أوكرانيا في مهب الريح أمام روسيا.. كيف يؤثر تأخر التمويل الغربي على الحرب؟

تراجع التأييد الشعبي لزيلينسكي من أبرز التحديات أمام كييف في 2024

time reading iconدقائق القراءة - 14
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يزور خط المواجهة ضد القوات الروسية في بلدة أفديفكا بمنطقة دونيتسك. 29 ديسمبر 2023 - Reuters
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يزور خط المواجهة ضد القوات الروسية في بلدة أفديفكا بمنطقة دونيتسك. 29 ديسمبر 2023 - Reuters
كييف-الشرق

تلقّت أوكرانيا وعوداً بتوفير أموال لتغطية معاشات التقاعد والإعانات الاجتماعية، وهي واحدة من المشكلات المُلِّحة، التي اضطرت حكومة كييف إلى تأجيلها أو تجميدها، رغم أهميتها، قبل أن تحصل مؤخراً على قرض يبلغ 1.086 مليار دولار من البنك الدولي، بموجب ضمان ياباني، أما بقية الدعم، فقد سددته حكومات الولايات المتحدة وسويسرا والنرويج.

وسبق ذلك حزمة ثالثة تلقتها كييف، بقيمة تصل إلى نحو 900 مليون دولار من صندوق النقد الدولي، وأشاد شركاء أوكرانيا بسرعة اتخاذ القرار بتوفير الدعم، معبرين عن تقديرهم الكبير لجهود كييف في تنفيذ الإصلاحات.

وتُعَد سرعة صرف الأموال أمراً بالغ الأهمية لبقاء المتقاعدين الأوكرانيين ومتلقي الإعانات الاجتماعية على قيد الحياة، فهؤلاء يواجهون، شأنهم شأن الكثير من الأوكرانيين، مشكلات لا مفر منها، من بينها ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود وكلفة المرافق العامة وغيرها.

ويعتقد رئيس البنك المركزي الأوكراني أندريه بيشني بعدم إمكانية تجنب ارتفاع أسعار المواد الغذائية في أوكرانيا عام 2024، إذ من المتوقع أن تبدأ في الارتفاع بمستوى نمو 5%. وفي العام نفسه سوف تضعف العملة المحلية "الهريفنيا" إلى حد ما، ومن المتوقع أن يكون متوسط ​​سعر الصرف لهذا العام 37.3 هريفنيا مقابل الدولار الأميركي، مقارنة بـ 36.5 أمام الدولار عام 2023.

وتتفق مع توقعات بيشني كبيرة الاقتصاديين في شركة الاستثمار "Dragon Capital"، إيلينا بيلان.

وفي ضوء ارتفاع وتيرة الهجمات الروسية على أوكرانيا في الفترة الأخيرة، لا سيما بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تبين أن المساعدات العسكرية لم تكن بالحجم ولا بالسرعة المطلوبة، فقد أرجأ الكونجرس الأميركي النظر في تخصيص المساعدة المالية العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل حتى يناير 2024.

وبينما ذهب الجمهوريون والديمقراطيون في عطلة عيد الميلاد، يتفاقم الوضع العسكري للقوات المسلحة الأوكرانية على خط النار مع الروس، ما اضطر قادة الجيش إلى اعتماد "خطة الدفاع الاستراتيجي".

3 مناطق مهددة

الوضع الأكثر حدة وخطورة يتركّز في أفديفكا بإقليم دونباس، إذ أن المدينة محاصرة من 3 جهات، وسيطر الروس على الطريق الرئيسي الذي يربط قوات الدفاع عن المدينة بالقوات الرئيسية في أوكرانيا، وهنا تستخدم القوات الروسية تكتيكات تقوم على تركيز قوات هائلة في منطقة واحدة، وتطويق المدينة تدريجياً.

وهذا التكتيك اتبعته روسيا سابقاً أثناء الاستيلاء على سوليدار وسيفيرودونيتسك وباخموت، لكن في المقابل ترى أوكرانيا أن مثل هذه الاستراتيجية مفيدة لها، إذ تؤكد أن الجيش الروسي يتكبد خسائر فادحة في المعدات والقوى البشرية.

إلا أنه في حالة أفديفكا يتزامن الحصار مع تأخر الإمدادات العسكرية الأميركية، وقال رئيس إدارة المدينة باراباش إنه في حال سحب الدعم "فإن خط الدفاع قد يتغير، ما سيؤدي إلى خسائر جنونية". وربما التفسير الأوضح لهذه الخسائر يتمثّل في خسارة الجيش الأوكراني منطقة أفدييفكا، خلال أيام، إذا لم يحصل على إمدادات بشكل سريع، بحسب ما توقعت صحيفة "إندبندنت" البريطانية.

ونقلت الصحيفة عن قائد أوكراني كبير، طلب عدم الكشف عن هويته، قوله إن القوات المسلحة الأوكرانية في المنطقة لديها ما يكفي من الذخيرة للاحتفاظ بمواقعها الحالية، لكنها ليست كافية "لإيقاف الروس إذا تصاعد الوضع".

ويُقدر محللون في معهد دراسات الحرب أن يؤدي وقف المساعدات الغربية إلى فقدان أوكرانيا قدرتها على ردع الجيش الروسي، ما يعني أن الكفة ستميل إلى صالح القوات الروسية.

وبالتالي، قد تفقد أوكرانيا إمكاناتها الهجومية المضادة، إذا ما أرادت مثلاً شن عملية عسكرية على جبهة زابوروجيا.

وقال المحلل السياسي رسلان بورتنيك لـ"الشرق" إن "تخفيض المساعدة العسكرية الغربية يدفع أوكرانيا إلى التحول نحو الدفاع الاستراتيجي، إذ لن يكون هناك ما يكفي من الاحتياطيات والموارد لشن هجمات واسعة النطاق.

لا دفاع دون مساعدات

الاتجاه الآخر الأكثر خطورة على الجبهة الأوكرانية يتمثل في كوبيانسك بمنطقة خاركوف، التي يفتح الاستيلاء عليها من قبل الروس إمكانية الهجوم على خاركوف من الشرق، إذ تقع المدينة على الحدود مع روسيا وتتعرض لهجمات صاروخية ممنهجة من داخل الأراضي الروسية.

كما سيؤدي الاستيلاء على كوبيانسك إلى تعقيد الوضع في ثاني أكبر مدينة أوكرانية من حيث عدد السكان، وإذا ما اخترقت القوات الروسية هذا الاتجاه سيكون لذلك تأثير محبط داخل البلاد.

وكانت القوات الأوكرانية استعادت كوبيانسك خلال عملية  الهجوم المضاد الشهيرة في ربيع عام 2022، عندما اخترق الجيش الأوكراني جبهة القتال؛ مجبراً الروس على التراجع لمسافة 27 كيلومتراً عن نهر أوسكول. ويُشكل النهر، بما في ذلك الخزانات الموجودة على طول مجراه، حاجزاً طبيعياً وعنصر تفوق استراتيجي يحاول الروس الوصول إليه باستمرار.

وفي ظل نقص القذائف لدى القوات الأوكرانية، فإن انسحابها إلى ما هو أبعد من أوسكول، أمر ممكن، فضلاً عن فرض سيطرة شرسة على كوبيانسك، وتكرار الروس لخطتهم النموذجية: تركيز القوات ومحاولة التطويق والحصار.

وأكد بورتنيك أن روسيا، التي تكبدت خسائر فادحة، وأنفقت موارد هائلة، ستستمر في اختراق الدفاعات الأوكرانية والاستيلاء على بعض الأراضي الجديدة، لكنها مع ذلك، لن تكون قادرة على تحقيق اختراق استراتيجي.

ويبدو الوضع مهدداً أيضاً قرب قرية كرينكي في منطقة خيرسون، حيث تتحصن القوات الأوكرانية على الضفة اليسرى لنهر الدنيبر، بينما تتعرض لقصف مدفعي روسي مستمر، فضلاً عن الغارات الجوية، وقد يؤدي نقص المساعدة العسكرية إلى تعقيد الوضع، وبالتالي انسحابها إلى الضفة الأخرى للنهر.

حتمية التعبئة

إضافة إلى تأخير المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة، تُعاني أوكرانيا من نقص في عديد أفراد الجيش. والأصوات التي تقول إن "الناس ينفدون"، والتي وصفتها السلطات سابقاً بأنها دعاية روسية، لا تُسمع فقط من شفاه العسكريين، إنما أيضاً من المسؤولين، ومن هؤلاء رئيس المخابرات العسكرية كيريلو بودانوف، والقائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوچني، ورئيس البلاد فولوديمير زيلينسكي نفسه، والذين أعلنوا حتمية التعبئة الجديدة في أوكرانيا.

وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أجبرت نجاحات الجيش الروسي القيادة الأوكرانية على النظر في إمكانية تعبئة ما يصل إلى نصف مليون مقاتل أوكراني، وهكذا قرار يجب أن يتخذ من قبل مجلس الوزراء، وأن يحظى بدعم البرلمان.

لكن في 25 ديسمبر، رفضت الحكومة طلب القيادة العسكرية بتعبئة هذا العدد، وبينما شدد الرئيس بوضوح على أنه يحتاج إلى نهج متكامل للخدمة في القوات المسلحة، اعتبر رئيس حزب "خادم الشعب" الحاكم، ديفيد أراخاميا، أن التجنيد ليس حلاً لمشكلات الذين يخدمون حالياً في القوات المسلحة.

ويُخفي البطء في بدء موجة جديدة من التعبئة العامة مخاوف السلطات من رد فعل المجتمع عليها، لا سيما أن الهجوم المضاد، الذي روجت له وسائل الإعلام الرسمية في الصيف الماضي، لم يُحقق النتيجة المرجوة، في وقت لا تزال أسباب الفشل موضع نقاش، وأكثر ما يُستشهد به المسؤولون هو نقص الأسلحة التي وعدت بها الولايات المتحدة وحلفاء آخرون.

ولم يعد هناك متطوعون، ولا توجد نهاية في الأفق للحرب، حسب المتطوع يوري كاسيانوف، مضيفاً في حديث لـ"الشرق" أن "رواتب الجيش هزيلة (غير كافية حتى بالنسبة إلى المقاتلين)، ولا أحد يريد أن يموت عبثاً، بينما آخرون يهربون من البلاد، وكثيرون لا يجدون مبرراً لرفع سقف التوقعات بشأن نصر وشيك، وانهيار روسيا، ومساعدات غربية لا حصر لها".

لكن، في حين تفرض أوكرانيا حظراً على سفر الرجال، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً، فإن الحكومة تعتزم القيام بتعبئة جذرية. ويعد المسؤولون بإقامة نقاط تفتيش متنقلة في المدن الكبرى وعند مداخلها، وزيارات من الباب إلى الباب، وتوزيع واسع النطاق لإشعارات الاستدعاء للتجنيد، وإخطار إلكتروني بالتعبئة.

ومع ذلك، يتناقص تناقل المعلومات عن تدفق الهاربين من البلاد، وتمتلئ قنوات الأخبار بالتقارير عن المعابر الحدودية غير القانونية والفساد في هيئة التجنيد العسكري.

أعداء زيلينسكي وثقة الأوكرانيين 

هكذا، يبدأ العام الجديد لأوكرانيا بمشكلات على كافة الجبهات بسبب تأخير المساعدات من الولايات المتحدة، والانتقال إلى الدفاع الاستراتيجي، والتحضير لهجوم مضاد في المستقبل، فضلاً عن حتمية التعبئة الكبيرة للمجندين، فيما يتعرض زيلينسكي، الذي تنحصر السلطة في يده بالكامل، لانتقادات متزايدة من قبل المعارضين داخل أوكرانيا، في ظل غياب الانتخابات خلال فترة الأحكام العرفية.

وأصبحت الانتقادات الموجهة للرئيس الأوكراني تخرج إلى العلن من شخصيات سياسية، على غرار الرئيس فيكتور يوروشينكو، الذي يتزعم حزباً سياسياً، بالإضافة إلى مستشاره السياسي السابق ألكسي أرسيتوفيتش، وآخرين من الأوليجارشية السابقة، إلى جانب عامل آخر، لا يقل أهمية، يتمثل في مشاركة مدونين معروفين في توجيه الانتقادات لزيلينسكي.

صراع الرئيس وقائد الجيش

علاوة على ذلك، ثمّة صراع بين زيلينسكي من جهة، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية، الجنرال فاليري زالوجني من جهة أخرى، ورغم أنهما أبرز شخصيتين في البلاد، لكنهما لا يلتقيان إلا في اجتماعات المقر الرئيسي.

كما انتقدت نائبة الحزب الموالي للرئيس البرلمانية الأوكرانية ماريانا بيزوجلايا، الجنرال زالوجني، وأهانته على شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك رغم تمتعه وفق دراسة، بمستوى أعلى من الثقة لدى الأوكرانيين، مقارنة برئيس البلاد، إذ حظي قائد الجيش بثقة كاملة من 63%، إضافة إلى 19% يثقون به "إلى حد ما"، في المقابل، ذلك زيلينسكي على ثقة كاملة من 39% وتم تصنيفه "موثوق إلى حد ما" بنسبة 33%.

وفي مثل هذه الظروف، تُقرأ هذه الإشارات وكأنها تمهيد لانقلاب ما، أو كالتحضير لـ"ثورة ميدان"، أشبه بالتي شهدتهما أوكرانيا عامي 2004 و2014.

ويرى خبراء السياسة، أن هذا نوع من الدورة السياسية ستكون ذروتها في عام 2024،  لا سيما أن أوكرانيا تمر بالفترة الأكثر دراماتيكية في تاريخها، وفق قولهم.

وفي حديث لـ"الشرق" قال المحلل السياسي أليكسي ياكوبين إن "هناك ما يكفي من المتطلبات الأساسية للاحتجاجات الجماهيرية، في ظل تحذير هؤلاء من خطر الهزائم العسكرية، والتعبئة، وارتفاع الأسعار، والاعتماد على المحاليل الوريدية الغربية، فضلاً عن فساد السلطات المركزية".

وأشار ياكوبين إلى أن روسيا "تستخدم موضوع الميدان، لأن أي زعزعة للاستقرار السياسي الداخلي سيؤثر على وضع الحرب، ولهذا ستحاول موسكو استثمار حالة السخط والأسئلة المطروحة على السلطات في أوكرانيا.

وقد نشأ في ظل غياب الانتخابات وضع سياسي صعب حقاً، وهكذا يعتقد ياكوبين أن الحكومة تحتاج إلى مزيد من التفاعل مع السكان، والتفكير بكيفية إجراء انتخابات رئاسية حتى في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، وتابع "يبدو لي أن مثل هذه الخيارات لا تزال قيد النقاش داخل السلطات".

كل شيء يعتمد على دعم الغرب

في حديث لـ"الشرق"، قال مصدر اقتصادي رفيع المستوى في حكومة كييف إن التأخير في المساعدات المالية والعسكرية من الولايات المتحدة كشف عن اعتماد البلاد الشديد على الجهات المانحة، معتبراً أن التوقف المؤقت للأموال والنفقات العسكرية، يفاقم الوضع في الجبهة.

وأبدى المصدر خشيته من الإجراءات المعقدة التي تتبعها الجهات المانحة، سواء من الغرب أو المؤسسات المالية الدولية، والتي تؤدي إلى تأخر وصول المساعدات. وبالتالي، توقع أن يتسبب ذلك "باشتعال احتجاجات شعبية".

من جانبه، توقع رسلان بورتنيك أن يؤدي خفض المساعدات بشكل كبير، أو حتى إيقافها لفترة أطول؛ إلى وقوع أوكرانيا في أزمة اقتصادية خطيرة مماثلة لما حدث في أوائل التسعينيات، مشيراً إلى أن هذا الأمر "سيثير استياءً شعبياً، وأزمة سياسية داخلية، واحتجاجات من المواطنين الذين لن يتمكنوا من توفير احتياجاتهم المعيشية".

وقال إن عدم اليقين بشأن مسألة التعبئة أدى إلى تراجع التأييد الشعبي للرئيس والحكومة، محذراً من أن تفرض واشنطن على أوكرانيا عقد صفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مستشهداً بتراجع الدعم الكافي للعمليات الدفاعية الذي برز في الدفعة الأخيرة قبل الانتخابات الأميركية.

لكن مع ذلك، هناك أيضاً مجال للتفاؤل في كييف، إذ يأمل المعلق العسكري فلاديمير فوليا أن تظل المساعدة العسكرية الغربية عند مستوى عام 2023.

وفي حديث لـ"الشرق"، قال فوليا "بعد اعتماد الميزانية الأميركية لعام 2024، قد يتم زيادة المساعدات. وبعد حل قضية الحدود الجنوبية، فإن النقطة الرئيسية في الحملة الانتخابية ستكون ما إذا كنت مع أو ضد انتصار بوتين والصين"

وأضاف: "يجب علينا أيضاً أن نتوقع تمويلاً إضافياً للعملية الهجومية المستقبلية بعد العملية الدفاعية، لأن الغرب بدأ يُدرك أن مصير العالم الغربي بأكمله يتقرر في أوكرانيا".

تصنيفات

قصص قد تهمك