تتجه حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتبني تدابير "غير عادية" على نحو متزايد لجمع العوائد من أجل تمويل الارتفاع السريع في الإنفاق الدفاعي الذي تضاعف ثلاث مرات منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وسط استياء بين طبقة رجال الأعمال الأثرياء، وفق صحيفة "فاينانشيال تايمز".
وقالت حكومة روسيا إنها تهدف لإنفاق مبلغ ضخم يُقدر بـ10.8 تريليون روبل (108 مليارات دولار أميركي) على الدفاع في ميزانية العام المقبل، أي ثلاثة أضعاف المبلغ المخصص في عام 2021 الذي سبق غزو أوكرانيا، وأكثر من 70% مما كان مخططاً له هذا العام.
ومن أجل جمع هذا المبلغ، يعتمد مجلس الوزراء إلى حد كبير على عوائد غير منتظمة تتمثل في فرض ضرائب ورسوم تُدفع لمرة واحدة، بما في ذلك "التبرعات الطوعية" التي يتعيّن على الشركات الغربية دفعها عند مغادرة روسيا.
زيادة قياسية في الإنفاق العسكري
وقال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف إن: "ميزانية الدفاع ستسمح لنا بتقديم الدعم الكامل لمهام العملية العسكرية الخاصة"، مستخدماً وصف الكرملين للحرب في أوكرانيا.
وأضاف أن: "زيادة الإنفاق العسكري ضرورية لتحقيق هدفنا الرئيسي المتمثل في التأكد من تحقيق الفوز".
وستزيد روسيا الإنفاق الدفاعي ليصل إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي في ميزانيتها القياسية للعام المقبل والبالغة 36.6 تريليون روبل، متجاوزة الرعاية الاجتماعية للمرة الأولى، ولذا يتعين على الكرملين الاستفادة بدرجة كبيرة من مصادر العوائد أكثر من ذي قبل.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة شيكاغو في الولايات المتحدة كونستانتين سونين: "لدى بوتين أولويتان: الحرب والسلطة، ولهذا السبب، فإن إجراءات الميزانية تتم الآن بطريقة تجعل صناع السياسات يتأكدون أولاً من حصول المجلس العسكري على ما يحتاجه للحرب ثم معالجة بقية الميزانية، وللقيام بكل ذلك يبحثون باستمرار عن مصادر جديدة لجمع الأموال".
مصادر تمويل جديدة
وكجزء من خطط التمويل في 2024، ستقفز العوائد غير المنتظمة في الميزانية الجديدة لتصبح 2.52 تريليون روبل، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق، وعلى النقيض منذ ذلك فقد بلغت قيمتها العام الجاري 745 مليار روبل فقط.
ويتمثل الجزء الأكبر من عوائد العام المقبل في 800 مليار روبل من المساهمات الاجتماعية التي كان من المفترض أن تدفعها الشركات الروسية في عام 2022، ولكن تم تأجيلها حتى عام 2024.
ومن المتوقع أيضاً جمع 2 مليار روبل من رسوم التصدير الجديدة المرتبطة بأسعار الصرف، والتبرعات الطوعية للشركات الغربية عند مغادرة روسيا، والزيادات الضريبية وخفض الدعم لمنتجي الطاقة، وزيادة تعريفات المرافق.
وتأتي هذه الإجراءات بعد أن جمعت روسيا 300 مليار روبل هذا العام من ضريبة غير متوقعة على الأرباح الزائدة التي حققتها شركات السلع الأساسية، وخاصة قطاع المعادن، وفرض المزيد من الزيادات الضريبية في قطاع الطاقة، إضافة إلى 114 مليار روبل من الشركات الغربية، وسيزداد هذا "التبرع الطوعي" في ميزانية العام المقبل من 10% إلى 15% من قيمة بيع أعمالهم الروسية.
وسيتوفر مصدر آخر للعوائد من الضرائب على الكحول والتبغ، والتي ستتضاعف ثلاث مرات في عام 2024. كما سيتجاوز بعض الدخل الجديد الميزانية بالكامل، ما يعني أن عوائد الدولة غير المنتظمة قد تكون أعلى من ذلك.
ملاذ أخير
ومع ذلك، يشكك محللون في أن الكرملين سيتمكن من تأمين كل هذه العوائد الإضافية التي يقول إنه بحاجة إليها.
وقالت المسؤولة السابقة في أحد البنوك المركزية وكبيرة الاقتصاديين في مؤسسة "رينيسانس كابيتال" البريطانية صوفيا دونيتس إن: "هناك احتمال ألا تحصل روسيا على نحو مليار روبل من العوائد المتوقعة؛ لأن الميزانية تستند إلى توقعات اقتصادية متفائلة أكثر مما ينبغي". مضيفة أنه في هذه الحالة من المرجح أن تفرض الحكومة الروسية المزيد من الرسوم التي تُدفع لمرة واحدة كما فعلت في الماضي.
وأوضحت دونيتس أن خفض الإنفاق في مجالات أخرى غير الدفاع كان "الملاذ الأخير"، لافتة إلى أن موسكو يمكن أن تستفيد أيضاً من العوائد الزائدة من مبيعات الطاقة، والتي يتعين حالياً ادخارها بدلاً من إنفاقها.
ويتجاوز الإنفاق الحربي الروسي ما هو مخصص للدفاع في تفاصيل الميزانية. وقال الزميل غير المقيم في مركز تحليل السياسات الأوروبية بافيل لوزين إن نصف ميزانية الأمن القومي وإنفاذ القانون كانت مرتبطة أيضاً بالحرب، إذ تضمنت مدفوعات لقوات الأمن الروسية، إضافة إلى برنامج تحديث صناعة الدفاع.
وبالإضافة إلى تحديات التمويل التي تواجهها روسيا، هناك حاجة إلى مليارات من الروبل "لإعادة البناء" وضم الأراضي في جنوب شرق أوكرانيا التي احتلتها منذ بداية الحرب، وفق الصحيفة البريطانية.
استياء بين طبقة رجال الأعمال
وأثار البحث عن تمويلات جديدة أجراس الإنذار بين طبقة رجال الأعمال الأغنياء في روسيا، الذين يشعرون بالفعل بالضغط من العقوبات الغربية ومحاولات الحكومة لدعم الروبل.
وقال الملياردير الروسي المقرب من السلطة أوليج ديريباسكا إن: "أولوياتنا هي وجود اقتصاد سيادي وتحسين رفاهية مواطنينا، ولكن فقط داخل وسط موسكو، وعلى شاشات التلفزيون".
وأضاف ديريباسكا أن "فرض ضريبة التصدير الجديدة سيقضي على معظم أرباح الشركات الموجودة في سيبيريا. من الواضح أنهم يرغبون في دفع الجميع إلى الجنون تماماً بحلول العام الجديد".