سلطت الحرب الإسرائيلية على غزة، والنزاع في السودان، الضوء على ملف اللاجئين مجدداً، وسط مخاوف أردنية ومصرية من استقبال المزيد من اللاجئين، خاصة في ظل ضغط الفارين من الحروب والنزاعات على الاقتصاد في عمان والقاهرة، فيما لا تزال أزمة اللاجئين السوريين في تركيا مشتعلة بعد قرار السلطات ترحيلهم.
في الأردن تفاقمت الأزمة بشكل كبير، ولم تعد البلاد قادرة على استيعاب أعداد جديدة من اللاجئين، أو تحمل تبعات وجودهم خاصة الاقتصادية، في ظل وجود 4 ملايين لاجئ، معظمهم من سوريا، بينهم 730 ألفاً فقط مسجلون لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
والأردن أحد أكثر البلدان تأثراً بالأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عقد، وهو ثاني أعلى نسبة في العالم من حيث عدد اللاجئين، إذ يستضيف إلى جانب السوريين مجموعات كبيرة من العراق واليمن والسودان والصومال، يعيش حوالي 81% منهم في مناطق حضرية خارج مخيمات اللاجئين.
الأردن يطلب المساعدات
ولا يتوقف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عن الحديث عن تأثير وجود اللاجئين على كافة الأصعدة الحياتية والاقتصادية، وكانت أحدث تصريحاته أمام منتدى اللاجئين في جنيف، في 13 ديسمبر، حين أكد أن "العالم يتجاهل الأردن الذي تحمل أكثر من 80% من تكاليف توفير الملجأ والتعليم والخدمات الصِّحية وفرص العمل والموارد، من موازنته الخاصة بعد أن أدار المجتمع الدّولي ظهره لفئة مهمشة وضعيفة".
وقال إن "الأردنيين أصبحوا يشعرون أن العالم يدير ظهره لهم، ويتجاهل كل الجهود المتعلقة بالاستضافة"، معتبراً أن المجتمع الدولي لا يمتلك رفاهية تجاهل هذه القضية التي باتت انعكاساتها تظهر بشكل كبير على الاقتصاد الأردني.
وأعلن الملك أن الأردن يستضيف ما يقارب 4 ملايين لاجئ من جنسيات مختلفة يمثلون أكثر من ثلث سكان الأردن البالغ عددهم قرابة 11 مليون نسمة، بينهم 1.4 مليون لاجئ سوري، مؤكداً أن عمان أصبحت أكثر حاجة إلى المساعدات من المجتمع الدولي.
وأضاف أن خطة الاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين التي أُقِرَّت عالمياً لم تُمَوَّل بشكل كامل، إذ لم يتلق الأردن هذا العام سوى نحو 22% من احتياجات الخطة، فيما تتحمل عمان تغطية ما تبقى من الاحتياجات من الموازنة العامة للبلاد.
63 مليار دولار مصروفات اللاجئين
وقال أمين عام وزارة التخطيط الأردنية مروان رفاعي إن الأردن تحمل خلال سنوات الاستضافة 63 مليار دولار حتى نهاية 2022، قدمت الدول الداعمة منها 10 مليارات دولار فقط، الأمر الذي كان له تأثير في الاقتصاد الوطني وارتفاع نسب الفقر والبطالة.
وطالب، في حديث مع "الشرق"، دول العالم، التي سبق أن قدمت وعوداً لمساعدة الأردن في الأزمة السورية، بأن تضاعف دعمها للاجئين والمجتمعات التي تستضيفهم، حتى يتمكن الأردن من الاستمرار في تقديم خدماته في الصحة والتعليم والمياه والبنية التحتية والخدمات البلدية.
وحذر الرفاعي من أنه إذا استمر انخفاض الدعم الدولي، فسوف تزيد هشاشة اللاجئين في الأردن، وسيضطرون لتوفير احتياجاتهم من "طرق بديلة".
وأكد أنه على الرغم من النقص في المساعدات، إلا أن الأردن مستمر في أداء دوره الإنساني في توفير الخدمات اللازمة للاجئين السوريين حسب الإمكانيات المتوفرة.
اللاجئون يهددون الأمن المائي
وباتت أزمة اللاجئين تهدد الأمن المائي في الأردن الذي يعاني في الأساس من تفاقم أزمة المياه بشكل سنوي، وقال الخبير المائي دريد محاسنة إن الوضع المائي أصبح مقلقاً ومتأزماً في ظل نقص وضعف الموارد المائية وانخفاض معدل هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة.
وأضاف، في حديث مع "الشرق"، أن الطلب على المياه زاد بنسبة 40% بعد وجود السوريين، خاصة في محافظات الشمال، ما أدى إلى نقص حاد في مياه الشرب والري، وهو ما جعل الأردن يصبح أفقر دولة في العالم مائياً، لأسباب عدة، منها زيادة أعداد اللاجئين، وزيادة عدد السكان، والتغيرات المناخية، وتعطل مشروع ناقل البحرين.
وقال مدير التخطيط الاستراتيجي في وزارة الزراعة علي أبو نقطة إن الوزارة تواجه العديد من التحديات جراء اللجوء السوري من خلال زيادة الطلب على المنتجات الزراعية، مشيراً إلى تقلص مساحة الأراضي الزراعية إلى 9 ملايين دونم (الدونم يعادل 1000 متر مربع)، العام الجاري، مقابل 22 مليون دونم قبل عام 2013.
لاجئو غزة.. "إعلان حرب"
وظهرت مخاوف في الشارع الأردني من موجات لجوء جديدة في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة في فلسطين، واعتبر العاهل الأردني أن أي عملية لجوء جديدة إلى الأردن "إعلان حرب"، وأكد أن القضية الفلسطينية لن تحل على حساب المملكة.
واعتبر رئيس الحكومة بشر الخصاونة، خلال مشاركته في منتدى الدوحة، أن عملية التهجير القسري للفلسطينيين إلى الأردن "اختراق لمعاهدة السلام" الموقعة بين الأردن وإسرائيل، مشدداً على أن هذا الأمر خط أحمر بالنسبة للأردن.
مصر.. البحث عن ملاذ آمن
وفي مصر، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن هناك زيادة ملحوظة في عدد المهاجرين منذ عام 2019، مبررة الزيادة بعدم الاستقرار الذي طال بلداناً مجاورة منها السودان، وجنوب السودان، وسوريا، وإثيوبيا، والعراق، واليمن، والتي بحث مواطنوها عن ملاذ آمن في مصر.
وأعرب خبراء ومسؤولون عن مخاوفهم من أن تدفع الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة مزيداً من اللاجئين إلى مصر، خاصة في ظل مطاردة الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين ودفعهم إلى النزوح تجاه جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، وهو ما حذرت منه القاهرة مراراً.
9 ملايين لاجئ من 133 دولة
وأوضحت الناطقة باسم مفوضية شؤون اللاجئين في مصر كريستين بشاي أن أكثر من 338 ألف شخص اضطروا إلى الفرار من السودان إلى مصر؛ بسبب النزاع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل ؛ ما أدى إلى تواصل عدد كبير من الوافدين الجدد من السودان مع المفوضية لتسجيلهم كلاجئين.
وأضافت، في تصريحات لـ"الشرق"، أن مصر تستضيف أكثر من 420 ألف لاجئ، وطالب لجوء من 59 دولة بحسب إحصاءات نوفمبر، يشكل السودانيون الأغلبية منهم، يليهم السوريون، ثم جنوب السودان وإريتريا.
والعدد الذي ذكرته كريتسين هو المسجل فقط في المفوضية، من إجمالي 9 ملايين مهاجر ولاجئ من 133 دولة، بينهم نحو 4 ملايين سوداني، و 1.5 مليون سوري، ومليون يمني، ومليون ليبي، وتشكل الجنسيات الأربعة 80% من المهاجرين المقيمين في مصر، بحسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة.
وأشارت كريستين إلى أن معظم اللاجئين يواجهون تحديات اقتصادية صعبة، موضحة أن المفوضية تساعد اللاجئين وطالبي اللجوء على إعالة أنفسهم وعائلاتهم من خلال توفير التدريب لهم ومساعدتهم على إيجاد سوق لمهاراتهم وسلعهم.
وأفادت منظمة الهجرة بأن أكثر من ثلثي المهاجرين يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرة، ما يشير إلى أن المهاجرين في مصر يساهمون على نحو إيجابي في سوق العمل ونمو الاقتصاد المصري، ويعتبر السوريون الذين يشكلون 17% من المهاجرين أكثر المساهمين في سوق العمل والاقتصاد المصري؛ إذ يقدر حجم الأموال التي استثمرها 30 ألف مستثمر سوري، على سبيل المثال، بنحو مليار دولار.
السوريون.. الأكثر إنتاجاً في مصر
وقال الخبير الاقتصادي عادل المسلماني إن المهاجرين في مصر يشاركون بنسبة إيجابية في الاقتصادي حتى وإن كانت ضعيفة تصل إلى 3%؛ لكن المشروعات، التي ينفذونها خاصة السوريون، توفر فرص عمل أمام المصريين وجنسيات الأخرى.
وأضاف لـ"الشرق" أن هناك نوعين من الاقتصاد، الناقل والحقيقي، موضحاً أن الاقتصاد الناقل يمثل ما تتحمله الدولة على ميزانيتها الخاصة من خدمات مقدمة للمهاجرين واللاجئين، وفي مقدمتها خدمات الصحة والتعليم، والتي تكلف ميزانية الدولة مليارات الجنيهات، بينما يعني الاقتصاد الحقيقي حجم المشروعات المقامة من اللاجئين والمهاجرين على الأراضي المصرية والتي يتصدرها السوريون والسودانيون، مشيراً إلى أن مشروعات اللاجئين والمهاجرين باتت تخلق منافسة في السوق المصرية، وهو ما يعود على المستهلك بجودة أفضل، ويعطي للاقتصاد زخماً.
مخاوف من اجتياح الحدود
وأثارت الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة المتاخم للحدود المصرية مخاوف في الشارع المصري من نزوح الفلسطينيين إلى شمال سيناء، ولذلك دأبت مصر على تأكيد رفضها تهجير الفلسطينيين إلى مصر، معتبرة أن تهجيرهم نهاية للقضية الفلسطينية.
وقدر نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات الهجرة خالد حسن عدد الفلسطينيين المهددين بالنزوح بسبب الحرب بأكثر من مليوني شخص، مشيراً إلى أنه مع استمرار الضربات الإسرائيلية باتت فكرة نزوحهم "مخططاً إسرائيلياً واضحاً".
وأضاف لـ"الشرق" أن نزوح الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية ستكون له تداعياته السياسية والاقتصادية الواضحة، ويعيد مصر مرة أخرى كنقطة عبور للهجرة غير الشرعية عن طريق الحدود البحرية، وهو ما عملت مصر طيلة السنوات الماضية على وقفه.
تركيا تواصل ترحيل السوريين
في تركيا، انخفض عدد الأجانب إلى نحو 4 ملايين و614 ألفاً فقط، بينهم نحو 3 ملايين و240 ألف لاجئ سوري يعيشون تحت بند الحماية المؤقتة، ونحو مليون و113 ألف شخص لديهم إقامات، وحوالي 262 ألفاً يقيمون تحت بند الحماية الدولية، بحسب إحصاءات رسمية.
وأفادت رئاسة دائرة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية بانخفاض عدد السوريين المسجلين في البلاد بمقدار 303 آلاف و192 شخصاً منذ 1 يناير 2023 وحتى ديسمبر الجاري، وهو أدنى مستوى خلال السنوات السبع الماضية.
ويأتي انخفاض عدد اللاجئين بعد حملة ترحيل مكثفة نظمتها وزارة الداخلية خاصة بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجريت، في مايو، وتشكيل الحكومة الجديدة. وتولي علي يارلي كايا منصب وزير الداخلية.
وكان ملف اللاجئين حاضراً بقوة في الدعاية الانتخابية، خاصة "تحالف الأمة" المعارض الذي تعهد أعضاؤه وعلى رأسهم كمال كليجدار أوغلو، ومعارضون من خارج التحالف، بإعادة السوريين إلى بلادهم خلال أشهر، إذا فازوا في الانتخابات، الأمر الذي أثار الرأي العام في تركيا ضد وجود اللاجئين، وبدا تأثير الخطاب الشعبوي جليّاً في تعالي الأصوات التي أطلقها شريحة واسعة من الأتراك، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، مطالبين بعودة اللاجئين.
وأعلن وزير الداخلية، أخيراً، أن "الحملة ضد الهجرة غير الشرعية مستمرة وبكل حزم، وتستهدف كل من يتواجد بشكل غير قانوني على الأراضي التركية، وكذلك صد الهجرة غير الشرعية، سواء للمتسللين إلى البلاد، أو الذين ينوون الهجرة بشكل غير شرعي من تركيا إلى بلدان أخرى".
تسوية قانونية للحالات الإنسانية
وبشأن السيناريوهات المحتملة التي ربما يواجهها العالقون والمقيمون بشكل غير قانوني في تركيا، قالت مديرة الاتصال في اللجنة السورية - التركية المشتركة إيناس النجار إنه "لا توجد نية لإعادة النظر في الحالات التي سبق ترحيلها، إلا إذا كان الشخص الذي غادر البلاد سبق أن وكل محامياً لمتابعة موقفه، وهو إجراء يستغرق وقتاً طويلاً وغير مضمون النتيجة، أو إذا عادوا إلى تركيا بطريقة أو بأخرى بشكل نظامي، سواء عن طريق استثناء من الوالي أو ما شابه، والحالات التي تحصل على استثناءات نادرة، ولذا أغلب الحالات تعود بطريقة غير شرعية".
وأضافت في حديث مع "الشرق": "تحدثنا مع وزارة الداخلية ودائرة الهجرة، خاصة بالنسبة للحالات الإنسانية، وللأشخاص الذين يحتاجون إلى تسوية قانونية، لا للترحيل، مثلاً هناك عائلات جميع أفرادها لديهم بطاقات الحماية باستثناء أحد أفرادها، أو الذي لديه إذن عمل إلا أن بطاقته ملغاة بسبب انتقاله إلى مدينة أخرى غير المدينة المسجل فيها، أو الطلاب الذين لم تجدد إقاماتهم أو أصحاب الإقامات السياحية أو الإنسانية التي لم تجدد، والأشخاص الذين لا يملكون عقد زواج رسمي وتم ترحيل أحد الزوجين، أو الحالات التي لديها أوراق تثبت أنه رب عائلة ومع ذلك قررت السلطات ترحيله، حصلنا على وعود من الرئاسة السابقة للهجرة بمنح الشخص وثيقة مدتها شهرين، ليتمكن خلالها الشخص من التواجد بشكل قانوني، وتوفيق أوضاعه مثل تثبيت الزواج والحصول بعدها على بطاقة الحماية".
وأشارت إلى إعادة تفعيل آلية "الكامب" وهي مخيمات للإقامة المؤقتة حتى دراسة الحالات التي لا تحمل وثائق، وتحتاج إلى تسوية لكن بعد وقوع الزلزال، في فبراير، توقفت هذه الآلية، وأعيد تفعيلها حالياً لكن الإجراءات المتعلقة بها طويلة.
وتابعت: "نحن في مرحلة انتقالية من إدارة الهجرة القديمة إلى الإدارة الجديدة التي عُينت بعد الانتخابات، ولا ننسى أن الانتخابات المحلية اقتربت، وهذه عقبة لأن السلطات لا تريد ترك ملف اللاجئين أمام المعارضة لاستغلاله مجدداً، ولذلك تعطلت العديد من القرارات بسبب الانتخابات، على أمل أن نجد حلولاً فعالة بعد الانتخابات، أي بعد مارس المقبل".
وقال المسؤول السابق في وزارة العدل التركية الكاتب أومور يوجيل إن "أولوية الحكومة التركية الآن هي تقليل عدد اللاجئين، ولضمان ذلك فإنها تتبع استراتيجية تساهم في تحقيق الاستقرار في سوريا".
وأضاف في تصريحات لـ"الشرق": "قضية اللاجئين السوريين مشكلة تؤثر في تركيا والمنطقة بشكل كبير، ولذلك فإن سياسات تركيا المتعلقة باللاجئين تتجاوز الانتخابات المحلية، إلى قضية تناقش على المستويين العالمي والإقليمي. ولدينا إجماع مشترك في تركيا على أن يعود اللاجئون السوريون إلى وطنهم بشكل آمن، ونتعامل مع المسألة كونها عملية بناء الاستقرار والأمن الإقليميين".