رجح الجنرال ديفيد بتريوس، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) السابق، أن تمضي إسرائيل قدماً في تنفيذ هجوم بري على قطاع غزة، بهدف تدمير حركة حماس.
وقال في حديث مع "الشرق للأخبار" إنه "نظراً للأهداف التي أعلنها الإسرائيليون، (المتعلقة بالقضاء على البنية التحتية لحركة حماس)، لا أعرف كيف يمكن تحقيقها دون تنفيذ عملية برية"، وأضاف: "من الواضح أن العملية البرية سوف تستلزم قتالاً عنيفاً، وخسائر فادحة ومأساوية لا مفر منها في أرواح المدنيين الأبرياء، فضلاً عن الإضرار بالبنية التحتية".
"لا خطة بعد العملية العسكرية"
وقدر الجنرال المتقاعد، الذي قاد القتال في العراق بعد سقوط حكم نظام البعث واحتلاله، في تصريحاته لـ"الشرق" أن "إسرائيل لا تريد إعادة احتلال غزة"، وعليه أثار بتريوس السؤال "حول الكيان الذي يمكنه تولي إدارة المساعدات الإنسانية، واستعادة الخدمات الأساسية، وإعادة بناء البنية التحتية المتضررة والمدمرة وما إلى ذلك (بعد انتهاء الهجوم البري المحتمل)، فضلاً عن ضمان عدم قدرة حماس والجهاد الإسلامي على إعادة بناء نفسيهما"، على حد قوله.
وهنا استذكر رئيس المخابرات المركزية الأميركية السابق، تجربة الولايات المتحدة في العراق، وحذر من فراغ بعد عملية برية في غزة، وأن هذا الفراغ يمكن أن يؤدي إلى ما "كان تنظيم الدولة الإسلامية – داعش، قادراً على القيام به في العراق (إعادة تنظيم صفوفه) بعد مغادرة قواتنا القتالية الأخيرة في أواخر العام 2011"، بحسب تعبيره.
وأوضح بتريوس أن "مسألة الكيان الذي قد يدير قطاع غزة في أعقاب العمليات التي ربما ستقضي على عناصر حماس وجناحها السياسي، يبدو لي أنها تشكل السؤال الأصعب الذي يلوح في الأفق حالياً". وقال: "لقد تعلمنا الدرس بصعوبة في العراق بشأن الحاجة إلى تخطيط مفصل لمرحلة ما بعد الصراع، وإسرائيل تدرك بوضوح أن هناك حاجة إلى التخطيط لمرحلة ما بعد الصراع والعملية البرية، ولكن يبدو أنه لا يوجد حل واضح في الوقت الراهن".
وتوقع الجنرال ديفيد بتريوس، أنه من المحتمل أن تكون هناك مبادرات دبلوماسية غير مباشرة للإفراج عن المزيد من الأسرى، لا سيما بعد إطلاق سراح رهينتين إضافيتين، الاثنين، من قبل حماس، وأشار إلى أنه من غير المرجح - نظراً للعدد الهائل من القتلى الإسرائيليين المدنيين الذين أوقعتهم حماس، والطريقة التي قُتل بها العديد منهم- أن تتمكن إسرائيل من التفاوض معهم، لأنه وبحسب وصفه، فهدف حماس في نهاية المطاف هو "تدمير إسرائيل وقتل اليهود".
حدود تدخل حزب الله
الجنرال ديفيد بتريوس اعتبر أن الصواريخ التي يمتلكها "حزب الله" تمثل تهديداً "خطيراً" على إسرائيل في ظل المخاوف من فتح جبهة جنوب لبنان، وذلك في الوقت الذي يتحضر فيه الجيش الإسرائيلي لشن عملية عسكرية برية في قطاع غزة.
وأضاف لـ"الشرق": "150 ألف صاروخ، يمتلكها حزب الله، تمثل تهديداً خطيراً للغاية، وإذا استُخدمت بكثافة، سيكون على تل أبيب أن ترد بقوة وأن تحدث أضراراً هائلة في مرافق حزب الله وبنيته التحتية كما حصل عام 2006".
150 ألف صاروخ، يمتلكها حزب الله، وتمثل تهديداً خطيراً للغاية
وعليه، أشار المسؤول الأميركي السابق إلى أن حزب الله قد يبدو "أنه غير مستعد للمرور بالموقف نفسه (موقف 2006) مرة أخرى، ولكن الضغوطات عليه قد تزداد على أية حال، كما أن إسرائيل تعمل بجد لردع أي تصعيد محتمل من قبل حزب الله".
وعند سؤاله عن توقعاته لإمكانية مشاركة الولايات المتحدة، إذا ما نشبت الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل، أجاب بتريوس: "هذا صعب للغاية، حيث يعتمد ذلك على ظروف مُحددة بما في ذلك نطاق القتال واتساعه، ومدى حاجة إسرائيل أو رغبتها في تلقي المساعدة".
هل تشارك إيران في الحرب؟
وتشهد المنطقة تصعيداً غير مسبوق ومخاوف من اتساع رقعة الحرب، تترافق مع مخاوف من انضمام طهران بشكل مباشر في هذه الحرب، أو نشوب نزاع عسكري بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي، حيث قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، خلال مؤتمر صحفي، الاثنين، إن الولايات المتحدة طالبت إيران بضبط النفس، ووجهت دعوة إلى الأطراف الأخرى في المنطقة إلى الهدوء، ولكن في حال ارتكبت إسرائيل خطأ شن هجوم بري على غزة فإنها ستتورط في مستنقع لا يمكنها التخلص منه.
طهران ستكون أكثر ارتياحاً تجاه أن تفعل ما اعتادت فعله – وهو الحرب بالوكالة
ولكن رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية السابق، استبعد هذا السيناريو، وقال لـ"الشرق": "لا أعتقد أن إيران تريد أن تدخل في نزاعٍ مباشر مع إسرائيل، نظراً لقدرات إسرائيل العسكرية الكبيرة وقدرتها على الاستجابة، وبدلاً من ذلك، أعتقد أن طهران ستكون أكثر ارتياحاً تجاه أن تفعل ما اعتادت فعله – وهو الحرب بالوكالة، إضافة إلى التمويل والتسليح والإمداد بالمعدات لوكلائها في المنطقة مثل: حماس، وحزب الله، والمليشيات الشيعية في العراق وسوريا، والحوثيين في اليمن، وتمكينهم من التسبب في تحديات كبيرة" لتل أبيب.
سر اختراق الأمن الإسرائيلي في 7 أكتوبر
وأرجع الجنرال المتقاعد، نجاح حماس في اختراق الأمن الإسرائيلي خلال هجوم 7 أكتوبر، إلى تطوير الحركة لأمنها العملياتي بشكل كبير، وتسخير التضليل المعلوماتي، ومنع وكالات الاستخبارات الإسرائيلية من اكتشاف خطط الهجوم الذي وقع، على الرغم من فعالية إسرائيل عادةً.
وأضاف أن "حماس استغلت انشغال إسرائيل أيضا بالضفة الغربية، نظراً للتوتر هناك، وبالساحة الداخلية الإسرائيلية، نظراً للاضطرابات السياسية، ومن ناحية عملياتية، تمكنت حماس من تعطيل أنظمة المراقبة الإسرائيلية بدقة من خلال مهاجمة أبراج الاتصالات التي تغذي مراكز المراقبة بالفيديو (أي من الجدار الحدودي الفاصل إلى مراكز القيادة)، واستخدمت تكتيكات مبتكرة لدخول إسرائيل - عند تنفيذ الهجوم".
كما لفت إلى أن "السابع من أكتوبر صادف يوم سبت، وهو يوم لممارسة الشعائر الدينية مما خفض من الجاهزية العسكرية. ونتيجة لذلك، تضافرت عدة عوامل أدت إلى فشل استخباراتي (إسرائيلي) خطير، إلى جانب فشل خطير في الجاهزية العسكرية".
عدد القتلى الإسرائيليين يعادل وفاة نحو 50 ألف شخص في الولايات المتحدة
وعاد الجنرال بتريوس إلى تعزيز تقديراته بأن تتصاعد العمليات البرية في غزة "حتى تدمير حماس" بشرح المنظور الإسرائيلي لها، وقال: "لنضع في اعتبارنا أن مقتل أكثر من 1400 من الإسرائيليين الأبرياء، والمدنيين من جنسيات أخرى، في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 9.4 مليون نسمة، يعادل وفاة نحو 50 ألف شخص في الولايات المتحدة، إذا علمنا أن عدد سكاننا يعادل حوالي 35 ضعف عدد سكان إسرائيل. ويعادل عدد الأسرى الذين احتجزتهم حماس (أكثر من 200) أكثر من 7 آلاف شخص من سكان دولة بحجم سكان أميركا".
وواصل: "من الواضح أن هذه الإحصاءات صادمة بالنسبة لبلد صغير، ونتيجة لذلك، يبدو أن القيادة الإسرائيلية قد توصلت إلى ضرورة تدمير حماس وحركة الجهاد الإسلامي وتفكيك الجناح السياسي لحماس، وفي الواقع، هذا هو ما صرحوا به علناً عن أهدافهم".
من هو ديفيد بتريوس؟
خدم الجنرال ديفيد بتريوس 37 عاماً داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية الأميركية، وتولى خلال فترة خدمته عدة مناصب أبرزها:
- مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، بين سبتمبر 2011 إلى نوفمبر 2012 إبان إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. وانتخب بتريوس للمنصب بإجماع كامل من مجلس الشيوخ.
- قائد قوة المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان (إيساف) بين 2010 إلى 2011.
- قائد القيادة المركزية الأميركية أكتوبر 2008 إلى 2010.
- قائد القوة متعددة الجنسيات في العراق بين 2007 - 2008.