مسيرة مارك ميلي في الجيش الأميركي.. إرث جدلي بين ترمب وبايدن

time reading iconدقائق القراءة - 12
دبي-الشرق

تنتهي فترة الجنرال مارك ميلي رئيساً لهيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجمعة، ليُسدل الستار بذلك على فترة من التاريخ الأميركي الحديث جعلته واحداً من بين أكثر القادة العسكريين أهمية واستقطاباً.

وعلى مدى 4 سنوات، تولى ميلي قيادة القوات المسلحة الأميركية خلال فترة مشحونة شملت الأشهر الأخيرة المحفوفة بالمخاطر من رئاسة الرئيس السابق دونالد ترمب، و"الانسحاب الكارثي" من أفغانستان ومواجهة عالية المخاطر بين واشنطن وموسكو.

وأقر مجلس الشيوخ الأميركي، الأسبوع الماضي، تعيين الجنرال تشارلز براون رئيساً جديداً لهيئة الأركان الأميركية، وسيخلف في منصبه الجديد في 29 سبتمبر الجاري الجنرال مارك ميلي، الذي تولى رئاسة الأركان في الأول من أكتوبر 2019. 

ويثني المعجبون بالجنرال ميلي لما فعله عند إبقاء قوات الجيش خارج نطاق فوضى الانتخابات الرئاسية في عام 2020، بالإضافة إلى تصميم الجوانب الرئيسية لدعم البنتاجون لأوكرانيا، وفق ، صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.  

ويقول النقاد إن الجنرال وسّع حدود ما يتوقع أن يكون دوراً غير حزبي، وخاض مناقشات ساخنة مراراً في الكونجرس، وجر الجيش إلى معركة سياسية، فيما وجده البعض يركز بشكل مفرط على إرثه الخاص. 

انتقادات ترمب لميلي 

قال ترمب، في رد فعل على ما يبدو على التغطية الإخبارية لتقاعد الجنرال الوشيك، على منصة التواصل الاجتماعي الخاصة به، الجمعة الماضي، إن رحيل ميلي "سيكون لحظة احتفال لجميع مواطني الولايات المتحدة". 

كما وصف ميلي بأنه "حطام قطار"، وذكر أن المكالمات الهاتفية التي أذن بها مسؤولو إدارة ترمب في ذلك الوقت، والتي سعى فيها ميلي إلى طمأنة المسؤولين الصينيين بأن الولايات المتحدة كانت مستقرة خلال الفترة الانتقالية الرئاسية كانت "عمل خيانة". وكتب ترمب: "هذا عمل فظيع لدرجة أنه في الأوقات الماضية، كانت العقوبة ستكون الموت!". 

ولم يرد ميلي علناً على هذه المزاعم. لكنه علّق في وقت سابق، بأن هناك "قرع طبول ضار" من الانتقادات الموجهة إلى البنتاجون تصل إلى "محاولة متعمدة، في رأيي، لتشويه سمعة الضباط وقادة الجيش، وتسييس الجيش". 

 وعلى غرار الجنرال ميلي، امتدت فترة ولاية الأدميرال المتقاعد مايك مولن كرئيس لهيئة الأركان المشتركة، في عهد الرئيس الجمهوري الأسبق جورج دبليو بوش والديمقراطي باراك أوباما، لرئيسين لهما وجهات نظر وأجندات مختلفة إلى حد كبير، وسعى الثاني إلى التراجع عن الكثير مما فعله سلفه.

وقال مولن إنه تحت أي ظرف من الظروف، فإن المهمة "صعبة بشكل يبعث على السخرية". وأضاف أن ميلي "واجه تحدياً أكبر من معظم القادة الآخرين.. لقد كان ولا يزال مقاتلاً مخضرماً". 

وأمضى ميلي، وهو ضابط مشاة في الجيش ولاعب هوكي سابق، أكثر من 43 عاماً في الجيش، وبرز كمرشح لترمب لمنصب رئيس الأركان في وقت غير متوقع. 

وأعلن الرئيس السابق قراره على تويتر (إكس حالياً) في ديسمبر 2018، مما فاجأ كبار المسؤولين في البنتاجون.  

وكانت هذه الخطوة قبل أشهر من الموعد المحدد واعتبرها الكثيرون تقوض رئيس الأركان في ذلك الوقت، الجنرال جوزيف دانفورد، الذي كان من المقرر أن يظل في المنصب حتى سبتمبر التالي، لكن ترمب اعتبره غير مخلص بما فيه الكفاية. 

وعود ميلي لترمب

وأدى ميلي اليمين الدستورية. وخلال الحفل، وعد ترمب بـ"تقديم مشورة عسكرية مستنيرة وصريحة ومحايدة لكم، ولوزير الدفاع، ومجلس الأمن القومي والكونجرس". ووصف ترمب في تصريحاته ميلي بأنه "رائع" وقال إنه "صديق" يستحق المنصب.  

وفي الأسابيع التي تلت ذلك، تم تسليط الضوء على ميلي والبنتاجون وسط عدد من أحداث الأمن القومي البارزة، وكان هناك أولاً توغل القوات التركية في شمال سوريا، مما عرض سلامة مئات الجنود الأميركيين المنتشرين هناك للخطر. وبعد ذلك جاءت الغارة التي قتلت زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي.  

وفي 3 يناير 2020، قتلت غارة أميركية بطائرة مسيرة قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، بالقرب من مطار بغداد الدولي.  

ودافع ميلي ومسؤولون أميركيون آخرون عن العملية، قائلين إن معلومات الاستخبارات أشارت إلى أن سليماني كان يستعد لإطلاق موجة جديدة من العنف ضد الأميركيين في المنطقة. وردت إيران بضربات صاروخية باليستية ضد موقعين أميركيين في العراق، مما أسفر عن إصابة عشرات الجنود بجروح، ولكن لم تقع وفيات. 

وكتب مارك إسبر، الذي أصبح وزيراً للدفاع في إدارة ترمب، قبل بضعة أشهر من تولي ميلي هيئة الأركان المشتركة، في مذكراته، أنه في حين أراد بعض كبار المسؤولين الأميركيين في ذلك الوقت ضرب إيران بسرعة وبشكل متكرر، فقد حض هو وميلي على ضبط النفس، والنظر في الآثار المترتبة على ذلك.  

ووصف إسبر، الذي اشتبك مع ترمب بشأن عدد من الخلافات السياسية، ميلي بأنه "مستشار وشريك مهم بالنسبة لي خلال وقت معقد وصعب للغاية في التاريخ الأميركي". 

وقال كينيث ماكنزي، الجنرال المسؤول في ذلك الوقت عن القوات الأميركية في الشرق الأوسط، إنه يكن "احتراماً كبيراً للغاية لميلي"، واصفاً إياه بـ"الرجل الوحيد الذي وقف إلى جانبي" خلال بعض الأيام الصعبة.  

وقال ماكنزي: "شعرت دائماً أن مارك (ميلي) كان يساندني هناك في العاصمة، عندما لم يكن أي شخص آخر مهتماً بالقيام بذلك. لقد فهم ميلي حقيقة أن تحريك القوات داخل وخارج المسرح أرسل إشارات إلى إيران". 

عندما فكر ميلي في الاستقالة

وفي مايو 2020، بعد أن أدى سقوط جورج فلويد على يد الشرطة احتجاجات في مدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة، دعا ترمب إلى وضع قوات في الخدمة الفعلية في شوارع أميركا. لكن ميلي وغيره من كبار مسؤولي الدفاع رأوا خطراً كبيراً في أي محاولة لاستدعاء قانون التمرد، بحجة أن أي عنف يجب أن يعالج من قبل سلطات إنفاذ القانون، وليس الجيش. 

وانتهت أسابيع من التوتر أخيراً في مطلع يونيو 2020، عندما قام أفراد إنفاذ القانون بتفريق مئات المتظاهرين الذين تجمعوا في ميدان لافاييت خارج البيت الأبيض، قبل مسيرة ترمب ومسؤولين آخرين إلى كنيسة عبر الشارع في استعراض للقوة. وكان من بينهم إسبر وميلي لبعض الوقت. 

وانفصل الجنرال، الذي كان يرتدي زيه المموه، عن المجموعة بعد وقت قصير من مغادرة ترمب البيت الأبيض. وتسببت صور المشهد في ضجة، حيث أكد النقاد أن ترمب استغل الجيش لتهديد الشعب الأميركي. 

وفكر ميلي في الاستقالة، لكن تم إقناعه بعدم القيام بذلك من جانب زملائه وآخرين ممن سعى للحصول على مشورتهم أثناء تعامله مع توجيهات ترمب، ورغبته في استخدام الجيش لإظهار القوة السياسية. 

وبعد أيام، أصدر الجنرال اعتذاراً بدلاً من ذلك، وقال لجمهور في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن إنه ارتكب "خطأ"، ولم يدرك ما كان يحدث إلا بعد فوات الأوان.

وقال ميلي: "ما كان يجب أن أكون هناك. وجودي في تلك اللحظة، وفي تلك البيئة، خلق تصوراً بأن الجيش يشارك في السياسة الداخلية". 

وأثار هذا غضب ترمب منه ومن إسبر، لدرجة أن علاقة أي من الرجلين بالرئيس لم تتعاف. وشعر الاثنان "بالارتباك" بسبب تلك الواقعة، وبعد ذلك أظهر كلاهما استقلالية أكبر عن البيت الأبيض. 

من ترمب إلى بايدن

بدأ ميلي حملة للتأكيد علناً على أن الجيش لن يضطلع بدور غير دستوري في الانتخابات الرئاسية التي تلوح في الأفق أو السياسة الداخلية على نطاق أوسع.

وفي حديثه لاحقاً إلى لجنة الاختيار في مجلس النواب التي حققت في هجوم 6 يناير 2021 من قبل أنصار ترمب على مبنى الكابيتول الأميركي، استشهد بالعديد من المقابلات الإعلامية التي أجراها بالإضافة إلى التعليقات التي أدلى بها في المتحف الوطني للجيش الأميركي في نوفمبر 2020. 

وعندما تولى بايدن منصبه، تساءل بعض الديمقراطيين عما إذا كان بإمكانهم الوثوق بميلي، وهو واحد من عدد قليل من كبار المسؤولين الأميركيين الذين كان من المقرر أن يبقوا في منصبهم بعد الفترة الانتقالية، خاصة أن إدارة بايدن، من خلال عملية الأمن القومي الخاصة بها، ستؤدي أعمالاً بشكل مختلف عن سابقاتها. 

وقال مراقبون إن ميلي اكتسب الثقة عبر تقديم المشورة لبايدن، بينما لم يكشف علناً عن محادثاتهما. ولكن تحت وابل مستمر من الهجمات من الرئيس السابق وغيره من المحافظين، واصل ميلي الاشتباك مع النقاد. 

وقعت إحدى الحوادث خلال جلسة استماع للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب في يونيو 2021، حين ضغط الجمهوريون على وزير الدفاع لويد أوستن وميلي، بشأن ما أسموه "اليقظة" داخل القوات المسلحة. 

وخص الجمهوريون بالذكر دورة اختيارية حول العرق يتم تدريسها للطلاب الملتحقين بالأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت بنيويورك، بعد مشاركة العشرات من قدامى المحاربين العسكريين في أعمال الشغب في مبنى الكابيتول، مما تطلب من جميع أفراد الخدمة قضاء بضع ساعات في التعلم عن التطرف المحلي. 

وقال ميلي للمشرعين إنه شخصياً وجد أنه من "المهين" أن يتم استدعاء الجيش "لدراسة بعض النظريات الموجودة هناك". وأضاف أنه يريد "فهم غضب العرق الأبيض" وما الذي أجبر آلاف الأشخاص على مهاجمة الكونجرس.   

الانسحاب من أفغانستان 

في أغسطس 2021، أدت الإخفاقات المحيطة بسقوط الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في أفغانستان، والتدافع المميت نحو مطار كابول، في توجيه اتهامات شديدة لمارك ميلي.

وبحسب "واشنطن بوست"، نصح ميلي بايدن في أحاديث خاصة بعدم سحب جميع القوات مع تقدم مقاتلي طالبان بثبات نحو العاصمة الأفغانية، بينما رجح الرئيس لاحقاً أن أحداً لم يشجعه على الحفاظ على وجود حوالي 2500 جندي أميركي هناك. وبعد شهر، أعلن ميلي أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ أن ذلك الانهيار "فشل استراتيجي". 

وبعد بضعة أشهر، عندما كان الكرملين يستعد لغزو أوكرانيا، توقع مسؤولو الاستخبارات الأميركية بشكل غير صحيح أن كييف ستسقط بسرعة. 

ومنذ ذلك الحين، أقام ميلي ما يقول المراقبون إنه شراكة فعالة مع نظيره الأوكراني، الجنرال فاليري زالوزني، والعمل ببراعة للتنسيق والحفاظ على شبكة واسعة من المساعدات الغربية، التي مكنت الجيش الأوكراني من إلحاق خسائر بالروس لما يقرب من عامين. 

ويقول المراقبون إن حقبة ميلي فريدة من نوعها أيضاً لمشاركته في العديد من الكتب التي تدقق في رئاسة ترمب، وهو أمر اعترف به أثناء استجوابه من قبل أعضاء لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ. ويقول النقاد إن الروايات صورته كمدافع عن الديمقراطية الأميركية بطرق لا تساعد الطبيعة غير الحزبية لوظيفته. 

وقالت كوري شاك، الخبيرة في العلاقات المدنية العسكرية في معهد أمريكان إنتربرايز لـ"واشنطن بوست": "ليس من المناسب أن ينحرف كبير المستشارين العسكريين للرئيس إلى ما هو منطقة سياسية، والجنرال ميلي يفعل ذلك كثيراً في فترة رئاسته. لا يمكنه مقاومة الإغراء".  

وكان مسؤول دفاعي كبير سابق آخر عمل مع ميلي أكثر صراحة، إذ قال إن ميلي "لديه الكثير من الفضائل، لكن نقطة ضعفه أنه في بعض الأحيان كان يتحدث كثيراً وبصوت عال في كثير من الأحيان، وعادة ما يكون هو البطل". 

ويقول المدافعون عن الجنرال إن أحداثاً جساماً شكلت إرث ميلي، إذ تداخلت فترة ولايته مع العديد من اللحظات القابلة للاشتعال في تاريخ الأمة. 

وقال بيتر فيفر، خبير العلاقات المدنية العسكرية في جامعة ديوك، الذي استشاره الجنرال على مر السنين، إنه في حين أن هناك مجموعة من الآراء بشأن ميلي وأداءه لمهامه، إلا أنه "يستحق تقييماً رفيعاً".

واعترف فيفر بأنه رغم ذلك "ارتكب بعض الأخطاء"، مشيراً إلى أن "المنتقدين بالغوا في الأمر مراراً أو أساءوا فهم أفعاله".  وأضاف: "كان لدى الجنرال ميلي واحدة من أصعب المهام بين أي رئيس أركان في التاريخ الحديثة".

تصنيفات

قصص قد تهمك