كان سمير سعدو (17 عاماً) ينهي نوبة عمله كعامل نظافة في مركز القرية الطبي عندما تعرض المبنى لضربة جوية، وقال سعدو المنتمي إلى الأقلية الإيزيدية في العراق "لم أر أي شيء سوى الغبار والدخان. علقت ساقي أسفل الركام، صرخت طلباً للمساعدة، وكان الناس يأتون، لكن الطائرات واصلت القصف".
وتصاعدت الضربات الجوية منذ أن أطلقت تركيا عملية "المخلب-القفل" في أبريل العام الماضي. وتقول وزارة الدفاع التركية إن الهدف هو حماية الحدود التركية "وتحييد الإرهاب والإرهابيين في المنبع".
وفي وقت سابق هذا الشهر، نفذت تركيا ضربات جوية على أهداف تابعة للمقاتلين في شمال العراق وفي سوريا، بعدما أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن هجوم بقنبلة قرب مبان حكومية في أنقرة، مما أسفر عن إصابة اثنين من رجال الشرطة.
وشمال العراق قاعدة لحزب العمال الكردستاني الذي شن منه على مدى عقود الكثير من الهجمات المميتة على تركيا، وتصنفه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.
وتستهدف العمليات التركية في سوريا وحدات حماية الشعب الكردية، التي تقول أنقرة إنها تابعة لحزب العمال الكردستاني. ووحدات حماية الشعب جزء من قوات سوريا الديمقراطية، وهي حليف للولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم "داعش".
"افتراء وأكاذيب"
وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان لوكالة "رويترز" إن جميع عملياتها تقع "في إطار القانون الدولي واحترام وحدة أراضي وسيادة جميع جيراننا".
وأضاف البيان "في تخطيط وتنفيذ العمليات، يتم استهداف الإرهابيين ومواقعهم ومستودعاتهم وملاجئهم فقط، ونبدي أقصى قدر من العناية والحساسية لمنع إلحاق الأذى بالمدنيين ومنع إلحاق الضرر بالبنية التحتية والمواقع الثقافية".
وتابع "أي مزاعم بخلاف ذلك بلا أساس وافتراء وأكاذيب".
تكثيف الضربات الجوية
وأظهر هذا التحليل أن تركيا نفذت في 2022 ما لا يقل عن 2044 ضربة جوية في المناطق ذات الأغلبية الكردية في العراق وسوريا، بزيادة 53% عن العام السابق، وأعلى عدد مسجل منذ أن بدأ المشروع في توثيق الضربات الجوية في البلدين في 2017.
ووفقاً للتحليل، فإن المركز الطبي في سكينيا هو واحد من ثماني منشآت طبية على الأقل تعرضت للقصف في ضربات جوية تركية، أو قصف بري في الفترة بين 2018 والنصف الأول من 2023.
وأصدرت الحكومة التركية بياناً بعد أربعة أيام من الضربة الجوية في سكينيا؛ ذكرت فيه أن الرئيس رجب طيب أردوغان طمأن رئيس الوزراء العراقي حينئذ مصطفى الكاظمي في اتصال هاتفي أن العملية الأخيرة استهدفت أعضاء حزب العمال الكردستاني والجماعات المتحالفة معه فحسب.
وأضاف البيان أن الموقع الذي تعرض للقصف "لم يكن مستشفى أو مركزاً للرعاية الصحية"، وإنما أحد معاقل المنظمة. ولم يذكر البيان سكينيا.
وقال 4 خبراء قانونيون إنهم يعتقدون أن الهجوم على المركز الطبي "انتهك القانون الإنساني الدولي"، ومن المرجح أن يشكل جريمة حرب، لأنه من غير القانوني استهداف المنشآت الطبية والمصابين من المقاتلين والمدنيين.
قلق "حلفاء تركيا"
قال متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية لرويترز إن "العمليات العسكرية غير المنسقة تعرض للخطر المهمة ضد (داعش) القوات الأميركية وقوات التحالف".
وأضاف المتحدث أنه مع إدراكنا للتهديد الأمني الذي يشكله حزب العمال الكردستاني على تركيا داخل حدودها، "فإننا نحث الحكومة التركية على احترام السيادة العراقية وتنسيق عملياتها العسكرية مع السلطات المعنية".
وأسقطت الولايات المتحدة، الخميس الماضي، طائرة مسيرة تركية كانت تعمل قرب قواتها في سوريا، وهذه هي المرة الأولى التي تتخذ واشنطن مثل هذه الخطوة.
وبعد يومين من الضربة الجوية في سكينيا، قالت بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة في العراق في بيان إنها تتابع التطورات "بقلق بالغ".
وأضاف البيان "يتعين اتخاذ كافة التدابير الوقائية الضرورية في أثناء العمليات العسكرية بما في ذلك الضربات الجوية لحماية وتقليل الضرر الواقع على المدنيين الذين يعانون غالباً من تداعيات هذه الهجمات"، ولم يشر البيان إلى تركيا.
ويقول بعض المحللين إنه أياً كان نتاج الاتهامات المرتبطة بحقوق الإنسان، فإن الهجمات التركية تنذر بنتائج عكسية من الناحية الاستراتيجية على أنقرة، من خلال إضعاف التحالف الدولي ضد الجماعات المتطرفة في المنطقة.
وقال جوناثان لورد، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد، وهو مركز أبحاث يتخذ من واشنطن مقراً، إن الضربات التركية "تؤدي إلى تآكل قوات الأمن التي تتصدى لداعش. وأضاف "في العراق يمكن أن تشجع الضربات إيران والميليشيات الموالية لها على توسيع عملياتها".
حرب طويلة
وتخوض تركيا حرباً مع حزب العمال الكردستاني، الذي يطالب بحقوق أكبر للأكراد منذ الثمانينيات. وأودى هذا الصراع بحياة أكثر من 40 ألف شخص.
وفي البداية، كانت الحرب في جنوب شرق تركيا بشكل رئيسي، حيث يتمركز معظم الأكراد في البلاد. وعمل حزب العمال الكردستاني من الحدود الجبلية مع العراق، وأسس وجوداً له في شمال العراق ذي الأغلبية الكردية.
وفي 2013، أعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار، وطالب أعضائه بالانسحاب إلى شمال العراق، حيث المقر الرئيسي للحزب الآن.
وعندما انهار وقف إطلاق النار في 2015، دخل النزاع أحد أكثر مراحله دموية. ونفذ المقاتلون الأكراد تفجيرات في مدن تركية.
وفي هجوم نفذته جماعة تابعة لحزب العمال الكردستاني في ديسمبر 2016، أسفر تفجير سيارة ملغومة وتفجير انتحاري عن مصرع 44 أمام ملعب لكرة القدم في إسطنبول.
وقالت وزارة الدفاع التركية في بيانها لرويترز إنه منذ بداية 2017 نفذ حزب العمال الكردستاني والجماعات المتحالفة معه أكثر من 2200 عمل عدواني، تشمل هجوماً على مدارس في إقليم غازي عنتاب في نوفمبر العام الماضي، أودى بحياة طفل في الخامسة وأحد المعلمين.
وذكرت الوزارة أن هذه الهجمات "تم التخطيط لها في شمال العراق" وأن "المواد والأسلحة والذخيرة مخزنة أيضا في هذه المناطق".
ورد الجيش التركي، ثاني أكبر قوة مقاتلة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بالتوغل على نحو أعمق في شمال العراق. ولقيت العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني دعماً قوياً من معظم الأتراك. وتملك تركيا الآن نحو 80 نقطة عسكرية في العراق، شُيدت ما لا يقل عن 50 منها في العامين الماضيين.
العمليات متواصلة
وقالت وزارة الدفاع في الشهر الماضي إن القوات التركية "حيدت" قرابة 39 ألفاً من المقاتلين منذ 2015، مستخدمة المصطلح الذي يعني عادة القتل. وذكرت الوزارة في بيانها لرويترز أنه خلال الفترة نفسها سقط 1602 من قوات الأمن التركية؛ في هجمات أو اشتباكات مع حزب العمال الكردستاني وحلفائه.
وأضاف البيان أن في إطار عملية المخلب-القفل "تم تطهير الكهوف والمخابئ التي استخدمها الحزب لأعوام واحداً تلو الآخر".
وقال إنه جرى مصادرة أكثر من 2900 سلاح، و1.3 مليون قطعة من الذخيرة، ورصد وتدمير 4500 عبوة ناسفة.
وقبل نحو 24 ساعة من الهجوم على المركز الطبي في سكينيا في 2021، قصفت طائرة مسيرة تركية سيارة في بلدة سنجار المجاورة.
وقالت 6 مصادر محلية إن الضربة أسفرت عن وفاة راكبي السيارة الاثنين سعيد حسن وعيسى جديدة، وهما قياديان في وحدات مقاومة سنجار.
ونشرت صحيفة "صباح" التركية المؤيدة للحكومة تقريراً عن الضربة. وقالت إن الجيش التركي استخدم مسيرة من طراز "بيرقدار تي.بي 2" في تنفيذها.
وقالت ثلاثة مصادر محلية لرويترز إن أحد المقاتلين أصيب ونُقل إلى المركز الطبي في سكينيا، في الساعات الأولى من 17 أغسطس. وأضافت المصادر أن الضربات الجوية استهدفت المركز بعد فترة وجيزة من نقله إليه.
وكان المشهد في المركز الطبي فوضوياً بعد الهجوم. وأظهر مقطع صوره صحافي محلي، وحصلت عليه رويترز، صناديق أدوية وصور أشعة سينية متناثرة على الأرض، وكان الناس ينوحون وصفارات سيارات الإسعاف تدوي. وهرول المنقذون ذهاباً وإياباً، وحمل 4 منهم جثة ملفوفة في بطانية، ونقلوها بحرص إلى سيارة إسعاف.
ووقف الناس يشاهدون ما يجري بجوار أحد الجدران القليلة الباقية من المركز الطبي حمل شعار الهلال الأحمر، الأمر الذي يؤكد أن المبنى منشأة طبية.