عباس إبراهيم: التنسيق مع الأجهزة السورية لم يتوقف.. ومعلومات "حزب الله" أحبطت عمليات إرهابية

مدير الأمن العام اللبناني السابق نفى في حديث إلى "المجلة" تسليم معارضين إلى دمشق

time reading iconدقائق القراءة - 13
مدير الأمن العام اللبناني السابق عباس إبراهيم خلال مقابلة صحافية في مكتبه ببيروت في 22 يوليو 2020. - المجلة
مدير الأمن العام اللبناني السابق عباس إبراهيم خلال مقابلة صحافية في مكتبه ببيروت في 22 يوليو 2020. - المجلة
المجلة-إبراهيم حميدي

تحدث مدير الأمن العام اللبناني السابق اللواء عباس إبراهيم، في الحلقة الثانية من حواره مع "المجلة"، عن بدايات الاحتجاجات في سوريا وقال: "لا أفشي سراً إذا قلت إن الأمن العام اللبناني استمر منذ اليوم الأول إلى لحظة مغادرتي منصبي بالتنسيق على أعلى مستوى مع الأجهزة الأمنية السورية بما يحفظ أمن لبنان وأمن سوريا"، لافتا إلى أن دولاً أوروبية بينها فرنسا "استفادت بشكل كبير من هذا التنسيق".

وكشف إبراهيم، أن لقاءات حصلت في مكتبه "مع أشد المعارضين السوريين لمحاولة إيجاد نقاط تواصل بينهم وبين السلطات". ورفض اتهامات وجهت إليه بتسليم معارضين سوريين إلى دمشق، قائلاً: "أبداً أبداً، هذا ادعاء مردود ومرفوض... إما أن ننسق مع السلطات السورية لإلقاء القبض على إرهابيين إن كان في سوريا أو في لبنان فهذا موضوع أفتخر به. وإذا كان هؤلاء يعتقدون أن هؤلاء معارضون فأنا لا أشاركهم هذا الرأي أبداً".

إلى ذلك، قال إبراهيم إن "حزب الله" لم ينسق مع أحد على مستوى الدولة اللبنانية عندما قرر التدخل في سوريا، موضحا: "حزب الله كان مصدر معلومات مهما جدا بالنسبة إلينا لإحباط عدد من العمليات الإرهابية في الداخل اللبناني".

وهنا الحلقة الثانية:

سيادة اللواء إبراهيم، تسلمت منصبك كمدير عام للأمن العام في مرحلة حرجة؟ كيف استطعت أن تحقق هذا التوازن في منصب حساس، في بلد هو لبنان، وفي منطقة هي الشرق الأوسط؟

تسلمت منصبي في أغسطس 2011. كانت الأزمة السورية في بداياتها، كان عمرها عدة أشهر. وكان هناك رهان كبير جدا في المنطقة والعالم على أن النظام السوري في حينها قد يصمد لشهرين أو ثلاثة أشهر. وكانت لي رؤية مختلفة كليا. لا شك في أن الأزمة السورية كانت التحدي الأكبر بالنسبة إلي عندما تسلمت مقاليد الأمن العام اللبناني، لأن انعكاسات هذه الأزمة كانت مرعبة بالنسبة للبنان. أنت أمام تحد كبير جدا أعاد خلط الأوراق في المنطقة، والأهم على المستوى اللبناني، المشكلة الأولى التي واجهناها هي موضوع النزوح السوري باتجاه لبنان. أن يكون الأمن العام اللبناني مهيأ في عمله الإداري لخدمة الشعب اللبناني المكون من خمسة ملايين إنسان، وأن يدخل إلى لبنان خلال أشهر مليونا نازح، ليس زائرا أو سائحا بل نازح، مع كل ما تعني هذه الأمور، وتختزل من تحديات. كان هذا التحدي هو الأكبر بالنسبة للأمن العام اللبناني.

كيف؟

 استطعنا امتصاص واستيعاب الموجة الأولى من النزوح في ظل قرار سياسي غير ثابت وضائع. استطاع الجهاز أن يواجه هذا التحدي من خلال السياسة التي وضعها بنفسه داخل دولة عاجزة عن القرار ما يجعل هذه السياسة محدودة بمفاعيلها. أما بالنسبة للتوازن الذي تفضلت وتحدثت عنه، فقد قلت في خطاب تسلمي الأمن العام كلمتين شهيرتين. أولا، الأمن العام يقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين. وما أؤمن به من قناعات سياسية هو بدلة أضعها خارج المكتب عند دخولي إليه، وعندما أخرج منه لي رأيي السياسي كأي مواطن لبناني. إنما كمدير للأمن العام سأكون على مسافة واحدة من "حزب الله" و"القوات اللبنانية".

ثانياً، قلت للموظفين إن المواطن هو صاحب حق عليكم، وليس طالب خدمة، فلا تعاملوا المواطن الذي يطلب حقه منكم على أنه "زبون" في المديرية. بالعكس، هو صاحب حق وهو رب العمل. وضعت هذه السياسة، وعملت على أساسها.

في الموضوع الأول، استطعنا أن نؤدي الأمانة على أكمل وجه على المستوى الإداري في المديرية، ومن ثم بعد القراءة في كتاب الصلاحيات في المديرية العامة للأمن العام، وجدت أن أحدا لم يمارس كامل هذه الصلاحيات. وإن شاء الله نكون قد مارسنا هذه الصلاحيات على وجهها الأكمل. العمل في الأمن العام يتصل بالأمن الاقتصادي، والأمن الاجتماعي، والأمن السياسي... الأمن العام يشارك في الأعمال أو التعديات الواقعة على أمن الدولة داخل لبنان وخارجه. الأمن العام له صلاحيات واسعة جدا. وأعتقد أنه انطلاقاً من روحية هذه الصلاحيات والقوانين استطعنا أن نعمل بكل توازن.

تحدثت عن موضوع النزوح وشكله بالنسبة إلى لبنان بعد عام 2011. ماذا عن الموضوع الأمني- العسكري؟ إلى أي حد كان هناك تنسيق بين جهاز الأمن العام في لبنان والأجهزة السورية أو السلطات السورية فيما يتعلق بهذا الملف؟

كان هناك تحد دائم، وأنا قلت منذ اللحظة الأولى إن هؤلاء النازحين القادمين من سوريا ربما يكون البعض قد استغل نزوحهم ليخترق الأمن اللبناني، وينفذ أجندات خاصة بالمتطرفين داخل لبنان. وتعاملت بهذه النظرة مع موضوع النازحين بأبعاده الإنسانية أيضا. وأنا لا أفشي سراً إذا قلت إن الأمن العام استمر منذ اليوم الأول إلى لحظة مغادرتي منصبي على أعلى مستوى من التنسيق مع الأجهزة الأمنية السورية بما يحفظ أمن لبنان وأمن سوريا. وقد استفادت- بما أننا في فرنسا الآن، ونجري هذه المقابلة- أوروبا والعالم بشكل كبير من هذا التنسيق.

أنت تعلم أن الدول الأوروبية أقفلت سفاراتها في سوريا، وكان هذا بالنسبة لي خطأ استراتيجيا كبيراً. وأنا كنت أراجع كل الدول الأوروبية في هذا الخطأ، وأنه يجب العودة عنه. عندما تقفل دولة سفارتها في دولة ثانية، فهذا يعني أنها أصبحت عمياء طرشاء، إذ ليس من الممكن أن تكوّن أي فكرة عما يجري حقيقة على الأرض.

عندما تعتمد دولة ما على التقارير التي تصلها من دولة أخرى فقط، فكل شخص يكتب التقارير وفقا لهواه وآرائه. نحن أساتذة في هذا الموضوع. فهذا الإقفال للسفارات جعل من الأمن العام اللبناني، الذي ينسق مع السلطات في سوريا حاجة، وجعل منه حجر الرحى في التعاطي. حصلت عملية إرهابية هنا في فرنسا في استاد للرياضة. ضُبطت مع جثة منفذ العملية هوية سورية.

أرسلت لي السلطات الفرنسية هذه الهوية للتأكد من صحة تطابق هذا الشخص مع هذه الهوية. فكان جواب السلطات السورية لاحقا أن صاحب هذه الهوية موجود في السجون السورية، وهذا شكّل صدمة كبيرة للمعنيين في فرنسا. وتابعنا الموضوع انطلاقا من محاولة معرفة هوية هذا القتيل في سوريا. يعني أعتقد أن أوروبا استفادت كثيرا من هذا الموضوع. 

هناك اتهامات من معارضين سوريين أو من بعض الشخصيات بأن جهاز الأمن العام اللبناني سلم ملفات لمعارضين إلى السلطات السورية، ما ردكم؟

 أود أن أكشف لك للمرة الأولى أن هناك لقاءات حصلت في مكتبي مع معارضين سوريين، ومن أشد المعارضين السوريين لمحاولة إيجاد نقاط تواصل بينهم وبين السلطات السورية. نحن لم نتعامل بالأمن، أنا قلت، عندما كنت أصل كل يوم صباحا أخلع ردائي السياسي، وأضعه خارج مكتبي. في الموضوع السوري تعاملت بالروحية نفسها.

لم يحصل تسليم ملفات لأي شخصية سياسية؟

 أبدا أبدا، هذا ادعاء مردود ومرفوض. وأنا أتمنى أن يخرج أحدهم بعد هذه المقابلة، ويسمي أو يعطي أي دليل حول هذا الموضوع. الكلام كثير وأنت تعرف في السياسة وغير السياسة الكلام كثير. أما أن ننسق مع السلطات السورية لإلقاء القبض على إرهابيين إن كان في سوريا، أو في لبنان فهذا موضوع أفتخر به. وإذا كان هؤلاء يعتقدون أن هؤلاء معارضون فأنا لا أشاركهم هذا الرأي أبداً.

في نهاية 2012- 2013، طرح موضوع تسليح فصائل سورية معارضة، وتأسست غرفتان أمنيتان في الأردن وتركيا، وكان مطروحا أن يكون هناك وجود أو تنسيق عسكري في لبنان. هل من الممكن أن تعطينا تفاصيل أكثر عن الحوارات التي حصلت بخصوص هذا الموضوع؟

حوارات بين من ومن تقصد؟

هل هناك حوارات حصلت بينك وبين جهات غربية أو مؤسسات غربية عن كيفية التعامل مع هذا الموضوع؟

الغرب كان يعلم حقيقة وجهة نظري ورأيي في الأزمة السورية. أستطيع أن أقول إن أحدا لم يجرؤ على أن يناقش معي هذا الموضوع؛ لأنهم يعلمون أن هذا الموضوع بالنسبة لي مرفوض كليا. أي تسلح لأي شخص في لبنان، لأي جهة في لبنان، بالنسبة إلينا وبالنسبة لي شخصيا مرفوض كليا. وهم يعرفون كيف أتعامل مع الأمور، واحد لم يناقشني أو حتى يلمح لي عن هذا الموضوع على الإطلاق. وتركيبة لبنان أصلا ترفض هذه الفكرة. أنا لا أعتقد أن عاقلا في لبنان كان يمكن أن يفكر في طرح هذا الموضوع مع أي كان.

* ماذا عن تدخل "حزب الله" في سوريا؟ كنت آنذاك مديرا عاما لجهاز أمني، أين كنت من هذا القرار؟ هل حصل أي تنسيق؟ كيف تنظر إلى تدخل أو وجود "حزب الله" في سوريا؟

دعني أقل لك إن "حزب الله" لم ينسق مع أحد على مستوى الدولة اللبنانية عندما قرر التدخل في سوريا. لا على مستوى الأمن العام، ولا على مستوى أعلى من الأمن العام، وصولا إلى الصف السياسي. هذا قرار اتخذه "حزب الله" وجاهر به، وقال إنه لم ينسق مع أحد. "حزب الله" أخذ هذا القرار، ليس بتقديري وإنما بمعرفتي، لأنه كان يعتقد أن هذا القرار يحمي المقاومة في لبنان، لأن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم والقتال خارج أرض المقاومة. فاتخذ هذا القرار انطلاقا من قناعته بهذه النظرية. ولكن أن يكون قد نسق مع الأمن العام أو غير الأمن العام، فهذا لم يحصل على الإطلاق.

كيف تنظر إلى هذا القرار بعد مرور عشر سنوات تقريبا على هذا التدخل؟

أعتقد أن هذا القرار على المستوى الأمني حمى لبنان من كثير من العمليات الإرهابية، أما على المستوى السياسي، فهذا القرار يحصد نتيجته "حزب الله" إن كان صائبا أو مخطئا في اتخاذه. لكن "حزب الله" كان مصدر معلومات مهما جدا بالنسبة إلينا لإحباط عدد من العمليات الإرهابية في الداخل اللبناني. "حزب الله" كان يقاتل في سوريا، ويعلم ما يجري على الأرض، ويتابع أمنيا، ونحن استفدنا كأجهزة أمنية.

 كان هناك تنسيق أمني؟

ليس تنسيقاً، دعني نحن كجهاز أمني أو أي جهاز أمني لبناني أو غير لبناني لديه مصادر تزوده بالمعلومات. من أين أتت هذه المصادر لا يهم. ما يهمني هو المعلومة وصحتها ودقتها ومفاعيلها لاحقا وانعكاسها على الأمن اللبناني. "حزب الله" كان يزود الأجهزة الأمنية اللبنانية، أمن عام وغير أمن عام، بملفات، تتابَع هذه المعلومات على أساسها، وأُحبطت عمليات إرهابية كثيرة في لبنان نتيجة هذه المعلومات.

"حزب الله" والميليشيات الإيرانية تتعرض لقصف إسرائيلي في سوريا. كيف تنظر إلى هذا الأمر؟

 أنا ضد ضرب أي طرف من قبل العدو الإسرائيلي. أي طرف يضربه العدو الإسرائيلي سأقف إلى جانبه أيا يكن. ولدي نظرة أيديولوجية في هذا الموضوع، موضوع إسرائيل وموضوع الصراع الإسرائيلي- العربي الذي يسمونه حاليا صراعا إسرائيليا- فلسطينياً.

أو النزاع الإسرائيلي– الفلسطيني؟

صحيح، وهذا مرفوض بالنسبة لي. هذا صراع عربي- إسرائيلي. أي موقف اتخذه في هذا الإطار هو انحياز كلي وأعمى وتعصبي إذا أردت إلى الجانب العربي.

يعني أنت تؤمن بـ"وحدة الساحات"؟

 أنا أؤمن بوحدة الموقف العربي من هذا الصراع. ساحات، بيادر، سقوف. سمه كيفما تشاء. أنا أؤمن بضرورة وحدة المواجهة مع هذا العدو تحقيقا لمصالح الشعب الفلسطيني.

*هذا المحتوى من مجلة المجلة.

تصنيفات

قصص قد تهمك