بعد عام على ضم روسيا 4 مناطق أوكرانية.. ماذا تغير؟ وكيف يبدو المستقبل؟

إعادة إعمار رغم القتال وتوقعات بقفزة نوعية في حركة التجارة

time reading iconدقائق القراءة - 10
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة خلال حفل موسيقي في الساحة الحمراء بوسط موسكو بمناسبة إعلان روسيا ضم 4 مناطق من أوكرانيا. 30 سبتمبر 2022 - Reuters
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة خلال حفل موسيقي في الساحة الحمراء بوسط موسكو بمناسبة إعلان روسيا ضم 4 مناطق من أوكرانيا. 30 سبتمبر 2022 - Reuters
موسكو-ديالا الخليلي

يمثل تاريخ 30 سبتمبر أهمية في روسيا، منذ أنْ أعلنت موسكو في أواخر سبتمبر 2022، ضمَّ جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ومنطقتي خيرسون وزابوروجيا إلى الاتحاد الروسي.

وبات هذا التاريخ بمثابة العيد الوطني للاحتفاء بما تعتبره موسكو إعادة توحيد لهذه المناطق مع روسيا، لا سيما بعد توقيع الرئيس فلاديمير بوتين قانون ضم هذه المناطق، وقبولها رسمياً في الاتحاد الروسي.

جاء الضمُّ عقب استفتاء لتقرير المصير أجري في أواخر سبتمبر 2022 في المناطق الأربع، وأعلنت السلطات المحلية الموالية لروسيا نجاحه، وقالت إن النتائج أظهرت تأييداً واسعاً للانضمام إلى روسيا ومغادرة السيادة الأوكرانية.

وقوبل الاستفتاء حينها بتنديد من المجتمع الدولي الذي أكد عدم اعترافه به، فيما شدَّدت أوكرانيا على أنها ستستعيد هذه المناطق.

ماذا بعد الضم؟ 

عقب إعلان الضم، تمَّ تحديد فترة انتقالية تمتد حتى 1 يناير 2026 لإدماج المناطق الجديدة في الأنظمة الاقتصادية والمالية والائتمانية والقانونية للاتحاد الروسي، وكذلك في نظام السلطات العامة لروسيا.

وحصل السكان المحليون على الجنسية الروسية، وتمَّ الاعتراف بمواطني أوكرانيا والأشخاص عديمي الجنسية في تلك الأراضي كمواطنين روس.

واستفادت فئات معينة أيضاً من بعض المزايا الاجتماعية، بما في ذلك الحق في العلاج والحصول على الأدوية بأسعار مخفضة، والسفر في القطارات مجاناً، إضافة إلى المعاشات التقاعدية ومزايا الأمومة.

في الوقت نفسه، فإنَّ الشخص الذي لا يرغب في الحصول على الجنسية الروسية سيحصل على تصريح إقامة في روسيا.

وتمَّ الاعتراف بوثائق التعليم الصادرة مسبقاً من أوكرانيا، وحتى 1 يناير 2028 سيكون التسجيل الرسمي لحقوق العقارات ممكناً على أساس الوثائق الصادرة عن سلطات الجمهوريات وأوكرانيا.

إعادة الإعمار تحت القصف 

وعلى الرغم من تواصل الأعمال القتالية، إلا أنَّ السلطاتِ الروسية بدأت، منذ أشهر، عملية إعادة الإعمار في هذه المناطق، حيث تنخرط في بناء المنازل والمدارس والمستشفيات ودور الثقافة والمنشآت الرياضية.

كما تعمل أيضاً على إصلاح الطرق والسكك الحديدية وإنشاء طرق جديدة تربط هذه المناطق بروسيا. 

في هذا السياق، قارن الكاتب الصحفي الروسي أندريه أونتكوف الوضع الحالي في المناطق الأربع، بما حدث في شبه جزيرة القرم بعد ضمِّها عام 2014.

وقال أونتكوف لـ"الشرق": "المثال الأفضل هنا هو شبه جزيرة القرم، كيف كانت قبل انضمامها إلى روسيا وكيف أصبحت بعد الانضمام".

وأضاف: "كثير من الذين زاروا القرم قبل 2014 يشيرون إلى أنَّ هناك شعوراً بأنَّ أوكرانيا لم تكن تهتم إطلاقاً بشبه جزيرة القرم حيث بقيت البنية التحتية السوفيتية على حالها، بما في ذلك الشوارع المدمرة والمنازل"، على حد تعبيره.

وتابع أونتكوف: "بعد ضم القرم إلى روسيا، أطلقت موسكو مشروعات لتطوير البنية التحتية وطرق النقل إضافة إلى زيادة الأموال من السياحة، وبدأت الأموال تصل إلى القرم".

ووفقاً لأونتكوف، "لا يتعلق الأمر هنا بالرغبة الروسية فقط في تطوير هذه المناطق، وإنما أيضاً بمسألة السمعة التي تلعب دوراً مهماً، ما يجعل تحسين الوضع في هذه المناطق بمثابة خلق صورة رائعة تعرض ليس فقط للعالم وإنما للداخل أيضاً".

المنفعة الاقتصادية 

مع فرض روسيا سيطرتها على أجزاء واسعة من دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيا، خسر الجانب الأوكراني ليس فقط مساحة من الأراضي بل والموارد والقدرات التي تملكها هذه المناطق، بداية من مناجم الطاقة، مروراً بالأراضي الزراعية، وانتهاءً بمحطة زابوروجيا للطاقة النووية الأكبر في أوروبا.

وقال أونتكوف لـ"الشرق": "روسيا حصلت على الكثير، بداية من الممر البري إلى القرم. أعتقد أن من المهم الآن أنَّ هناك ممراً برياً يجعلنا غير مرتبطين فقط بجسر القرم. وبالطبع يوماً ما ستنتهي الأعمال القتالية، وستكون هناك إمكانية للتطور اللوجستي لنقل البضائع من وإلى القرم".

وأشار إلى أنَّ هذه المناطق ستنعكس إيجاباً على الصناعة والزراعة في روسيا نظراً لتميزها بأراضٍ خصبة وقاعدة صناعية قوية.

وأضاف: "من الضروري فهم أنَّ الأعمال القتالية ستنتهي يوماً ما، وهذا غير مهم، ربما بعد عام، 3 أعوام أو 10 أعوام، لكن هذه الأراضي ستبقى موجودة وجميع القطاعات فيها ستعزز القدرات الاقتصادية لروسيا"، على حد تعبيره.

حركة التجارة

وقال المحلل السياسي والعسكري ألكسندر رودجيرس لـ"الشرق": "عندما كانت هذه المناطق ضمن أوكرانيا، كانت بمثابة المناطق المانحة لأوكرانيا لأنها كانت مصدر الحصيلة الأكبر من الضرائب، وفي الوقت نفسه لم تحصل على أرباح أبداً".

وأضاف: "من الممكن هنا القول إن حكومة كييف كانت تنهبها، بالأخص جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك".

 وتابع: "بعد ضم هذه المناطق إلى روسيا بدأت التطور شيئاً فشيئاً، كما تم توجيه المساعدات الإنسانية والتمويل إليها، وجلب معدات خاصة للمحطات الكهربائية وتطوير المستشفيات، كما تجري عملية إعادة إعمار المنطقة".

وأشار إلى أنَّ "ضم هذه المناطق يجعل من بحر آزوف بحراً داخلياً كاملاً لروسيا، ويقدم فرصاً لتطوير المنطقة بشكل أفضل"، لافتاً إلى أنَّ "هناك العديد من المشروعات في ما يخص الموارد البحرية، إلى جانب الموانئ الجديدة وصناعة المعادن والفحم". 

وبحسب السلطات الروسية، ستشهد التجارة "قفزة نوعية، ولن تكون هناك رسوم بين الأقاليم، ما يسهل تسليم البضائع والأعمال الورقية، ويحفز المنافسة الصحية بين الشركات المصنعة".

التحديات الأمنية

لكن إزاء هذا التفاؤل الروسي، لا يزال مستقبل هذه المناطق غير محسوم، فمع توسع المساعدات العسكرية الغربية أكثر فأكثر، هناك مخاوف من عودة بعض المناطق إلى السيطرة الأوكرانية.

وعلى الرغم من تأكيد روسيا عدم تخليها عن شبر واحد من أراضي شرقي أوكرانيا إلا أنَّ التحديات الأمنية قائمة. 

وفي هذا الصدد، قال الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو رامي القليوبي إن "التحدي الرئيس الأول للمناطق الجديدة بالدرجة الأولى هو التحدي الأمني، وبالأخص في جمهورية دونيتسك التي تشهد عمليات قصف يومي وهذا لا يخلق لدى المواطنين شعور الأمان".

وأضاف لـ"الشرق": "هناك خوف مستقبلي من التصعيد، بعض السكان قد يكونوا موالين لروسيا وهم لا يعلنون مواقفهم خوفاً من عودة القوات الأوكرانية إلى هذه المنطقة يوماً ما، كما حدث في بعض المناطق مثل خيرسون". 

وأشار القليوبي إلى أنَّ هذه المناطق أيضاً تمول من الميزانية الفيدرالية، وهو ما يعني أنها تشكل عبئاً.

وتابع: "فاتورة المناطق الجديدة بشكل كامل تقع على عاتق الدولة الروسية ما جعل هذه المناطق تضاف إلى قائمة الأقاليم المتلقية للدعم الكبير من الميزانية الفيدرالية".

وأوضح القليوبي أنَّه "وفقاً للقانون، تنقسم الأقاليم الروسية إلى قسمين: الأول تفوق مساهمته الضريبية ما يحصل عليه من الميزانية، وهي موسكو والأقاليم المنتجة للنفط والمدن الكبرى، في المقابل هناك جمهوريات روسية والآن مناطق جنوب شرق أوكرانيا هي متلقية للدعم فقط، ما يجعلها بمثابة عبء على الميزانية الفيدرالية".

تحديات الاعتراف

منذ اليوم الأول من استفتاء تقرير مصير المناطق الأربع، أكدت كييف أنَّها لن تتخلَّى عن هذه المناطق وسط إصرار من المجتمع الدولي على عدم الاعتراف بشرعية ضم روسيا لها، كما أنَّ دولاً تعتبرها روسيا دولاً صديقة واتخذت موقفاً محايداً في هذه الأزمة، إلا أنها لم تعترف بسيادة روسيا على هذه المناطق.

واعتبر رامي القليوبي أنَّ "نيل الاعتراف الدولي بالسيادة الروسية لهذه المناطق من أحد التحديات".

وأضاف: "صحيح أنَّ هناك بعض الدول الحليفة لروسيا مثل كوريا الشمالية وسوريا اعترفت بسيادة روسيا على المناطق، لكن المجتمع الدولي، وحتى حلفاء روسيا لم يعترفوا بذلك، لأنَّ ذلك من وجهة نظر العديد من الدول يشكل سابقة خطيرة أنْ تجري دولة استفتاءات في دولة أخرى، ثم تضمها إلى سيادتها".

وتابع القليوبي: "بالتالي ليس من الممكن تصور أن تحصل روسيا على اعتراف دولي بهذه المناطق قريباً على الأقل، وكما يعلمنا التاريخ مثل هذه النزاعات المستمرة في حال تم تجميدها قد تستمر لعقود مثل الوضع بين الكوريتين وجزيرة قبرص".

من جهة أخرى، يبدي البعض في روسيا نوعاً من التفاؤل، ويعتبر أنَّ الاعتراف بشرعية ضم روسيا لهذه المناطق مسألة وقت فقط.

وفي هذا الصدد، أعرب المحلل السياسي والعسكري ألكسندر رودجيرس لـ"الشرق" أنه "بعد انتهاء الصراع الدائر لأكثر من عام ونصف سيتم الاعتراف بروسية هذه المناطق"، على حد تعبيره.

وأضاف: "أعتقد أنه بعد انتهاء الصراع الأوكراني، ستعترف الصين والهند ودول الشرق الأوسط وإفريقيا وأميركا اللاتينية بالحقائق الجديدة، كون روسيا تملك عدداً كبيراً من الأصدقاء".

الأوضاع الميدانية 

ميدانياً، يعد إعلان وزارة الدفاع الروسية انسحاب قواتها من الضفة الغربية لنهر الدنبير إلى الضفة اليسرى منه في منطقة خيرسون واحداً من أبرز التطورات الميدانية خلال هذا العام.

وبعد أكثر من 7 أشهر من المعارك وصفت بالشرسة لفرض السيطرة على مدينة باخموت (أو أرتوموفسك بالروسية) تمكن الجانب الروسي، ممثلاً في مجموعة "فاجنر" العسكرية الخاصة، من إحكام السيطرة على المدينة.

وشهدت الفترة الماضية أيضاً تدمير سد كاخوفكا، وزيادة وتيرة الهجوم بالمسيرات سواء في المناطق المتاخمة للحدود مع أوكرانيا مثل بريانسك وكورسك وبيلجورود، أو في المناطق البعيدة بما في ذلك موسكو، بل الكرملين نفسه وضواحيه. 

وبالتوازي مع مواصلة روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا كما تسميها، وتوسيع الدول الغربية نطاق مساعداتها إلى أوكرانيا وتجاوز الاستهدافات حدود المناطق الأربع، يقر الكرملين بعيد وطني لإعادة التوحيد وتشديد على عدم التخلي عن هذه المناطق، لتبقى التساؤلات مفتوحة عن مستقبل الأحداث وتداعيات مثل هذا القرار.

تصنيفات

قصص قد تهمك