قدم نائبان في الكنيست الإسرائيلي، مبادرة طرحها أعضاء من الائتلاف الحاكم والمعارض، تدعو لصياغة خطة تسمح بترحيل سكان غزة من القطاع إلى الولايات المتحدة وبلدان أوروبية عدة من خلال "آلية منظمة منسقة"، ولاقت المبادرة ترحيباً من وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، فيما نددت مصر بـ"تصريحات غير مسؤولة" تخالف في مجملها القانون الدولي والإنساني.
ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، الاثنين، مقال رأي كتبه عضوا الكنيست داني دانون من حزب "الليكود" الحاكم ورام بن باراك من حزب (يش عتيد) "هناك مستقبل" المعارض الذي يرأسه زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق يائير لبيد، وقالا فيه إن المبادرة طرحها عدد من أعضاء الائتلاف الحاكم والمعارض.
وقال دانون، الذي شغل منصب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة بين عامي 2015 و2020، وبن باراك، وهو نائب رئيس الموساد السابق: "هذه المبادرة هي فرصة لدول العالم للوقوف جنباً إلى جنب وإظهار التعاطف، والالتزام بالحل المستدام الذي سيساعد على استقرار الشرق الأوسط".
وأشار النائبان إلى أن إحدى الأفكار المطروحة هي أن تستقبل الدول في جميع أنحاء العالم أعداداً محدودة من الأسر التي أبدت رغبتها في الانتقال من غزة إلى مكان آخر.
"تجارب سابقة"
ولفت كاتبا المقال إلى أن هناك دولاً أوروبية "تتمتع بتاريخ طويل في مساعدة اللاجئين الفارين من الصراعات"، وأشارا إلى حروب يوغوسلافيا السابقة التي أدت إلى نزوح الملايين، معظمهم من البوسنة والهرسك.
وأضافا: "عندما اندلعت حرب كوسوفو، فر مئات الآلاف من ألبان كوسوفو إلى ألبانيا المجاورة والدولة التي تسمى الآن مقدونيا الشمالية، كما قبلت ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة اللاجئين".
وتطرق المقال إلى دول أوروبية، بما في ذلك السويد، وفرنسا، وألمانيا، التي استقبلت السوريين منذ بدء الحرب الأهلية في عام 2011، وأشارا إلى استقبال ألمانيا بين عامي 2015 و2016، أكثر من 1.2 مليون لاجئ وطالب لجوء.
وأضاف النائبان: "بالنظر إلى هذه الأمثلة، ينبغي على البلدان في جميع أنحاء العالم أن توفر ملاذاً لسكان غزة الذين يسعون إلى إعادة التوطين، إذ بوسع هذه البلدان أن تحقق هذه الغاية من خلال إنشاء برامج نقل جيدة التنظيم ومنسقة دولياً، كما يمكن لأعضاء المجتمع الدولي أن يتعاونوا لتقديم حزم الدعم المالي لمرة واحدة لسكان غزة المهتمين بالانتقال إلى المساعدة على تكاليف النقل وتسهيل تأقلمهم مع مجتمعاتهم الجديدة".
ولفتا إلى أن المنظمات العالمية ذات الخبرة في توطين اللاجئين "معنية بتسهيل نقل سكان غزة الراغبين في الانتقال إلى بلدان مستعدة لاستقبالهم"، وخلصا إلى أن استقبال كل دولة ما لا يقل عن 10 آلاف شخص "سيساعد على تخفيف الأزمة".
وزير مالية إسرائيل يرحب بالمبادرة
بدوره، رحب وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الثلاثاء، بمبادرة أعضاء في الكنيست لما أسماه بـ"الإجلاء الطوعي" لسكان غزة باتجاه دول العالم التي توافق على استقبالهم.
وقال سموتريتش المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة في بيان: "هذا هو الحل الإنساني الصحيح لسكان قطاع غزة والمنطقة بأكملها بعد 75 عاماً من اللجوء والفقر والمخاطر".
وكتب وزير المالية في بيانه "لن تتمكن إسرائيل بعد الآن من التصالح مع وجود كيان مستقل في غزة يعتمد بطبيعته على كراهية إسرائيل والتطلع إلى تدميرها"، على حد قوله.
ودعا إلى "مساعدة مالية سخية من المجتمع الدولي لتطبيق المبادرة،" مشيراً إلى أن إسرائيل ستكون جزءاً من هذا الدعم. وأضاف: "هذا هو الحل الوحيد الذي سيضع حداً للمعاناة والألم بين اليهود والعرب على السواء".
وكانت دعوات إسرائيلية، رافقتها تقارير غربية، تحدثت عن إمكانية تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، بدعوى إفساح المجال أمام الجيش الإسرائيلي للقضاء على حركة "حماس".
وأثارت وثيقة رسمية إسرائيلية نُشرت نهاية الشهر الماضي، تدعو إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء المصرية حالة من الجدل، وتبرأت منها إسرائيل لاحقاً، في ظل رفض مصري قاطع بلغ حد التحذير من تعريض اتفاقية السلام بين الدولتين للخطر.
وتطالب الوثيقة الحكومة الإسرائيلية بإطلاق حملة عامة في العالم الغربي للترويج لبرنامج الترانسفير (ترحيل الفلسطينيين)، وذلك "بطريقة لا تحرض على إسرائيل، أو تشوه صورتها"، عبر الادعاء بأن ترحيل الفلسطينيين من غزة "خطوة ضرورية من الناحية الإنسانية"، وهو ما سيحظى بتأييد العالم، لأنها ستؤدي إلى "سقوط عدد أقل من الضحايا بين السكان المدنيين مقارنةً بالعدد المتوقع للضحايا في حالة بقائهم بالقطاع".
ونصت الوثيقة أيضاً على أنه يجب الاستعانة بالولايات المتحدة في هذه الخطوة، حتى تتمكن من الضغط على مصر للقبول باستقبال سكان غزة، ودول أوروبية، خاصةً اليونان وإسبانيا وكندا، للمساعدة على استيعاب وتوطين اللاجئين الذين سيتم إجلاؤهم من القطاع.
"استخفاف بالمواقف الدولية"
وأدانت وزارة الخارجية الفلسطينية الثلاثاء، تصريحات سموتريتش، معتبرة أنها تمثل "استخفافاً" بالمواقف الدولية الرافضة لهذا التحرك وجزء من "خطة استعمارية عنصرية".
وأضافت الوزارة في بيان "الحل الصحيح هو وقف الإبادة الجماعية التي يشنها سموتريتش وأمثاله على شعبنا، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني من خلال تدخل دولي عاجل وحقيقي يجبر إسرائيل على إنهاء احتلالها لأرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية".
تنديد مصري
واعتبر وزير الخارجية المصري سامح شكري أن تصريحات وزير المالية الإسرائيلي "تخالف في مجملها قواعد وأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني".
وقال رداً على استفسار صحافي بشأن تصريح سموتريتش إنه "لوحظ على مدار الفترة الماضية سيولة في التصريحات غير المسؤولة المنسوبة لمسؤولين بالحكومة الإسرائيلية"، مؤكداً أن هذا التصريح "يعد تعبيراً عن سياسة الحكومة الإسرائيلية المخالفة للقوانين الدولية".
وشدد شكري في بيان عن الخارجية المصرية، على أن أية محاولة لتبرير وتشجيع تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة، هي "أمر مرفوض مصرياً ودولياً جُملةً وتفصيلاً".
واستهجن الوزير المصري الحديث عن عملية النزوح "وكأنها تحدث بشكل طوعي"، مشيراً إلى أن نزوح المواطنين في غزة هو "نتاج الاستهداف العسكري المتعمد للمدنيين بالقطاع، وعمليات حصار وتجويع مقصودة، تستهدف خلق الظروف التي تؤدي إلى ترك المواطنين منازلهم ومناطق إقامتهم، في جريمة حرب مكتملة الأركان وفقاً لأحكام اتفاقية چنيف الرابعة لعام 1949".
وجدد شكري "موقف مصر الرافض بشكل قاطع لسياسات التهجير القسري للفلسطينيين، أو تعمد حجب المساعدات الإنسانية والخدمات الضرورية بما يخلق أوضاعاً غير محتملة على كاهل المدنيين، أو السماح بتصفية القضية الفلسطينية".
وقال إن على من يدعي الاهتمام بالوضع الإنساني في غزة أن يعمل على وقف العمليات العسكرية التي أدت إلى قتل المدنيين من الأطفال والنساء.
وشدَّد على أن مصر "سوف تواصل جهودها من أجل الحفاظ على الحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، ومنها حقه في البقاء على أرضه وإقامة دولته المستقلة القابلة للحياة ومتصلة الأراضي، على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".