صوّت مجلس النواب الأميركي لتوجيه اللوم إلى الديمقراطية رشيدة طليب النائبة الوحيدة من أصل فلسطيني في الكونجرس، على خلفية "خطابها بشأن حرب إسرائيل على قطاع غزة"، والدعوة لـ"تدمير إسرائيل".
وفي أعقاب مناقشات "انفعالية وحادة"، أقر المجلس القرار بأغلبية 234 صوتاً مقابل 188، ليل الثلاثاء (بالتوقيت المحلي)، بعد ما انضم عدد كافٍ من النواب الديمقراطيين إلى الجمهوريين لتوجيه اللوم إلى طليب، وهي العقوبة التي تسبق مباشرة عقوبة العزل من مجلس النواب، وفق وكالة "أسوشيتد برس".
وصوت 22 ديمقراطياً مع النواب الجمهوريين لتوجيه اللوم إلى طليب، وصوت 4 جمهوريين ضده، وصوت ديمقراطي واحد و3 جمهوريين بـ"حاضر" في تصويت يعني رفض اتخاذ موقف.
وقدم النائب الجمهوري عن ولاية جورجيا ريتش ماكورميك، مشروع قرار توجيه اللوم ضد طليب رداً على ما وصفه بأنه "تشجيع للخطاب المعادي للسامية"، مضيفاً أن النائبة الديمقراطية "روجت لأكاذيب لا تصدق بشأن حليفتنا الكبرى، إسرائيل، والهجوم الذي وقع عليها في 7 أكتوبر".
"أقول الحقيقة في وجه السلطة"
ودافعت طليب، رفقة أعضاء ديمقراطيين آخرين وقفوا إلى جانبها، عن موقفها، قائلة: "أنا الفلسطينية الأميركية الوحيدة في الكونجرس. هناك حاجة إلى وجهة نظري أكثر من أي وقت مضى. لن يتم إسكاتي، ولن أدع أحداً يشوه كلماتي". وأضافت: "أنا من ديترويت، حيث تعلمت أن أقول الحقيقة في وجه السلطة، حتى ولو اهتز صوتي".
وأضافت طليب أن انتقادها لإسرائيل كان موجهاً دائماً نحو "حكومتها وقيادتها بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو".
وشددت على ضرورة "الفصل بين الشعب والحكومة". واعتبرت أن "الرأي القائل بأن انتقاد حكومة إسرائيل معاداة للسامية يشكل سابقة بالغة الخطورة، وأنه يستغل لتكميم العديد من الأفواه وإسكات أصوات متنوعة تتحدث عن حقوق الإنسان في بلدنا".
واستنكرت طليب مراراً هجوم "حماس" على إسرائيل، لكنها انتقدت أيضاً الدعم الأميركي لإسرائيل في الوقت الذي يواصل فيه جيشها حملة قصف قتلت أكثر من 10 آلاف فلسطيني بينهم أكثر من 4 آلاف طفل في غزة.
هدف للانتقادات
"أسوشيتد برس" ذكرت أن عضوة الكونجرس لطالما كانت هدفاً لانتقادات، بسبب آرائها بشأن الصراع المستمر في الشرق الأوسط منذ عقود.
مع ذلك، بلغت الانتقادات حداً جديداً بعد هجوم حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر، إذ تعرضت طليب، التي تعيش عائلتها في الضفة الغربية، لانتقادات شديدة بعد أن "أمسكت عن إدانة حماس على الفور بعد الهجوم"، وفق الوكالة.
وفي البداية، وقف الديمقراطيون إلى جانب طليب، وساعدوا في عرقلة قرار أولي بتوجيه اللوم إليها الأسبوع الماضي.
ومنذ ذلك الحين، بات الكثير من زملائها في المجلس، وبينهم أعضاء يهود بارزون، أكثر تضارباً بشأن خطابها عن الحرب، خاصة بسبب الشعار الذي استخدمته مراراً (من النهر إلى البحر)، والذي "ينُظر إليه على أنه دعوة إلى القضاء على إسرائيل "، بحسب "أسوشيتد برس".
وكان النائب عن ولاية إلينوي براد شنايدر، هو الديمقراطي الوحيد الذي صوّت مع الجمهوريين، الثلاثاء، على الدفع بقرار اللوم إلى المجلس للتصويت عليه، قائلاً إنه يعتقد أنه "من الضروري مناقشة شعار (من النهر إلى البحر)".
وأضاف النائب الديمقراطي أن الشعار "ليس سوى الدعوة إلى تدمير إسرائيل وقتل اليهود"، مؤكداً: "سأدافع دائماً عن الحق في حرية التعبير. من حق طليب أن تقول ما تريد"، قبل أن يستدرك قائلاً: "ولكن هذا الخطاب لا يمكن أن يمر من دون رد".
واستشهد الإجراء على وجه التحديد بمقطع مصور نشرته طليب على منصات التواصل الاجتماعي يحتوي على عبارة "من النهر إلى البحر" المؤيدة للفلسطينيين، والتي يعتبرها الكثير من اليهود "معادية للسامية، وتدعو إلى القضاء على إسرائيل".
اتهام بايدن بدعم "الإبادة الجماعية"
كما أثارت طليب غضب العديد من زملائها الديمقراطيين، الجمعة، عندما نشرت مقطعاً مصوراً اتهمت فيه الرئيس جو بايدن بدعم "الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني".
وبينما لا يسفر توجيه اللوم إلى أحد المشرعين عن أي تأثير عملي، إلا أنه يرقى إلى حد التوبيخ الشديد من سائر زملائه، إذ يُطلب من المشرعين الذين سيوجه اللوم إليهم الوقوف في أدنى نقطة وسط القاعة أثناء تلاوة قرار توجيه اللوم.
وبهذا التصويت تصبح طليب ثاني امرأة أميركية مسلمة في الكونجرس يوجه اللوم إليها بصفة رسمية هذا العام، لانتقادها إسرائيل، حيث عزلت النائبة الجمهورية عن ولاية مينيسوتا إلهان عمر، من لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب في فبراير الماضي على خلفية تصريحات مشابهة أدلت بها عن إسرائيل.
"تصويت درامي"
ووفقاً لـ"أسوشيتد برس"، أدى الدفع بتوجيه قرار اللوم إلى "عملية تصويت درامية" داخل مجلس النواب وسط "توترات سياسية" على خلفية الحرب، التي لا تزال تدور رحاها بين إسرائيل وحركة "حماس".
وبينما وقفت الأغلبية من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، على مدار التاريخ إلى جانب إسرائيل، ظهرت انقسامات هذه المرة في الحزب الديمقراطي بشأن رد الفعل الأميركي.
وانتقد البعض من تيار اليسار داخل الحزب الديمقراطي موقف الرئيس جو بايدن، وحضوه على وضع شروط للدعم الأميركي لإسرائيل، لأن حملتها العسكرية تسببت في ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين.
وبينما يأتي قرار توجيه اللوم إلى طليب في سياق استثنائي على خلفية الحرب، إلا أن الدفع بتوجيه اللوم ضدها يمثل "حلقة من نمط متنام في مجلس النواب الأميركي"، حسبما رصدت "أسوشيتد برس".
وبينما ينظر إلى إجراء توجيه اللوم عادة على أنه "ملجأ أخير" وخطوة تسبق العزل، لا تُتخذ إلا في حال ارتكاب "مخالفة جسيمة"، إلا أنه يتحول بوتيرة متسارعة إلى "روتين" داخل المجلس، وغالباً ما يجري اتخاذه على خلفية "حزبية صارخة".
وأشار العديد من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين الذين عارضوا انتقاد طليب إلى مبدأ "حرية التعبير"، وحذّروا من سابقة سيفرضها قرار توجيه اللوم إلى طليب.
ونقلت "أسوشيتد برس" عن النائب الديمقراطي عن ولاية ميريلاند جيمي راسكين، الذي دافع عن طليب، قوله إن "هذا القرار لا يحط فقط من شأن دستورنا، ولكنه يقلل أيضاً من قيمة معنى الانضباط داخل هذا المجلس بالنسبة للأشخاص، الذين يرتكبون أعمالاً غير مشروعة، مثل الرشوة والتزوير والهجوم العنيف وغير ذلك".
وكان من المقرر أيضاً إجراء تصويت إجرائي على قرارٍ ثانٍ، تقدمت به النائبة الجمهورية عن ولاية جورجيا مارجوري تايلور جرين، لتوجيه اللوم إلى طليب في مساء الثلاثاء، ولكن تقرر تأجيل هذا الإجراء بعد الدفع بقرار توجيه اللوم الذي تقدم به ماكورميك إلى التصويت النهائي.