية على الامتناع عن فرض قيود ما دامت التدابير الأوكرانية فعالة.
ومن المفترض أن تلتزم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بقرارات بروكسل التجارية. وقال مسؤولون في الاتحاد الأوروبي، إن "الحظر أحادي الجانب على واردات بولندا وجيرانها من الحبوب الأوكرانية في الربيع، يبدو أنه ينتهك قانون التكتل".
من جهته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، إنه تحدث إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وشكرها على القرار.
وأضاف زيلينسكي عبر منصة إكس (تويتر سابقاً) أن "من الأهمية بمكان أن يعمل التضامن الأوروبي الآن على المستوى الثنائي. إذا انتهكت قراراتهم تشريعات الاتحاد الأوروبي، فإن أوكرانيا سترد بطريقة حضارية".
المجر: السماح فقط بمرور الحبوب الأوكرانية
وفي أعقاب قرار المفوضية الأوروبية، قال المتحدث باسم الحكومة المجرية زولتان كوفاكس، إن بلاده ستسمح بمواصلة عبور الحبوب عبر أراضيها، لكنها ستبقي على حظر الاستيراد على المبيعات وتوسيعه، وستراقب السلطات نقل الشحنات عبر الحدود عن كثب.
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء السلوفاكي بيتر ماجر، إن بلاده ستفرض حظراً على الحبوب و3 منتجات زراعية أخرى اعتباراً من السبت.
وكان قرار الاتحاد الأوروبي بشأن حظر الحبوب هو الأول من عدة اختبارات قادمة للدعم الأوروبي لأوكرانيا. وتتزايد التساؤلات بشأن التزام واشنطن تجاه كييف قبل انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة العام المقبل.
وقبل الانتخابات البولندية، تتوجه سلوفاكيا إلى صناديق الاقتراع في نهاية سبتمبر، وأشارت استطلاعات الرأي إلى عودة رئيس الوزراء السابق روبرت فيكو إلى الحكومة، الذي شن حملة ضد العقوبات الغربية على روسيا.
ويتعين على الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تتخذ قراراً بحلول نهاية العام، بشأن حزمة مساعدات اقتصادية مقترحة تقدر بنحو 53 مليار دولار لأوكرانيا، إضافة إلى مقترح مساعدات عسكرية بنحو 21 مليار دولار.
وزادت التوترات بشأن قضية الحبوب قبل قرار، الجمعة، الذي أنهى الترتيبات التي سمحت لصادرات الحبوب الأوكرانية بدخول بولندا والمجر وسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا، فقط للعبور إلى أسواق أخرى.
وحذرت كييف من أنها ستحيل الاتحاد الأوروبي إلى منظمة التجارة العالمية للحصول على تعويض، إذا لم يتم رفع الحظر.
أوكرانيا مصدر عالمي للمنتجات الزراعية
وتعد صادرات الحبوب جزءاً مهماً من اقتصاد أوكرانيا، التي كانت ثاني أكبر مصدر في العالم في 2021، قبل الغزو الروسي، إذ صدّرت منتجات زراعية بنحو 27 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو نصف إجمالي دخلها من الصادرات.
وعندما حاصرت روسيا الموانئ الأوكرانية بعد غزوها في فبراير 2022، هددت بحرمان أوكرانيا من جزء كبير من إيراداتها، وخلقت أيضاً مخاوف عالمية من نقص الغذاء، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الحبوب العالمية.
كما قسّمت قضية الحبوب الاتحاد الأوروبي. وقال دبلوماسيون إن معظم الدول الأعضاء تعارض تمديد الترتيب الحالي.
وقالت عائلة دلوجوليكي، التي تعمل منذ أجيال في مزرعتها التي تبلغ مساحتها 60 هكتاراً في قرية بشمال العاصمة البولندية وارسو، إن تدفق الحبوب الأوكرانية أدى إلى انخفاض الأسعار بشدة، لدرجة أنهم لم يبيعوا أياً من محصولهم من العام الماضي، ولا يعتزمون بيعه ما لم ترتفع الأسعار.
وانتقد رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال، في يوليو الماضي، بولندا بسبب تصرفاتها "غير الودية والشعبوية" بشأن حظر الحبوب. وأثار ذلك غضباً في الحكومة البولندية، التي استقبلت ملايين الأوكرانيين في الأسابيع الأولى من الحرب.
وقال مستشار رئاسي بولندي إن أوكرانيا "يجب أن تكون أكثر امتناناً لكل ما فعلته وارسو".
وفي حين أن الدعم لأوكرانيا قوي بشكل عام عبر المشهد السياسي في بولندا، فإن العلاقة معقدة، وفقاً للصحيفة الأميركية.
خلافات تاريخية بين بولندا وأوكرانيا
لطالما سعت بولندا منذ فترة طويلة للحصول على اعتذار من أوكرانيا عن مذبحة البولنديين على أيدي القوميين الأوكرانيين بين عامي 1943 و1945 في منطقتي فولينيا وشرق جاليسيا، فيما يعرف الآن بأوكرانيا. ويعتقد المؤرخون أن ما يصل إلى 100 ألف بولندي لقوا حتفهم.
وفي يوليو الماضي، أحيا الرئيس البولندي أندريه دودا ونظيره الأوكراني زيلينسكي ذكرى البولنديين الذين لقوا حتفهم خلال الحرب في كنيسة كاثوليكية في غرب أوكرانيا، في سعيهما لتهدئة التوترات التاريخية.
وللحفاظ على التماسك، وزّع مسؤولو الاتحاد الأوروبي مئات الملايين من اليورو على المزارعين البولنديين وغيرهم، لكن تمويل بروكسل لمزيد من المساعدات آخذ في النضوب.
وعندما فرضت بولندا والمجر و3 دول أخرى حظراً أحادي الجانب على صادرات الحبوب الأوكرانية في أبريل الماضي، انخفضت المبيعات عبر الاتحاد الأوروبي إلى 2 مليون طن فقط في ذلك الشهر، ما حرم كييف من الإيرادات التي تشتد الحاجة إليها.
وفي أغسطس الماضي، وفي أعقاب قرار روسيا بالانسحاب من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، بلغت صادرات أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي نحو 4 ملايين طن.
ومع بداية موسم الحصاد، من المرجح أن يشتد الضغط على مرافق تخزين الحبوب، ونقلها في بولندا والدول المجاورة الأخرى لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي.
اقرأ أيضاً: